رغم قصفه الدموي لدرعا بمباركة روسية – إسرائيلية، الحرب لن تنتهي، وبشار لن يحكم كل البلاد.. ولهذه الأسباب سيزداد الوضع سوءاً

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/29 الساعة 20:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/30 الساعة 09:55 بتوقيت غرينتش
Smoke rises from al-Harak town, as seen from Deraa countryside, Syria June 25, 2018. REUTERS/Alaa al-Faqir

يحاول الرئيس السوري، بشار الأسد، السيطرة على مدينة درعا، التي تعتبر أحد أهم معاقل المعارضة، بكل الوسائل. وفي حين أن انتصاره هناك متوقع، إلا أن ذلك لا يمثل سبباً حتى يطمئن سكانها كما لا يضمن للأسد سيطرته على سوريا كاملةً.

وحسب موقع Deutsche Welle الألماني، فقد دمر قصف الأسد مستشفيات ميدانية عدة داخل منطقة درعا وخارجها. ووفقاً للمعلومات الواردة من المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد أسفرت الهجمات على درعا، والتي لا تزال مستمرة منذ أسبوع، عن مقتل 22 شخصاً مؤخراً، ليصل عدد الوفيات الإجمالي، خلال بضعة أيام، إلى 100 شخص. وقد اضطر نحو 50 ألف  شخص إلى الفرار من المنطقة.

هجمات للجيش السوري بدعم من طائرات روسية

وأضاف الموقع الألماني في تقرير نشره الخميس 28 يونيو/حزيران 2018، أنه منذ يوم الإثنين 25 يونيو/حزيران 2018، قام الجيش السوري مرة أخرى بتكثيف وتوسيع هجماته على مدينة درعا، التي مثلت مهد الثورة قبل 7 سنوات.

ويحاول الجيش السوري من خلال هجماته فك أي صِلات محتملة تربط بين المعارضة وأنصارها الذين فروا إلى الأردن. في الأثناء، تشارك الطائرات الروسية أيضاً في هذا القصف، وذلك وفقاً لما أكده المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط خاطر أبو دياب، الباحث بالمعهد الدولي في الدراسات الجيوسياسية بباريس، أن مناطق خفض التصعيد الأربع الأساسية، التي تم تحديدها لحماية المدنيين في الأشهر الأخيرة، تعد مجرد خدعة تكتيكية.

وفي هذا الشأن، أفاد الخبير في مقابلة له مع "Deutsche Welle": "لقد خدمت مناطق خفض التصعيد قوات الأسد، حيث تمكن من رصّ صفوفه من جديد وجمع قواته وربح بعض الوقت، ليعمد إلى استهداف خصومه بشكل أكثر عنفاً".

جانب من الدمار الذي تعرضت له درعا
جانب من الدمار الذي تعرضت له درعا

هذه الهجمات فاقمت الوضع الإنساني مأساوية

صرحت رئيسة مكتب مؤسسة Heinrich Böll Foundation في بيروت، بنتي شيلر، بأن "هذه الهجمات ستزيد بالفعل من تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا، حيث يستهدف النظام السوري، بشكل مكثف، درعا رغم علمه أن هذه العمليات لن تؤدي إلى نهاية الحرب؛ بل ستزيد في تأجيجها. وستؤثر هذه الهجمات أيضاً على الأردن، الذي يبحث عن تحقيق استقراره السياسي من جديد، خاصة بعد استقباله ما يعادل 700 ألف لاجئ. ومن المرجح أن المزيد من اللاجئين سيتوجهون إلى الحدود الأردنية في ظل تواصل الحملة العسكرية الضخمة".

إلا أن الأردن مُصرٌّ على إغلاق الحدود

ولا يزال الأردن مُصرّاً على إغلاق حدوده مع سوريا. وفي هذا الصدد، أوردت شيلر قائلة: "يبدو أن إغلاق الحدود لن يستمر طويلاً أمام هذا العدد الهائل من اللاجئين، الذين يُعتبرون في أمسّ الحاجة إلى المساعدة".

ويوضح الموقع الألماني أنه في غضون بضعة أشهر، أثرت الحرب السورية على استقرار البلدان الأخرى المجاورة. قبل بضعة أسابيع، صرح الرئيس السوري بشار الأسد بأن "هناك حرباً عالمية تدور رحاها في سوريا. قد لا تكون حرباً عالمية ثالثة، ولكنها بالتأكيد حرب على شاكلة الحرب العالمية الثانية. وفي حين لا يمكن اعتبار الحرب في سوريا حرباً نووية، إلا أنها لم تعد حرباً باردة أيضاً".

التأثير لم تَسلم منه حتى إسرائيل

وطالت آثار هذه الحرب إسرائيل أيضاً، وإن كان ذلك بشكل مختلف عن الأردن. فقد أدت الحرب السورية إلى تجمُّع هائل لحزب الله اللبناني على الحدود السورية-الإسرائيلية. وتشعر إسرائيل بالخطر إزاء الميليشيا الشيعية المتورطة في حرب 2006. وقد دأبت الدولة اليهودية على مهاجمة حزب الله ومصانعه الإيرانية في سوريا.

لكن من المحتمل أن يكون الهجوم بتواطؤ بين الجميع!

