يخشى الصحفي المصري أحمد من اضطراره لفرض رقابة ذاتية على نفسه إثر إعلان مجلس النواب المصري الموافقة المبدئية على مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام والذي يفرض قيوداً صارمة على العمل الصحفي ويضع المواقع الإلكترونية والمدونات ومواقع
التواصل الاجتماعي تحت رقابة مجلس حكومي هو المجلس الأعلى للإعلام.
وقال أحمد (الذي فضل ذكر اسمه الأول فقط لأسباب أمنية) والذي يعمل صحفياً بإحدى الصحف المصرية الخاصة إن "مشروع القانون الجديد يضع الصحافيين ووسائل الإعلام تحت الرقابة قبل تناول ونشر الموضوعات" ، ويضيف وهو يقرأ نصوص مشروع القانون "العديد من مواد القانون ملتبسة وتحتاج إلى تفسير ومعرفة آلية تنفيذها وتطبيقها"
وافق البرلمان المصري بشكل مبدئي قبل عدة أيام على مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام وأحاله إلى مجلس الدولة لمراجعته وإبداء ملاحظاته القانونية قبل أن يوافق النواب عليه في صورته النهائية في جلسة عامة، حسب الأعراف الدستورية في مصر، الأمر الذي اعتبره أحمد بمثابة الضوء الأخضر للمجلس الأعلى للإعلام على حساب نقابة الصحافيين سيما أنه يخول لهم حجب ومنع إصدار مواقع وصحف.
يتضمن مشروع القانون مواد تمنح المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الذي يترأسه الصحفي مكرم محمد أحمد بدرجة وزير، الحق في حجب المواقع الإلكترونية في حال تأسيسها من دون الحصول على ترخيص منه.
يخشى أحمد الذي التحق مؤخراً في نقابة الصحافيين بعد سنوات من العمل بدون مظلة نقابية، على مستقبله في ظل القانون الجديد رغم عضوية النقابة "لا نعلم الكتالوج الخاص بالسلطة ففي أي لحظة تحجب أو تغلق أي موقع".
رقابة ذاتية
ويتساءل الصحفي الشاب "ماذا لو كتبت على حسابي الشخصي معلومة وصلت إليها بحكم عملي الصحفي ولم أنشرها في وسيلتي الإعلامية.. كيف يحق للمجلس أن يوقف أو يحجب حسابي دون سماع شهادتي أو دفاعي؟". وتابع "إذن علي أن أفرض رقابة ذاتية على كل ما أقوله وأكتبه. هذا أمر بشع ويقتل الإبداع وحرية التعبير من المنبع".
ويعطي القانون أيضاً المجلس حق متابعة "كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف أو أكثر"، ما يجعل حسابات مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي
المشاهير في دائرة الرقابة الدائمة.
كما منح المجلس الأعلى الحق في وقف أو حجب هذه الحسابات الشخصية متى تم "نشر أو بث أخبار كاذبة أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية".
يقول الطبيب حسام الذي يتابعه نحو 60 ألف متابع على موقع فيسبوك إن "الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي خاضعة للرقابة منذ فترة طويلة".
وتابع حسام الذي فضل ذكر اسمه الأول فقط "لا أشعر بتهديد من حجب أو إيقاف حسابي فأنا أتحرى الدقة قبل كتابة أو نقل أي خبر على صفحتي".
لكن كريم الذي يتابعه نحو 100 ألف متابع على تويتر قال إن "القانون محاولة لإسكات رواد مواقع التواصل الاجتماعي عبر تخويفهم وترويعهم". وتابع "كل شخص له متابعون كثر يعرف الآن أنه مراقب بالقانون لذا سيفرض رقابة ذاتية على نفسه. هذا يقتل حرية التعبير تماماً".
سلطات مطلقة
يرفض أحمد حسين وهو اسم مستعار لصحفي شاب عمره 38 عاماً مشروع القانون الجديد وقال إنه سيؤثر على عمله الصحافي اليومي فيما بعد في ظل "سقف حريات منخفض ورقابة من إدارات التحرير".
يرى حسين الذي يعمل مديراً للتحرير في إحدى الصحف الخاصة أن القانون في الأصل كان يجب عرضه على الجماعة الصحافية ممثلة في مجلس النقابة المنتخب من جموع الصحفيين، خاصة وأنها أعلنت رفضها لعدد من مواد القانون.
وانتقد حسين السلطة المطلقة الممنوحة للمجلس الأعلى للإعلام في حجب ومنع صحف ومواقع، متسائلاً "ماذا فعل المجلس للمواقع المحجوبة طوال عامين، ماذا فعل عندما نشر موقع "في الفن" خبراً صحيحاً عن مسؤول سعودي وفنانة وحُجب على إثره لعدة أيام؟".
ويتفق معه في الرأي الصحفي محمد أحمد (29 عاماً) الذي قال إن "مشروع القانون هو طريقة جديدة للسيطرة على الرأي العام في مصر وأهم ما يشكله هو الصحافة والإعلام ولا يوجد أفضل من المجلس الأعلى للإعلام بقيادة مكرم محمد أحمد من القيام بهذا الدور، خاصة بعد انتفاضة الصحفيين في أزمة تيران وصنافير في إبريل ومايو 2016.
