شواطئ مصرية مغلقة لـ”حماية الأجانب من التحرّش”.. كيف تحولت الإسكندرية من “عروس المتوسط” إلى مدينة أكثر خرابا؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/04 الساعة 15:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/26 الساعة 20:25 بتوقيت غرينتش
Egyptians crowd a public beach during a hot day in the Mediterranean city of Alexandria September 5, 2014. El Max, in Alexandria, where hundreds of boats dart through the canals, has been called the "Venice of Egypt" for its waterways and relaxed atmosphere. Its fishermen, however, worry about how they will make ends meet on meagre earnings they say are being reduced further by polluted waters that are making fishing more difficult. While the government has tried to fix the state's bloated finances by cutting subsidies and reining in spending, some argue the reforms hurt Egypt's most vulnerable who have long relied on a generous system of fuel and food subsidies to supplement low incomes. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh (EGYPT - Tags: AGRICULTURE BUSINESS SOCIETY TRAVEL)ATTENTION EDITORS: PICTURE 15 OF 26 PICTURES FOR WIDER IMAGE STORY 'THE VENICE OF EGYPT'SEARCH 'EL MAX' FOR ALL IMAGES

أثارت خطةٌ حكومية للترويج للسياحة في الإسكندرية، ثاني أكبر المدن المصرية والتي تقع على بعد 140 ميلاً شمالي غرب القاهرة على ساحل البحر المتوسط، جدلاً بين سكان المدينة والمصطافين. وتشمل الخطة، التي كشف عنها علي المانسترلي، رئيس غرفة شركات السياحة بالإسكندرية، تخصيص شواطئ خاصة حصرياً للزائرين الأجانب.

وعلَّقَ عمرو علي، الباحث في علم الاجتماع والمقيم بالإسكندرية، على القرار قائلاً: "إنه قرارٌ مُهين ومربك للغاية". واستنكر علي الخطة واصفاً إياها بالاستعمار الآلي وقال لموقع Al-Monitor الأميركي إن الإسكندرية تفقد بالفعل شواطئها بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر والخصخصة.

الشواطئ العامة القليلة المتبقية غير محافظ عليها بشكل جيد

وأضاف: "إن الشواطئ العامة القليلة المتبقية غير محافظ عليها بشكل جيد، ولا يزال المواطنون يضطرون إلى دفع المال مقابل الدخول إليها. بينما تفرض الشواطئ الجيدة القليلة كثيراً من المال كرسومٍ للدخول إليها، وهي تتجاوز قدرة المصريين من متوسطي الدخل، لذا فهناك حاجز طبقي مُطبَّق بالفعل".

ووقَّعَت غرفة شركات السياحة بالإسكندرية على اتفاقياتٍ مع اليونان، وقبرص، وإيطاليا للترويج للإسكندرية كوجهةٍ سياحية؛ على أمل زيادة تدفق السائحين الوافدين من الدول الثلاث الواقعة على ساحل البحر المتوسط، وفقاً لما قاله المانسترلي لصحيفة "المصري اليوم".

وتشمل الخطة توفير رحلات جوية مباشرة إلى مطار برج العرب في الإسكندرية، فضلاً عن رفع قدرة استيعاب المطار للركاب سنوياً إلى 4 ملايين راكب بحلول 2022، وهي أكثر من ثلاثة أضعاف الطاقة الاستيعابية الحالية للمطار والبالغة 1.2 مليون راكب. وبالتوازي، ستزيد أيضاً عدد الغرف الفندقية لتتوافق مع ارتفاع عدد السائحين المُتوقَّع، وفقاً للمانسترلي.

ودافع رئيس غرفة شركات السياحة عن قرار تخصيص شواطئ للسائحين فقط في المدينة الساحلية، مؤكداً أن القرار "سيخلق فرصة ترويجية للسياحة الشاطئية في الإسكندرية". وأضاف أن الشواطئ ستُصمّم لتلبية احتياجات الزائرين الأجانب".

