يبدو أن طموح الإمارات تجاوز أجندة التحالف.. باحث بريطاني: 3 أسباب تقلق السعودية من مخطط أبو ظبي في اليمن

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/25 الساعة 12:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/25 الساعة 13:08 بتوقيت غرينتش

على أرض اليمن تدور معركة عسكرية ضخمة، عنوانها: من يسيطر على ميناء الحديدة؟.

عززت جماعة الحوثي من تواجدها العسكري في المدينة التي تضم الميناء الرئيسي في البلاد، فيما يتقدم التحالف بقيادة السعودية من وسط المدينة في أكبر هجوم يهدد بوقوع كارثة إنسانية. برنامج الأغذية العالمي توقع تشريد أو حصار ما يصل إلى 1,1 مليون شخص في هذه المعركة.
الآن تتخذ حرب اليمن الممتدة لثلاثة أعوام ونصف منعطفاً خطيراً في ظل سعي التحالف الذي تقوده السعودية إلى انتزاع السيطرة على ميناء الحُديدة من الحوثيين.

وتتولى الإمارات قيادة هذه الحملة، وهي الدولة التي اكتسبت نفوذاً في اليمن من خلال التزامها بوجود قوات برية، وفقاً لنيل بارتريك، الباحث في سياسات الشرق الأوسط والمحرر والمساهم الرئيسي لكتاب "Saudi Arabian Foreign Policy: Conflict & Cooperation" (السياسة الخارجية السعودية: الصراع والتعاون).

ويقول الباحث البريطاني إنّّه من خلال القوات البرية، اكتسبت الإمارات نفوذاً لدى الجماعات المسلحة المحلية، لكن رُغم ذلك، فإنَّ قدرتها على تحديد نتيجة الحرب ستكون محدودة، لأن "أية تسوية سياسية معقولة يجب أن تسفر عن "حكومة يضطلع فيها الحوثيون بدورٍ مهم".

هنا نص حوار أجراه مركز مجلس العلاقات الخارجية الأميركي مع الباحث نيل باتريك.

لماذا تضغط الإمارات الآن للسيطرة على الحُديدة؟.. إنه الطموح الجديد

تبدو الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية متفقتين على الموقف نفسه مع الإماراتيين إزاء الحُديدة. وقد تشجَّعت واشنطن للموافقة على هذه العملية بسبب بعض التقدم الذي حققته القوات المدعومة من الإمارات في مناطق أخرى من اليمن. وهناك وجهة نظر مفادها أنَّ حلفاء الإماراتيين في اليمن يمكنهم الحصول على مزايا استراتيجية، بالإضافة إلى سلطة أكبر على الميناء.

وقد اقترح الإماراتيون ذلك للمرة الأولى في فبراير/شباط عام 2017، رُغم أنَّهم أرادوا سابقاً تقليل دورهم في الصراع اليمني. وعندما كان الإماراتيون يشيرون في عام 2016 إلى رغبتهم في تقليل قواتهم في اليمن، بدا الأمر وكأنَّهم كسبوا النفوذ على أجزاء من الجنوب بمساعدة أمراء الحرب وغيرهم من الزعماء المحليين.

الآن، يبدو أنَّهم مهتمون بفكرة أكثر طموحاً، وهي أن يكون لهم تأثير على أجزاء من الشمال إلى جانب الجنوب.

هل يحققون ذلك من خلال وكلاء محليين؟.. نعم، لأن لهم جنوداً على الأرض

الإماراتيون لديهم حلفاء محليون في الجنوب، ويبدو أنَّهم يريدون توسيع هذه الشبكة اليمنية إلى الشمال، بمساعدة الولايات المتحدة والسعودية، وبدرجة أقل بريطانيا وفرنسا.

وجود القوات الخاصة الإماراتية على الأرض يوفر ميزة تقديم المشورة للحلفاء اليمنيين، في حين يحتفظ السعوديون بوجود بعض المسؤولين منخفضي المستوى من غير العسكريين في تعز على سبيل المثال، لكن لا يتمتعون بأي حضور عسكري مؤثر، بخلاف بعض التوغلات عبر الحدود في أجزاء من الشمال.

