يعيدون تعريف وضعهم في أمريكا.. المسلمون يترقبون

تخوفات لدى مواطني الدول المشمولة بقرار المحكمة العليا من المنع بدخول أمريكا

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/29 الساعة 14:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/30 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش
Middle eastern muslim mature woman posing looking at the camera wearing a traditional hijab waving the US flag on black background

يسأل أطفال رامي المنسوب، كل يوم على مدى أسابيع: "هل صدر قرار بعد؟ هل صدر قرار بعد؟ هل صدر قرار بعد؟".

لا تزال تعيش الفتيات، اللاتي يبلغن من العمر 6 و9 و13 عاماً، في العاصمة اليمنية صنعاء التي مزقتها الحرب، حيثُ علمتهن العشوائية الواضحة للضربات الجوية توقُّع نهايةٍ مؤلمة. ففي العام الماضي (2017)، فُجِعن بوفاة جدتهن التي قُتلَت برصاصةٍ طائشة أصابتها بالرأس في حين كانت تجلس داخل منزلها، حسبما جاء في تقرير نشرته صحيفة Washington Post الأميركية.

وعَلِمَت الفتيات أنَّ المحكمة الأميركية العليا ستُصدر قريباً قراراً بشأن ما إذا كان قرار الرئيس دونالد ترمب حظر دخول مواطني 7 دول، من بينها 5 دول ذات غالبية مسلمة ومنها اليمن، إلى الولايات المتحدة سيظل سارياً أم لا؛ إذ أدركن أنَّ حكم المحكمة سيُحدد ما إذا كن سيستطعن هن ووالدتهن الانضمام أخيراً إلى والدهم المواطن الأميركي في الولايات المتحدة، بعد أن أُلغيت تأشيرات دخول الولايات المتحدة التي حصلن عليها عشية إصدار قرار الحظر.   

ضربة قاضية

ترامب وصف القرار بالنصر العظيم للشعب الأمريكي
ترامب وصف القرار بالنصر العظيم للشعب الأمريكي

وكان قرار المحكمة العليا، الذي صدر يوم الثلاثاء 26 يونيو/حزيران 2018، بمثابة الضربة القاضية التي أجهزت على آمال "المنسوب" المُعلَقة. فبالنسبة له وللآلاف غيره من المواطنين الأميركيين الحاصلين على الإقامة الدائمة الذين كانوا ينتظرون بقلقٍ كلمة المحكمة، لا يُمثل قرار قضاة المحكمة تأييد الحظر حكماً على مصير عائلاتهم فحسب؛ بل على ما يعنيه كونهم أميركيين.      

قال "المنسوب" عن ذلك: "طوال حياتي وأنا أشعر بأنَّ هذه هي بلدي. كنا نعرف جميعاً أنَّ الولايات المتحدة هي المكان الذي يمكنك أن تنعم فيه بالحرية، وهذا ما كنتُ أفكر فيه دائماً. لكن الأمر لم يعُد كما كان سابقاً". وُلِدَ رامي المنسوب، البالغ من العمر 34 عاماً ويعمل مهندس إنشاءات، في الولايات المتحدة، وترعرع باليمن، ثم عاد إلى ضواحي واشنطن عام 2015 ليبني حياةً جديدة لعائلته.     

وتقدم "المنسوب" بطلب ليستقدم زوجته وبناته إلى الولايات المتحدة، قبل أشهرٍ قليلة من تولي ترمب الرئاسة في يناير/كانون الثاني 2017. ثم سرعان ما صدر بعدها الحظر، الذي يبدو تنفيذاً لدعوة حملة ترمب الانتخابية إلى "وقفٍ تام وكامل لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة". وعقب نسختين معدلتين وعددٍ من المعارك القضائية، أجازت المحكمة العليا في ديسمبر/كانون الأول 2017 تنفيذ الحظر بصفةٍ مؤقتة على اليمنيين والسوريين والإيرانيين والصوماليين والليبيين.            

والآن أيدت المحكمة هذه السياسة؛ ما رسخ شعور كثيرٍ من الأميركيين المسلمين بأنَّ الحكومة تعتبرهم مختلفين عن سائر الأميركيين، وتُعاملهم على هذا الأساس أيضاً.    

مواطنون من الدرجة الثانية

من ناحيتها، قالت أبرار عميش، أميركية من أصول ليبية تعيش في ولاية فيرجينيا وترشحت مؤخراً لمقعدٍ بمجلس إدارة مدرسة في مقاطعة فيرفاكس: "هذا وضعني في مكانة مواطن من الدرجة الثانية".   

احتجَّت الجماعات المناصرة للحقوق الدينية والمدنية عبر الولايات المتحدة بانفعالٍ على قرار المحكمة؛ واصفةً إياه بأنَّه "كريه"، و"خيانة تاريخية للمبادئ"، و"تفويض مطلق… للتمييز"، وبأنَّه حكم "سيذكره التاريخ بأنَّه واحدٌ من أفدح أخطاء المحكمة العليا". في حين حذرت فرحانة خيرة، المديرة التنفيذية في مجموعة Muslim Advocates، من أنَّ المحكمة العليا "أعطت إشارةً خضراء للتمييز والعداء على أساسٍ ديني".

 وأعلنت منظمة العفو الدولية المعنيّة بمراقبة حقوق الإنسان، أنَّ "هذه السياسة الكريهة كارثية بكل ما في الكلمة من معنى".  وخطط الناشطون لعشرات التجمعات عبر البلاد مساء الثلاثاء 26 يونيو/حزيران 2018، في مدنٍ تشمل أتلانتا، وديترويت، وهيوستن، ومينيابولس، وبالتيمور، تحت شعاراتٍ رافضة لحظر المسلمين وداعية لدعمهم.

