أوروبيون يتوقعون فشله.. مصر تعيد إحياء منظمة سابقة للقذافي بتمويل إماراتي كبير لمحاربة الإرهاب في إفريقيا

التحرك صوب إنشاء هذا المركز الجديد تم خلال مؤتمر شرم الشيخ في مارس/آذار 2016، والذي شارك فيه وزراء دفاع الدول الأعضاء، وقد اتفق على إقامته في مصر

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/03 الساعة 12:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/03 الساعة 12:07 بتوقيت غرينتش

يوم 24 يونيو/حزيران 2018، أعلن المقدم  تامر الرفاعي، المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري، على صفحته الرسمية، أن الجيش المصري قد انتهى من إنشاء "المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لتجمُّع الساحل والصحراء" في فتره وجيزة؛ لدعم التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء في مواجهة الإرهاب.

مصر تشارك فى الإجتماع السابع لوزراء دفاع دول تجمع الساحل والصحراء بنيجيريا .القوات المسلحة تنهى إنشاء المركز الإقليمى…

Posted by ‎الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري للقوات المسلحة‎ on Sunday, June 24, 2018

فما قصة هذا المركز؟ وما دوره بالتحديد؟

تجمُّع الساحل والصحراء

البداية جاءت عام 1998، عندما نجح الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، في إنشاء منظمة تهدف إلى تفعيل التنسيق الأمني والسياسي بين دول الشمال الإفريقي وجنوب الصحراء، تحت اسم منظمة "تجمُّع دول الساحل والصحراء"، بمشاركة 6 دول هي: ليبيا وتشاد والنيجر ومالي والسودان وبوركينا فاسو.

وقد اتُّفق على أن تكون مصر حاضرة بصفتها مُراقباً، وأن  يكون مقر الأمانة العامة للمنظمة في العاصمة الليبية طرابلس. وقد نمت المنظمة بعد ذلك، وزاد عدد أعضائها حتى وصل إلى 27 عضواً إفريقيّاً.

لكنَّ التحرك صوب إنشاء هذا المركز الجديد تم خلال مؤتمر شرم الشيخ في مارس/آذار 2016، والذي شارك فيه وزراء دفاع الدول الأعضاء، وقد اتفق على إقامته في مصر، وتعهدت الإمارات بأن تكون الداعم المالي الأكبر له.

وفي 25 يونيو/حزيران 2018، أعلن اللواء محمد الكشكى، مساعد وزير الدفاع المصري، انتهاء مصر من بناء المركز في وقت قياسي كما وعدت، كما أعلن تقديم مصر 1000 منحة دراسية للعسكريين من دول التجمع في مجال الأمن والدفاع.

هذا وقد علِم "عربي بوست" من مصادر مطلعة، أن مقر المركز يقع شرق العاصمة المصرية، على مقربة من مطار القاهرة الدولي، وأن مساحته التي تجاوزت 14 ألف متر مربع صُممت لاستيعاب الدارسين وتسكينهم، فضلاً عن صالات الدراسة ومعامل الكمبيوتر وقاعات الندوات وشاشات العرض  وأحدث وسائل الاتصال، إضافة إلى مكتبة متخصصة بالأبحاث الأمنية والجيوسياسية.

اللواء أركان حرب سيد غنيم ، مستشار الأمن الدولي والدفاع  والرئيس الأسبق لعمليات جهاز الاستطلاع، تحدث لـ"عربي بوست" عن المشروع، قائلاً: "مبدئياً، دعنا نتفق على أن ملف الإرهاب هو أحد أهم شواغل الأنظمة الحاكمة في العالم الآن، وفي الشمال والوسط الإفريقيَّين أصبح لديك رافدان للإرهاب: تنظيم داعش الذي يتحرك في ليبيا، وتنظيم بوكو حرام الأشد ضراوةً وخطراً".

