ترمب ألمانيا.. يروّج للخوف من المهاجرين وسيطرد الكثير منهم، وجعل المرأة الحديدية “ميركل” تستسلم

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/07 الساعة 18:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/08 الساعة 13:29 بتوقيت غرينتش

لقد كان ترحيباً يليق بملك: حشدٌ ضخم يرتدي الزي التقليدي، و3 جولات من التحية بإطلاق الأعيرة النارية، وفرقة موسيقية تستخدم آلاتٍ نحاسية تعزف موسيقى عسكرية ملكية.

خرج ماركوس زودر (51 عاماً)، رئيس وزراء بافاريا الصاخب الجديد، من سيارته، وأثنى على امرأة ترتدي فُستان الدرندل التقليدي، وربت على زوجين من خيول الشرطة  حسب تقرير نشرته صحيفة The New York Times الأميركية ، وألقى ببعض العبارات المعروفة عن أمن الحدود نحو الكاميرات، ثم دخل إلى خيمةٍ كبيرة تُقدَّم بها الجعة ليُخاطب الناس في بايربرون، وهي قرية صغيرة بالقرب من مدينة ميونيخ الألمانية.

وردد زودر من المنصة، بأسلوبه الإفرنجي المرح في الكلام، وسط هتافاتٍ مُشجعة: "إذا كانت ألمانيا قوية، فذلك لأنَّ بافاريا قوية. ينبغي أن تكون هناك لافتات كبيرة في جميع أنحاء برلين تقول (شكراً، شكراً، شكراً يا بافاريا!)".

وقال بصوتٍ عالٍ مع تزايد الهتافات: "ولأنَّنا أقوياء، نقول رأينا دون إذنٍ من أحد". زعيم جديد يبدو أنه يشق طريقه ببراعة، فهو يزرع الخوف بين سكّان ولاية بافاريا؛ ليظهر في الوقت نفسه أنه المدافع الأخير عن الهوية الألمانية.

وقف وراء تعليق الصلبان في كل المرافق الحكومية وقال إن الصليب "ليس فقط رمزاً دينياً وإنما يرمز كذلك إلى الهوية". ويرى هذا البروتستانتي أن "الثقافة المسيحية راسخة لدينا مع أيام العُطَل المسيحية".

قليلون خارج بافاريا يعرفون زودر. ففي الآونة الأخيرة، كان الانتباه مُنصبّاً على هورست زيهوفر، وهو سياسي آخر من ولاية بافاريا يشغل منصب وزير الداخلية الألماني، وأدى تهديده بالاستقالة بسبب قضيةٍ حدودية إلى خلق أزمة سياسية هذا الأسبوع.

إلا أنَّ زودر، مثل أي شخصٍ آخر، هو السبب في أنَّ المستشارة أنجيلا ميركل، التي بنت إرثها في السنوات الأخيرة على استقبال مئات الآلاف من المهاجرين إلى ألمانيا، قد استسلمت أخيراً ووافقت على إعادة المهاجرين الذين سُجلوا بالفعل في أماكن أخرى بأوروبا إلى الحدود البافارية مع النمسا، وهو الشيء الذي كان زودر يُطالب به منذ شهور.

يريد وضع حد لما سماه سياحة اللجوء

"الرأي" الذي عبَّر عنه زودر نيابةً عن بافاريا هو أنَّه يريد وضع حدٍّ لما يسمّيه "سياحة اللجوء"، وأن "يُدافع" عن القيم البافارية والمسيحية. وفي الشهر الماضي (يونيو/حزيران 2018)، أمر بتعليق الصلبان المسيحية بجميع المباني الحكومية في بافاريا. وأطلق هذا الشهر (يوليو/تموز 2018) قوةً حدودية بافارية على الرغم من انخفاض أعداد المهاجرين بشكلٍ حاد.

ويصرُّ زودر على أن "الصليب ليس رمزاً دينياً"؛ بل من مقومات الهوية والثقافة الألمانية، وهذا يعني أن عرضه ليس "انتهاكاً لمبدأ الحياد" من قِبل السلطات. وتحاكي حجة زودر القرار المثير للجدل الذي صدر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سنة 2011، والذي ينص على أن "الصليب المعروض بشكل علني رمز سلبي"، وليس شكلاً من أشكال "الاستمالة"؛ ومن ثم يمكن أن تسمح الدول الأوروبية بتعليقه وفقاً لتاريخها وتقاليدها.