وتساءل الموقع: هل من المحتمل أنه قد حدث تواطؤ بين إسرائيل وروسيا، القوة الحامية لبشار الأسد، قبل الهجمات على درعا بهدف التوصل إلى اتفاق يخدم مصالح كلتا الدولتين؟

ولم يستبعد الصحافي اللبناني طوني أبي نجم ذلك في البرنامج التلفزيوني العربي "مسائية Deutsche Welle". وقد علل ذلك بأن نظام الأسد قد تلقى موافقة، ليس فقط من قبل من روسيا؛ بل أيضاً من إسرائيل لشن هجوم على درعا، مقابل أن يضمن النظام بقاء القوات الإيرانية، وضمن ميليشيا حزب الله، على مسافة تبعد من 30 إلى 40 كيلومتراً عن الحدود مع إسرائيل. وتتوافق هذه الضمانات مع المخاوف الأمنية التي تُقلق تل أبيب.

لقاء سابق بين بوتين ونتانياهو
لقاء سابق بين بوتين ونتانياهو

من جانبه، يشاطر خبير الشرق الأوسط خاطر أبو دياب الصحافي طوني أبي نجم الرأي، حيث لا يستبعد أن كلاً من روسيا وإسرائيل قد خاضت محادثات قبل تنفيذ النظام الهجوم على درعا.

فالهدف الأساسي هو إبقاء إيران بعيدة عن إسرائيل

وفي هذا الشأن، أفاد أبو دياب بأنه "كان من الممكن أن تعمد روسيا إلى حث إيران على الانسحاب -ولو جزئياً- من سوريا. لكن، ليس من الواضح مدى تجاوب طهران لمثل هذه المطالب. تحاول روسيا النأي بإيران عما يحدث في سوريا وإبقاءها بعيدة عن الحدود الإسرائيلية، لكنها لا تتوانى أيضاً عن استهدافها في الآن ذاته".

من جانبها، أنكرت عضوة مجلس الشعب السوري أشواق عباس، هذا التواطؤ ضمن برنامج "مسائية Deutsche Welle". وقد صرحت عباس بأن "لا أساس لأي اتفاقيات أو مناقشات سورية-روسية-إسرائيلية. لقد استعاد الجيش السوري بالفعل عدة مدن من المعارضة، والآن حان دور مدينة درعا".

كما أن المقاومة بدورها تعيش على وقع الانقسامات

إذ أوردت عباس أن "بعض عناصر المقاومة انضموا إلى الجيش السوري للمحاربة معهم ضد الجماعات الجهادية، أهمها جبهة فتح الشام، التي كانت تُعرف سابقاً باسم جبهة النصرة. لم يعد هذا النوع من التعاون بين النظام وبعض عناصر المقاومة مستبعداً.

في المقابل، أصبح وضع المقاومة متأزماً، حيث انقسمت إلى عدة مجموعات متنافرة تتنافس ويهاجم بعضها بعضاً. ومن ثم، إذا تحالف عدد من قوات المعارضة مع عدوها السابق، النظام السوري، فذلك بالتأكيد يعني سعيها إلى النجاة".

ووفقاً لبنتي شيلر، من الواضح أن المعارضة قد وصلت إلى طريق مسدود، حيث بدا من الجليِّ مدى هشاشتها، خاصة بعد الهجمات الأخيرة التي شنها النظام السوري على درعا.

وأضافت شيلر أن "المقاومة تبنَّت موقفاً دفاعياً منذ البداية. وتدريجياً، أخذت تفقد مؤيديها الدوليين، لتخسر مؤخراً دعم الولايات المتحدة. وفي حين حرصت الولايات المتحدة على مساندة المعارضة في الجبهة الجنوبية فترة طويلة، إلا أنها تخلَّت عنها في الآونة الأخيرة".

وأصبحت المعارَضة عاجزة عن القتال بفاعلية كما كانت من قبل. وفي هذا الشأن، صرح خبير الشرق الأوسط خاطر أبو دياب بأن "المقاومة المسلحة وصلت إلى طريق مسدود، مما يعني أن المقاومة السياسية قد لقيت حتفها أيضاً. وعلى الرغم من أن المعارضة الخارجية على المستوى السياسي ما زالت مستمرة، فإن النظام استطاع السيطرة على جل المناطق داخل سوريا".

بشار الأسد رفقة فلاديمير بوتين
بشار الأسد رفقة فلاديمير بوتين

لكن رغم كل ذلك فقدرة بشار على استعادة سلطته كاملةً أمر مشكوك فيه

أكدت بنتي شيلر أن "قدرة الرئيس السوري، بشار الأسد، على استعادة سلطته الكاملة على البلاد والحفاظ عليها، رغم ضعف المقاومة وسيطرة النظام على عدة مناطق كبرى، أمر مشكوك فيه.

فعلى سبيل المثال، وبعد استرجاع الجزء الشرقي من مدينة حلب في سنة 2016، لم يبادر العديد من الأهالي بالعودة إلى منازلهم. نتيجة لذلك، استغلت شبكات المافيا هذا الوضع للاستقرار في هذه المناطق المهجورة. في الأثناء، لا يبدو أن النظام يرغب أو قادر على محاربتها. لهذا قرر العديد من النازحين التوجه إلى غرب حلب".

في ظل هذه الظروف، من المستبعد أن يتمكن النظام السوري من تحقيق الاستقرار على مستوى هيكله الداخلي. وممن ثم، سيعجز عن إعادة الاستقرار داخل البلاد. في هذا الصدد، أقرت بنتي شيلر بأن "ما قبل الحرب، كنا نعلم أن نظام الأسد فاسد، حيث كانت العديد من المؤشرات تحيل إلى وجود شبكات مافيا في البلاد. ومن الواضح أن الأمر سيزداد سوءاً الآن".

علامات:
تحميل المزيد