لقاء ترمب ببوتين يقترب.. مساعدو الرئيس الأميركي يخشون تكرار ما حدث مع زعيمي الصين وكوريا الشمالية، وسفيرهم السابق بموسكو يضع تنبؤاته

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/29 الساعة 16:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/30 الساعة 09:56 بتوقيت غرينتش

15 يوماً تفصلنا عن قمة تجمع الرئيس الأميركي مع نظيره الروسي، لكن مساعدين لترمب قلقون من نوع تنازلات قُدّمت لزعيم كوريا الشمالية في سنغافورة، سيقدمها ترمب لبوتين عندما يجتمع به بمدينة هلسنكي في فنلندا؛ مما يؤدي إلى إمالة العلاقة التي كانت قد تأرجحت بالفعل لصالح روسيا.

يقول مساعدو دونالد ترمب إنَّ محادثات الرئيس الأميركي مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، قبل أسبوعين، قد أثارت شهيته لعقد اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكن هذا اللقاء تحديداً يثير قلقاً بين خبراء السياسة الخارجية، من ضمنهم بعض أعضاء إدارته، وفق تقرير صحيفة The New York Times الأميركية.

دعا ترمب، في الأسابيع القليلة الماضية، فقط، إلى إعادة روسيا لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، وأشار إلى أنَّ لها مطالبة شرعية في شبه جزيرة القرم؛ إذ يعيش هناك الكثير من الناطقين بالروسية، زارعاً بذلك الشكوك حول ما إذا كانت موسكو تدخَّلَت في الانتخابات الرئاسية عام 2016، أو إذا فعلت ذلك، حول ما إذا كان هذا التدخُّل قد أفاد هيلاري كلينتون.

في سنغافورة، خرج ترمب من مأدبة غداء من لحم الخنزير المقرمش الحلو والحامض مع كيم، ليعلن أنَّه توصَّلَ إلى حلٍّ للأزمة النووية مع كوريا الشمالية، رغم أنَّ كوريا الشمالية لم تعترف بشيءٍ بشأن أسلحتها وبرامج صواريخها. وألغى ترمب مناوراتٍ عسكرية مشتركة مع كوريا الجنوبية، وهو تنازلٌ لطالما طالبت به بيونغ يانغ.

وفرضت واشنطن في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، عقوبات على روسيا؛ رداً على ضمها شبه جزيرة القرم وتدخُّلها في الصراع بأوكرانيا.

ويقول ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، في تصريحات للصحفيين بالهاتف: "إن الرئيسين سيجريان نقاشاً تفصيلياً بشأن سوريا"، مضيفاً: "سيكون هناك نقاش مستفيض شامل".

ومن المرجح أيضاً طرح قضايا خلافية أخرى في الاجتماع، وهو الثالث بين الرئيسين وإن كان الاجتماع الرسمي الأول.

ومن الممكن أن يثير ترمب موضوع التدخل الروسي المحتمل بالانتخابات الأميركية في 2016 والذي تحدثت عنه وكالات الاستخبارات الأميركية، وجعل الولايات المتحدة تفرض عقوبات صارمة على روسيا في أبريل/نيسان 2018.

وقال بيسكوف: "إذا أثار الرئيس الأميركي (موضوع التدخل في الانتخابات) فسيكرر الرئيس الروسي القول بأن روسيا ليس لها وما كان لها أن تفعل شيئاً في هذا الموقف الذي تدور حوله هذه التلميحات".

وأضاف أن بوتين على استعداد للمضي صوب تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة بنفس قدر ما تبديه واشنطن من الاستعداد.

أصبح ذلك النمط سمةً مُتكرِّرة للرئيس ترمب كرجل دولة: ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أغدق الرئيس الصيني شي جين بينغ بالثناء بعد اجتماع ثنائي واحد بينهما في بكين، لم يقدم شي خلاله تنازلاً ملموساً بشأن التجارة، وهي القضية التي تهم ترمب أكثر من أي قضيةٍ أخرى.

مستبدون يعجب بهم ترمب ولقاؤه معهم يراه إنجازاً

حسب تقرير  صحيفة The New York Times الأميركية، فالشيء المشترك بين القادة الثلاثة -بوتين وكيم وشي جين- أنَّهم حكامٌ مستبدون من النوعية التي يُعجَب بها ترمب، ويعتقد أنَّه قادرٌ على الفوز معها بنوعٍ من الدبلوماسية الشخصية التي تستغني عن الوثائق التوجيهية أو النقاط الحوارية وتعتمد بدلاً من ذلك على مزيجٍ من الإطراء والتملُّق والارتجال.

