هل الأحزاب وصناديق الاقتراع قادرة على إزاحة بوتفليقة؟.. أمر واحد فقط قادر على “تغيير النظام”

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/10 الساعة 21:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/10 الساعة 21:08 بتوقيت غرينتش
الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة - صورة من أرشيف رويترز.

ظلَّ النظام السياسي في الجزائر خاضعاً لسيطرةٍ شديدة من الأحزاب الحاكمة منذ ما يقرب من عقدين من الزمان، لكنَّ الصعوبات الاقتصادية الكبرى دفعت أولئك الذين في السلطة للاستماع إلى المعارضة بجدية أكبر من أي وقتٍ مضى.

وحسب موقع Stratfor الأميركي، فقد وجدت أحزاب المعارضة المساحة اللازمة للتعبير عن المظالم الاقتصادية الحقيقية بفاعلية، وتساعد الآن على دفع الإصلاح الاقتصادي إلى الأمام. ولإرضاء المعارضة المتنامية، ستكون الحكومة متحمسةً لتنفيذ إصلاحاتٍ اقتصادية طفيفة في محاولةٍ للتخفيف من وطأة موجة الاضطرابات الداخلية. وحتى هذه التغييرات الصغيرة تشير إلى طريقةٍ جديدة جداً للمضي قدماً للحكومة الجزائرية المُقيدة للحريات.

لاعب إقليمي رئيسي باقتصاد غير مستقر

الجزائر هي أكبر دولة إفريقية من حيث المساحة، وهي من بين أكبر عشر دول في القارة من حيث عدد السكان. وهي لاعب إقليمي رئيسي، إذ تساعد جيرانها على محاربة الجماعات المسلحة الجهادية العابرة للحدود. وتوفر الجزائر أيضاً إمدادات الغاز الطبيعي الضرورية إلى أوروبا، بفضل احتياطياتها الضخمة. لكنَّ اقتصاد هذا العملاق في شمال إفريقيا أصبح غير مستقر باضطراد، منذ أن انخفضت أسعار النفط العالمية في عام 2014، ووجدت الدولة نفسها في وضعٍ محفوف بالمخاطر.

الوضع الاقتصادي أكثر ما يؤرق الجزائريين
الوضع الاقتصادي أكثر ما يؤرق الجزائريين

حالياً، ميزانية الجزائر محدودة وتقل مع الوقت، وفي حين أنَّ الاستثمار الأجنبي الضئيل يعيق خطط البنية التحتية والاقتصاد، تعتمد الميزانية على صادرات النفط والغاز الطبيعي، ولا تزال غير متوازنة ومدفوعة بشكلٍ قوي من قبل الدولة. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، دفعت الحكومة بإجراءاتٍ تقشفية في محاولةٍ لتحقيق التوازن في الميزانية، لكنَّ السكان الجزائريين، الذين اعتادوا على الإعانات الكبيرة من الدولة، نفد صبرهم في المقابل.

وذلك على الرغم من "الاستقرار" السياسي

على مدى السنوات العشرين الماضية، حكمت الجزائر القوى السياسية الراسخة التي ساعدت البلاد على الخروج من حربٍ أهلية دموية: جبهة التحرير الوطني التي يتزعمها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة منذ فترةٍ طويلة، وشريكها في التحالف التجمع الوطني الديمقراطي.

عندما حصلت الجزائر على استقلالها عن فرنسا عام 1962، كانت تقودها حكومة علمانية تركّز على الأمن. وبعد ثلاثين سنة تقريباً، استخدمت الحكومة جيشها لإبطال نتائج الانتخابات التي منحت حزباً إسلامياً أغلبيةً في البرلمان، مما أدى إلى اندلاع دورة عنف استمرت قرابة 10 سنوات.

ومن أجل وضع نهاية لذلك "العقد الدموي"، تبنَّت الحكومة نموذجاً صارماً من نماذج السيطرة من أعلى النظام إلى أسفله، استقرت فيه جميع القوى السياسية تقريباً في كنف حزب جبهة التحرير الوطني الذي تحكمه نخبةٌ من القلة. وظل المشهد السياسي على حاله خلال السنوات العشرين الماضية.

وفي ظل معارضة شكلية

وعلى الرغم من وجود برلمان يضم عشرات الأحزاب الأخرى والعديد من منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك النقابات العمالية، تفتقر الأحزاب السياسية في الجزائر إلى قدرٍ كبير من السلطة القانونية أو التماسك. وتزداد الشائعات حول محاولات الانقلاب الداخلي وعدم الاستقرار في صفوف جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي. لكنَّ جماعات المعارضة لم تتمكن أبداً من إحداث أي تغييرٍ ملموس داخل الجيش أو أجهزة الاستخبارات، وفي عام 2018، ما زالت قبضة الحزب الحاكم على السلطة قويةً كما كانت دائماً.

