إقالة اللواء هامل تُنبئ بقتال داخلي بين فروع النظام الجزائري أم أن الرجل “المرشح لخلافة” بوتفليقة سيظهر بمنصب جديد؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/30 الساعة 14:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/30 الساعة 21:35 بتوقيت غرينتش

في واقعة مفاجئة، أقال الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، اللواء عبدالغاني هامل (62 عاماً)، أعلى مسؤولٍ أمني في الجزائر، وأحد مؤيدي بوتفليقة، في خطوةٍ صادمة. وعيِّن بدلاً منه العقيد المتقاعد مصطفى لخضر لهبيري (79 عاماً)، الذي كان يشغل منصب رئيس الحماية المدنية حتى لحظة تعيينه بدلاً من هامل.

ولم يُذكَر أي سبب لإقالة هامل، ما أثار دهشةً كبيرة في الجزائر. إذ كان هامل ينتمي إلى دائرة بوتفليقة المُقرَّبة المُنتقاة بعناية، التي تضم كذلك أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش وبضعة مستشارين وأشخاصاً مُقرَّبين آخرين، وفق موقع Middle East Eye البريطاني.

تحت قيادة هامل، كانت الشرطة الوطنية -المعروفة كذلك باسم المديرية العامة للأمن الوطني- قد ازدادت أهميةً على مرِّ السنوات العشر الماضية، وأصبح ضابطاً لا غنى عنه لبوتفليقة وحاشيته، على سُلطة جهاز المخابرات الجزائري الذي حُلَّ رسمياً في عام 2016.

وكان بعض المحللين يعتبرون هامل -الذي يصفه بعض أقربائه في الجزائر العاصمة بالضابط "اللطيف الكُفء"- مُرشَّحاً محتملاً لخلافة بوتفليقة، صاحب الـ81 عاماً الذي أوهنه المرض.

وكان هامل رئيساً سابقاً لحرس الحدود والحرس الجمهوري الجزائري، وقد نجا بالفعل من أزمةٍ كبيرة في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2014، حين تظاهر مئات الضباط في الجزائر العاصمة احتجاجاً على ظروف عملهم وسياسات هامل.

وتمكن هامل آنذاك من إخماد الغضب الذي أثار الاحتجاجات، والذي كان من بين عوامله تخفيض الأجور المُخصَّصة لأوقات العمل الإضافية، وعاقب قادة الشرطة الذين كانوا وراء الاحتجاجات. ولكن في هذه المرة، تعثَّر رجل الشرطة القوي.

اضطرابٌ في الأوساط السياسية

بدأت القصة بمصادرة 701 كيلوغرام من الكوكايين في ميناء وهران، غربي الجزائر، وقد صار هذا الحدث يسيطر الآن على الوسائل الإعلامية الجزائرية.

ففي 29 مايو/أيار، داهمت قواتٌ خاصة تابعة للقوات البحرية الجزائرية سفينةً مُبحِرة من مدينة فالنسيا الإسبانية، وعثرت على المخدرات التي اعتُقِد أنَّ منشأها البرازيل.  

وحقَّقت المديرية العامة للأمن الوطني في الواقعة، وسرعان ما فكَّكت عصابة اتِّجار بالمخدرات مزعومة، وألقت القبض على رجل أعمال جزائري يُعرَف باسم "الجزار" وأعوانه.

وذكرت وسائل إعلامية أنَّ قائمة المشتبه بهم الآخرين تضم شخصياتٍ عامة بارزة، من بينهم قضاة وأعضاء بالنيابة العامة ومحافظون وأصحاب شركات تطوير عقاري وأبناء ساسة بارزين. وقالت وسائل الإعلام إنَّ جميع هؤلاء الأشخاص كانوا على صلةٍ بالمتهم الرئيسي من خلال أعماله الاستثمارية العقارية الأساسية.

وذكرت وسائل الإعلام أنَّ حتى "السائق الشخصي" لدى هامل ظهر في القائمة. لكنَّ المديرية العامة للأمن الوطني أنكرت تلك المزاعم، وأكَّدت أنَّ السائق كان "واحداً من مجموعة سائقين لدى المديرية وليس السائق الشخصي لرئيسها".

