المدينة التي هزمت هتلر يُطلق عليها العالم كله “ستالينغراد” لكنّ لها اسم مختلف

فولغوغراد ساهمت في حسم الحرب العالمية الثانية وأهلها حائرون بشأن تغيير اسمها

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/04 الساعة 19:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/08 الساعة 13:58 بتوقيت غرينتش

رُفات عشرات الآلاف من الضحايا دفنوا تحت قدمي هذه المرأة الحاملة للسيف والتي تقف مثل ملاكٍ مُنتقم في الأفق.

هؤلاء الذين سقطوا في معركة ستالينغراد الشهيرة لا يعلمون أن المدينة التي سقطوا دفاعاً عنها قد أصبح لها اسم مختلف أنه "فولغوغراد".

اسم لا يعرفه الكثيرون حول العالم الذين ارتبطت المدينة لديهم باسم ستالينغراد وبالدراما الإنسانية التي وقعت بها خلال الحرب العالمية الإنسانية والتي ستظل  تعرَّف هذه المدينة إلى الأبد، حسب تقرير لصحيفة The New York Times  الأميركية.

تمثال هذه المرأة المعروف باسم تمثال الوطن الأم (روسيا الأم)، يظهرها طويلة للغاية حتى أن بإمكانك رؤيتها من الأسفل من ملعب فولغوغراد شاهدة على هذا التاريخ.

تمثال روسيا الأم يظهرها طويلة للغاية حتى أن بإمكانك رؤيتها من أسفل ملعب فولغوغراد
تمثال روسيا الأم يظهرها طويلة للغاية حتى أن بإمكانك رؤيتها من أسفل ملعب فولغوغراد

أما جوزيف ستالين نفسه فقد اختفى من المدينة في عام 1961، عندما مُحي اسمه من كُتب التاريخ السوفيتية بكل بسهولة، وتغير اسم ستالينغراد لتصبح فولغوغراد، ضمن حملة خليفته نيكيتا خروشوف لتفكيك عبادة شخصية الديكتاتور السابق.

روح ستالين تسكن المكان

 ستالين حاضر في متاجر المدينة، ووجهه مطبوع على الهدايا التذكارية
ستالين حاضر في متاجر المدينة، ووجهه مطبوع على الهدايا التذكارية

فحتى في مركز الزوار أسفل التل، بجوار موقف السيارات، تشعر بوجود ستالين.

وها هو ذا هُنا في فندق ستالينغراد، وصورته في المقهى، بجانب التلفزيون الذي يعرض مباراة البرتغال أمام المغرب في كأس العالم.

إنَّه هُنا في متجر الهدايا، ووجهه مطبوع على الهدايا التذكارية: قوارير ستالين، وورق لعب ستالين، وساعات حائط ستالين، وعُلاقات مفاتيح ستالين، وولاعات ستالين، وقمصان ستالين، وأكواب ستالين، وأطباق ستالين التذكارية. (وهناك أيضاً أطباق تذكارية عليها صورة فلاديمير بوتين إلى جانب أطباق ستالين).

وها هو ستالين هنا أيضاً في مكتب إيرينا روبايفا (67 عاماً)، وهي مؤرخة ومرشدة سياحية ومالكة متحف ستالين في فولغوغراد.

عودة الاسم القديم؟

لدى إيرينا على مكتبها تمثال صغير يظهر فيه وجه ستالين مبتهجاً، وتمثال نصفي آخر له أكثر تعجرفاً مسنوداً على الحائط.

وتقول إنَّها تحب وجوده حولها. وعلاوة على ذلك تعتقد أن الوقت قد حان لاستعادة اسمه في المدينة التي ينتمي مُعظم تاريخها إليه.

وقالت إيرينا: "إنَّه سؤالٌ صعبٌ ومُعقدٌ للغاية، ما الاسم الذي تُطلقه على مدينة. ولكن كشخص من الجيل الأقدم، أحترم اسم ستالينغراد".

وقالت إنَّ جزءاً من الأمر يتعلق بالحرب العالمية الثانية، ومدى صعوبة فصل ستالين عن الأحداث البطولية المروعة المرتبطة بمكان كان يحمل اسمه والذي رفض التنازل عنه لهتلر.

نقطة انهيار هتلر

وتُعتبر معركة ستالينغراد، التي خلفت قرابة مليوني قتيل، واحدة من أكثر المعارك دمويةً في تاريخ الحروب، وكانت بمثابة نقطة تحول في جهود الحلفاء ضد النازيين.

