أوروبا تريد إنقاذاً مغربياً من المهاجرين.. لكن حزباً إسبانياً يهدد خطتها.. فماذا سيحدث لو أضرَّت مدريد بعلاقاتها مع الرباط؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/01 الساعة 20:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/01 الساعة 20:50 بتوقيت غرينتش

استخدموا آلات حادة ليقطعوا الأسيجة، كان عددهم كبيراً، ولكن الشرطة المحلية لم تكتشفهم، ليصلوا أخيراً لما كانوا يحلمون به؛ بقعة من الاتحاد الأوروبي تقع على الأرض الإفريقية. وخلال 72 ساعة فقط عبر 853 مهاجراً الحدود، وأصبحت مشكلاتهم مسؤولية الدولة الإسبانية.

حدث هذا في 6 فبراير/شباط 2017، كان أمراً صادماً لإسبانيا أن يهاجر في ثلاثة أيام هذا العدد الضخم، الذي يعادل نصف إجمالي المهاجرين في عام 2016 بأكمله عبر نفس الطريق، سواء لجيبَي سبتة ومليلة، الواقعتين بالساحل المغربي، والخاضعتين لإسبانيا، أو للأراضي الإسبانية ذاتها، ولو استمرَّ الأمر على هذا المنوال لوجب على إسبانيا استقبال أكثر من مائة ألف  مهاجر سنوياً.

ولكن لحسن حظ إسبانيا فإن هذا لا يحدث يومياً، ولكن يحدث فقط عندما يغضب المغرب.

فقبل هذا التسلل المكثف بساعات، حذَّر وزير الزراعة المغربي عزيز أخنوش من أن أي عوائق أمام صادرات بلاده من الزراعة وصيد الأسماك إلى أوروبا يمكن أن تُجدد "تدفقات الهجرة"، التي "أدارتها" الرباط، وحافظت عليها "بجهد مستمر"، وذلك في مواجهة الشكاوى التي تواجهها بلاده في المحاكم الأوروبية بشأن المنتجات المستخرجة من الصحراء.

ولكن ليس لهذا السبب فقط، فلأسباب كثيرة، يعد المغرب دولة مهمة جداً لأوروبا عامة، وإسبانيا خصوصاً، فقد عزَّزت الرباط موقعها كشريك موثوق واستراتيجي، في مواجهة موجات تدفق المهاجرين والتهديدات الإرهابية، حسب تقرير لصحيفة larazon الإسبانية.

ويُمثل المغرب بلداً مهماً لاستقرار كامل القارة الأوروبية، وليس فقط إسبانيا، حسب ما قاله للصحيفة الخبير الإسباني في العلاقات الدبلوماسية مع دول الجوار الجنوبي.

الملكيتان تساهمان في هذا التواصل.. خط ساخن بين التاجين

وقد تعزَّزت العلاقات بين الرباط ومدريد، عبر التواصل الإيجابي بين المؤسستين الملكيتين، الذي وضع تكريسه بشكل عملي من خلال إبرام تفاهم حول الاتصال المباشر بين وزارتي الخارجية في كلا البلدين، من أجل حل كل الخلافات العابرة، التي من المنطقي أن تظهر من حين لآخر بين الجيران.

وخلال السنوات الأخيرة، تم تعزيز ذلك الخط الساخن الذي تم إنشاؤه بجهود مباشرة من الملك الإسباني خوان كارلوس الأول، وخلفه فيليب السادس، مع نظيرهما المغربي محمد السادس، بفضل مساعي رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي، التي تُوّجت بالتوقيع على اتفاق خلال هذا الأسبوع أثناء زيارة للرباط، ضمَّت وزير الخارجية جوزيب بوريل، ووزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا، المنتميين للحكومة الاشتراكية الجديدة بقيادة بيدرو سانشيز.

