كيف استخدم بوتين سياسة “المكافأة والعقاب” في اختيار المدن المستضيفة لكأس العالم ؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/26 الساعة 16:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/27 الساعة 06:35 بتوقيت غرينتش
FIFA President Gianni Infantino (R) and Russian President Vladimir Putin attend the 68th FIFA Congress in Moscow, Russia June 13, 2018. REUTERS/Sergei Karpukhin

يتابع عشاق الكرة في كل مكان نهائيات كأس العالم؛ حيث 64 مباراة كرة قدم مثيرة غير معروفة النتائج، تقام في 11 مدينة روسية حتى 15 يوليو/تموز 2018. وعلى هامش المباريات، كانت هناك نقاشات سياسية واجتماعية عن كيفية تأثير السياسة العالمية على كأس العالم. لكن، ليست فقط السياسة العالمية هي التي تؤثر على كأس العالم.

السياسات الروسية الداخلية أثرت أيضاً على كأس العالم. نستعرض فيما يلي، قصة أماكن إقامة البطولة والمدن المستضيفة مع الكثير من الأمور المتعلقة بما يسمى سياسات "المركز – المحيط"؛ أي الاهتمام بالمدن المركزية مع إهمال المناطق الأخرى في روسيا.

تقع جميع المدن المضيفة الـ 11 في الجزء الأوروبي من روسيا أي (روسيا الأوروبية)، مثلما ذكر الملف الروسي لاستضافة المونديال منذ البداية. كما أن بعض المدن والأماكن المستضيفة لم تكن بالمفاجئة؛ إِذْ تعتبر موسكو وسان بطرسبرغ كبرى المدن الروسية، كما أن مدينة سوتشي، التي استضافت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية للعام 2014، ومدينة كازان، التي استضافت دورة الألعاب الجامعية الصيفية للعام 2013، ضمتا ملاعب جديدة وكبيرة، كما كان متوقعاً. 

إلا أن اختيارات المدن الأخرى هي المثيرة للدهشة بحق. فمدينة مثل إيكاترينبورغ، المدينة الواقعة إلى أقصى الشرق، إلى إضافة عدد كبير من المقاعد المؤقتة داخل المدرج الجنوبي للملعب الرئيسي بها لتلبية متطلبات السعة التي ينص عليها الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA بالنسبة للملاعب المستضيفة للمباريات، والتي جرى خفض سعتها بالفعل من 40.000 إلى 35.000 في العام 2018.

وعلى سبيل المثال، تلعب أندية كالينينغراد؛ نيجني نوفغورود وفولغوغراد، في دوري الدرجة الثانية الروسي، ولا تجذب هذه الأندية – على الأرجح – جمهوراً يكفي لملء الملاعب التي تضم 40.000 مقعد، ما لا يفسر بناء هذه الملاعب في هذه المدن. حيث أُنشئت ملاعب بتمويل خاص يتوافق مع متطلبات "فيفا"، لكنها لن تُستخدم!

ويشير توزيع المدن الـ 7 التي أُنشئت فيها ملاعب جديدة، استعداداً لاستضافة كأس العالم، إلى أن موسكو وضعت استراتيجيتها بناءً على على سياسة "المكافأة أو العقاب" استناداً إلى أداء المسؤولين المحليين بالأساس بدلاً من الاعتماد على كفاءة البنية التحتية للمدن. وكافأت الحكومة الفيدرالية المسؤولين المحليين الموالين لها في المناطق التي لا يشكل فيها العِرق الروسي أغلبية، كما استقطبت المسؤولين المحليين الأقل دعماً في المناطق التي تقطنها أغلبية عرقية روسية.

هذا ليس بجديد على السياسة الروسية، فلقد رأينا هذا النوع من آليات المكافأة من قبلُ في الداخل الروسي. إلّا أن السعي خلف دعم المسوؤلين المحليين بهذا الشكل ومحاولة إرضائهم وإرضاء سكان تلك المدن هو ما يعد خروجاً عن المألوف.

