أعلن صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين والقيادي في حركة فتح، أنَّه ليس لديه أدنى شك في هدف "صفقة القرن" الأميركية، إذ قال لإحدى الصحف في مطلع هذا الأسبوع: "هدفها هو إسقاط القيادة الفلسطينية واستبدال محمود عباس".
وقالت صحيفة Haaretz الإسرائيلية إن عريقات على يقينٍ بأنَّ الأميركيين يُخطِّطون لتجاوز وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بحيث تذهب الأموال المُخصَّصة للاجئين مباشرةً إلى الدول المضيفة لهم. بهذه الطريقة، يسحبون البساط من تحت واحدة من أصعب القضايا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: قضية اللاجئين.
وقال مسؤولٌ كبير في السلطة الفلسطينية للصحيفة الإسرائيلية إنَّ "خوف السلطة الفلسطينية هو من ما يسميه المسؤولون الفلسطينيون مؤامرة إسرائيلية أميركية سعودية ومصرية تهدف إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وتقديم حل اقتصادي لغزة مع تعزيز سلطة حركة حماس، وبالتالي تجنُّب المفاوضات الدبلوماسية حول مستقبل فلسطين".
مخاوف عريقات لها ما يبررها
وحسب الصحيفة فإنه يبدو أن هذا الخوف له ما يبرره. فاستناداً إلى تقارير في وسائل الإعلام المصرية تعتمد على تصريحات دبلوماسيين غربيين، تسعى الخطة الأميركية إلى إنشاء منطقة تجارة حرة بين قطاع غزة ومدينة العريش في سيناء، حيث ستُنشَأ خمسة مشاريع صناعية كبيرة. وبموجب الطلب الإسرائيلي، ستنُشَأ هذه المشاريع في مصر، التي ستتولَّى الإشراف على عمليات الإنشاء وممر العمال من غزة إلى سيناء.
ويوضح تقرير الصحيفة الإسرائيلية أن ثلثي العمال سيأتون من غزة وثلثاً من سيناء. وسَيُبنى ميناءٌ مصري فلسطيني مشترك ومحطةٌ للطاقة الشمسية في وقتٍ لاحق. ومن المُقرَّر أيضاً بناء مطار إذا سارت الأمور كما هو مُخطَّط لها. وستظل الحكومة في غزة تحت سيطرة حركة حماس لكنها ستكون في تنسيقٍ كامل مع مصر، التي انخرطت في الأشهر الأخيرة في محادثاتٍ مُكثَّفة مع حماس حول إجراءات السيطرة على المعابر الحدودية.
كما ستقوم مصر، التي فتحت معبر رفح في منتصف شهر مايو/أيَّار بمناسبة شهر رمضان، بفتح المعابر لمدة شهرين إضافيين حتى عطلة عيد الأضحى، مع نية تركها مفتوحة إلى أجل غير مسمى. معبر رفح مفتوح الآن ليس فقط للأشخاص لكن أيضاً للبضائع ومواد البناء، على عكس رغبات إسرائيل. وبهذا توضح مصر لإسرائيل أنَّ سياسة الحصار والإغلاق على غزة قد تنهار إذا لم توافق إسرائيل على جعل الأمور أسهل إلى حدٍّ كبير بالنسبة لسُكَّانِ غزة.
الوضع يذهب في اتجاه الفصل بين غزة والضفة
هذه أيضاً رسالةٌ واضحة إلى السلطة الفلسطينية مفادها أنَّه إذا استمر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عرقلة المصالحة بين حركتي حماس وفتح، فسوف يُفصَل قطاع غزة عن الضفة الغربية وهذا ينهي عملية الوحدة بين شطريّ فلسطين (غزة والضفة الغربية).
ويبدو أنَّ الرسالة المصرية قد وصلت، إذ ستبدأ السلطة الفلسطينية في دفع رواتب موظفي قطاع غزة التي عُلِّقَت، وفقاً للقيادي البارز بحركة فتح، يحيى رباح. كما ستُستأنف محادثات المصالحة بين فتح وحماس، بالتنسيق مع مصر، بهدف إنعاش تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في غزة.