ولكن الآن جدَّ جديد قد يُغضب الرباط كثيراً

بدَّد وزير الخارجية الإسباني المخاوف المغربية حيال أي تغيير في السياسة الإسبانية تجاه قضية الصحراء الغربية، يمكن أن يحدث تحت ضغط من حزب بوديموس (يسار متشدد)، الذي صعد في الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2016 وحلَّ ثالثاً في البرلمان.

كما أكد وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي- مارلاسكا مجدداً على أهمية المحافظة على علاقات ممتازة وتعاون إيجابي في الحرب ضد الإرهاب، من خلال شنِّ عمليات مشتركة، وتبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية، من أجل الوقاية من هذه الآفة.

ولعبت  أجهزة الاستخبارات المغربية دوراً أساسياً في تفكيك الخلايا الإرهابية، التي كانت وراء شنِّ هجمات في باريس وبروكسل خلال السنوات الماضية.

قصة الحزب المتأثر بالعرب الذي يحبه بعض المغاربة وتكرهه حكومتهم

ولكن يظل حزب بوديموس مشكلة محتملة في العلاقات بين البلدين، خاصة مع صعوده الواضح في السياسة الإسبانية.

وتقول بعض التقارير، إن هذا الحزب  يلقى ترحيباً كبيراً من الجالية المغربية في إسبانيا بسبب مواقفه من الهجرة، سواء دعم الاندماج السياسي والاجتماعي أو التقليل من الإجراءات الإدارية التعسفية المتضمّنة في قانون الأجانب، مقابل تحفظ من قبل الدولة المغربية، بسبب مواقفه في قضايا مثل الصحراء الغربية.

وحزب بوديموس الذي كان يدعم رئيس الحكومة الاشتراكي  بيدور سانشيز كان يريد أن يكون شريكاً في الحكومة، ويرغب في تبنِّي سياسات لمكافحة التقشف، ووضع سياسات سخية للرعاية الاجتماعية، ولوائح وضرائب أكثر صرامة على البنوك.

ولكن رفض سانشيز دعوات لتخصيص مناصب بالحكومة لهذا الحزب اليساري، الذي أيد بقوة حجب الثقة عن رئيس الحكومة السابقة، واختار سانشيز معظم أعضاء الحكومة الجديدة من حزب العمال الاشتراكي المنتمي إليه.

وبرز حزب "بوديموس" في إسبانيا، بفضل أزمة غير مسبوقة لم تطل الاقتصاد فحسب، بل أيضاً المؤسسات التي نخرها الفساد الذي طال الأحزاب التقليدية والشركات الكبرى والنقابات، وحتى ابنة الملك خوان كارلوس.

واستفاد "بودوموس" من "حركة الغاضبين"، التي تأثرت بأحداث بـ"الربيع العربي"، وانتشرت في عموم إسبانيا. وتشكل الحزب على أنقاضها من قبل مجموعة من الشباب الناشطين بزعامة بابلو إغليسياس الذي يترأس الحزب.

أوروبا أحوج ما تكون للقبضة المغربية المحكمة للسيطرة على تدفق المهاجرين.. ولكن الرباط لن تقبل أن تكون حارس بوابة

ويشهد الاتحاد الأوروبي أزمة سياسية داخلية حادة، بسبب غياب أي سياسة جماعية واضحة تحظى بالإجماع، حول معالجة مشكلة الهجرة وتدفق اللاجئين، في ظل سعي الأحزاب الشعبوية والقومية في أوروبا لاستغلال هذه الأزمة لتعزيز المخاوف الشعبية في العديد من البلدان الأوروبية، من أجل الوصول إلى السلطة. ويبدو ضمان تعاون الطرف المغربي في الحدِّ من تدفق المهاجرين مهماً بالنسبة لأوروبا.

 ولكن حكومة الرباط ترفض في الوقت الحالي إقامة مراكز لإيواء المهاجرين خارج حدود الاتحاد الأوروبي، حسب ما ذكرت الصحيفة الإسبانية.