ونشبت المعركة عندما قرر هتلر الاستيلاء على المدينة لتدمير بنيتها الصناعية الضخمة ولقطع طرق الإمداد للسوفيت وفتح الطريق للألمان للوصول لمنطقة القوقاز الغنية بالنفط، ولكن المعركة اكتسبت دافعاً شخصياً إضافياً للألمان والروس على السواء لأنها تحمل اسم ستالين، فأصبحت نزالاً بين الزعيمين.

معركة ستالينغراد خلفت قرابة مليوني قتيل
معركة ستالينغراد خلفت قرابة مليوني قتيل

وبعد المعركة ألقى هتلر باللائمة فيها على الجميع خاصة قادته دون أن يلوم نفسه، ولكن كان لها تأثير كبير عليه، إذ بدأ الرجل نفسه ينهار.

ولكن بالنسبة لإيرينا فلا يرتبط اسم ستالينغراد بدور ستالين في المعركة فقط بل تقول إنَّ جزءاً آخر من الأمر له علاقة بالرجل نفسه.

وأضافت قائلة: "ستالين يُشاد به من أجل إنجازاته السياسية والاقتصادية، ونحن نقترب من وقتٍ يُريد فيه الناس معرفة المزيد عنه وعن شخصيته".

موقف بوتين الغامض

وتُعتبر نظرة إيرينا ضمن وجهة نظر الأقلية في فولغوغراد، إذ يَدعَم ثُلثا السكان الحفاظ على اسم المدينة الحالي، وفقاً لإيفان كوريلا، أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في الجامعة الأوروبية في سانت بطرسبرغ.

أما الثُلث المتبقي فهو مُنقسم بين ستالينغراد وتساريتسن، وهو الاسم الذي كانت تحمله المدينة في القرن السادس عشر حتى عام 1925 عندما تغيرت في العهد السوفيتي تكريماً لدور جوزيف ستالين في الدفاع عن المدينة ضد قوات البيض المناهضة البلاشفة خلال الحرب الأهلية الروسية في الفترة بين 1918 و1920 (قبل أن يصبح حاكماً للاتحاد السوفيتي).

إلا أنَّ النقاش يحتدم والمشكلة حقيقية. هناك نداءات دائمة لإجراء استفتاء على مستوى المدينة. ولم يستبعد بوتين ذلك، ويقول باستمرار إنَّه يجب ترك القرار لسكان المدينة.

ومنذ خمس سنوات، صوتت حكومة المدينة لصالح استعادة الاسم القديم -إحياء اسم ستالينغراد- في ستة أيام كل سنة تحمل معنى خاصاً بالنسبة لتاريخ المدينة.

منذ 5سنوات صوتت حكومة المدينة لصالح استعادة اسم ستالينغراد في 6 أيام كل سنة
منذ 5سنوات صوتت حكومة المدينة لصالح استعادة اسم ستالينغراد في 6 أيام كل سنة

وقال أندري كوسولابوف، عمدة فولغوغراد: "هذه الأيام تحمل ذكرى خاصة ليس فقط بالنسبة للمدينة، فهي (أيام) مميزة للعالم بأسره".

وقال كوسولابوف لـThe New York Times إنَّه لا يُحبذ تغيير الاسم بشكلٍ دائمٍ، لكنه يُفضل احترام التاريخ، مضيفاً: "أهم حدث وقع في الحرب العالمية الثانية وقع هنا في ستالينغراد".

الحديث عن اسم المدينة يتعلق بأشياء أكثر بكثير من مجرد الحرب بالطبع.

وقال إيفان للصحيفة عبر البريد الإلكتروني: "إنَّها أيضاً مسألة معركة لا تزال مُهمة في روسيا بين تأييد ستالين ومناهضة ستالين . بعض المُدافعين (عن ستالين) لن يعترفوا بذلك أبداً، لذا يستخدمون هذا الجدل حول المدينة كطريقة لجعل موقفهم يبدو عقلانياً".

وقد أثير السؤال حول كيفية التعامل مع إرث رجل، كان مسؤولاً، إلى جانب ضلوعه بأمور أخرى، عن موت الملايين من أبناء شعبه، إضافة لملايين غيرهم في أجزاء أخرى من الاتحاد السوفيتي السابق أيضاً.

