الأوروبيون اجتمعوا في بروكسل لحل أزمة اللاجئين، وهذه أهم القرارات التي اتفقوا عليها

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/28 الساعة 18:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/29 الساعة 06:39 بتوقيت غرينتش
اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل

منذ عام 2015 وحتى عام 2018، كانت أزمة المهاجرين قد بلغت أوجها وذروتها في أوروبا، حيث آلاف المهاجرين الذين يرسون على شواطئ اليونان يومياً ومثلهم في إيطاليا، فضلاً عن مئات الآلاف الذين يمرون كل أسبوع عبر الحدود الألمانية والنمساوية والمجرية، لكنَّ كل ذلك توقف الآن.

منذ أغسطس/آب 2017، وفقاً لصحيفة The New York Times الأميركية، تبدو الشواطئ اليونانية هادئةً نسبياً. وفي جزيرة لامبيدوسا النائية، أقصى جنوبي إيطاليا، التي كانت خط المواجهة في هذه الأزمة، كانت مراكز احتجاز اللاجئين صامتةً مدداً طويلة. ولم يسمع زوار المخيم يوم الإثنين 25 يونيو/حزيران 2018، سوى صوت تغريد الطيور.

ويشير  سلفاتوري مارتيلو، عمدة الجزيرة، إلى أن "الأوضاع بدت أهدأ ما تكون عليه منذ 2011، وأن اعداد القادمين انخفضت أعداد القادمين انخفاضاً حاداً".

شهادة وفاة متوقعة لأنجيلا ميركل بسبب الهجرة غير الشرعية

ويحتشد قادة الاتحاد الأوروبي، الخميس 28 يونيو/حزيران 2018، في بروكسل لاجتماعٍ مشحون حول الهجرة، وهو ما قد يعجل بالتوقيع على شهادة الوفاة السياسية للمستشارة الألمانية  أنجيلا ميركل، ويقوض جهود الكتلة الأوروبية الرامية إلى تشكيل سياسةٍ متسقة حول الهجرة.

ولا يعني الانخفاض الحاد في أعداد المهاجرين القادمين أنَّ أوروبا لا تواجه تحدياتٍ حقيقية. فلا تزال البلاد تكافح من أجل استيعاب ما يقرب من 1.8 مليون مهاجر وصلوا إليها بحراً منذ 2014.

وزادت حدة القلق العام في بلادٍ مثل ألمانيا بعد الاعتداءات البارزة التي تورط فيها مهاجرون، من ضمنها مقتل طالب ألماني يبلغ من العمر 19 عاماً، والهجوم الإرهابي بسوق عيد الميلاد والذي تسبب في مقتل 12 شخصاً.

ولا يزال القادة يواجهون اختلافاتٍ حادة فيما بينهم حول من ينبغي له أن يضطلع بمسؤولية الوافدين الجدد، بين الدول الحدودية مثل اليونان وإيطاليا، حيث يدخل من خلالها معظم المهاجرين إلى أوروبا؛ ومن جانبٍ آخرَ الدول الأغنى، مثل ألمانيا، حيثُ يحاول العديد من المهاجرين الوصول إليها بعد ذلك.

إلا أنَّ اللافت للانتباه عدد القادة، ولا سيما في أحزاب اليمين المتطرف، الذين يواصلون نجاحهم في خلق انطباعٍ بأنَّ أوروبا قارةٌ تقبع تحت حصارٍ بسبب المهاجرين، حتى عندما تصور الأرقام صورةً مختلفةً جداً.

رئيس وزراء المجر ومعه وزير الداخلية الايطالي لا يحبان المهاجرين

وفي خطابٍ حديث، قال فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف: "لقد فشلنا في الدفاع عن أنفسنا ضد غزو المهاجرين". واعتبر رئيس الوزراء مساعدة المجريين أي مهاجرين غير مسجلين جريمة تستحق السجن.

أوربان ليس وحده في مساعيه المتشددة تجاه المهاجرين. فمنذ بداية الشهر الحالي (يونيو/حزيران 2018)، أغلق ماتيو سالفيني، وزير الداخلية الإيطالي، موانئ إيطاليا أمام قوارب الإنقاذ التي تديرها المؤسسات الخيرية. وهدد هورست زيهوفر، وزير الداخلية الألماني، بأن يرد اللاجئين الموجودين على الحدود الجنوبية لبلاده.

وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، زعم ترمب زيفاً أنَّ الهجرة أدت إلى انتشار وباء ارتكاب الجرائم في ألمانيا.

الحكومات الأوروبية تهيئ الشعوب لرفض المهاجرين

نجحت هذه التكتيكات على ما يبدو؛ إذ أظهرت البيانات الصادرة هذا الشهر (يونيو/حزيران 2018)، من جانب الاتحاد الأوروبي، أنَّ الأوروبيين ينتابهم قلقٌ من الهجرة أكثر من قلقهم من أي تحدياتٍ اجتماعية أخرى.

يتقدم حزب سالفيني الآن في استطلاعات الرأي بنسبةٍ تصل إلى 10 في المائة من النقاط منذ الانتخابات التي عُقدت في مارس/آذار 2018. وأُعيدَ انتخاب أوربان في أبريل/نيسان 2018، بأغلبيةٍ أكبر هذه المرة، بعد حملةٍ ركز فيها تركيزاً حصرياً تقريباً على الهجرة.

وحتى في لامبيدوسا، فاز مارتيلو بمنصب العُمدة في العام الماضي (2017)، عبر تعهُّده بإيلاءٍ مزيد من التركيز على القضايا المحلية أكثر من تحسين السمعة الدولية للجزيرة باعتبارها ملجأً للمهاجرين.

لكنَّ الحقيقة على أرض الواقع أنَّه رغم تلك الخطابات، عادت الهجرة إلى مستوياتها قبل الأزمة، وهي على تلك المستويات منذ فترة.

ولكنّ محاولات أوروبا لا تحقق النتائج المرجوَّة فما زال المهاجرون في طريقهم

ووصل أكثر من 850 ألف طالب لجوء إلى اليونان منذ 2015، وأغلبهم يمضي في طريقه بنهاية المطاف إلى بلاد شمال أوروبا مثل ألمانيا. وحتى هذه اللحظة من هذا العام (2018)، خاض أكثر بقليل من 13 ألف شخص الرحلة نفسها. ووصل أكثر من 150 ألف شخص إلى إيطاليا في 2015، بينما يصل العدد هذا العام (2018)، حتى اللحظة الحالية، إلى أقل من 17 ألف شخص. وفي عام 2016، عندما بلغت طلبات اللجوء أعلى مستوياتها، شهد كل شهر محاولة أكثر من 62 ألف شخص في المتوسط اللجوء إلى ألمانيا. وفي العام الحالي (2018)، انخفض هذا الرقم ليتجاوز بقليلٍ 15 ألف شخص؛ وهي النسبة الأقل منذ 2013.

وفي لامبيدوسا، وصل أكثر من 21 ألف مهاجر في 2015، في حين تقل أعدادهم حتى هذه اللحظة من العام الحالي (2018) عن 1100. لم يرتفع العدد إلا في إسبانيا، فقد تجاوز بقليلٍ 17 ألف شخص حتى هذه اللحظة من العام الحالي (2018)، بعد أن كان 16 ألف شخص خلال عام 2015 كله. إلا أنَّ هذه الزيادة لا تزال قليلةً نسبياً؛ إذ كان المعتاد في ذروة الأزمة وصول أشخاصٍ إلى جزيرة لسبوس اليونانية في أسبوعٍ واحد أكثر من عدد الأشخاص المُرجح وصولهم إلى إسبانيا في هذا العام (2018).

وقال ماتيو فيلا، المتخصص بالهجرة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية: "إنَّها أزمة مُختلقة. عززت التدفقات المرتفعة التي شهدها العام الماضي (2017) من قوة الأحزاب القومية، التي تخلق الآن أزمةً بنفسها من أجل إحراز نقاطٍ سياسية رخيصة".