وقد دعت المملكة المغربية، على لسان وزير خارجيتها ناصر بوريطة، الأوروبيين إلى "الابتعاد عن الحلول السهلة والسياسات غير البنّاءة".

لأن الرباط أصبحت لديها سياسة مختلفة تجاه القارة الإفريقية

خلال السنوات الأخيرة، شهد المغرب تغييرات جزئية في تعامله مع المهاجرين من دول جنوب الصحراء، في إطار تعديل سياساته وسعيه للعب دور قيادي في القارة الإفريقية.

وتشير البيانات الأخيرة إلى أن المغرب يستضيف حوالي 45 ألف مهاجر، في إطار لعب دور في معالجة هذه الظاهرة، إلا أن هذا الدور يبقى غير كاف في ظل تواصل  تدفق أعداد هائلة من الأفارقة الحالمين بعبور البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا، الذين لا يفضلون البقاء في المغرب، حتى لو قدَّم لهم حياة كريمة، بعيداً عن شبح الموت غرقاً.

وتحت قيادة الملك محمد السادس،  استعادت المملكة المغربية مكانتها داخل منظمة الاتحاد الإفريقي، وشاركت أيضاً في قمة المناخ في باريس، وفي برازافيل ضمن أعمال لجنة حماية المناخ والصندوق الأزرق لدعم حوض الكونغو، حسب الصحيفة الإسبانية.

وفي مجال الطاقة، قضى الرئيس النيجيري محمدو بخاري يومين في الرباط، في إطار زيارة إلى المؤسسة الملكية المغربية، لإبرام عدد من الاتفاقات، من بينها إنشاء خط أنابيب غاز بطول 6500 كيلومتر، يربط بين حقول الغاز النيجيرية والسوق الأوروبية، مروراً بالمغرب وغرب إفريقيا.

ويبدو أن رغبة الوزير الإسباني في إزالة الأسلاك الشائكة التي تهدد حياة المهاجرين تُغضب المغرب أيضاً

وهناك الآلاف من المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، الذين يتجمعون في مناطق قريبة من سبتة ومليلة، وهو ما يطرح الكثير من الرهانات الأمنية بالنسبة للسلطات المغربية.

ونقلت الصحيفة الإسبانية عن مصادر قولها، إن الرباط لم تُخفِ مخاوفها من نوايا وزارة الداخلية الإسبانية الجديد، بعد أن أعرب فرناندو غراندي مارلاسكا، الوزير الجديد في حكومة بيدرو سانشيز، عن رغبته في إزالة الأسلاك الشائكة التي كانت موضوعة لمنع المهاجرين من تسلق الأسوار، التي أثارت انتقادات العديد من المنظمات الحقوقية.

وكان وزير الداخلية الإسباني، قد أعلن أنه "سيقوم بكل ما في وسعه"، لإزالة سياج الأسلاك الشائكة حول جيبي سبتة ومليلة، والذي يسبب جروحاً للمهاجرين قد تكون أحياناً قاتلة.

وقضى مهاجر سنغالي في الثلاثين من عمره نحبه، بعد أن قطع أحد شرايينه وهو يحاول تسلق السياج العام 2009، بحسب التقرير بعد تشريح الجثة.

وقال وزير الداخلية الإسباني: من غير المنطقي أو المقبول أن يحاول أفراد تسلق السياج. يمكننا التحرك قبل حصول ذلك، والمساعدة في الدول التي ينطلق منها المهاجرون.

وتابع قائلاً: "نتحدث عن تضامن، واحترام كرامة الأفراد، ومراقبة تدفق المهاجرين".

وقبل عام، بمبادرة من المعارضة الاشتراكية في المغرب، حاولت لجنة من مجلس النواب مطالبة حكومة ماريانو راخوي المحافظة بإزالة السياج.

ورغم النمو بنسبة 3% فإن المغرب لديه مشكلة داخلية حادة

تعافى الاقتصاد المغربي نسبياً، واستعاد نسق النمو الذي يقدر بحوالي 3%، ما مكّنه من مواصلة المشاريع التنموية التي فتحت عصراً جديداً في مناطق مثل طنجة، التي شهدت تحسناً كبيراً في بنيتها التحتية، من خلال إنشاء موانئ جديدة، ووضع خطة استثمارية ضخمة.