بعد حكم المحكمة العليا سنة 1995، اتبعت ألمانيا عموماً القاعدة التي تسمح بعرض الصلبان، ما لم يكن هناك فئة تشعر بالإهانة بسبب وجودها، وهذا نادر الحدوث. أما معارضو هذا القرار، فقد أكدوا أن العرض المنهجي لرمز مسيحي في واجهة المباني الحكومية يقوِّض مبدأ فصل الدولة عن الدين، فضلاً عن أنه يمكن أن يسهم في تفاقم التوتر بين المجتمعات.

وسيعمل بعد ذلك وفق صحيفة The New York Times الأميركية على إنشاء "مُعسكرات العبور" على طول الحدود مع النمسا (على الرغم من وجود حديث الآن عن احتجازهم في مراكز الشرطة العادية). ابتكر هذا المصطلح فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر الذي يتسم بالاستبداد إلى حدٍ ما.

سياسي شعبوي يروج للخوف

بالنسبة إلى منتقديه، زودر هو ترمب ألمانيا. فهو سياسي شعبوي يروج للخوف، ويأخذ "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" المحافظ في بافاريا، الحليف القديم لحزب ميركل الوسطيّ المُحافظ، إلى أقصى اليمين، ويتواطأ مع النازيين في الدول المُجاورة للإطاحة بالنظام الليبرالي في أوروبا.

وبالنسبة إلى معجبيه، فهو رجل من الناس ويتحدث باسمهم، ابن بنَّاء، وأبٌ لأربعة، ويُحب أن يأكل في ماكدونالدز، ويتفهم مخاوف البافاريين العاديين، ولديه ما يلزم لجذب تأييد الناخبين بعيداً عن حزب الشعبويين الحقيقيين، وهو حزب "البديل من أجل ألمانيا".

يقضي زودر عدداً من الساعات بانتظام في مكتب للتواصل مع المواطن للاستماع إلى الناخبين مُباشرةً، وجعل من مهمته استدراج الناخبين من حزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي يحرز تقدُّماً في بافاريا منذ أن أصبحت حدودها البرية، التي يبلغ طولها 500 ميل مع النمسا، بوابةً للمهاجرين إلى ألمانيا في عامي 2015 و2016.

ورغم عودة عدد الوافدين الجدد إلى مستويات ما قبل الأزمة، فإنَّ زودر، الذي  يُشبه خطابه خطاب حزب "البديل من أجل ألمانيا"، يُحذِّر من أنَّ أزمة الهجرة في ألمانيا تعود، وأنَّ مناطق شاسعة من البلاد قد أصبحت مناطق محظورة بلا قانون.

وقال زودر في مقابلةٍ قبل ظهوره الأخير في خيمة الجعة: "الناس يتوقعون أن تُظهر الدولة قوتها. لقد طرحت الهجرة ومسألة الهوية الثقافية سؤالاً جديداً، ولا يمكنك الإجابة عنه باستخدام الطرق القديمة".

وتشمل وَصفته الجديدة، قبل انتخابات الولاية الصعبة في الخريف وفق The New York Times، تجاهلاً صارخاً للحقائق. وهو يأخذ صف الرئيس الأميركي ترمب (بدلاً من إحصاءات الجريمة الألمانية الرسمية) عندما يدَّعي أن الهجرة تُنتج موجةً من الجرائم. وفي الواقع، مستوى الجريمة بألمانيا هو في أدنى مستوى له منذ 25 عاماً.

ويهزأ زودر من ذلك، قائلاً إنَّها مجرد أكاذيب.

وقال: "لدينا مُدن كاملة انسحب منها القانون والنظام من الأحياء"، مشيراً إلى برلين، ومدن مثل دويسبورغ في قلب المنطقة الصناعية القديمة بشمال غربي ألمانيا.

وقال: "كيف يمكن للدولة أن تحكم على إحصاءات الجريمة في دويسبورغ، التي لم يعد بها شرطة؟".

