يسعى المبعوث الدولي إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، إلى تحريك المياه الراكدة بالملف السياسي السوري، وذلك في محاولة منه لتهدئة المعارك التي تتصاعد حدتها بدرعا، والتي تواجه المعارضة السورية فيها خطر فقدان جبهة عسكرية جديدة لها.
وحسب مصادر "عربي بوست"، فإن دي ميستورا سيدعو الأطراف السورية، خلال الأيام القليلة المقبلة، إلى جولة تفاوضية جديدة في مدينة جنيف السويسرية، بعد توقُّف دامَ نحو 5 أشهر.
وتواجه المعارضة السورية في هذه الأثناء ضغطاً شديداً لوقف اتصالاتها مع الأطراف الدولية كافة وإعلان مقاطعتها المفاوضات حتى وقف العمليات العسكرية على درعا. في حين أن هيئة التفاوض السورية تعتبر أن وقف المشاركة في المفاوضات خطأ استراتيجي؛ حيث إن المفاوضات أمر يهم كل السوريين وليس درعا فقط، حسب قول المصدر.
وقد حصل المبعوث الدولي على بعض التوافقات الدولية والإقليمية، بعد عدد من الزيارات التي قام بها إلى إيران ومصر وروسيا والاتحاد الأوروبي، ويحاول ترجمة ذلك إلى جولة جديدة في المفاوضات، التي تشهد توقفاً شبه كامل، وذلك من خلال تشكيل اللجنة الدستورية، التي تضم ممثلين عن النظام والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني؛ لتعكف على صياغة دستور جديد للبلاد، في خطوة أولى تشكل قاعدة دستورية متينة يتمكن دي ميستورا من الانطلاق منها إلى الوصول إلى الانتخابات.
عملية معقدة
المفاوضات السورية عملية معقدة للغاية، يعلق مصدر "عربي بوست"، وبدايتها كانت مع الانقسام الدولي حول الملف الدستوري وطريقة الحل في سوريا، فذهبت كل من روسيا وتركيا وإيران -الدول الضامنة في أستانا- إلى عقد مؤتمر "سوتشي"، الذي انتهى بالاتفاق على تشكيل لجنة دستورية بشرط أن تعمل في جنيف وبإشراف الأمم المتحدة.
في حين وضعت "المجموعة الصغيرة"، التي تضم كلاً من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن (انضمت إليها ألمانيا لاحقاً)، ورقة حملت عنوان "ورقة غير رسمية بخصوص إحياء العملية السياسية في جنيف بشأن سوريا"، وجاء في ديباجتها: "تناقش هذه الورقة المنهجية التي ستكون عليها عملية المفاوضات في جنيف استناداً إلى قرار مجلس الأمن 2254، مع التركيز بشكل مباشر وفوري على مناقشة إصلاح الدستور وإجراء انتخابات حرة ونزيهة".
تقدُّم مسار "سوتشي"
مقترحات "المجموعة الصغيرة" بقيت على الورق دون أن تتبعها أي خطوات عملية، وكشف مصدر مطلع لـ"عربي بوست" عن تعطيل واشنطن العمل داخل المجموعة، وعدم حضور أي اجتماع للمجموعة، إلا أنها تراجعت في الآونة الأخيرة عن ذلك وقررت الخارجية الأميركية المشاركة في الاجتماعات التي دعا لها دي ميستورا والمقررة يوم الإثنين 25 يونيو/حزيران 2018 في جنيف، والتي ضمت ممثلين عن أعضاء "المجموعة الصغيرة" فقط.
وعلى النقيض من ذلك، بدا هناك نوع من التوافق بالمجموعة الأخرى، التي لبى جميع أعضائها الدعوة للمشاركة في جلسة مشاورة مطولة مع المبعوث الأممي بجنيف في الفترة ما بين 18 و19 يونيو/حزيران 2018، حيث تم الاتفاق على أن تضم اللجنة الدستورية 45 شخصاً، على أن يسمي النظام السوري 15 والمعارضة 15، في حين يختار دي ميستورا 15 عضواً من منظمات المجتمع المدني.
لجنة تنسيق مشتركة
نتيجة التعطل في "المجموعة الصغيرة"، بادر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين بموسكو، وبحثا معاً سبل تحقيق تقدُّم في العملية السياسية السورية، واتفقا على أن يكونا نواة للتنسيق بين المجموعتين، وقال ماكرون في المؤتمر صحفي 26 مايو/أيار 2018: "قررنا مع الرئيس بوتين أن نشكل آلية مشتركة للتنسيق المتبادل"، موضحاً أن "هذا الإطار ومع عملية أستانا، سيكون لديه سعي واحد؛ هو الحفاظ على سيادة سوريا ووحدتها".