وتستعد الطبقة السياسية في البلاد حالياً للسباق الرئاسي لعام 2019، وللحتمية شبه الأكيدة لتولي بوتفليقة المريض الهرم ولايةً خامسة لمدة خمس سنوات، فهو مستمر في الحكم رغم آثار السكتة الدماغية التي تعرَّض لها منذ أعوام. وكرَّر رئيس الوزراء أحمد أويحيى ما قاله العديد من السياسيين الجزائريين البارزين الشهر الماضي، عندما أكد دعمه لترشح بوتفليقة.

غير أنَّ حالة عدم اليقين تتنامى حول قدرة الرئيس على التعامل مع التحديات الاقتصادية المتزايدة في الجزائر، مما حفَّز بعض جماعات المعارضة السياسية الراكدة عادةً على الدفع باتجاه إجراء إصلاحاتٍ اقتصادية، وحتى في بعض الحالات، الدفع باتجاه تنحي الرئيس.

فالتغيير الوحيد قد يُسببه "الاقتصاد المنهك"

المعارضة السياسية العاجزة في الجزائر ليست بأي حالٍ من الأحوال قوية بما يكفي للإطاحة ببوتفليقة. ويشك القليلون في أنَّ السلطة الحقيقية في البلاد تقع في قبضة الجيش والرئيس والدوائر الغامضة لدعم الحزب من حولهم. لكن هناك صدعاً في قبضة السيطرة الحازمة التي تتمتع بها القوى الحاكمة، الأمر الذي يشكل تهديداً لجميع الفئات السياسية والطبقية في الجزائر، ومن ثمَّ يمكن أن يتحقق التغيير بشكلٍ واقعي، ويتمثل ذلك الصدع في ضعف الاقتصاد.

بوتفليقة لم يُعلن بعد موقفه من الترشح لولاية جديدة
بوتفليقة لم يُعلن بعد موقفه من الترشح لولاية جديدة

تتشدق المعارضة السياسية الجزائرية رغم ضعفها بالضغوط الاقتصادية الملموسة التي شعر بها العديد من المواطنين في أعقاب عدة سنوات من تخفيضات الميزانية، ومعدلات البطالة المرتفعة، وإجراءات التقشف. السكان يعافرون من أجل العيش، ويبدو أنَّ سياسات الحكومة الحالية غير قادرة على تخفيف معاناتهم.

وتعتبر أنظمة الاستثمار الأجنبي في الجزائر من أكثر الأنظمة تقييداً في العالم. ونتيجةً لذلك، تلقَّت البلاد كميةً زهيدة من الاستثمار الأجنبي المباشر الوافد على مدى السنوات القليلة الماضية مقارنةً بجيرانها، وهي تواجه نمواً راكداً وقدراً ضئيلاً من تطوير البنية التحتية.

مستغلة الوضع الاجتماعي المضطرب

وساعدت الاضطرابات الداخلية الناجمة عن هذا الوضع الاقتصادي المتفاقم المعارضة السياسية الوليدة في الابتعاد عن القوى الراسخة. وأدت الاحتجاجات والمظاهرات في أنحاء البلاد إلى إذكاء جهود المعارضة الصغيرة مثل حركة بركات (كفى)، وحركة مواطنة التي ظهرت هذا العام فقط، وتسعى إلى تحقيق تغيير في الهيكل السياسي.

وفي رسالةٍ انتشرت سريعاً صاغها عددٌ من السياسيين والمؤلفين والناشطين الجزائريين المعروفين، طالبت حركة مواطنة الحكومة الحاكمة بإدخال إصلاحاتٍ اقتصادية تعمل ضمن حدود النظام، وطلبت أيضاً من بوتفليقة أن يتنحَّى إذا لم يتمكَّن من إجراء هذه التغييرات.

هناك أيضاً بعض القوة في صفوف النقابات السياسية، التي يتمثل هدفها الرئيسي في الإصلاح الاقتصادي، وليس الإصلاح السياسي. وجديرٌ بالذكر أنَّ الإضرابات العمالية المتكررة التي تدعو لها تلك النقابات لها القدرة على إعاقة استمرارية العمل.

الأحزاب السياسية الإسلامية هي مصدر آخر للحيوية في المشهد السياسي الجزائري المُقيَّد، على الرغم من أنَّ الكثير من نشاط الأحزاب ذات الجذور الإسلامية، بما فيها الحزب الكبير حركة مجتمع السلم، من المرجح أن يزعزع القوى الحاكمة.