ويرفض فكرة أنَّ أزمة الهجرة الفعلية قد تراجعت. ففي عام 2016، عندما وصلت الأرقام إلى ذروتها، كان هناك أكثر من 62 ألف شخصٍ يطلبون اللجوء في ألمانيا كل شهر. وهذا العام (2018)، انخفض هذا الرقم إلى أكثر بقليل من 15 ألف شخص، وهو أدنى مُستوى له منذ عام 2013. وعدد هؤلاء المسجلين في أماكن أخرى بأوروبا يصل إلى بضع مئات فقط حتى الآن هذا العام (2018).

لكنَّ زودر يُصرُّ على أنَّ "الأرقام ترتفع"، رغم أنَّه، مرةً أخرى، لا يمكنه ذكر أي بياناتٍ داعمة لما يقول.

وقال: "يُجري التخطيط لطُرقٍ بديلة جديدة، على سبيل المثال عن طريق ألبانيا".

كيف عرف؟

أجاب زودر: "الجميع يُبلغ عن هذا، يمكنك الشعور بعودة الأزمة مجدداً".

هل شهد في الواقع زيادةً في عدد المهاجرين على الحدود الألمانية؟

كان ردُّ زودر: "لا، ليس بعد. لكنَّ الأمر مسألة وقت فقط".

العالم الذي يرسمه زودر هو نفسه الذي يرسمه أوربان وغيره من الشعبويين الأوروبيين؛ عالم يُهدد فيه معظم المهاجرين المسلمين بتقويض الثقافة الغربية المسيحية، وحيثُ هناك حاجة لثورة مُحافظة لإسقاط الحكومات الليبرالية التي سمحت لهم بالدخول.

وقال زودر: "ارتكبت ألمانيا خطأً تاريخياً في 2015، عن طريق ترك الحدود مفتوحة. قسَّمت ألمانيا أوروبا"، وشدَّدَ على أنَّ من فعلت ذلك هي ألمانيا، وليس بافاريا، وأضاف: "بافاريا كانت ضد الأمر".

وتابع زودر: "نحن نتحدث عن الإسلام طوال الوقت، ولا نُدرك مدى عدم شعورنا بالأمان بشأن جذورنا. في بافاريا، نحن نُدافع عن قيمنا".

قبل توليه المنصب الرفيع منذ 3 أشهر، كان زودر يدير عدداً من الوزارات في بافاريا، وآخرها وزارة المالية، التي تتضمن حقيبة "الوطن"، التي أضيفَت مؤخراً في محاولةٍ للاحتفال بالهوية والشعور بالانتماء الثقافي، بالإضافة إلى تحويل الاستثمار العام من المراكز الحضرية إلى المناطق الريفية لمكافحة مخاوف العولمة.

ثبت أنَّه منصبٌ مُناسب لزودر، الذي صفق له حتى بعض المُعارضين نتيجة عدة نجاحات مُلموسة قام بها، فقد نقل العديد من المكاتب الحكومية خارج المُدن الكبرى (حيث نُقلت الوزارة نفسها إلى مدينة نورمبرغ وهي مسقط رأسه)، واستثمر الملايين من أجل توفير خدمة إنترنت أسرع للمناطق الريفية، وساعد المجتمعات المُتعثرة على دفع فواتير الخدمات العامة.

ويقول زودر: "حقيبة الوطن هي الدواء المُعالج للعولمة".

ويختلف القليلون مع ذلك في ولايةٍ يتشابه فيها الفلكلور والسياسة.

أيديولوجيا يمينية مُتطرفة

لكنَّ البعض يشعرون بعدم الارتياح حيال إحياء الاحتفالات المتفاخرة بالعادات البافارية، في وقتٍ تزداد فيه حدة اللهجة حول المهاجرين. وقال وولغانغ جيرشيك، رئيس بلدية بايربرون، الذي كان يستمع لخطاب زودر في خيمة الجعة الليلة الماضية: "الأمر يتضمن شعوراً بالإقصاء".

 

وتابع: "يقول زودر إنَّه يريد تهدئة مخاوف الناس، وفي الوقت نفسه يؤجج مخاوفهم. ماركوس زودر لديه القدرة على الوصول إلى الحد الأقصى لما يمكن قوله قبل أن يصبح ما يقوله عبارة عن أيديولوجيا يمينية مُتطرفة".