ومن بين التحديات الصعبة القائمة التي يواجهها المغرب الآن، التفاوت الكبير بين طبقات المجتمع المغربي، خاصة المعاناة التي يعيشها سكان الأرياف، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة المعيشة، وهو ما دفع بعدد كبير من المواطنين للتعبير عن غضبهم، والانضمام لحملات مقاطعة ثلاث من أكبر الشركات في البلاد.

وفي إثر نجاح هذه التحركات التي انطلقت من شبكة الإنترنت، ذكرت وسائل الإعلام أن هذه الحملات شارك فيها 42% من المغاربة، وقد شملت محطات بيع الوقود التابعة لشركة "إفريقيا"، المملوكة من قبل وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، الذي يعد واحداً من أقوى الشخصيات في الحكومة الحالية. كما طالت المقاطعة شركة منتجات الألبان "دانون"، وشركة تعليب المياه المعدنية "سيدي علي".

وعلى الرغم من قيام هذه الشركات بتخفيض أسعار منتجاتها، إلا أن حملة المقاطعة تواصلت، وهو ما كبَّدها خسائر كبيرة، وخَلَق مخاوف لدى العاملين فيها من أنهم قد يخسرون وظائفهم في حال تواصل انحدار المبيعات.

وتساؤلات حول مَن يقف وراء حملات المقاطعة: الإسلاميون أم الحراك الريفي؟

في الوقت الحالي، يشهد المغرب العديدَ من التخمينات والنقاشات حول اليد التي تُحرك هذه الحملات على شبكة الإنترنت، ويشير الكثيرون إلى أن التيارات الإسلامية هي التي تتمتع بالقدرة على تحريك المجتمع. وفي حين يربط البعض مصدر هذه الحملة بالاحتجاجات التي شهدتها منطقة الريف، تنفي العديد من المصادر ذلك، وتؤكد أن حراك الريف يحظى بدعم كبير في مطالبه للتمتع بالمدارس والمستشفيات ووسائل النقل، إلا أنه ليست له علاقة مباشرة بتنظيم حملات مقاطعة البضائع في المغرب.

وقبل أيام قليلة، حكم على 53 من المتهمين بتنظيم الاحتجاجات في ريف الحسيمة ومدن أخرى، بعقوبات مشددة بالسجن، تراوحت بين سنة واحدة وعشرين سنة لقيادات الحراك، وهو ما أدى لاندلاع موجة جديدة من الاحتجاجات والمواجهات مع القوات الأمنية، بسبب غضب سكان الريف على هذه الأحكام القضائية.

وحتى كأس العالم تُحبط المغاربة.. خاصة ما فعله الأشقاء

كما يعيش المغرب حالةً من التوتر والإحباط، بسبب عدم الفوز بشرف استضافة كأس العالم لسنة 2026، نظراً لتصويت بعض الدول العربية ضده، مقابل منح صوتها للملف المشترك الذي تقدَّمت به الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، وهو ما اعتبره المغرب خيانة لصداقتها معه.

المفارقة أنه بينما تخلَّى بعض العرب عن الرباط، فإن الملف المغربي كان قد حظي بدعم من إسبانيا والعديد من الشركات الأوروبية، التي كانت تعوّل على هذا الحدث لتحقيق الاستفادة الاقتصادية، حسب الصحيفة الإسبانية.

وقد كانت هذه الشركات تنوي الفوز بعقود لبناء الملاعب والبنية التحتية اللازمة لهذا الحدث العالمي، الذي كان من المفترض أن يمثل دفعة قوية للاقتصاد المغربي، قبل موعد 2026 وبعده، في كل المجالات الاقتصادية، والاجتماعية وبالطبع السياسية.

تحميل المزيد