لا يستبعد عودته

وفي تحليله لتداعيات القرار، قال الخبير الأمني، محمد تاواتي، إن القرار "جاء قبل أقل من 10 أيام من الموعد السنوي لتقليد الرتب في الجيش".

ولم يستبعد تاواتي، عودة اللواء المُقال إلى منصب جديد في جهاز أمني آخر، "بل وربما تعمد الرئاسة لتعيينه في منصب وزير دفاع".

وتحدث عن العلاقة التي تربط "هامل"، بالرئيس، فقال: "تقلد مهام عديدة قبل تعيينه مديراً عاماً للأمن الوطني، آخرها قائد الحرس الجمهوري".

وأضاف: "الرئيس بوتفليقة دعمه عام 2014، عندما احتج آلاف رجال الشرطة وطالبوا بتنحيته، في خطوة خطيرة وغير مسبوقة، لكنه رفض إقالته في ذلك الوقت".

لكن هناك فكرة أخرى

رأى بعض المتخصصين في الشأن الأمني، أن "هامل" أخلَّ بأحد أهم واجبات الرجل العسكري ورجل الأمن، وهو ما يطلق عليه في الجزائر "واجب التحفظ".

وهذا المصطلح يعني أن يلتزم الضابط والعسكري ورجل الأمن الصمت، وألا يصدر منه تصرف أو تصريح قد يلحق الضرر المعنوي بالمؤسسة الأمنية أو باقي مؤسسات الدولة.

وخلقت هذه المكاشفات، إلى جانب قائمةٍ متزايدة باستمرار من المشتبه بهم، شعوراً بالاضطراب في أوساط العاصمة السياسية والإعلامية.

جديرٌ بالذكر أنَّ عام 1998 شهد سلسلةً من الفضائح استهدفت اللواء محمد بتشين، مستشار الرئيس الجزائري آنذاك اليامين زروال، لإضعاف رئيس الدولة. وقد نجحت في تحقيق غرضها؛ إذ أعلن زروال تنحيه في شهر سبتمبر/أيلول من العام نفسه، ودعا إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

وفي نهاية المطاف، سلَّمت العاصمة البريطانية لندن عبدالمؤمن خليفة، أحد المليارديرات الذي جنى ثروةً في الجزائر، في أوائل العقد الأول من القرن الجاري بالاحتيال والغش في تحويلات الأموال، إلى الجزائر، لمحاكمته في قضية فساد شهدت تورُّط العديد من المسؤولين رفيعي المستوى.

عام 2016، أسفرت الفضيحة التي أحاطت بشركة سوناطراك الجزائرية الحكومية للطاقة عن صدور أحكامٍ بالسجن على عدة أشخاص، من بينهم أحد نواب رؤساء الشركة السابقين.

وفي أثناء صيف العام الماضي 2017، أسفر تصاعد التوترات حول نفوذ ذوي المال في السياسات العُليا عن إقالة مُفاجئة لرئيس الوزراء الجزائري آنذاك عبدالمجيد تبون.  

أحد الوزراء يحاول شرح الموقف

في ظل الأجواء الحالية المليئة بجنون الارتياب، فإنَّ أدنى ذكرٍ للفساد يُثير مخاوف وزارات الحكومة المتعددة من التعرُّض للإدانة.

إذ تدخَّل وزير العدل الجزائري الطيب لوح، الذي شعر بأنَّه مضطرٌ لتوضيح ما حدث.

ففي 25 يونيو/حزيران، قال لوح للبرلمان الجزائري، إنَّ مصادرة "بعض الأجهزة الإلكترونية والهواتف المحمولة وكاميرات المراقبة بالفيديو، كشفت أنَّ بعض الأشخاص متورطون في قصية فساد، ودفعوا رشاوى مقابل الحصول على خدمات". وأضاف أنَّ الحرب على الفساد والجريمة جزءٌ من "سياسة جذرية تنتهجها الدولة".