لكن العديد من المصريين تساورهم الشكوك بشأن الخطة 

وعبَّرَت سميرة عبدالمجيد، البالغة 49 عاماً وتقطن بالإسكندرية وتعمل لدى مكتبة الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، عن اعتراضها على القرار قائلةً: "يُعد إقصاء السكان المحليين من شواطئ معينة تمييزاً ضدهم وسيُثير مشاعر معادية للأجانب". وأضافت: "للهروب من زحام الشواطئ في الإسكندرية نقضي عطلاتنا في إحدى المنتجعات المُطِلَّة على الساحل الشمالي الغربي"، في إشارة إلى الساحل الممتد من الإسكندرية غرباً صوب مدينة السلوم على الحدود مع ليبيا.

اكتظاظ شواطئ الإسكندرية بالمصطافين
اكتظاظ شواطئ الإسكندرية بالمصطافين

وحتى منتصف تسعينيات القرن الماضي كانت الإسكندرية وجهةً صيفية مشهورة لدى المصطافين المصريين القادرين مالياً، لكن هذا الحال تغيَّر حالياً، إذ تركت عقودٌ من الإهمال الحكومي، والزيادة السكانية، وتآكل الشواطئ، والتلوث الشديد أثرها على المدينة، التي لطالما كانت تلقب بجوهرة البحر المتوسط.

وبعد أن أصبحت الإسكندرية أزحم وأكثر خراباً اتجهت الطبقة العليا للبلاد غرباً لقضاء عطلاتهم الصيفية في المنتجعات الشاطئية البكر على طول الساحل. وخلال السنوات الأخيرة انتشرت منازل العطلات على طول الساحل لتلبية الطلب المتزايد من الطبقة العليا. وفي الوقت ذاته أصبحت الشواطئ العامة في الإسكندرية وجهة صيفية للمصطافين الأقل حظاً.

فقدت الإسكندرية بريقها لصالح مدنٍ أخرى كالقاهرة والأقصر

وكوجهةٍ سياحية، فقدت الإسكندرية بريقها لصالح مدنٍ أخرى كالقاهرة والأقصر، التي تحتوي على ثروة من الآثار المصرية القديمة، بالإضافة إلى مناطق الغطس في البحر الأحمر مثل شرم الشيخ. ويميل السائحون في مصر إلى تجاهل زيارة الإسكندرية أو تحديد مدة إقامتهم بها إلى رحلةٍ سريعة ليومٍ واحد. ورغم تصنيفها المتدني كوجهة سياحية للمسافرين إلى مصر، لدى الإسكندرية الكثير لتقدمه للسائحين، بما فيها الآثار اليونانية-الرومانية، والمباني المُشيّدة في الحقبة الاستعمارية.

ويُعتَقَد أن مكتبة الإسكندرية الهامة قد بُنِيَت في نفس موقع المكتبة القديمة السابقة لها، وهي مكتبة الإسكندرية الملكية. وهناك خططٌ بالفعل لتشييد متحفٍ تحت الماء لعرض بقايا قصر الملكة كليوباترا الغارق.

وبالنسبة للزائرين الساعين إلى التمتُّع بأشعة الشمس، والبحر، والاسترخاء، فإن توفير شواطئ خاصة تحميهم من عيون الفضوليين قد تكون فكرةً مثيرة للاهتمام. ويأمل بعض سكان الإسكندرية أن تسهم الشواطئ المخصصة للسائحين فقط في جذب المزيد من الزائرين إلى مدينتهم. ويرى آخرون الخطوة محاولةٌ لحماية الزائرات الأجانب من التحرُّش الجنسي، الذي ينتشر في مصر رغم سَنِّ قانون عام 2014 لتجريم هذا الفعل.