ملاعب كرة القدم.. من اللعب إلى السياسة!

لا تمتلك الملاعب الكبيرة التي شُيِّدت من أجل المناسبات الجماهيرية، مثل كأس العالم، تأثيرات اقتصادية مثيرة للتساؤل وحسب؛ بل إنها أيضاً ربما لا تُستخدم بعد انتهاء هذه الأحداث. ومع ذلك، يمكن للمسؤولين المحليين الاستفادة منها من خلال الإشارة إلى الملعب كأحد إنجازات الأشغال العامة الرئيسة، أو حتى الاستفادة من بناء الملعب لتحقيق أرباح خاصة. على سبيل المثال، يُشتبه في أن المسؤولين قد اختلسوا أكثر من 12 مليار دولار من الأموال التي كانت مكرَّسة لبناء المراكز والبنية التحتية لأولمبياد 2014 في سوتشي.

بالنسبة لكأس العالم، لم تدفع الحكومة الفيدرالية تكلفة بناء الملاعب وحسب؛ بل إنها مجبرة على تحمُّل تكاليف صيانتها. ومن ثم، قد يستفيد المسؤولون المحليون سياسياً ومالياً من الملاعب الجديدة المخصصة لمباريات كأس العالم في مدنهم، دون تحمُّل العبء المالي.

ونظراً إلى اهتمام وسعي المسؤولين المحليين بالحصول على مكان جديد داخل المنظمة الفيدرالية، قد تستغل الحكومة الفيدرالية بناء ملعب جديد لمكافأة المسؤولين المحليين أو معاقبتهم أو استمالتهم. وتُظهر الأبحاث، سواء داخل روسيا أو في سياقات أخرى، شيوع آليات العقاب والمكافأة بالنظم الفيدرالية، حيث تسعى الحكومات المركزية إلى الظفر بولاء المسؤولين المحليين كما تسعى لمعاقبة المارقين والخارجين عن طاعتها منهم.

كيف يؤثر مستوى دعم النظام الفيدرالي الروسيّ على توزيع الملاعب؟

توجد 45 مدينة في روسيا تتجاوز كثافتها السكانية 300 ألف نسمة، وقد تكون مدرجةً على نحو معقول كمدينة مرشحة لإنشاء ملعب رياضي جديد بها. استبعد العرض المبدئي بشكل واضح مدناً في سيبيريا والشرق الأقصى وشمال القوقاز. تنافست المدن الـ45 على 10 أماكن لاستضافة النهائيات الكروية، بالإضافة إلى 6 أماكن إضافية ذهبت إلى موسكو، وسانت بطرسبرغ وكازان وسوتشي، وهي المدن التي امتلكت ملاعب رياضية جاهزة أو على وشك الانتهاء من إنشائها، إضافة إلى ملاءمتها لاستضافة المباريات والفرق والجماهير.

بعد اختيار الاتحاد الدولي لكرة القدم للملف الروسي لاستضافة مونديال "روسيا 2018″، انخفض عدد الملاعب المذكورة في الملف من 16 إلى 12 ملعباً في 11 مدينة.

ويبدو أنه يوجد نمطان واضحان يتعلقان بأسباب اختيار مدن معينة للاستضافة؛ ألا وهما النسبة المئوية للمصوتين الذين دعموا حزب "روسيا المتحدة" – وهو الحزب الحاكم في روسيا – في انتخابات 2007، والنسبة المئوية للعِرق الروسي في منطقة معينة.

بالنسبة للمدن التي تحظى بأعداد كبيرة من الأقليات العرقية، بدا أن الدعم المرتفع لحزب "روسيا المتحدة" قد شكَّل عاملاً حاسماً في تضمينها بعرض الاستضافة للحدث الأكبر كروياً.

