باستخدام أشرس وحداته، بدأ هجوم النظام السوري على مناطق سيطرة المعارضة في محافظة درعا السورية في 25 يونيو/حزيران الماضي.
إذ تشارك أفضل قوات الجيش السوري ضمن القوات المُهاجِمة. منها قوات النمر بقيادة العقيد سهيل الحسن والفرقة الرابعة المدرعة في درعا.
ووفقاً لموقع مرتبط بحزب الله، يشارك أيضاً مقاتلون من حزب الله اللبناني، مرتدين زي الجيش السوري.
ويُعَد الهجوم على درعا رمزياً تماماً بقدر أهميته العملية، حسب وصف تقرير لصحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية.
ففي نهاية المطاف، كانت درعا هي المكان الذي انطلقت منه الثورة السورية. إذ كانت تظاهرات أطفال المدارس في المحافظة الواقعة جنوب غرب سوريا، ورد نظام الأسد الوحشي عليهم، هي ما أطلقت سلسلة الأحداث التي وضعت سوريا على الطريق إلى الحرب الأهلية.
المعارضة اختارت القتال حتى النهاية
الآن، بعد مرور ست سنوات، وسقوط 500 ألف قتيل في الحرب، بدأت آخر معارك التمرُّد السوري المستقل في المحافظة ذاتها.
ورغم أن نتيجة هذه المعركة معروفة مسبقاً. لكنَّ مصادر مقربة من المعارضة تشير إلى أنَّه لن تكون هناك عمليات استسلام جماعية. لقد اختاروا القتال حتى النهاية.
ولكن معركة درعا لا تقتصر أهميتها على الطابع الرمزي، بل لها أهمية خاصة في الصراع الإيراني مع أميركا وإسرائيل.
وتحذيرات أميركا من توغل النظام ليست جدية
التفاصيل المُتكشِّفة المُتعلِّقة بالحملة لها تداعيات بالنسبة لآمال إسرائيل في إمكانية أن تمنع المساعدة الروسية وصول القوات الإيرانية والمرتبطة بإيران إلى حدود هضبة الجولان.
وكانت درعا موضوع اتفاقٍ لوقف إطلاق النار توسَّطت فيه الولايات المتحدة وروسيا والأردن العام الماضي 2017. لكنَّها مع ذلك تختلف عن المناطق الأخرى في سوريا الواقعة الآن خارج سيطرة نظام الأسد، وذلك في أنَّه لم تكن، وليست هناك الآن، دولة مستعدة بوضوح لدعم دفاعها المستمر في وجه النظام.
ونتيجة لذلك، من الواضح أنَّ النظام توصل إلى تقييم يفيد بأنَّه رغم "التحذيرات" الأميركية المختلفة في الأسابيع الأخيرة من توغل النظام في المنطقة، فإنَّه لن تُبذَل جهودٌ جدية لمنع أو مقاومة التقدُّم إلى المنطقة.
وكانت الولايات المتحدة تسعى لردع النظام، فحذَّرت إيَّاه من أنَّ أي محاولة لخرق منطقة "خفض التصعيد" ستؤدي إلى "تداعيات خطيرة" و"إجراءات صارمة وملائمة".
المعارضة صدقت الولايات المتحدة التي غيرت موقفها
لم يكن لهذه الكلمات التأثير المرغوب المُفتَرض (المتمثل في ردع النظام وروسيا). لكنَّها أدَّت فعلاً إلى آمال واسعة في صفوف المعارضة بدرعا بأنَّ تدخُّل الولايات المتحدة نيابةً عنهم سيحدث إذا ما وقعت محاولة حقيقية من النظام لاستعادة منطقتهم.
ولتقليل هذا الحماس، نصحت رسالة أخرى من واشنطن لقادة مجموعات المعارضة (سُرِّبت إلى وكالة رويترز) المُعارضين بأنَّه في حين "أنَّنا في حكومة الولايات المتحدة نتفهَّم صعوبة الظروف التي تواجهونها وما زلنا ننصح الروس والنظام السوري بعدم اتخاذ إجراءٍ عسكري يخرق المنطقة.. فعليكم ألا تبنوا قراراتكم على افتراض أو توقُّع تدخلٍ عسكري من جانبنا".
كان ذلك واضحاً للغاية. ولم تنكر واشنطن الرسالة. ورغم البيانات السابقة، كانت المعارضة بمفردها. كان مصيرهم قد تحدَّد.
درعا لها خصوصية تجعلها الحلقة الأضعف
وبالإضافة إلى منطقة درعا/القنيطرة، هناك ثلاث مناطق أخرى من سوريا خارج سيطرة النظام، تُشكِّل معاً نحو 40% من مساحة البلاد.
وهي:
1- المنطقة المحيطة بالقاعدة التي تُبقي عليها الولايات المتحدة في التنف جنوبي سوريا، وهي منطقة صحراوية تتعاون فيها الولايات المتحدة مع مجموعة صغيرة من المعارضة تُسمَّى مغاوير الثورة.
2- المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية شمال غربي سوريا، والتي تسيطر عليها المعارضة الإسلامية جزئياً تحت السيطرة المباشرة لتركيا.
3- المنطقة الكبيرة شرقي نهر الفرات التي تُدار حالياً من جانب فيدرالية شمال سوريا المُعلنة من طرفٍ واحد ويهيمن عليها الأكراد ويوجد فيها ألفا جندي أميركي على الأقل.
هذه المناطق في الوقت الحاضر محميّة مباشرةً بقوات الدول الأجنبية، تركيا في حالة الشمال الغربي والولايات المتحدة في حالة منطقة شرق الفرات والمنطقة المحيطة بالتنف.
ويقول الأسد علناً أنَّه يعتزم مهاجمة كل تلك المناطق.
لكنَّ منطقة درعا/القنيطرة، التي تفتقر إلى وجود دولة راعية وبالتالي الأكثر ضعفاً وانكشافاً، كانت هي الهدف الطبيعي التالي الذي يلفت انتباه النظام.
والآن عليهم مواجهة الأسد مدعوما بالطيران الروسي
في الوقت الراهن، تحتشد قوات النظام من أجل هجوم على مدينة درعا نفسها. ويدعم سلاح الجو الروسي قوات الأسد.
وبدون قوة جوية وقدرات صغيرة قيّمة مضادة للطائرات ومدفعية أو دروع ثقيلة، يبدو مصير مناطق سيطرة المعارضة واضحاً.
ولكن ما هي تداعيات السقوط والانهيار المُرجَّح لمناطق سيطرة المعارضة المتبقية في درعا ومحافظة السويداء المجاورة؟.
سقوط درعا والسويداء ثُمَّ القنيطرة نهاية للثورة كقوة مستقلة
فكل المناطق التي لا تخضع لسيطرة الأسد، إمَّا تخضع لسيطرة قوى أجنبية تستخدم المعارضة عملياً كمُتعاقدين عسكريين (التنف، والشمال الغربي الخاضع للسيطرة التركية) أو تضم مقاتلين من غير العرب السُنَّة (مناطق شرق الفرات التي تهيمن فيها وحدات حماية الشعب الكردية).
وعلى هذا النحو، المعركة التي تبدأ حالياً ستُختتم بنهاية التمرُّد العربي السُنّي الذي بدأ في أواخر 2011 بهدف إزاحة نظام الأسد، والذي كان قريباً من الانتصار في 2013 ثُمَّ مجدداً في 2015، لكن جرى إحباطه بالتدخُّل الإيراني ثُمَّ الروسي.
وهذا لا يعني بالضرورة إعادة توحيد سوريا
الأمر يعتمد على رغبة تركيا والولايات المتحدة وتحديداً ما يتعلَّق بما إذا كانتا ترغبان في إبقاء مناطق سيطرتهما أم لا، بالإضافة إلى دور روسيا، التي تجعل مشاركتها وحدها هجمات النظام السوري فعّالة.
وموسكو هي التي سمحت بالهجومين التركيين في أغسطس/آب 2016 ويناير/كانون الثاني 2018.
كما أنها لا تستطيع إجبار الولايات المتحدة على الخروج من مناطق انتشارها الحالية.
والآن الأضواء تتسلط على معركة جديدة
بالنظر إلى الوجود الواضح لمقاتلي حزب الله الذين أُعِيد تصويرهم كجنود بالجيش السوري في الهجوم، فإنَّ الأحداث الأخيرة يجب أن تُلقي بظلالٍ من الشك على قدرة روسيا على فرض عدم وصول العناصر الموالية لإيران مع الجيش العربي السوري أثناء دخوله القنيطرة، وهو ما يجب أن تفعله بالتأكيد.
وهذا يعني أنَّ المواجهة المباشرة بين إسرائيل والعناصر الموالية لإيران جنوبي سوريا على الأرجح ستستمر.
ففي 18 يونيو/حزيران 2018، قُتِل العشرات من أفراد ميليشيا كتائب حزب الله العراقية الموالية لطهران نتيجة لغارة جوية على منشأة تابعة للمجموعة قرب الحدود السورية-العراقية.
ونفت القيادة المركزية الأميركية، التي لم تهاجم الميليشيات الشيعية قط، بصورة قاطعة أي تورط لها، فيما بقيت إسرائيل صامتة.
ويشير السقوط النهائي الوشيك للمعارضة في جنوب سوريا، والعجز الروسي الواضح عن منع العناصر الموالية لإيران من الانضمام إلى تقدُّم قوات النظام، والتورط الإسرائيلي المحتمل في ضربة مباشرة ضد أفراد الميليشيات، إلى أنَّه في حين قد يبدو التمرُّد العربي السُنّي مُنتهياً تقريباً، فإنَّ الصراع في سوريا يبدو مُرشَّحاً للاستمرار.