لأعوامٍ من الزمن، تسبب رفض العائلة الملكية إرسال أي ممثل عنها في زيارةٍ رسمية إلى إسرائيل في التأثير على العلاقات الإسرائيلية البريطانية. بالفعل، حضر ولي العهد الأمير تشارلز جنازتيّ إسحاق رابين وشيمون بيريز، إلا أنَّ كلتا الزيارتين لم تكونا رسميتين.
لذا فإن زيارة ولي العهد الأمير وليام الحالية توصف بالتاريخية في إسرائيل، لا تحمل أهمية دبلوماسية، ولكنها تساعد في رمزيتها على دحض "نظرية العزلة الدبلوماسية" التي لطالما رددها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بسبب عدم حصول تطورات حقيقية في عملية السلام.
حتى اليوم، منع القصر الملكي زيارة أفراده للمنطقة لعدم تطور ملف السلام
فالسياسة التي طالما انتهجها القصر الملكي، وأملتها عليه وزارة الخارجية البريطانية، كانت حتى هذه اللحظة تمنع الزيارات الرسمية إلى إسرائيل، ما دام لم يُحرَز تقدمٌ كبير في طريق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وخلال سنوات حكمها، أجرت الملكة إليزابيث الثانية 271 زيارة رسمية، لأكثر من 100 دولة حول العالم، لكنها امتنعت عن زيارة إسرائيل.
ومن الدول العربية التي زارتها الملكة:
ليبيا العام 1954
السودان في العام 1965
الكويت في العام 1979 والبحرين في العام نفسه وكذلك السعودية وقطر والإمارات وعمان.
المغرب في العام 1980
الأردن في العام 1984
الإمارات مجدداً في العام 2010 وسلطنة عمان.
لذا فإنَّ القرار بإرسال الأمير ويليام دوق كامبريدج ابن الأمير تشارلز في الذكرى السبعين لإقامة دولة إسرائيل يُنظر إليه في إسرائيل على أنَّه إنجازٌ كبير، بحسب ما جاء في صحيفة Haaretz الإسرائيلية اليوم 26 يونيو/حزيران 2018.
وحضور الأمير وليام يدحض نظرية "تسونامي العزلة" ويؤكد قبول العالم لإسرائيل
لا يقتصر السبب وراء هذا على كونه دليلاً على تطور العلاقات مع الحكومة البريطانية وحسب، بل دليلٌ إضافيٌ على الفرضية الأساسية التي يتبناها نتنياهو في السنوات الأخيرة، وهي أنَّ غياب عملية السلام لن ينتج عنها "تسونامي دبلوماسي" من العزلة، مردداً المفهوم التالي "سوف يقبلنا العالم، حتى إذا استمر الاحتلال وغابت المحادثات إلى الأبد".
يبث نتنياهو رسالته باستمرار. بعد إنقاذ إسرائيل من التهديد الإيراني وتحرير الاقتصاد الإسرائيلي، أصبح تطوير العلاقات الخارجية لبلاده ثالث أهم قضية في إرثه على ما يبدو.
ففي جلسات الإحاطة التي يعقدها، يقلل نتنياهو دائماً من الأجزاء التي يخصصها للقضية الفلسطينية ضمن أحاديثه الدبلوماسية. يبدو هذا النهج أكثر تطوراً مما قاله فريق نتنياهو عندما كان أصغر سناً، حينما أخبروا الصحفيين بأنَّه خلال لقائه مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، كان الأخير "يستمع في الأساس" (وهو ما اتضح لاحقاً أنه على العكس تماماً مما قاله الفرنسيون). لكنَّها نفس الفكرة، إذ يدفع بالقضية الفلسطينية نحو الهامش في وصف هذه المقابلات، حتى إذا كانت حقاً تحتل مركز الصدارة فيها.
والدليل تطور العلاقات في مجالات التجارة والسلاح
ووفق الصحيفة، يبدو نتنياهو محقاً بطريقةٍ ما، وأنَّ علاقات إسرائيل بالكثير من الدول قد تطورت، ولا سيما في مجالات التجارة والدفاع.
تعتبر بريطانيا واحدةً من هذه الدول: فقد توسعت الروابط الاقتصادية الثنائية بين البلدين في الأعوام الأخيرة، فيما أصبح التعاون العسكري أكثر علانيةً؛ وحتى مع الاتحاد الأوروبي، فخلف الشعارات، تعمّق التعاون بين الطرفين، على حد وصف الصحيفة الإسرائيلية.
من الأسباب "البريكست" والتركيز على الهجرة والإرهاب بدلاً من الصراع
أحد الأسباب التي يذكرها الدبلوماسيون حول تطور العلاقة مع بريطانيا يدور حول خروجها المُخطَّط من الاتحاد الأوروبي. لكنَّ تحولاً في التركيز العالمي على قضايا الشرق الأوسط كان مشهوداً في السنوات الأخيرة، فقد تحولت الأنظار عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وركزت على تأثير غياب الاستقرار الإقليمي على الإرهاب العالمي وموجات الهجرة. فضلاً عن أنَّ ظهور القادة المحافظين، وأولهم وقبل الجميع دونالد ترمب بكل تأكيد، يشكل عاملاً على نفس درجة الأهمية.
لكن وليام سيزور أيضاً الأراضي الفلسطينية المحتلة رغم امتعاض وزراء إسرائيل
ويقول الكثير من الوزراء الإسرائيليين إنَّهم غاضبون من أنَّ زيارة الأمير ويليام ستتضمن أيضاً زيارةً للأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ ستشمل القدس الشرقية حسبما أفاد البيان الرسمي للقصر الملكي.
وتقول المحللة الإسرائيلية نوا لاندو في مقالها: "تبدو دموع التماسيح هذه مثيرة للضحك. فأي شخص، حتى إذا كان مُلمّاً بأقل قدرٍ من المصطلحات الدبلوماسية في بريطانيا، سيعرف أنَّ هذا المصطلح (أي الأراضي الفلسطينية المحتلة) هو ما كانت تلك الأراضي تُوصَف به دائماً. فما هي التسمية التي اعتقد هؤلاء الوزراء أنَّ القصر الملكي سيطلقها عليها، يهودا والسامرة؟".
وعندما تعود الأضواء إلى لندن.. سيبقى الوضع على ما هو عليه
ولكن من وجهة نظر نتنياهو، التي تبدو واقعيةً حد السخرية، برأي لاندو، لا يشكل هذا أي أهمية مذكورة. بل ربما تكون نقطةً إيجابية: "ففي نهاية المطاف، جميع الأراضي محتلة، لكنَّ القافلة الملكية في طريقها على أي حال. يشبه الأمر تماماً ما يفعله رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، إذ أنَّه صديقٌ جيد لنتنياهو بينما يضع إكليلاً من الزهور على قبر عرفات".
وتختم الكاتبة الإسرائيلية مقالها قائلةً: "تكمن المشكلة فقط أنَّه حينما تنتهي جميع الاحتفالات بشأن دحض نظرية العزلة، وعندما تعود كل هذه البهرجة إلى القصر الملكي في المملكة المتحدة، ستظل إسرائيل مع الأراضي المحتلة. وشئنا أم أبينا، لن يحل العالم هذه المشكلة من أجلنا في أي وقتٍ قريب".