ماكرون أكد مرة أخرى، أن الإطار الجديد سيعمل مع إطار أستانا (الذي يضم روسيا وتركيا وإيران) لإيجاد نقاط مشتركة قابلة للحياة للوصول إلى الهدف النهائي، وأشار إلى أنه "يؤمن كثيراً بهذه المبادرة".
رفض روسي لمشاركة هيئة التفاوض
وكانت دمشق أول المتقدمين بلائحة أسمائها، وقال الناطق باسم مكتب دي ميستورا، مايكل كونتي: "يمكنني تأكيد أن مكتب الممثل الخاص تسلَّم من الحكومة السورية قائمة بأسماء المرشحين للجنة الدستورية السورية".
وكشفت وسائل إعلام سورية عن ضم النظام 50 اسماً إلى القائمة، وهو عدد اللجنة بالكامل، مبيِّنةً أن من بين المرشحين أعضاء وفد النظام إلى جنيف، عدا رئيس الوفد بشار الجعفري، بالإضافة إلى النائب في مجلس الشعب أحمد كزبري، والمستشار القانوني أحمد عرنوس، وأمجد عيسى، وأمل اليازجي.
في حين تواجه هيئة التفاوض السورية، التي تطالب بحصتها من اللجنة الدستورية، رفض روسيا، بعد أن كانت الهيئة قد رفضت المشاركة في مؤتمر "سوتشي"، وبيّن مصدر "عربي بوست" أن هناك ميلاً روسيّاً إلى الدعوة لمؤتمر ثانٍ في مدينة سوتشي، على أن تشارك فيه الهيئة؛ ليتم قبول أعضائها باللجنة الدستورية.
وكشف المصدر عن اتصالات تجريها موسكو مع الائتلاف الوطني السوري المعارض؛ ليكون محل هيئة التفاوض في اللجنة الدستورية، ولفت إلى أن هيئة التفاوض تحاول تفادي هذا الطرح، لذلك دعت إلى اجتماع موسع في الرياض بدأ يوم الإثنين 25 يونيو/حزيران 2018، وحضر الاجتماعَ رئيسُ الائتلاف الوطني ووفدٌ موسعٌ من أعضائه؛ وذلك لمناقشة اللجنة الدستورية، والاتفاق على لائحة مشتركة؛ خوفاً من إرسال لوائح مختلفة إلى المبعوث الأممي.
أنقرة تبحث أسماء اللجنة مع "المجموعة الصغيرة"
وعلِم "عربي بوست" أن أنقرة بحثت أسماء لائحة المعارضة السورية في اللجنة الدستورية، مع أعضاء "المجموعة الصغيرة"؛ وذلك استعداداً لإطلاق جولة جديدة من المفاوضات في جنيف، وبدء العمل باللجنة الدستورية، وتضم اللائحة ممثلاً واحداً عن منصة موسكو ومنصة القاهرة، في حين حظيت هيئة التنسيق الوطني بمقعدين، ومثلهما للفصائل العسكرية، وتقاسم الائتلاف الوطني وفد "سوتشي"، الذي ترأسه أحمد طعمة، باقي المقاعد، وعددها 9.
مصيرها الفشل!
وعلى الرغم من أن اللجنة الدستورية تحظى باهتمام إقليمي ودولي، فإن هناك أطرافاً في المعارضة السورية ترى أن كل ما يحدث هو "مضيعة للوقت ومحاولات لتعويم النظام"، وقال الناطق الرسمي السابق باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط، إن الحل في سوريا "لا يتحقق عبر البدء بصياغة دستور جديد للبلاد، ولا بتجاوز القرار الدولي 2254، الذي يؤكد تحقيق الانتقال السياسي ونيل الشعب السوري حريته وكرامته"، ولفت إلى أن هذا المسار يأتي بدفع روسي لفرض حل سياسي وفق تصوُّرها، معتبراً أن ذلك يحدث "خارج نطاق الشرعية الدولية، ولن يغير من حال السوريين بشيء".
مواضيع قد تهمك:
هل بدأ تصدُّع التحالف الإيراني الروسي في سوريا؟.. عليك إذن أن تفتش عن "إعادة الإعمار وإسرائيل"