كانت الإسكندرية مدينة عالمية يختلط خلالها المصريون والأجانب

وقالت ميرا آدم، 39 عاماً وتعمل مترجمة حرة ومحررة لموقع Al-Monitor: "إن هؤلاء الذين يفكِّرون في تخصيص شواطئ للسائحين فقط عمليون. فهم يدركون أن المجتمع والثقافة قد تغيَّرا. كانت الإسكندرية مدينة عالمية يختلط خلالها المصريون والأجانب. واليوم، يشعر العديد من الزائرين، خاصة النساء الأجانب، بعدم الراحة وعدم الأمان وهم يمشون في شوارع مصر. وتكون النساء المرتديات البكيني عرضة غالباً للتحرُّش إذا ما شاركوهم نفس الشاطئ. إن الحذر خيرٌ من الندم".

والإسكندرية اليوم بعيدةٌ كل البعد عن كونها "محطة تجمع عربية يونانية حيث يلتقي الشرق بالغرب" مثلما وصفها الكاتب البريطاني لورانس داريل في سلسلته الروائية "رباعية الإسكندرية". إن "المدينة الآسرة للحواس" الموصوفة في روايات داريل هي إسكندرية بداية القرن التاسع عشر عندما كانت المدينة موطناً لمزيجٍ متنوع من المجتمعات والتي من بينها اليونانيون، والإيطاليون، والأرمن، والبلجيكيون، وغيرهم من الأقليات الأجنبية التي عاشت وامتزجت جيداً داخل المجتمع المتحرر في ذلك الوقت.

مصريون على شواطئ الإسكندرية
مصريون على شواطئ الإسكندرية

وبنهاية أوائل القرن العشرين، أصبح هؤلاء الأجانب مصريين فعلياً. وشكّل اليهود أيضاً، وهم أحد العناصر الرئيسية في رواية داريل، جزءاً مهماً من هذا المجتمع المفتوح.

مثَّل صعود التيار القومي في بداية خمسينيات القرن الماضي بعد قيام ثورة 1952، والتي أنهت النظام الملكي في مصر، بدايةً لانتهاء الإسكندرية "كمدينة عالمية". وترك أعضاء الجالية الأجنبية في الإسكندرية واليهود المصريون البلاد بعد سنِّ قوانين مهدت الطريق لإلقاء القبض على المواطنين دون تهمٍ، ومصادرة شركاتهم، وتأميم أصولهم. وكان اليهود والأقليات الأجنبية هدفاً للحملة القمعية العنيفة لنظام جمال عبد الناصر ضد الحريات المدنية.

شهدت نهاية سبعينيات القرن الماضي انتشاراً للأفكار الدينية المحافظة

وشهدت نهاية سبعينيات القرن الماضي انتشاراً للأفكار الدينية المحافظة التي يُرجِعها بعض المُحلِّلين إلى فترة ازدهار النفط الخليجي عندما سافر مئات الآلاف من المصريين للعمل في السعودية وعادوا إلى البلاد وهم محملين بالأفكار الوهابية التي كانت بعيدة عن المجتمع المصري سابقاً حتى أصبحت "قاعدةً للسلفيين في مصر".

ومنذ عام 2014، والإسلاميون أصبحوا هدفاً رئيسياً لحملات القمع الأمنية المستمرة ضد المعارضين، والتي أُلقي القبض خلالها على عشرات آلاف المواطنين. في الوقت ذاته، يواصل كل من الجيش والشرطة حربهما مع الجماعات الجهادية في شبه جزيرة سيناء. لكن هناك نوعٌ آخر من التطرف يُثير "قلقاً بالغاً" في نفس عمرو علي وهو التطرُّف الرأسمالي.

وعبر علي عن أسفه من القرار قائلاً: "يُعد قرار تخصيص شواطئ للسائحين فقط نوعاً من الفصل العنصري والرأسمالية المتطرِّفة التي لا تحترم الهويات أو الإبداع أو الروايات التي تشكل ماهية المدينة. الجنيه هو الهدف الأساسي لهؤلاء الساعين إلى تعظيم أرباحهم ولا يشكل أي شيء آخر فارقاً. يتعلق الأمر كله بجني المزيد من الأرباح حتى لو كان هذا على حساب الصالح العام".

 

 

تحميل المزيد