اكتسب سالفيني وأوربان دعماً شعبياً من خلال إثارة انطباع بأنَّهما القائدان الوحيدان العازمان على اتخاذ القرارات الصارمة المطلوبة لتقليل الهجرة. غير أنَّ المؤسسة الأوروبية، الواقعة تحت ضغطٍ من أمثال أوربان وسالفيني، كانت تتعاون بصمتٍ لبعض الوقت مع الدول القائمة على المسارات والطرق المؤدية إلى أوروبا، وضمن ذلك بعض الأنظمة الاستبدادية؛ من أجل تقليل الأعداد.

الوضع في إيطاليا يختلف قليلاً

أما في إيطاليا، فقد تراجعت أعداد المهاجرين بعد أن نجح ماركو مينيتي، الذي سبق سالفيني بالمنصب، في إقناع عددٍ من الميليشيات بوقف عمليات التهريب في شمال ليبيا، والإبقاء على المهاجرين المحتملين في ظروفٍ خطيرة داخل مراكز الاحتجاز الليبية المؤقتة.

وقال أندرو غيديس، مدير مركز سياسات الهجرة في معهد الجامعة الأوروبية بمدينة فلورنسا الإيطالية، إن "التدابير المُطبقة من قِبل الحكومات السابقة، والتي انتقدها سالفيني بقوة، كانت فعالةً في الواقع".

اتفاقيات وحملات أمنية لوقف تدفُّق المهاجرين

وفي الوقت نفسه، توصَّل عددٌ من الحكومات الأوروبية إلى اتفاقيات ترحيل مع السودان، الذي اتُهم رئيسه، عمر البشير، بارتكابه جرائم حرب. وساعد كذلك اتفاقٌ مع النيجر في تنفيذ حملةٍ أمنية ضد عمليات التهريب في غرب الصحراء الكبرى. وما هو أكثر إثارة للجدل أنَّ الحكومتين الألمانية والهولندية توسطتا في اتفاقٍ بالاتحاد الأوروبي عام 2016 مع تركيا؛ مما أدى إلى انخفاضٍ فوري وحاد في مستويات الهجرة إلى اليونان.

وقال جيرالد كناوس، رئيس مبادرة الاستقرار الأوروبي، وهي مجموعة بحثية في برلين كانت أول من اقترح عقد الاتفاق وصاغت نسخاً سابقة منه، إنَّ "المفارقة في أنَّه، رغم هذه الرواية التي تشير إلى أنَّ ميركل فتحت حدود الاتحاد الأوروبي، تشير الحقيقة إلى أنَّ ميركل والحكومة الهولندية هما من تفاوض على أكثر الاتفاقيات تأثيراً على حدود الاتحاد الأوروبي".

بعيداً عن كل ما سبق.. هل الاتحاد الأوروبي جاد في دمج المهاجرين بالمجتمعات الأوروبية؟

صارت التحديات التي تواجه أوروبا الآن تتعلق بعملية اللجوء إلى حدٍ كبير، وهي كيفية إيواء طالبي اللجوء الذين ينتظرون قراراتٍ حول حالاتهم، وكيفية دمجهم في الاقتصاد والمجتمع إذا حصلت طلباتهم على الموافقة، وكيفية ترحيلهم إذا رُفِضَت طلباتهم.

لا تزال هذه التحديات قائمةً؛ نظراً إلى أنَّ المسؤولين أيضاً لم يعالجوا كلياً حتى الآن مشكلة مخيمات المهاجرين القذرة في اليونان، التي تؤوي ما يقرب من 60 ألف شخص من المتقدمين للحصول على اللجوء في البلاد؛ أو الاقتصاد الخفي لإيطاليا، حيث يُستَغل عددٌ كبير من المهاجرين غير المسجلين في البلاد، البالغ عددهم نحو 500 ألف شخص.

تشكل قمة الاتحاد الأوروبي، التي تُفتتح الخميس 28  يونيو/حزيران 2018، تذكِرةً لمدى تحوُّل المشهد السياسي؛ إذ إنَّ ميركل، المستشارة الألمانية التي كانت من قبلُ القائدة التي لا تُهزَم للقارة العجوز، تحتاج الآن تأمين اتفاقيةٍ مع قادة الاتحاد الأوروبي الآخرين؛ لتجنب أزمةٍ سياسية في بلادها.