وأضاف أن وجود هذا المركز وتفعيله واختيار مصر مقراً دائماً له، هو تدعيم لدور إقليمي جديد نسبياً لمصر، "إقليمياً، الملف الأبرز الذي تشغل فيه مصر حيزاً مناسباً هو الملف الفلسطيني، وإضافة مساحات إقليمية أوسع تحرُّكٌ جيدٌ للإدارة المصرية".

وأوضح غنيم أن "الإمارات كقوة إقليمية فاعلة لها تحركاتها المؤثرة في الإقليم، بالطبع كثير من تلك التحركات تتم بالتنسيق مع الجانب السعودي، لكن يظل لها مساحتها الخاصة بطبيعة الحال". وأضاف: "من الجلي أن أبوظبي حريصة جداً على تعزيز دورها الإقليمي في إفريقيا، لاحِظ الزيارة رفيعة المستوى الأخيرة من جانبها لدولة إثيوبيا".

هذا المركز سيقوم بدور هام جداً في مواجهة الإرهاب تنسيقياً وتدريبياً في تلك المساحة الإفريقية في الفترة المقبلة، فضلاً عن أنه سيفتح مساحات إقليمية ودور إفريقي أكبر للقاهرة في توقيت هي في أمسِّ الحاجة إليه. ويختتم الجنرال المصري حديثه، قائلاً: "اختيار مصر لإقامة هذا المركز تم لأسباب سياسية بالطبع، لكن أيضاً لأسباب مهنية؛ فمصر لها خبرات تراكمية هائلة في هذا المجال، فضلاً عن كونها قِبلة للضباط الأفارقة الراغبين في دراسة العلوم العسكرية ورفع مهاراتهم القتالية، أظن أنه اختيار موفَّق جداً".

أسوة بالمراكز السعودية الجديدة؟

يأتي إنشاء المركز الإفريقي الجديد في الوقت نفسه الذي تُولي فيه الرياض عناية خاصة لملف مكافحة الإرهاب، وقد انعكس ذلك على إنشاء المملكة 4 مراكز متخصصة في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وهي: "المناصحة" و"الحرب الفكرية" و"اعتدال" و"مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب"، مما جعل البعض يقول إن ذلك المركز، المدعوم إماراتياً، خطوة أخرى من خطوات أبوظبي لسحب البساط من الرياض، والْتهام الكعكة الإفريقية منفردةً بعد أن سعت جاهدةً لإقصاء قطر من على الساحة، والتي أسهمت كثيراً أزمة الحصار الأخير لها في تقليل وجودها الإفريقي.

"هو ليس مصحة لعلاج الإرهابيين"، هكذا يعقب اللواء حمدي بخيت، وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري، على تلك النقطة، مضيفاً أن "المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لتجمُّع الساحل والصحراء" دورُه الأساسي والمحوري هو التنسيق الاستخباراتي بين دول الإقليم، وتدريب الضباط والعناصر ذات الكفاءة بها على أحدث أساليب جمع المعلومات وتفكيك الشبكات الإرهابية والقضاء عليها، "نحن نتحدث عن غرفة عمليات دائمة وليس مصحة لعلاج الإرهابيين فكرياً".

يستطرد بخيت قائلاً: "بالطبع، المواجهة الفكرية والندوات التثقيفية عنصر فعال لا يمكن تجاهله، لكننا هنا نتحدث عن شيء آخر، نتحدث عن مركز عسكري بالأساس، معنيٍّ بتدريب وإعداد الضباط، فضلاً عن تنسيق المعلومات الاستخباراتية بهذا الشأن بين الدول الأعضاء".

وعن المنافسة السعودية-الإماراتية، يعقب بخيت: "لنتفق على أن كل دولة في العالم لها مصالحها التي تسعى للحفاظ عليها، هذا أمر طبيعي جداً، هذا لا يعني وجود أزمة أو تناحر أو أي شيء، لكن هذا المركز ليس صحيحاً أنه محاولة إماراتية للاستحواذ على إفريقيا دون المملكة كما يقول البعض، فالحقيقة أن السعودية مراقب وداعم للمركز الجديد وليست خصماً له".