على سبيل المثال؛ في جمهورية موردوفيا، تمثل العرقية الموردوفية نسبة 40% من سكانها، اختيرت العاصمة "سارانسك" – وهي مدينة يصل عدد سكانها إلى 300 ألف نسمة- بعد أن صوَّت 93% من سكانها لحزب روسيا المتحدة. ولم تحظَ بهذا الشرف مدنٌ أكبر بكثير قريبةٌ من "سارانسك"، مثل مدينة "أوفا" (التي صوتت لروسيا المتحدة بنسبة 83%) و"إيجيفسك" (التي صوتت بنسبة 61%).

ولكن، يبدو أن نسبة التصويت لـ"روسيا المتحدة" لم يكن لها تأثير في المقاطعات التي يمثل الروس فيها 90% من السكان؛ إذ تقدمت مدينة "ياروسلافل" ذات التعداد السكاني البالغ 600 ألف نسمة والتي دعمت حزب روسيا المتحدة بنسبة 53% في التصويت، على مدينة "فورونيج" التي يزيد عدد سكانها على مليون نسمة ودعمت الحزب بنسبة 57%. وتفوقت مدينة "فولغوغراد" -التي دعم ناخبوها حزب روسيا المتحدة بنسبة 57%- على مدينتي "بيرم" و"ساراتوف" اللتين تتمتعان بمساحة مشابهة ودعمتا "روسيا المتحدة" بنسبة 60%. ويتوافر هنا تحليل إحصائي يؤكد هذا النمط العام لجميع المدن المستضيفة المحتملة والبالغ عددها 45 مدينة.

هل تعرضت بعض المناطق للعقاب بعد انتخابات 2011؟

يبدو أن الانتخابات التي أُجريت بعد العرض المبدئي لاستضافة المونديال، وقبل التحديد النهائي للمدن المضيفة، قدّمت فرصة لعقاب المدن غير المطيعة. في انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2011، خسر حزب "روسيا المتحدة" نحو 15% من إجمالي ناخبيه. وبعد الانتخابات في العام 2012، استُبعدت مدن بودولسك وكراسنودار وياروسلافل كمدن مضيفة.

وأيد 29% من ناخبي مدينة ياروسلافل حزب "روسيا المتحدة" في عام 2011، وهو الأداء الأسوأ للحزب بأية منطقة فيدرالية. وحصل الحزب على 32.5% من نسب التصويت في منطقة "موسكو أوبلاست" -وهي المنطقة المحيطة بالعاصمة موسكو – وحصلت على ثاني أدنى تقييم في المناطق التي عرضت استضافة مباريات كأس العالم.

ويوضح استبعاد كلتا المدينتين من مرحلة الاختيار النهائي أن الحكومة الفيدرالية عاقبت المناطق الروسية التي تتمتع بأغلبية سكانية متنوعة عرقياً في الأساس، ولم تقدم الدعم لحزب "روسيا المتحدة"، رغم أنها قدمت عرضاً مغرياً من حيث جودة المنشآت، قبل انتخابات 2011 البرلمانية.

هذا هو السبب في كون قصة كأس العالم 2018 ترسم صورة أكثر دقة للسياسة الروسية مقارنة بما نراه ونقرأه في العديد من وسائل الإعلام.

ورغم أن روسيا تظل بالتأكيد نظاماً تسلطياً، فإن موسكو لم تتمتع بسلطة مطلقة على المناطق المتواجدة على أطراف الجمهورية البعيدة عن موسكو، وفي سعيها الدائم لإحكام السيطرة على هذه المدن تمارس الحكومة المركزية "لعبة معقدة" من العقاب والمكافأة لضمان ولاء هذه المناطق.

وهذا يساعد في توضيح سبب تشييد ملاعب رياضية جديدة لإقامة مباريات كأس العالم 2018 بمدن مثل كالينينغراد وسارانسك، عوضاً عن المدن الروسية الأكثر شهرة والأكثر جاهزية وذات الكثافة السكانية الأعلى.

تحميل المزيد