قد يبدو أن استضافة روسيا كأس العالم لكرة القدم 2018، من بين الأسباب التي دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي لزيارة موسكو، حيث حضر نتنياهو بعد أن انتهى من لقائه بالرئيس الروسي، فيلاديمير بوتين، مباراة قبل النهائي لكأس العالم بروسيا بين كرواتيا وإنكلترا.
لكن في الواقع، ترتبط زيارة نتنياهو إلى روسيا أساساً بالعمليات العسكرية التي ينفذها الجيش السوري بالقرب من الحدود الإسرائيلية.
لابد أن تخرج إيران من سوريا على وجه السرعة
لكن كيف؟
كان هذا السؤال المحوري على الأرجح في المحادثات التي جمعت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موسكو أمس الأربعاء 11 يوليو/تموز 2018.
الموقف الإسرائيلي في هذا الشأن علني: إخراج الإيرانيين من سوريا برمتها إذا أمكن، لكن وجودهم في الجنوب السوري قرب الحدود الإسرائيلية خط أحمر.
الموقف الروسي يبدو ملتبسا قليلا: إيران هي حليف الحليف، أي نظام الأسد، وليست حليفا مباشرا. إذن موسكو مع انسحاب القوات الموالية لإيران من الأراضي السورية قرب حدود إسرائيل، فماذا عن "إخراج" إيران من سوريا؟.
يتضمن اتفاق وقف إطلاق النار بين نظام بشار الأسد، وفصائل المعارضة في الجنوب السوري الذي أبرم بداية يوليو/تموز 2018 بوساطة روسية نشر قوات محلية ستشرف عليها روسيا وهي من ستتولى السيطرة في تلك المناطق التي ستخرج منها قوات النظام.
ويقضي الاتفاق بتسليم الفصائل سلاحها على مراحل، ونشر أفراد من الشرطة العسكرية الروسية قرب الحدود مع الأردن، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز.
بينما أعربت إيران في العديد من المناسبات رفضها فكرة التخلي عن موقفها باستمرار تواجد قواتها، حسب تقرير لصحيفة Nizavismiaya الروسية.
وإذا ساعدنا الروس في ذلك لن نتخذ إجراءات ضد حليفهم الأسد
وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أبلغ روسيا، الأربعاء 11 يوليو/تموز 2018، بأن حليفها الرئيس السوري بشار الأسد سيكون في مأمن من إسرائيل، لكن على موسكو أن تشجع القوات الإيرانية على الخروج من سوريا.
وجاءت الرسالة، التي قال المسؤول إن نتنياهو عبَّر عنها في محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد ساعات قليلة من إسقاط إسرائيل طائرة سورية من دون طيار اخترقت أجواءها الأربعاء 11 يوليو/تموز 2018، ما يبرز تصاعد حدة التوتر عند الحدود.
ونقل المسؤول عن نتنياهو قوله لبوتين في موسكو: "لن نتخذ إجراءات ضد نظام الأسد، وعليكم إخراج الإيرانيين"، وأضاف أن الزعيم الإسرائيلي خرج مطمئناً إلى "أنهم (الروس) سيخرجون الإيرانيين".
وسوف نتصدى لأية عملية عسكرية تستهدف حدودنا
وتعمل روسيا على إبعاد القوات الإيرانية عن الجولان، وكانت قد اقترحت أن تبقى على بُعد 80 كيلومتراً، لكن المسؤول الإسرائيلي قال إن ذلك لا يرقى إلى تلبية طلب إسرائيل بالخروج الكامل إلى جانب الفصائل المسلحة التي ترعاها طهران.
وأبلغ مسؤول إسرائيلي ثانٍ "رويترز" بأن رسالة نتنياهو لم تشكِّل أي عرض لروسيا يقوم على "المقايضة". ولم يصدر أي تعليق من المسؤولين الروس على الاجتماع.
وخلال زيارته لموسكو، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتصدي لأي عملية عسكرية تستهدف حدود بلاده مع سوريا، وطالب بخروج القوات الإيرانية من سوريا.
وقال نتنياهو، إن بلاده على استعداد لاستهداف أي محاولة لخرق الحدود مع سوريا.
وعلى دمشق الالتزام باتفاق فصل القوات في 1974
وقبل ساعات قليلة من وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى موسكو قام الكرملين بتحركات مدروسة تجاه سوريا وإسرائيل.
إذ قام المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرينتيف بزيارة إلى سوريا، فيما قام نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين بزيارة إلى إسرائيل.
وقد ذكر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الأحداث الإقليمية كانت محور المحادثات في لقاء القدس، مؤكداً ضرورة التزام دمشق وحلفائها بالمعاهدة السورية الإسرائيلية المبرمة سنة 1974 بشأن فصل قوات البلدين.
وتنص هذه المعاهدة على إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح على الحدود المشتركة بين إسرائيل وسوريا، مع ضمان وجود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
ولا مكان لحزب الله ومخططات المحور الشيعي قرب حدودنا
وفي عدة مناسبات، أشارت إسرائيل إلى الوثيقة المبرمة منذ 40 سنة، لا سيما بعد انطلاق العمليات العسكرية التي يقودها الجيش السوري جنوب غرب البلاد، التي لا تستهدف الجماعات الإرهابية فقط، بل المعارضة أيضاً.