وقال مايكل ماكفول، السفير الأميركي السابق في موسكو: "يعتبر ترمب أن الاجتماع الجيد هو إنجازٌ دبلوماسي إيجابي. وهذا خطأ. الاجتماعات الجيدة هي مجرد وسيلة لتحقيق الغاية".

وبالنظر إلى سجل روسيا في المخالفات -من ضمِّها لشبه جزيرة القرم إلى تدخُّلها في الانتخابات الأميركية- قال ماكفول إنَّه "يجب على ترمب عدم مدح بوتين، والإشارة فقط إلى الرغبة في المُضي قُدُماً".

وأضاف: "هذا لا يخدم المصالح الوطنية الأميركية".

على الجانب الآخر، يصر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ومسؤولون آخرون على أنَّ إدارة ترمب كانت أكثر صرامة تجاه روسيا من إدارة أوباما، مستشهدين بالعقوبات الأميركية، وتسليح القوات الأوكرانية، وطرد الدبلوماسيين، والتوبيخ العام العلني لروسيا بسبب هجماتها الإلكترونية.

لكن حتى لو كان هذا صحيحاً -ومسؤولو إدارة أوباما السابقون يجادلون فيه- فإنَّ رفض ترمب الثابت انتقاد بوتين أفسد هذه الإجراءات إلى حدٍّ كبير.

قال نيكولاس بيرنز، الدبلوماسي السابق الذي خدم في إدارة بيل كلينتون وجورج دبليو بوش: "المهم هو ما يقوله الرئيس. وما يقوله يُقوِّض السياسة تماماً. يبدو الأمر كما لو أنه بمعزل عن إدارته".

حتى أولئك الذين ينسبون الفضل إلى الرئيس ترمب لاتخاذه خطوات لم يفعلها أوباما، مثل إرسال أسلحة فتَّاكة إلى أوكرانيا، يقولون إنَّ هذه الإجراءات فقدت تأثيرها إلى حد كبير في الاحتضان الغامض لبوتين من جانب ترمب.

قال ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية: "يُركِّز موظفو الإدارة على الكلمات. ما يتجاهلونه هو الموسيقى. بعض الكلمات حادة، في حين تعبر الموسيقى عن أغنية حب".

ترمب يجادل بقوة علاقاته الشخصية

يجادل ترمب بأنَّ علاقاته الشخصية ستؤدي في نهاية المطاف، إلى نتائج استعصت على أسلافه الأكثر تقليدية. وقال الرئيس الأميركي، في مقابلةٍ مع قناة Fox News الأميركية بعد اجتماعِ قمةِ سنغافورة، إنَّه إذا استطاع تناول العشاء مع الرئيس بوتين، يمكن أن يقنعه بالانسحاب من سوريا والتوقُّف عن التدخُّل في أوكرانيا.

قال ترمب: "يمكنني القول: هل يمكن أن تفعل لي معروفاً وتخرج من سوريا؟ هل يمكن أن تفعل لي معروفاً وتخرج من أوكرانيا؟".

قال بومبيو، الذي أدلى بشهادته أمام الكونغرس يوم الأربعاء 27 يونيو/حزيران 2018، إنَّ ترمب سيثير قضية تدخُّل روسيا بالانتخابات مع بوتين. لكن في المرة الأخيرة التي فعل فيها ذلك، باجتماع قمة إقليمي في الخريف الماضي بآسيا، قال للصحفيين إنَّه يعتقد أن بوتين كان صادقاً بشأن إنكاره التدخُّل في الانتخابات الأميركية.

وقال ترمب عن بوتين: "في كل مرة يراني، يقول لي إنَّه لم يفعل ذلك، وأنا أعتقد حقاً أنه صادقٌ عندما يخبرني بذلك". وأضاف: "أعتقد أنَّه أُهين للغاية بسبب ذلك، وهذا ليس أمراً جيداً بالنسبة لبلدنا".