غضب جارف

لكن الغضب الجارف والاحتجاجات المُخطَّطة ومشاعر التعاطف والمواساة المُتدَفِّقة من الأصدقاء والزملاء والسياسيين المهتمين بالأمر- بدت فجأةً مُستَهلَكةً لـ"المنسوب" وغيره الكثيرين.

فما يهم الآن هو السؤال الذي سألته زوجة "المنسوب" له من بين دموعها، عبر الهاتف، من على بُعد 2000 كيلومتر، وذلك عقب دقائق من بث القرار على شاشات التلفاز حول العالم. قال "المنسوب": "سألت هذا السؤال الذي ليست لديّ إجابته: ماذا سيحدث الآن؟ فلا أرى أي حلٍ آخر سوى محاولة البحث عن دولةٍ أخرى لأعيش فيها أنا وعائلتي".

في ولاية نورث كارولاينا، كان يخوض مواطن أميركي آخر -يُدعى خالد الشاوبي- محادثةً مشابهة مع ابنه ذي الـ16 عاماً، وهو مواطن يمني أيضاً، ظل على مدى الأشهر الثمانية الماضية منتظراً قرب السفارة الأميركية في دولةٍ ثالثة، هي جيبوتي، على أمل تأمين تأشيرة دخول للحاق بوالده في الولايات المتحدة.

 كان الولد يائساً يبكي، ولم يدر الشاوبي ماذا يفعل.

وقال الشاوبي، البالغ من العمر 41 عاماً، ويعمل مدير متجر بقالة: "قال لي: أبي لن أعود إلى بلدي، فقط أرسلني إلى ماليزيا أو أي مكان للدراسة. لكنَّني ليس لدي المال لذلك".

عنصرية علانية         

      
متظاهرون ضد قرار المحكمة العليا
متظاهرون ضد قرار المحكمة العليا
       

وصرح محامون للهجرة وقادة مجتمعيون، الثلاثاء 26 يونيو/حزيران 2018، بأنَّهم بدأوا بتلقي مكالماتٍ من مسلمين أميركيين وغيرهم ممن فسروا حكم المحكمة بأنَّه ترسيخٌ لممارسةٍ عنصرية أميركية بصورةٍ أكثر علانية.   

من جانبه، قال مهدي أستادحسن، وهو مواطن إيراني يعمل أستاذاً في هندسة البترول بجامعة نورث داكوتا: "الرسالة التي يبعث بها (القرار) للمسلمين هي أنَّكم ليس مرحَّباً بكم هنا، لا نريدكم هنا، نريد أن نمنعكم من السفر إلى الولايات المتحدة واختيارها موطناً مستقبلياً لكم. الرسالة مفادها أنَّهم لا يمكنهم الاعتماد حقاً على الولايات المتحدة لتكون موطناً لهم، وينبغي لهم -على الأرجح- أن يبحثوا عن أماكن أخرى للعيش".  

يشرف أستادحسن، وهو متزوج بأميركية ولديهما ابنٌ أميركي، على 8 طلاب دكتوراه، ولديه 4 مشاريع بحثية ممولة من الحكومة لا تزال قيد التنفيذ، ثلاثة منها بالتعاون مع أطباء لاكتشاف طرق مبتكرة لتشخيص السرطان وأمراضٍ أخرى. وكافح بلا فائدة لسنواتٍ للحصول على إقامةٍ دائمة، وقال إنَّه قرر هو وزوجته مغادرة البلد.         

وأشار إلى أنَّه يرغب في أنَّ يتمكن من زيارة أقربائه بالخارج وقبول الدعوات للمؤتمرات والمحاضرات دون المخاطرة بأنَّ يُمنع من العودة.

وأضاف: "بالتأكيد، أرغب في البقاء هنا. وعائلتي ترغب في البقاء هنا، لكن لصالح وظيفتي وعائلتي، أعتقد أنه من المنطقي أن أغادر البلد".    

"أشعر بالضعف الشديد"

في ضواحي شمال فيرجينيا، قضى "المنسوب" فترة الظهيرة يقود من موقع بناءٍ لآخر، غير قادر على الجلوس في مكتبه أو استيعاب الحقيقة الجديدة بأنَّ واقعه الحالي سيستمر.  

 وقال: "أشعر بالضعف الشديد. كنتُ قوياً جداً حتى 6 أشهر مضت. كنت أقول: إنَّها الإدارة فحسب، سيتغير الأمر. نحن نعرف الولايات المتحدة، نحن نعرف أميركا. كنت أشعر بأنَّ دستورنا قوي جداً لدرجة أنَّه لن يتغير".    

وفكَّر في أنَّه حتى في أسوأ الاحتمالات ستتوصل المحكمة إلى حلٍ وسط، حلٌ تصوَّر أنَّه "سيجعل من الرئيس ترمب سعيداً، لكن سيسمح أيضاً للمواطنين الأميركيين بالحصول على تأشيرات دخول لعائلاتهم".  

والآن، يبدو هذا التصور ساذجاً. ويصعب تصديق أنَّه في الخريف الماضي كان على وشك شراء منزل من 3 غرف في ضواحي المدينة، وأرسل إلى زوجته وبناته عشرات الصور له؛ إذ اختار الأثاث وفرش غرفة كل فتاة بلونها المفضل.       

والآن يخبره معارفه بأن ينتقل للعيش في كندا؛ إذ على الرغم من أنَّه مواطنٌ أميركي، سيسهل عليه استقدام عائلته إلى هناك.  

وقال إنَّ أميركا تغيرت، "هذه الإدارة تبني الكراهية في قلوب بعض الناس". وطلب من زوجته ألا تخبر بناتهما عن القرار بعد.