ويرى آخرون الأمر بشكلٍ مُختلف؛ إذ قال توماس دوفر، وهو مُحاسب كان يستمع أيضاً لخطاب زودر: "زودر ليس ترمب. فهو يفهم ما يشغل بال الناس، ومعظمهم يعتقدون أنَّ الصرامة في التعامل مع مسألة الهجرة هي الطريقة الوحيدة لمحاربة حزب البديل من أجل ألمانيا".

لقد كان دائماً ماهراً في التواصل. ففي خيمة الجعة مؤخراً، تحدث مدة ساعةٍ تقريباً دون أي ملاحظات. وهو شخصٌ لا يشرب الكحوليات إلا نادراً، ويحتسي المشروبات الغازية أو المياه، ما لم تكن هناك كاميرا، حينها يشرب بعض الجعة.

وهو طويل بشكلٍ لافت للنظر، يبلغ طوله 6 أقدام و6 بوصات (نحو 198 سنتيمتراً)، ويشتهر بتنكراته المُتقنة والموضوعية خلال الكرنفال كل عام. وفي إحدى السنوات، تنكر في شكل مارلين مونرو، وهذا العام (2018) ذهب مُتنكراً وكأنَّه ملكٌ بافاري.

يعرف زودر، الذي عمل ذات مرةٍ في التلفزيون، كيف يروي قصةً بشكلٍ جيد، وضمن ذلك قصته. فكثيراً ما يتحدث عن جذوره المتواضعة في منطقة نورمبرغ التي كانت منطقةً للطبقة العاملة، ويتحدث بصورةٍ أقل عن زواجه بابنة رجل أعمالٍ ثري، وذلك وفقاً لمُراسلين ألمان يتبعونه في الحملة الانتخابية.

أصبح زودر محافظاً وهو في الـ16 من عمره بعد اقتناعه بأفكار التيار المحافظ، في حيٍ صوَّت على مدار السنوات لليسار. وفي حين كان أصدقاؤه مفتونين بلاعبي كرة القدم ونجوم البوب​​، علق زودر ملصقاً لفرانز جوزيف شتراوس، الزعيم البافاري المحافظ للغاية، على أحد حوائط غرفة نومه. ونشأ زودر بالقرب من ثكنات الجيش الأميركي، ويقول إنَّه كان دائماً من المعجبين بالولايات المتحدة "أرض الفرص غير المحدودة".

ويتذكر زودر: "في المدرسة، كان يمكنك إما أن تكون مع شتراوس وإما ضد شتراوس، مع أميركا أو ضد أميركا"، وكان هو دائماً -كما يقول- "مؤيداً لبافارياً ومؤيداً لأميركا".

وقبل وقتٍ طويل من تحوُّل الهجرة إلى قضيةٍ ساخنة، بنى زودر سمعته بكونه شخصاً محرِّضاً. وقال في إحدى المرات إنَّ الأطفال الألمان يجب أن يُطلق عليهم "كلاوس" وليس "كيفن". وفي مرةٍ أخرى، اقترح إرسال حزب الخضر بأكمله لإجراء اختبار مخدرات.

في هذه الأيام، يُظهر "احترامه" لأوربان، وهو ضيف شرف رسمي مُعتاد في بافاريا، ويُعبِّر عن احترامه أيضاً للمستشار النمساوي سيباستيان كورتس، وهو زميل مُحافظ يقود ائتلافاً مع حزب الحرية اليميني المتطرف في فيينا.

ولا يعتقد زودر أنَّ هذا أمرٌ مُهم. وقال إنَّ ألمانيا يجب أن تتوقف عن كونها "بطل العالم في التصحيح السياسي".

وقال: "كان هناك وقتٌ فُرضت فيه عقوباتٌ على الحكومة النمساوية مؤقتاً؛ لأنَّها كانت متحالفة مع حزب الحرية. واليوم، يُعد هذا أمراً طبيعياً".

يُعد حزب الحرية حليفاً لحزب "البديل من أجل ألمانيا" والأحزاب اليمينية المُتطرفة الأخرى في أوروبا. إذاً، هل يمكن أن يُصبح التحالف بين المحافظين وحزب "البديل من أجل ألمانيا"، "طبيعياً" في ألمانيا أيضاً؟

ردَّ زودر: "لا أظن ذلك"، ثم توقف، وأضاف بنبرةٍ أكثر حزماً: "أبداً".

علامات:
تحميل المزيد