كان هامل ينتمي إلى دائرة بوتفليقة المُقرَّبة المُنتقاة بعناية
كان هامل ينتمي إلى دائرة بوتفليقة المُقرَّبة المُنتقاة بعناية

من الواضح أنَّ مصادرة الكوكايين والنتائج المترتبة عليها كانت جزءاً من حملةٍ كاملة لمكافحة الفساد.

ثم أشار هامل إلى القضية حين كان يتحدث إلى صحفيين في المقر الرئيسي للشرطة الجزائرية، في 26 يونيو/حزيران، اليوم الدولي لمكافحة المخدرات والاتجار غير المشروع بها، وضمَّن في حديثه ثلاث رسائل مهمة.

ففي البداية، انتقد الضباط الذين أجروا التحقيقات الأولية قائلاً: "كانت هناك تجاوزات واختراقات في التحقيقات الأولية".

ثانياً، ومع أنَّ الشرطة اعترفت بالفعل بأنَّ سائق المديرية العامة للأمن الوطني كان من بين المشتبه بهم، قال هامل: "مع أنَّ مديريتنا ليس لها علاقةٌ مباشرة بالتحقيق، سنُسلِّم للقضاء أي ملفات في حوزتنا تتعلق بالقضية".

بيد أنَّ الرسالة الثالثة والأخيرة التي ذكرها هامل، والتي حملت نبرةً تحذيرية على نحوٍ خاص وتكرَّرت عدة مرات، هي التي أثارت الضجة الأكبر.

إذ قال هامل: "مَن يريد محاربة الفساد، عليه أن يكون نظيفاً".

تصريحات هامل تُثير الغضب

لم تلق كلمات هامل أي استحسانٍ لدى دوائر صنع القرار في العاصمة الجزائرية، حيث اعتُبِرَ أنَّها تنتقد المحققين.

إذ قال مسؤولٌ حكومي جزائري لموقع Middle East Eye البريطاني: "ربما يقول هامل أيضاً باتهامه الأجهزة الأمنية الأخرى بالإهمال والكشف علانيةً عن وجود ملفاتٍ لم تُسلَّم للقضاء، إنَّ الصراعات بين فروع النظام المختلفة تزداد سوءاً".

ونشر النائب البرلماني عثمان معزوز على حسابه على موقع فيسبوك مقطعاً لتصريحات هامل من موقع يوتيوب قائلاً: "إلى من كان يتحدث عبدالغاني هامل، اللواء المُقال من جهاز الأمن الوطني، حين أدلى بتصريحه المثير للقلق الذي قال فيه: "مَن يريد محاربة الفساد عليه أن يكون نظيفاً"، "هذا يخبرنا بالكثير عن وجود اقتتال داخلي حامي الوطيس بين فروع النظام".

وقال مسؤولٌ آخر رفيع المستوى لموقع Middle East Eye البريطاني: "إنَّ وحدة القوات والمؤسسات الأمنية يجب أن تظل أولويةً في التعامل مع التحديات المختلفة، مثل مكافحة الفساد التي تأخذ أبعاداً مثيرة للقلق، بل وتؤثر أيضاً في الدوائر الحكومية الأساسية. لن يمر ذلك بلا عقاب".  

من المقرر أن تشهد الجزائر إجراء انتخابات رئاسية في العام المقبل 2019. وقد طالبت أحزاب الائتلاف الرئاسي -من بينها حزب جبهة التحرير الوطني الذي يرأسه بوتفليقة والتجمُّع الوطني الديمقراطي الذي يرأسه رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى- بوتفليقة بالترشُّح لمدةٍ رئاسية خامسة.

لكن من المرجح أن يُستجوَب المرشحون المحتملون للسلطة بشأن الفساد في بلدٍ يعاني فضائح مالية بانتظام. ويريد العديد من هؤلاء الأشخاص في دائرة بوتفليقة التخلُّص من آثار أي فضيحة، حتى ينتهي عهد بوتفليقة، بخلاف الكثير من الساسة الجزائريين، نهايةً نظيفة.

يبدو أنَّ الأوساط السياسية الجزائرية وبقية البلاد تواجه صيفاً حاراً طويلاً.

علامات:
تحميل المزيد