بِمَ تنبأ السفير الأميركي السابق في موسكو؟

تنبَّأ مايكل ماكفول، السفير الأميركي السابق في موسكو، بأنَّ بوتين سيكون نظيراً قوياً حال حدوث اجتماع ثنائي مباشر مع ترمب، فهو مُطَّلِعٌ بشكلٍ جيد على السياسة الخارجية الأميركية ويصر على استخدام ذلك الاطلاع لتقويض سياسات الإدارة، خاصةً فيما يتعلَّق بأوكرانيا.

وقال هاس إنَّ الخيط المشترك في نهج ترمب تجاه الحكام المستبدين هو أنَّه ينظر إلى هذه العلاقات على أنها لا تملك أي تاريخ، ولا أثقالاً تُعوِّق الطريقة التي قد يتصرَّف بها هؤلاء القادة. إنها لقاءاتٌ شخصية لا تنطوي على أيٍّ من المقايضات أو التسويات التي تُميِّز عادةً اجتماعات القمة.

ترمب ليس أول رئيس يُعوِّل كثيراً على بناء علاقة مع القادة الروس. كان بيل كلينتون قد فعل ذلك مع الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسن. وحاول بوش فعل ذلك مع بوتين. وحاول باراك أوباما التودُّد إلى رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، الذي شغل منصب رئيس روسيا بين فترتي ولاية بوتين. لكن الرئيس ترمب فقط جعلها تقريباً أجندته الكاملة.

هذا لا يعني أنَّ ترمب وبوتين يفتقدان القضايا الزاخرة للمناقشة. تكهَّن بعض المُحلِّلين بأنَّ ترمب سيبحث عن أرضيةٍ مشتركة حول سوريا. وخلال الفترة الانتقالية، درس مساعدوه خطوة رفع العقوبات المفروضة على روسيا مقابل تعاون روسيا مع الولايات المتحدة ضد إيران في سوريا. فشلت تلك الفكرة، لكن يتساءل البعض عمَّا إذا كان الرئيس يستطيع إحياءها.

قال مارتن إنديك، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل: "هل يحاول ترمب إقناع بوتين بالتحرُّك ضد الإيرانيين في سوريا؟"، مضيفاً: "وإذا كان الأمر كذلك، فما الثمن الذي يستعد لدفعه مقابل ذلك؟".

من شأن هذا الاقتراح أن يجعل اجتماع ترمب مع بوتين أهم من اجتماع كيم أو شي. لكن إقناع روسيا بتغيير استراتيجيتها في سوريا سيكون صعباً، وسيؤدي رفع العقوبات عن موسكو إلى خلافٍ آخر مع حلفاء أوروبيين تضرَّروا بالفعل من إجراءات ترمب. باختصار، سيتطلَّب الأمر من الرئيس الانخراط في رفع الحمل الدبلوماسي الثقيل الذي كان قد تجنَّبه حتى الآن.

رأي كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق 

وكما كتب هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، من قبلُ، فإن: "من الخطير الاعتماد على الشخصية أو مهارات التفاوض لكسر الجمود؛ إذ لا يمكنهم ترميم عيوب استراتيجية غير مدروسة جيداً".

وسيجتمع ترمب مع بوتين في هلسنكي بعد حضور قمة قادة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي يومي 11 و12 يوليو/تموز 2018، وبعد زيارة لبريطانيا. ويتيح موعد القمة للرئيس الأميركي حضور حفل ختام كأس العالم لكرة القدم يوم 15 يوليو/تموز في روسيا.

وبعد اجتماع قصير بين ترمب وبوتين بفيتنام في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، واجه الرئيس الأميركي انتقادات شديدة في الداخل، بعد قوله إنه يصدق الرئيس الروسي، الذي نفى تدخل بلاده في الانتخابات الأميركية.

وانتقد أعضاء في الحزب الديمقراطي الأمييي قمة هلسنكي المقبلة، ووصفوها بأنها هدية للكرملين، معبرين عن مخاوف مما يمكن أن يقدمه ترمب.

موسكو: لا تتفاءلوا

وفي موسكو، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زخاروفا، إن من الأفضل عدم المبالغة في توقُّع ما يمكن أن تسفر عنه القمة.

ونقلت وكالة الإعلام الروسية عنها قولها: "بشكل عام، أنصح الجميع بألا يستخدموا عبارات مثل (انفراجات) وما على شاكلتها… أنصح برؤيةٍ عمليةٍ وواقعيةٍ لهذه الاجتماعات".

علامات:
تحميل المزيد