ويمكن أن تؤدي إلى إدانتها سياسياً. فالسياسة الإسلاموية الشعبية في نهاية المطاف تمثل قناةً للإرادة الشعبية والمعارضة التي لا يمكن للأحزاب العلمانية الحاكمة أن تستوعبها بسهولة، وإمكانية تحقيق نصرٍ انتخابي من قبل حزب إسلامي يشبه إلى حدٍّ ما المُحفِّز الذي أثار الصراع الأهلي في الجزائر في التسعينيات.

 ومع إدراكها لقدرتها المحدودة على التصرف في إطار النظام، دعت قيادة حركة مجتمع السلم في قمتها السنوية في مايو/أيار الماضي جميع الأطراف السياسية إلى التوصل إلى إجماعٍ حول الإصلاح الاقتصادي، على أمل تجنب أي تراجع قد يكون قد حدث بسبب محاولة المضى قدماً في جدول أعمالها.

الجزائر عرفت الكثير من الاحتجاجات الاجتماعية خلال الأشهر الأخيرة
الجزائر عرفت الكثير من الاحتجاجات الاجتماعية خلال الأشهر الأخيرة

فهي تعتبرها خطوات صغيرة على طريقٍ جديد

لأنَّ الأحزاب المعارضة والنقابات السياسية تعبر عن المطالب المشروعة للجزائريين المنهكين من التوعك الاقتصادي المتنامي، على الحكومة الحاكمة أن تكون حذرةً في كيفية تعاملها معهم، ولا يمكنها دحرهم بقسوة وحزم. في الواقع، وتحت ضغطٍ كبير لإدخال تغييراتٍ أكثر شمولاً على أنظمة الاستثمار الأجنبي، يبدو أنَّ الحكومة مستعدةٌ بشكلٍ مدهش لتغيير بعض القيود القانونية بشأنها.

هذا لا يعني أنَّ المعارضة ستكون قادرةً على تحدي الأحزاب الحاكمة، ولا يمكن للمراقبين أن يتوقعوا تقدماً اقتصادياً هائلاً. لكن من المرجح أن تبدأ الأحزاب الحاكمة في الانفتاح قليلاً على الإصلاح الاقتصادي مع الحفاظ على قبضتها القوية على الشؤون الحكومية.

وبسبب القيود الكثيرة في الجزائر، فإنَّ تحرك المعارضة لن يسفر عن إصلاحٍ اقتصادي شامل، وإنما إصلاحٍ بطيء، وستظل إمكانات الاستثمار في البلاد والنمو الاقتصادي المستقبلي متوقفة لعدة سنوات قادمة. لكنَّها ستساهم في نهاية المطاف في إدخال تعديلاتٍ على قوانين الاستثمار الأجنبي، مما يدفع البلاد إلى مزيدٍ من التقدم في الطريق نحو انتعاشٍ اقتصادي.

ولإعادة الثقة للمواطن الجزائري في العمل السياسي

أعاق تراث الخوف والغموض السياسي تطور المعارضة السياسية في الجزائر. وكون قادة المعارضة قادرين على التحدث الآن، حتى ولو بصورةٍ طفيفة، عن القرارات الاقتصادية للحكومة هو تطورٌ كبير. ولكن بغض النظر عن الإصلاحات التي يستطيعون تنفيذها، فإنَّ جميع الأطراف، بما في ذلك الحزبان الحاكمان، تقاوم اللامبالاة الساحقة بين الناخبين الجزائريين، الذين اعتادوا على عدم التأثير على حكومتهم.

ويشير انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في العام الماضي إلى عدم رغبة الجزائريين في المشاركة بأعدادٍ كبيرة كافية لإجراء تغييراتٍ كبيرة. ولكن مع مرور كل عام تحت القيادة الحالية التي يُنظر إليها على أنَّها راكدة وقاصرة، فإنَّ الشقوق التي تتشكل ستوفر فرصاً لبناء معارضة نشطة.

 إذا تمكنت المعارضة من توجيه هذا التصدع بالطريقة الصحيحة، مطالبةً بالمساءلة والمرونة في النظام السياسي بدلاً من القيام بمحاولةٍ غير واقعية لإسقاطه، قد يصبح الجزائريون واثقين بما فيه الكفاية في إمكانية حدوث تغييراتٍ صغيرة تجعلهم ينخرطون بشكلٍ أكبر سياسياً.


اقرأ أيضا

لا يهمنا أمركم المهم امتلاء جيوبنا بالأموال"… هنا مافيا الشواطئ الجزائرية"

إقالة مدير الأمن، ولائحة التحقيقات تضم قضاة ومسؤولين كباراً.. "قضية الكوكايين" تكشف خبايا الصراع على رئاسيات 2019 في الجزائر

علامات:
تحميل المزيد