وحسب ما ورد في تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، خلال زيارته إلى هضبة الجولان التي تزامنت مع زيارة نتنياهو لموسكو، فإن إسرائيل تخشى من سيطرة الحكومة السورية على المناطق الجنوبية، لأن ذلك سيعزز حضور الفصائل الموالية لإيران في المنطقة على غرار حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية والحرس الثوري الإيراني.
ونقلاً عن مجلة "The Times of Israel"، قال ليبرمان: "إننا نرى محاولات مختلفة من جهات مرتبطة بالمحور الشيعي تسعى لإنشاء بنية تحتية للإرهاب في الجزء السوري من هضبة الجولان، وذلك يتم بإذن من الرئيس السوري بشار الأسد. لا أريد تقديم المزيد من التفاصيل بشأن هذه المسألة، لكننا على علم بالتدريبات القائمة حالياً، ونعمل على التصدي لمخططات المحور الشيعي".
لكن الروس يواصلون المواقف الغامضة بشأن الوجود الإيراني بسوريا
في المقابل، مازال الجانب الروسي حذراً عند الإدلاء بأي تصريحات، وقد أعرب عن أمله بحل التناقضات بين إسرائيل وإيران على الصعيد الدبلوماسي.
وبالأمس، نشرت صحيفة "Giornali" الإيطالية مقابلة مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أكد فيها أن استخدام القوة في الصراع القائم بين هاتين القوتين الإقليميتين سيزيد من حدة التوترات في الشرق الأوسط.
وقال شويغو: "بالنسبة للتوترات بين إيران وإسرائيل أو دول أخرى، فإن موقفنا واضح وهو الالتزام بحل الخلافات والتناقضات المحتملة من خلال الحوار وليس من خلال استخدام القوة العسكرية وانتهاك القانون الدولي. وسيكون بإمكان الجهتين إثبات القدرة على ضبط النفس.
وأضاف: "ومما لا شك فيه، يعتبر دور إيران مهما في ضمان استقرار الوضع في سوريا".
رغم أنهم تغاضوا عن عشرات الضربات الإسرائيلية
ومنذ تحويلها دفة الحرب الأهلية السورية بالتدخل عسكرياً عام 2015 لصالح الأسد، غضت روسيا الطرف عن عشرات الضربات الجوية الإسرائيلية على أهداف تابعة لإيران وحزب الله أو استهدفت عمليات نقل أسلحة في سوريا، في حين أوضحت أنها لا تريد تعريض حكم الأسد للخطر.
في الوقت الراهن، تتفاوض روسيا مع الجانب الإيراني حول مصير الجنوب السوري، الذي أكدت موسكو في العديد من المناسبات على ضرورة تطهيره من جميع القوات الأجنبية، بعد الانتصار على الجماعات المتطرفة.
لكن، يبدو أن طهران لها رأي مخالف. فخلال لقاء جمعه بسفير فلسطين في طهران صلاح الزواوي، صرح كبير مستشاري رئيس البرلمان الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بأن "الصهاينة يحاولون الهيمنة على سوريا بعد مغادرة تنظيم الدولة، إلا أن قوات المقاومة والمستشارين العسكريين الإيرانيين سيواصلون العمل في سوريا لمحاربة الإرهاب".
ورصدوا مواطن الضعف الإيرانية بالجنوب السوري
التشكيلات الإيرانية غير متواجدة بشكل مكثف في الجنوب السوري مقارنة بحلب ودير الزور، حسب الخبير الروسي.
وقد أوضح سيمينوف أن "القوات الموالية لإيران تتمركز في مواقع منفصلة في الجنوب السوري، لكنها تفتقر لإدارة موالية لها في تلك المنطقة، وهذا يعني أن وجودها عسكري بالأساس. إلى جانب ذلك، تفتقر إيران للموارد التي تسمح لها بالقيام ببعض التنظيمات الإدارية في المناطق الجنوبية السورية على عكس وضعها في حلب، حيث تمكنت من شراء العديد من العقارات، الأمر الذي يضمن لها التأثير على القرارات التي تتخذها السلطات المحلية".
وتنشط القوات النظامية السورية في جنوب سوريا جنبا إلى جنب مع الحرس الجمهوري. ووفقا لسيمينوف، لم يشارك حزب الله في الهجمات التي يشنها الجيش السوري جنوب البلاد، ما يفسر سبب تراجع عدد الهجمات الإسرائيلية على المناطق الجنوبية السورية.
ويمكنهم الآن إجبار إيران على الخروج بالطريقة الأمريكية
وفيما يتعلق بمستقبل النفوذ الإيراني في سوريا، يرى رئيس مركز الدراسات الإسلامية في معهد التنمية المبتكرة والخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف، أن الأمر سينتهي بتقسيم سوريا.
وفي هذه الحالة، ستكون هناك مناطق خالية من الوحدات الموالية لإيران، ومناطق أخرى تحت سيطرة الوحدات الإيرانية على غرار حلب ودير الزور، إلى جانب المنطقة التي تحميها تركيا في شمال سوريا.
ولضمان انسحاب إيران من سوريا، رأى سيمينوف أنه ينبغي الضغط على إيران وانتهاج سياسة مماثلة لتلك التي تتبعها واشنطن، وذلك من شأنه أن يفقد طهران الموارد اللازمة التي تخول لها دعم تشكيلاتها، ويدفعها للانسحاب. وتستطيع روسيا أن تضغط على إيران بشكل غير مباشر، عن طريق التأثير على دمشق.
اقرأ أيضا
عرض إسرائيلي لروسيا يحمي النظام السوري.. تل أبيب: الأسد في مأمن منا، لكن هذا شرطنا