سمعنا عن “القوات الأميركية الفضائية”.. هذه ليست مزحة فالاستعدادات تجري على قدم وساق، والأمر قد يتخطَّى حاجز خيالك

صرَّح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الجمعة 6 يوليو/تموز 2018، أنه أصدر أمراً لوزارة الدفاع الأميركية بتشكيل قوات فضائية عسكرية

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/07 الساعة 16:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/07 الساعة 17:40 بتوقيت غرينتش

صرَّح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الجمعة 6 يوليو/تموز 2018، أنه أصدر أمراً لوزارة الدفاع الأميركية بتشكيل قوات فضائية عسكرية، معتبراً ذلك ضرورةً عسكريةً، ومعرباً عن أسفه الشديد لمخاوف روسيا والبلدان الأخرى من هذه الخطوة، وقد جاء التصريح في كلمته التي ألقاها في اجتماع حاشد انعقد في ولاية مونتانا الأميركية.

هذا التصريح أثار الكثير من التكهنات وسط عامة الناس، حول فكرة وطبيعة هذه القوات التي تبدو في مسمَّاها أقرب لأفلام الخيال العلمي.

كان "ترمب" أعلن في مارس/آذار 2018، عن إمكانية ظهور القوات الفضائية الأميركية، مبرراً ذلك بأن الاستراتيجية الفضائية الوطنية الجديدة تقر بإمكانية وجود عمليات عسكرية في الفضاء الخارجي، كما في الأرض والسماء والماء، لكن رغم تأييد الرئيس الأميركي لهذه الخطوة فإن ممثلي البنتاغون والقوات الجوية جاء موقفهم ضد إنشاء هذا النوع من القوات؛ لأن المنافع المحتملة من وجهة نظرهم لا تبرر إجراء تغييرات تنظيمية واسعة النطاق.

وأعاد الحديث عن إنشاء القوات الفضائية الأميركية الأذهان إلى دعوة وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد إلى إجراء العديد من الإصلاحات العسكرية في عام 2000، كان منها إعادة التنظيم الداخلي لسلاح الجو، بهدف تعزيز الأنشطة المتعلقة بالفضاء، لكن الأمر لم ينجح نتيجة عدة عوامل، منها وقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ودخول أميركا الحرب في العراق عام 2003.

ما دور روسيا والصين في استفزاز أميركا لأخذ هذه الخطوة؟

بعيداً عن تصريحات "ترمب" يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية نقلت فكرة القوات الفضائية إلى حيز التجربة الفعلية مُسبقاً، وتحديداً في شهر أبريل/نيسان 2018، عندما أطلقت شركة "لوكهيد مارتن" للصناعات العسكرية بالتعاون مع شركة "بوينغ" لأنظمة الدفاع المتكاملة صاروخاً من طراز "أطلس 5" إلى الفضاء، على متنه معدات عسكرية منها أقمار صناعية متعددة الاستخدامات لدعم الاتصالات العسكرية.

وهو ما وصفه مراقبون أنه يعد دخولاً عملياً لأميركا إلى ساحة حرب الفضاء، التي كانت المنافسة فيها مقتصرة إلى وقت قريب على روسيا والصين.

لكن هذه الخطوة العملية لم تكن مُفاجأة، فقد سبقها اجتماع للرئيس ترمب في مارس/آذار 2018، مع مجموعة من العسكريين في مدينة سان دييغو الأميركية، أعلن خلال حديثه معهم عن رغبته في إنشاء قسم جديد في الجيش الأميركي، تكون مهمته التركيز على ملف حرب الفضاء، مشيراً إلى أن عمليات سلاح الجو مستقبلاً ستعتمد بشكل كلي على الفضاء.

بتتبع الاهتمام الأميركي بمصطلح حرب الفضاء أكثر، يظهر لنا أن البداية الحقيقية له كانت في عام 2014، بعدما أطلقت روسيا قمراً صناعياً غامضاً، كان يتحرك بشكل غير طبيعي في مداره، حينها تخوَّف المختصون في علوم الفضاء من إقدام موسكو على تجريب سلاح مستقبلي في الفضاء، هدفه السيطرة على الأقمار الصناعية الأخرى غير الروسية أو تدميرها، وقد صعد القمر الروسي الذي أُطلق عليه اسم "Object 2014-28E" إلى الفضاء، على متن صاروخ فضائي يحمل ثلاث شحنات أخرى، وذلك في عملية سرية لم تُعلن روسيا عن أهدافها الحقيقية بشكل رسمي حتى الآن.

لم تكن تلك التجربة الروسية الغامضة الوحيدة من نوعها، فقد سبقها إقدام الصين على تدمير قمر صناعي صيني يُدعى "FY-1C"، باستخدام صاروخ أطلقته من الأرض عام 2007، واستطاع الصاروخ الصيني تدمير القمر وتفتيته إلى 150 ألف قطعة، وقد انتشر حينها الحديث عن الأهداف الخفية من التجربة، والمتمثّلة في اختبار الصين مدى قدرتها على تدمير أقمار صناعية عدوة.