الرفيق ستالين يعود ببطء

لدى جورجيا واحدة من أسوأ العلاقات مع روسيا من بين جمهوريات الاتحاد  السوفيتي السابق.

لكن في مدينة غوري بجورجيا، وهي مسقط رأس ستالين، أعاد الحزب الشيوعي المحلي تمثالا لستالين بعد أن أُزيل.

وأيضاً في عام 2014، كشفت روسيا الغطاء عن نصب تذكاري في شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو مؤخراً، وكان هذا النصب التذكاري يضم ستالين إلى جانب ونستون تشرشل، وفرانكلين روزفلت، والقادة البريطانيين والأميركيين الذين التقى بهم خلال مؤتمر يالطا عام 1945 حول تقسيم أوروبا  بعد الحرب.

"إنَّهم لا يزالون يعتبرون ستالين مُحرراً هناك، ومن الصواب وجوب وجود نصب تذكاري له"، هكذا تعلق تمارا غولوفاشيفا، سكرتيرة الحزب الشيوعي المحلي في فولغوغراد.

في عام 2014، كشفت روسيا الغطاء عن نصب تذكاري في شبه جزيرة القرم ستالين
في عام 2014، كشفت روسيا الغطاء عن نصب تذكاري في شبه جزيرة القرم ستالين

لكن مكاتب الحزب يطغى عليها لينين، بما في ذلك، صور لينين، وتمثال نصفي للينين، ولكن إذا نظرت إلى زاوية غرفة الاستراحة والشاي، ستجد صورة لستالين خلف الغلاية.

في حالة فولغوغراد، هناك أيضاً مشكلة في اسم المدينة

"لا أحد يعرف فولغوغراد، لكن الجميع يعرف ستالينغراد"، هكذا قال رومان شكودا، وهو مؤرخٌ محلي وشخصيةٌ إعلاميةٌ تفضل العودة إلى الاسم الأصلي، تساريتسن.

وهذا ما تشير إليه تامارا، التي غَيَّر فرعُ حزبها اسمه الرسمي في عام 2013، وهو الآن يُطلق عليه المكتب الإقليمي للحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية بستالينغراد، إنَّ فولغوغراد تعني ببساطة "مدينة على نهر الفولغا"، وهو ليس اسماً مُثيراً للاهتمام.

وقريباً سيترك كأس العالم وراءه هذا السؤال وهذه المدينة أيضاً. وسيستضيف ملعب فولغوغراد آخر 4 مباريات له في بطولة كأس العالم اليوم الخميس، 28 يونيو/حزيران 2018. ولن تعود منطقة ماماييف هيل، وهو المكان الذي يوجد فيه تمثال روسيا الأم، مملوءاً بالسياح الذين يرتدون قمصان كرة القدم بعد ذلك.

اختبار تاريخي يومي

إن نظرتك للتاريخ أمرٌ حساسٌ للغاية عندما تجد نفسك تمشي على الموتى في أجزاء كثيرة من المدينة.

إذ تقول فيلينا بريليفا (49 عاماً)، وقد نشأت في فولغوغراد وتُدير مدرسة للغات هناك، إنَّها كلما تقدمت في السن شعرت بانفعال عاطفي أكثر.

وأضافت: "عندما تكبر وتنجب أطفالاً، تتفهم كيف ستشعر إذا حدث هذا لابنك. فأنت تبدأ اختبار هذا التاريخ بداخلك، وهذا يقودك للجنون. وهذا يجعل مغادرة هذا المكان أمراً صعب للغاية على بعض الناس".

إلا أنَّ فيلينا تُفضل احتفاظ المدينة باسمها الحالي، حتى وإذا كان كمجرد علامة على أنَّ المدينة قد تعَّدت هذه المرحلة، وأن لديها مُستقبلاً وليس فقط ماضياً.

وتابعت: "لقد ولدت في فولغوغراد وترعرعت في فولغوغراد. بالنسبة لي، يرتبط هذا الاسم بأشياء دنيوية بسيطة للغاية مثل الأشجار في الحديقة الخلفية، أو الذهاب مع والداي إلى السينما، أو الذهاب إلى الشاطئ على طول نهر الفولغا".

وقالت: "إنَّه اسم مُسالم للغاية لمدينة مُسالمة جداً".

 سكان فولغوغراد يجدون الاسم مُسالم للغاية لمدينة مُسالمة جداً
سكان فولغوغراد يجدون الاسم مُسالم للغاية لمدينة مُسالمة جداً