يضيف أحمد الذي يعمل صحفياً في أحد المواقع الإلكترونية "كل القوانين الخاصة بالصحافة والإعلام التي صدرت بعد إقرار دستور 2014، لم تتطرق إلى الصحافيين الإلكترونيين، نحن مهددون في كل لحظة بالاتهام بانتحال صفة صحفي، رغم عملنا الصحافي اليومي" ويتوقع أحمد أن يمر مشروع القانون كما هو دون أية اعتراضات، وإن حدثت تعديلات ستكون طفيفة لا تؤثر في جوهر القانون". ولا يعتبر القانون المصري الصحافيين العاملين في المواقع الإلكترونية أو أولئك غير المقيدين في نقابة الصحافيين، صحافيين.
قانون مشبوه
وأعلن صحافيون في رسالة فتحوها للتوقيع رفضهم لمشروع القانون الذين وصفوه بـ"المشبوه". ونشر الرسالة 4 من أعضاء مجلس نقابة الصحافيين الحالية هم
(عمرو بدر وجمال عبد الرحيم ومحمد سعد عبد الحفيظ ومحمود كامل) على حساباتهم الشخصية على موقع فيسبوك، طالبين من الصحافيين التوقيع عليها.
وجاء في نص الرسالة التي وقع عليها نحو 781 صحافياً بعد ساعات قليلة من إطلاقها "فوجئنا جميعا بمشروع قانون يناقشه البرلمان لتنظيم عمل الصحافة والإعلام، وهو قانون صادم ومشبوه ولا يمثل الصحافيين بقدر ما يمثل جهات بعينها تهدف إلى السيطرة على الصحافة، قومية وخاصة، وإسكات صوتها للأبد".
وانتقدوا "تغول القانون على الحريات الصحفية والسيطرة عليها عبر اتهامات فضفاضة وغير منضبطة وغير محددة، ووصل الأمر إلى محاولات السيطرة على الصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي".
غلق 500 موقع إلكتروني
أغلقت وحجبت السلطات المصرية نحو 500 موقع إلكتروني بحسب مؤسسة حرية الرأي والتعبير الحقوقية المصرية، كان أحدثها موقع "كاتب" الذي لم يستمر سوى 7 ساعات حتى طالته آلة الحجب. موقع كاتب كان يشرف عليه وكيل نقابة الصحافيين السابق خالد البلشي وعدد من الصحافيين وأطلق بدعم وإشراف من الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان التي يديرها الحقوقي جمال عيد.وفاز البلشي نهاية عام 2017، بجائزة نيلسون مانديلا للمدافعين عن حقوق الإنسان، التي يمنحها تحالف "سيفيكاس" لناشطي ومنظمات المجتمع المدني،
تكريماً لـ"سعيه الشجاع والمتواصل لدعم حرية التعبير، على الرغم من المضايقات الشخصية والقضائية والرقمية ضده، ولتسليطه الضوء على الانتهاكات الحكومية"، بحسب بيان المؤسسة.
اتصلنا بنقيب الصحافيين السابق يحيى قلاش للتعليق على مشروع القانون، إلا أنه رفض التعليق هاتفياً وأحالنا إلى بيان أصدره نقابيون سابقون في نقابة الصحافيين حول مشروعات قوانين الصحافة والإعلام نشره على حسابه على موقع فيسبوك. وطالب البيان الذي حمل توقيع 15 قيادة نقابية بـ"فتح حوار واسع تحت مظلة النقابة، بيت الصحافيين جميعاً، حول سبل التصدي لما حوته مشروعات القوانين الثلاثة من مواد تشكل عدواناً على الدستور وافتئاتاً على حقوق الصحفيين والكتاب والقراء والمشاهدين جميعاً، والعمل على تعديلها" .
سياسة الحجب
يرى مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد، أن خروج مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام في هذه الشكل أمر منطقي في ظل لجوء السلطة إلى سياسة الحجب والمنع.
ويقول عيد إن النظام السياسي يكره الصحافة والإعلام ويريدهم على صوت واحد ومصطفين خلفه.واعتبر المحامي الحقوقي النظام السياسي متفوقاً الآن على نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي كأحد الأنظمة المعادية للإنترنت الذي حجب موقع "يزي أورج" بعد 18 ساعة من إطلاقه عام 2005، والسعودية التي حجبت موقع "الجمعية المصرية للتغيير" بعد 15 ساعة من انطلاقه في أبريل
2010.
ويضيف "عدد المواقع المحجوبة اليوم تخطى 500 موقع حتى الآن، والحبس الاحتياطي المطول يطال الصحافيين والنشطاء السياسيين، مصر الآن في أسوأ لحظاتها في مجالات حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير".
وألقت السلطات الأمنية القبض خلال الأيام الماضية على عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بتهم نشر أخبار وشائعات كاذبة أبرزهم المدون وائل عباس والسياسيون شادي الغزالي حرب وحازم عبد العظيم. ويقول الصحفي الشاب أحمد "بطبيعة الحال لا أريد أن يكون مصيري كهؤلاء. الاتهام لنشر أخبار كاذبة سهل جداً ونتائجه مروعة".
اقرأ أيضاً
هل يُتابعك أكثر من 5 آلاف على فيسبوك ؟ احذر! انت مُعرّض للإعتقال بنص قانون مصري