وهدد زيهوفر، وزير داخليتها البافاري المتمرد، بأن يُغلق الحدود الألمانية مع النمسا أمام طالبي اللجوء الذين سجلوا أوراق اعتمادهم بالفعل في بلادٍ أوروبية أخرى، وفي أغلب الأحوال باليونان وإيطاليا. تريد ميركل تجنُّب هذا السيناريو؛ نظراً إلى أنه سيُحدث تأثيراً كبيراً يحض على مزيدٍ من الضوابط الحدودية الأكثر تشدداً في كل أنحاء القارة. يمكن أن يعيق ذلك الحركة، ليس فقط أمام اللاجئين؛ بل أمام جميع المواطنين الأوروبيين، مما يُعرّض أحد المبادئ الأساسية للاتحاد للخطر: وهو مبدأ الانتقال بين الدول الأعضاء.

اتفق زيهوفر على الانتظار في أثناء محاولات ميركل للتفاوض باجتماع القمة، على نظام لجوء مطور في الاتحاد الأوروبي، لكنَّ هذا يبدو احتمالاً بعيداً، ولا يمكن أن يتفق أي طرف على ما يجب أن يكون عليه ذلك النظام. ويقول بعض القادة، مثل أوربان في المجر، إنَّ أوروبا ينبغي لها بكل بساطة، أن تحمي حدودها دون أن تقلق بشأن تعقيدات نظام اللجوء خاصتها.

وقال في خطابٍ له هذا الشهر (يونيو/حزيران 2018): "إذا دافعنا عن حدودنا، فسيكون الجدال حول توزيع المهاجرين بلا معنى؛ لأنَّهم لن يكونوا قادرين على الدخول".

يريد آخرون مثل ميركل تقليل الهجرة، لكنَّهم يعترفون بعدم القدرة على إنهائها تماماً إلا إذا تخلَّت أوروبا عن الحق في اللجوء، الذي كفلته الاتفاقيات الدولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

هناك مقترح لإنشاء مراكز خارجية لتقبل طلبات الهجرة في إفريقيا

ومن أجل التمسك بهذا الحق والحد من الهجرة في الوقت نفسه، يريد المسؤولون في بروكسل إقامة مراكز خارجية لعملية التقدم للجوء بإفريقيا، في حين يجادل بعض المحللين بأنه سيكون الأسهل والأرخص الاستثمار في نظام لجوء أكثر كفاءة باليونان وإيطاليا، والتوصل إلى مزيدٍ من اتفاقيات الترحيل مع البلاد التي يأتي المهاجرون منها.

وفي غضون ذلك، يبدو القادة المناهضون للهجرة غير متحدين، وإن كانوا يستفيدون من قضية الهجرة. وتريد إيطاليا التخلص من تشريعات دبلن، التي تنص على أنَّ طالبي اللجوء يجب أن يقيموا بدولة الاتحاد الأوروبي التي سجلوا فيها لأول مرة، وتريد توزيع المهاجرين في جميع أنحاء الاتحاد. لكنَّ المتشددين، من أمثال أوربان وزيهوفر ورئيس الوزراء النمساوي سيباستيان كورتز، يرفضون مشاركة إيطاليا واليونان في تحمُّل العبء.

وقال كناوس إن "مقترحاتهم متناقضة بصورةٍ جوهرية. يريد سالفيني والإيطاليون التخلص من دبلن ومشاركة الجميع في أوروبا. ويريد البافاريون إعادة الجميع إلى النمسا. وكورتز يقول: حسناً، سوف نرسلهم إلى إيطاليا والمجر".

وبالذهاب بعيداً إلى لامبيدوسا، يتسبب هذا في جعل الجدال يبدو كما لو أنَّه أقل اهتماماً بتفاصيل إدارة الهجرة، وأكثر اهتماماً باتساع الفجوة بين القوى الليبرالية وغير الليبرالية في أوروبا.

وقال مارتيلو عمدة لامبيدوسا إنَّها "حربٌ إيديولوجية. أوروبا منقسمة إلى كتلتين رئيسيتين: الأولى تدافع عن الحدود، والأخرى تفعل شيئاً في الواقع حيال الموقف".