صمتٌ ثقيل يُخيِّم على القاعة 7 بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، فيما يلفُّ التوتر مُحامِي هيئة دفاع ناصر الزفزافي ومَن معه، عقب إدخال الملف للمداولة، في انتظار النطق بالحكم النهائي بعد سنة من جلسات محاكمة ماراثونية بلغت 84 جلسة.
تشير الساعة إلى العاشرة ليلاً، حين عاد القاضي علي الطرشي ليقول "حكمت المحكمة على ناصر الزفزافي بـ20 سنة حبساً، ومثلها لكل من نبيل أحمجيق وسمير اغيد ووسيم البوستاتي"، قبل أن يمُرَّ سريعاً لتلاوة العقوبات الحبسية في حق باقي المعتقلين، البالغ عددهم 53 من شباب منطقة الريف المغربي، شرقي المغرب، فاقت في مجموعها 300 سنة موزعة عليهم.
ليلة بيضاء
ضجَّت القاعة بمن فيها، وعلا صُراخ أهالي المعتقلين الذين لم تتم تبرئة أي منهم أمام ذهول حقوقيين ممن كانوا ينتظرون حكماً بالبراءة على المعتقلين، من أجل طيِّ الصفحة وتحقيق المصالحة، ما لم يقع على الأقل ليلة الـ27 من يونيو/حزيران 2018، التي ستكون طويلة وصعبة على المعتقلين وأُسرهم لا محالة.
على جنبات المحكمة وداخل بَهوِها ارتفعت الشعارات مُنددة بالأحكام التي وُصفت بـ"القاسية والظالمة"، "يا مغربي ويا مغربية.. المحاكمة عليك وعلي مسرحية" و"عاش الريف" وغيرها، كلمات تفوَّهت بها ألسنة عائلات المعتقلين وحقوقيين انطلقت بنبرة غاضبة ومتشنجة، واختلطت بدموع الأمهات والزوجات الحارقة.
المحامية سعاد البراهمة، عضوة هيئة الدفاع عن معتقلي حراك الريف، وصفت الأحكام بـ"القاسية جداً". بوجه مُتجهِّم وشاحب وملامح غاضبة قالت المحامية إن "ذنب المعتقلين أنهم خرجوا للاحتجاج الذي هو حق دستوري ومشروع".
"زعيم" حراك الريف، ناصر الزفزافي الذي قاطع خطيب الجمعة داخل أحد مساجد الحسيمة حين كان يُلقي خطبة معادية للاحتجاجات والداعين إليها، توبع ومن معه بتهم عديدة، من بينها "المساهمة في تنظيم مظاهرات بالطرق العمومية، والتحريض على العصيان"، بالإضافة إلى تهمة "التآمر من أجل المس بأمن الدولة"، التي تصل عقوبتها للإعدام، وهو ما ينفيه الزفزافي (38 سنة)، مؤكداً سلمية الاحتجاجات وغرضها المتمثل في التنمية.
مغاربة مصدومون
ما إن اطَّلع المغاربة على الأحكام حتى ضجَّت شبكات التواصل الاجتماعي بعبارات الرفض لما اعتبروه "ظلماً في حق مواطنين يطالبون بتشييد مستشفى وبناء جامعة، فيما علا السواد تدوينات نشطاء "فيسبوك" وصفحاتهم.
سريعاً ما تفاعل المغاربة على الشبكات الاجتماعية مع قسوة الأحكام وآلام الأسر والأهالي، معربين عن فقدانهم الأمل في إصلاح الحال ومحاربة الفاسدين والقضاء على الفقر والتهميش، ورافضين سياسة ترويع كل من سوَّلت له نفسه الاحتجاج ضد الظلم والفقر بسنوات طويلة داخل السجون.
لِقصة اعتقال الزفزافي وعشرات من شباب منطقة الريف، تفاصيل عديدة انطلقت مع حادث مقتل محسن فكري، تاجر الأسماك الذي تعرَّض للطحن داخل شاحنة لجمع النفايات، خلال محاولته منع مصادرة بضاعته، أكتوبر/تشرين الأول 2016، ما أثار سخطاً وتنديداً واسعين، فيما اندلعت الاحتجاجات بعدد من المدن المغربية على رأسها الحسيمة.
على مدى الشهور الستة التي تلت وفاة محسن فكري، استمرَّت المظاهرات والاحتجاجات بالحسيمة ونواحيها، مطالبة بتنمية مناطق الشمال ومحاربة الفقر والتهميش، بتاريخ 25 مايو/أيار 2017، اتهمت الحكومة أطرافاً بترويج "مغالطات" بخصوص الاحتجاجات المتواصلة بمنطقة الريف، في وقت طالب فيه حقوقيون وفاعلون مدنيون بتسريع الاستجابة لمطالب حراك الريف.
يوماً واحداً بعد ذلك اعتقلت السلطات 20 ناشطاً بتهمة المس بـ"السلامة الداخلية للدولة" و"التمويل من الخارج"، ليتم إلقاء القبض على ناصر الزفزافي يوم 29 مايو/أيار 2017، وترتفع أعداد الموقوفين، لتتجدد المسيرات الاحتجاجية في عدد من المدن، تضامناً مع حراك الريف والحسيمة.
عام على اعتقالهم، حكم على الزفزافي ورفاقه بأحكام ثقيلة وفق هيئة دفاعه، ما تقول عنه المحامية سعاد البراهمة بأسى بادٍ "المحاكمة كانت دليلاً على أن المغرب لم يتجاوز وضعه ما قبل الاستعمار".