مرتدياً الزي الأفغاني، وراسماً على وجهه ابتسامة خفيفة وعلى كتفه بندقية كلاشينكوف روسية الصنع، هكذا ظهر حذيفة البدري نجل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، في صورة انتشرت له مع بضع كلمات تنعى وفاته، إثر عملية وُصفت بـ"الانغماسية" قادها ضد قوات النظام السوري والقوات الروسية في حمص وسط سوريا.
وتقول التفاصيل التي نشرتها وكالة "أعماق" الناطقة باسم التنظيم، مساء الإثنين 3 يوليو/تموز، ضمن بيان حمل عنوان "قوافل الشهداء"، نُشر عبر تطبيق تلغرام، إن "نجل الخليفة قُتل منغمساً في النصيرية والروس والمحطة الحرارية بولاية حمص".
و"النصيرية" هو المصطلح الذي يستخدمه التنظيم في الإشارة إلى الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الرئيس بشار الأسد.
هل نجل البغدادي مؤهل ليكون ضمن الانغماسيين؟
تعد الفرق الانغماسية لدى التنظيمات الجهادية من أقوى الأقسام العسكرية وأهمها، حيث تضم أهم العناصر المخلصة وأشدها بأساً، إضافة إلى استعدادهم للموت في سبيل التنظيم، كما يخضع الانغماسيون لتدريبات خاصة، لكنها قاسية وصعبة.
الانغماسيون هم الذين يبدأ التنظيم بهم معاركه، حيث ينطلقون في الأمام للاشتباك مع خصومهم وفتح الطريق أمام دخول باقي القوات، مستخدمين جميع الطرق، منها الرشاشات والقنابل، أو الحزام الناسف لتفجير أنفسهم في حال عجزهم عن الوصول إلى النقطة المطلوبة.
ووصف خالد -وهو أحد العناصر السابقين في الجيش السوري الحر- الانغماسيين بـ"الأشباح"، وقال: "عند فترات الحراسة الليلية كنا جميعاً نخشى هؤلاء الأشباح.. إنهم ينقضّون على خصومهم مثل لمح البصر".
وأضاف أنه يستبعد أن يكون نجل البغدادي من الانغماسيين، وأشار إلى أن بنيته وعمره (كما يظهر في الصورة) لا يساعدانه ليكون أحد هؤلاء.
العراقيون: ليس انغماسيا ولا حتى مقاتلا
وأكدت الاستخبارات العراقية في بيانٍ، الأربعاء 4 يوليو/تموز 2018، مقتل نجل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية بوسط سوريا، نافيةً في الوقت نفسه أن يكون قد قُتل في هجوم، بل في غارة روسية، في 2 من يوليو/تموز الحالي.
ونقلت خلية الصقور الاستخبارية العراقية، عن مصدر رفيع قوله، إن حُذيفة البدري، نجل البغدادي، لم يكن انغماسياً ولا حتى مقاتلاً كما يُسمى، بل كان وجوده رمزياً يتنقل بين مضافة وأخرى، كنوع من أنواع الدعاية النفسية لما تبقى من التنظيم.
وأكد المصدر أن مقتله كان بضربة جوية للروس على مغارة في حمص، وبحسب استطلاعات الصقور، فإن هذه المغارة كانت مشخصة، حيث لها ثلاثة مداخل، وتضم حوالي 30 من قيادات التنظيم وعناصر حماية حُذيفة، حيث تم ضربها بثلاثة صواريخ ذكية، بتاريخ 2 يوليو/تموز 2018، مشيراً إلى تأكيد مقتل 11 من الموجودين.
ولفت المصدر إلى أن نجل البغدادي كان نجا من غارة للطيران العراقي داخل الأراضي السورية، في 22 يونيو/حزيران الماضي، قُتل فيها مرافقاه، أحدهم سعود محمد الكردي، المُكنَّى أبو عبدالله، وهو صهر البغدادي ومتزوج من ابنته دعاء، ولديه منها عبد الله وعائشة.
التنظيم يواجه مصيراً غامضاً
المحطة الحرارية التي ذكرها التنظيم المتشدد في بيانه تقع بالقرب من البادية السورية، التي أعلن النظام السوري عن "تطهيرها بشكل كامل من عناصر التنظيم"، قبل عدة أيام، ونقلت وكالة سانا الموالية للنظام، عن بيان للجيش السوري قوله: "قواتنا العاملة في دير الزور، وبدعم من سلاحنا الجوي تستكمل طرد إرهابيي داعش من بادية دير الزور بالكامل، بعد تطهير مساحة تقدر بـ 5800 كيلومتر مربع".
ولفت الناشط محمد الخليل، من دير الزور، إلى أن عناصر التنظيم يشهدون حصاراً خانقاً، ولا يوجد لديهم سوى البراري والبادية لتؤويهم. وأضاف أن التنظيم لن يتمكَّن من السيطرة على مناطق كالسابق وإدارتها، وإنما سيعودون إلى ما كانوا عليه قبل عام 2012، عبر الاختفاء في المناطق الصحراوية والبادية.
وأوضح الناشط فارس الناصر من حمص، أن وجود التنظيم ينحصر في ثلاث مناطق في سوريا فقط، وهي عبارة عن جيوب داخل البادية بالقرب من تدمر، إضافة إلى مناطق خالية من السكان في ريف دير الزور، والمنطقة التي يسيطر عليها "جيش خالد" بريف درعا بالقرب من الحدود الإسرائيلية.
أبناء متفرقون
لا يمكن لأحد التنبؤ بعدد أبناء البغدادي، حيث إنه عقد قرانه عدة مرات، آخرها كان عام 2015 في مدينة نينوى العراقية، على فتاة ألمانية تدعى ديان كروغر، والتي فرَّت في ظروف غامضة، بحسب معلومات نشرها الجيش العراقي العام الماضي.
وكان الجيش اللبناني قد أعلن عن اعتقال زوجة البغدادي السابقة وطفلته في عام 2014، وتحمل زوجته الجنسية العراقية، وتدعى سجى الدليمي، ولديها طفلة اسمها "هاجر"، أثبت اختبار الحمض النووي أنها ابنة البغدادي.
وبحسب ما نُشر عن سيرة "سجى" مسبقاً، فإنها تزوجت أبو بكر البغدادي قبل أكثر من تسع سنوات، وكانا يسكنان في السيدة زينب بدمشق، حتى عام 2006، ثم طلقها وعاد البغدادي إلى العراق، بعد أن مكث في دمشق ثلاثة أعوام، بين عامي 2003 و2006.
لكن سجى وهاجر خرجتا في اتفاق تبادل مع جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، مقابل الإفراج عن 16 جندياً لبنانياً عام 2015.
البغدادي مختبئ بريف دير الزور
وأبو بكر البغدادي الذي أُعلن مقتله مرات عدة، يُعتقد أنه ما زال على قيد الحياة على الأراضي السورية الحدودية مع العراق، وتم رصد آخر موقع له قبل عدة أشهر في قرية "هجين" بريف دير الزور الشرقي، وكانت واشنطن قد رصدت مبلغ 25 مليون دولار لمن يحدد مكانه أو يقتله.
وتعتقد بعض المصادر أن البغدادي يتنقل في المناطق النائية بريف دير الزور، بعد قيام الجيش العراقي بقطع الحدود عبر حواجز عالية وأسلاك شائكة، مرجحين أن يرافقه ابنه وصهره، وعدد قليل جداً من العناصر الذين لا يتجاوز عددهم أربعة أشخاص.