تتضح الصورة عن الاتجاه الأميركي نحو الفضاء شيئاً فشيئاً، عندما نطالع تقريراً نشرته صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، في يونيو/حزيران 2018، أكد سعي "البنتاغون" الأميركي إلى حجز مساحة في عالم حروب الفضاء، ومن أجل تحقيق ذلك ضخ مليارات الدولارات لتقوية دفاعاته ضد الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، إلى جانب تدريب قواته على طريقة العمل، إذا ما تعطَّل أحد هذه الأقمار لأي سبب محتمل.

كما أوضح التقرير أن أميركا ليست مستعدة بالقدر الكافي لمنافسة روسيا والصين في الساحة الفضائية، بعدما نجحت الدولتان في تطوير وسائل تدمير أو تعطيل الأقمار الصناعية، مع الوضع في الاعتبار اعتماد الجيش الأميركي على الأقمار الصناعية في كل شيء تقريباً، سواء في جمع المعلومات أو توجيه القنابل الدقيقة والصواريخ، وكذلك التحكم في الطائرات من دون طيار.

تنظيمياً.. كيف ستُدار هذه القوات؟

أصبح الفضاء اليوم جزءاً لا يتجزأ من العمليات العسكرية، ويوضح تود هاريسون مدير مشروع أمن المطيران في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركية ذلك بقوله: "الجيش الأميركي أصبح يعتمد اليوم بشكل كامل على الفضاء، فعندما نضع قنبلة موجَّهة إلى هدف ما في العالم، هذه القنبلة لم تكن تصل إلى هناك دون قدراتنا الفضائية".

يوجد مقر قيادة الفضاء الأميركية حتى اليوم داخل قاعدة بيترسون الجوية في ولاية كولورادو، وما زالت التقارير الخاصة بالقيادة تُقدم بشكل رسمي إلى سكرتير القوات الجوية، لكن هناك مقترح لمجلس النواب الأميركي، يدعو إلى أن تصبح القيادة الفضائية منفصلة بسكرتير خاص؛ لوجود العديد من التقارير التي تشير إلى حصول القوات الجوية على أموال من تلك المخصصة لقيادة الفضاء، بغرض تغطية تكاليف مشاريعها.

من جانبه يرى رئيس أركان القوات الجوية الجنرال ديفيد جولدفين، أن الهدف من القوات الفضائية هو تطبيع الفضاء كمجال للحرب، مؤكداً على أنه لا يريد بدء الحرب من هناك؛ لكن ينبغي على الجيش الأميركي أن يكون مستعداً إذا ما اضطر إلى القتال في الفضاء، بإتقانه التكتيكات والتقنيات المطلوبة وإجراء التجارب اللازمة.

تتزايد الميزانية المخصصة لبرامج الفضاء التابعة للقوات الجوية الأميركية بشكل متسارع، وذلك وفقاً لصحيفة "Space News"، ففي هذا العام 2018 وصلت إلى 7.75 مليار دولار، بزيادة قدرها 20% عن العام الماضي، ومن المتوقع أن تبلغ العام المقبل 8.5 مليار دولار.

رؤية تخيّلية لحروب الفضاء

بعدما تعرَّفنا على المعلومات التفصيلية عن نشأة القوة الفضائية الأميركية وتطورها، تبقى لدينا جزئية واحدة تتعلق بماذا ستضيف هذه القوة بشكل عملي إلى الجيش الأميركي، وكيف ستخدم تحقيق أهدافه؟ وهو ما سنحاول رصده في أكثر من ناحية منها:

1- المراقبة والاستطلاع: ستمثل قوة الفضاء العين الأميركية في السماء، فهي ستُمدهم بنظرة لا تُضاهى لمواقع الأعداء والحلفاء أيضاً، باستخدام تقنيات التصوير التي ستكشف مواقع العدو الخفية، وتوفر المعلومات المهمة في حالات ضعف الرؤية.

ويمكن تحقيق ذلك من خلال مجموعة من الأقمار الصناعية ومركبات الاستطلاع الجوية غير المأهولة، التي ترسل وتنسق بياناتها بالتوازي مع المعلومات التي تتلقاها من القوات البرية، مما يصنع تخطيطاً متعدد الأبعاد لموقع العدو ونشاطه، يساهم في تحقيق الأهداف بشكل أكثر فاعلية.

2- الدعم اللوجستي: ستكون القوة الفضائية قادرة على إيصال الذخائر والمركبات والمعدات الحربية، بالإضافة للجنود، بسرعة لا مثيل لها، إلى مناطق الحروب، باستخدام ناقلات فضائية خاصة ذات حمولة عالية، تعمل على إرسال الموارد من المدار الفضائي مباشرة إلى أي مكان على الأرض، ربما يكون ذلك أقرب لفيلم خيال علمي، لكنه محتمل جداً.

3- الضربات الفضائية: لن يقتصر الأمر على الإمداد بالقوات والمركبات من الفضاء، لكن الحروب يمكن أن تشتعل من هناك أيضاً، وذلك باستخدام المدافع الشمسية، ومدافع الليزر المثبتة على الأقمار الصناعية والمنشآت الموجودة في الفضاء، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى ضربات مدمرة باستخدام أشعة الليزر المركزة أو ضوء الشمس، وهذان النوعان من الأسلحة من الممكن أن يُبيدا الصواريخ والطائرات، بالإضافة للأهداف الأرضية.

علامات:
تحميل المزيد