وعن الدور المصري، يقول إنه "مهم جداً لك كدولة محورية أن توسع مجال تحرُّكك، لسنوات طويلة ولّت القاهرة وجهها شطر الشرق حيث القضية الفلسطينية، وهو دورها وقدرها لا شك في ذلك، لكن آن الأوان أيضاً للنظر إلى الحدود الغربية وما وراءها"، مؤكداً أن "القاهرة مؤهلة بشدة للعب ذلك الدور في مواجهة الإرهاب بالغرب والوسط الإفريقي، بحكم ما تمتلكه من عناصر وخبرات تراكمية؛ لذا بات حتمياً علينا توظيفها واستخدامها إقليمياً بشكل مفيد للجميع"، على حد تعبيره.

لكن أوروبا لها نظرة مختلفة

بعيداً عن القراءة العربية المتفائلة لدور المركز الجديد ومستقبل مصر الإقليمي، هناك قراءة أخرى للقصة من الجانب الآخر للمتوسط.

"عربي بوست" أجرى مكالمة هاتفية مع أحد المسؤولين البارزين عن مكافحة الإرهاب بالاتحاد الأوروبي، والذي عقّب قائلاً: "لا أعتقد أن هذا المركز -مع تقديري للدول الأعضاء، ومصر تحديداً- سيكون له أي دور أو أي نجاح ملموس على الأرض للأسف".

وأضاف الدبلوماسي الغربي شارحاً: "هذه منطقة نفوذ فرنسية منذ عقود، وهناك خطة للاتحاد الأوروبي منذ عام 2013 لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء. وللأسف، لم يُكتب لها أي نجاح، هذا على الرغم من وجود قوة حفظ سلام من الاتحاد الأوروبي في مالي، فنحن نتحدث عن مشكلة إقليمية شديدة التعقيد".
وأوضح أن معظم عناصر "القاعدة" في المغرب  والمجموعات المنبثقة منها في الساحل ذات أصول جزائرية وموريتانية، كذلك في الجنوب الغربي وحول بحيرة تشاد هناك تنظيم "بوكو حرام"، الذي يسيطر عليه مسلمون من طائفة الهوسا.
وهناك دراسة تحدد أرباح "القاعدة" من هذه المنطقة بنحو 75 مليون دولار أميركي خلال العامين الماضيين، فـ"القاعدة" تسيطر على التجارة الحدودية بين الجزائر وبلدان  الساحل الأخرى، وكذلك تحتكر تجارة الأسلحة للجماعات الإرهابية في المنطقة وهي نحو 6 جماعات إرهابية.

ويختتم الدبلوماسي حديثه قائلاً: "للأسف، لا أرى أي فائدة أو هدف عملي لإنشاء هذا المركز الجديد، فلو كانت هناك نية حقيقية لتفعيل التنسيق الأمني، فما سبب إنشاء مركز جديد برعاية إماراتية، في حين أن هناك مركزاً لدراسة الإرهاب ومكافحته، موجود بالفعل في الجزائر ويتبع الاتحاد الإفريقي، ومدير المركز هذا ومعظم العاملين فيه من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، إذاً لماذا الإنفاق على مركز جديد الآن؟!".

مركز "تجمُّع دول الساحل والصحراء" صرحٌ جديدٌ أُنفق عليه ببذخ وأُقيم بالقاهرة. والكل اتفق على أن الجانب المصري سيستفيد منه أيما استفادة، وإن اختلفت الآراء حول سبب وجوده أصلاً؛ بين من يراه "موضة خليجية" جديدة تُجاري هوس الملوك بفكرة إنشاء مراكز بحثية ليس إلا، وآخرين يرونه انعكاساً لصراع مكتوم على الاستحواذ الإقليمي بين الرياض وأبوظبي الطامحة كلٍّ منهما إلى السيطرة على المنطقة وبسط نفوذها بها، بعد أن تم تحجيم قطر بمعنى من المعاني، في ظل قبول القاهرة ورضا حكامها بدور الوسيط أو السمسار.

علامات:
تحميل المزيد