كما أن مصر تعارض الطرح السعودي
في أثناء ذلك، لا تقبل مصر، التي تشعر بالقلق بشكلٍ خاص إزاء التطوُّرات في غزة، مبادرة الولايات المتحدة بشكلٍ كامل. فبعد اجتماعٍ بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري ورئيس المخابرات عباس كامل، المسؤول عن ملف القضية الفلسطينية، أعلن المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بسام راضي يوم الخميس 21 يونيو/حزيران، أنَّ "مصر تدعم جميع الجهود والمبادرات للوصول إلى اتفاقٍ شامل على أساس القرارات الدولية المُتَّخَذَه في الماضي وعلى مبدأ دولتين لشعبين وفقاً لحدود 1967، والقدس الشرقية عاصمةً لدولة فلسطين".
ويوضح هذا الموقف أنَّ مصر لا تدعم الفكرة السعودية التي تطرح بلدة "أبو ديس" كعاصمة فلسطينية، وأنَّ أيَّ خطةٍ اقتصادية لغزة لن تكون بديلاً عن خطةٍ دبلوماسية يقبلها الفلسطينيون. وهكذا تُقسِّم مصر استمرار العملية إلى قسمين: تقديم المساعدة إلى غزة وتنمية اقتصادها كجزءٍ من تعزيز الحدود بين مصر وغزة، ومفاوضات دبلوماسية شاملة مستقلة عن قضية اقتصاد غزة.
والملك عبد الله قلق من خطة الرياض بشأن الأماكن المقدسة
يشعر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين، الذي التقى أيضاً مع المبعوثين الأميركيين جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات، بالقلق بشكلٍ أساسي من النية السعودية لإزالة رعاية الأردن للأماكن المُقدَّسة في القدس، التي نُصَّ عليها في اتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية.
وتشعر الأردن بالقلق كذلك من السيطرة الإسرائيلية على وادي الأردن كجزءٍ من اتفاقية سلام. على المدى القصير، لا يعارض عبد الله التطور الاقتصادي المنفصل في غزة، لكنَّه يؤيد الموقف العربي التقليدي بأنَّ غزة والضفة الغربية ليستا كيانين منفصلين.
بل حتى الملك السعودي وولي عهده يختلفان
ووفقاً لمصادر عربية، يبدو أنَّ الملك السعودي سلمان وابنه، وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، يختلفان حول هذه المسألة. في حين يؤيد محمد بن سلمان بحماس الخطة الأميركية وفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، يشعر والده بالقلق من النقد المتوقع إذا تخلى عن مبادئ مبادرة السلام السعودية عام 2002 من خلال تقسيم "القضية الفلسطينية" إلى قسمين والتخلي عن موقف أنَّ تكون القدس الشرقية هي عاصمة فلسطين.
ليس فقط "صفقة القرن" هي مصدر خلاف بين الزعماء
كان تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنَّه سيطلب من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر المشاركة في تمويل مشاريع جديدة في غزة قد واجه معارضةً شديدة من السعودية والإمارات. وأوضح البلدان للمبعوثين الأميركيين أنَّ تدخُّل قطر سيعني دخول إيران إلى غزة بصورةٍ غير مباشرة. ويقولون إنَّ بإمكانهم معالجة مسألة التمويل بأنفسهم -الذي يُقدَّر بنحو مليار دولار– إذا وافقت مصر وإسرائيل على ذلك.
وحسب الصحيفة افسرائيلية فقد أعلنت الإمارات العام الماضي أنها ترغب في تخصيص 40 مليون دولار لمحطة كهرباء، وأنَّها ستساهم بنحو 15 مليون دولار لتمويل الإدارة في غزة.
في حين أنَّ الخلاف العربي-الأميركي حول الحل النهائي للقضية الفلسطينية يصب في مصلحة إسرائيل، ينبغي على إسرائيل اتخاذ قرار بشأن غزة. إنَّ التركيز على الوصول إلى حلٍّ في غزة بشأن المشاريع الاقتصادية يُفتَرَض أنَّه لصالح إسرائيل بحيث يجعل من غزة قضيةً إنسانية وليست قضية دبلوماسية. لكن قد يتسبَّب الجدل السياسي في إسرائيل في نسف هذه الخطوة بطريقةٍ تضع إسرائيل في مواجهةٍ عسكرية مع غزة، وفي نفس الوقت تؤلب إسرائيل ضد واشنطن.