لماذا انخرطت الإمارات بعمق في هذه الحرب؟.. تطارد الإسلاميين

أعاد الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد تعريف القومية الإماراتية بوصفها استعراضاً للقوة العسكرية، ويسعى إلى التأثير الإقليمي، وتعزيز الردع ضد إيران في شبه الجزيرة العربية.

أيضا يوفّر اليمن فرصة للإمارات لمحاربة القوى الإسلامية التي تعتبرها تهديداً وجودياً، مع أنَّ الإمارات نفسها، للمفارقة، لديها تقاليد ثقافية سلفية وتعمل مع المقاتلين السلفيين اليمنيين للحصول على ميزة تكتيكية.

هل يتناغم  النهج الإماراتي مع الأهداف السعودية؟.. هذه 3 أسباب للقلق السعودي

لا ترغب الرياض بإرسال قوات برية، لكنَّها قلقة بشأن ما يبدو أنَّ الإماراتيين يُحققونه من خلال وجودهم البري.

كما أنَّها قلقة بشأن الدور الإماراتي المتسع في مجال الأمن البحري في البحر الأحمر وبحر العرب.

وهي قلقة كذلك بشأن الوجود العسكري الإماراتي في جزيرة سُقطرى اليمنية الاستراتيجية في بحر العرب. ويشعر الكثير من اليمنيين أيضاً بالقلق من الوجود الإماراتي هناك وفي مناطق أخرى.

في الوقت الحالي، تتماهى بعض القوى اليمنية مع الإماراتيين، وتعتبرهم مفيدين لطموحاتها الخاصة في أجزاء من الجنوب على سبيل المثال، أو باعتبارهم اللاعب الوحيد الذي يُرجَّح أن يساعد تلك القوى على إزاحة الحوثيين، كما حدث في الحديدة. لكنَّ بعض اليمنيين الآخرين يشعرون بشعورٍ مختلف تماماً ويعملون مع الحوثيين ويعتبرونهم أفضل فرصة لتقويض مثل هذه المخططات ومحاربة المتشددين السُنّة أو القوى اليمنية الأخرى -سواء كانت القبائل المُنافِسة أو التيارات السياسية والشخصيات- التي لم تتعامل تاريخياً مع شواغلهم بجدية.

ما هو حجم القوات الإماراتية على الأرض؟.. أعداد صغيرة نسبياً

سأتفاجأ إن كان هناك أكثر من ألف جندي إماراتي على أقصى تقدير على الأرض.

إنَّنا على الأغلب نتحدث عن أعداد صغيرة نسبياً من القوات الخاصة الإماراتية، على شاكلة العناصر التي نشروها في أفغانستان وكوسوفو بالشراكة مع الولايات المتحدة، وربما بعض القوات الإماراتية النظامية، والتي تعمل أحياناً بالتنسيق مع القوات الخاصة التابعة لدول أخرى مثل الولايات المتحدة أو على ما يبدو فرنسا، وربما بريطانيا.

يبدو أنَّ عدد الثوار المعارضين للحوثيين في نطاق عشرات الآلاف، لكن من الصعب تحديده بدقة، لأنَّنا نتحدث عن دمج فضفاض لعناصر يمنية مختلفة، سواء كانت قوات الحرس الجمهوري الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح الذي قُتِل العام الماضي، أو عناصر محلية تماماً. وهناك طيف واسع من اليمنيين في القتال، تتبدل ولاءاتهم في كثيرٍ من الأحيان، بالإضافة إلى مرتزقة أجانب.

هل تنسجم مصالح الإمارات مع وكلائها المحليين؟.. لا، والجميع يقترب من الصراع

لا أعتقد ذلك، وهذا هو الخطر.

في الوقت الحالي، ربما يتماهى بعض اليمنيين ممن يرغبون بهزيمة الحوثيين مع دول الخليج، لكنَّ هذا لن يكون بالضرورة ترتيباً دائماً أو يُعوَّل عليه.

فهناك الآن دمج للعناصر الجنوبية داخل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، وهو ما يضع معاً عناصر مُتنافِسة، بما في ذلك تلك العناصر التي تمتلك رؤى مُتنافِسة لإقامة كيانٍ جنوبي بما قد يُدخِلهم مباشرةً في صراٍع مع بعضهم البعض، وذلك في ظل سعي البعض إلى الإنفصال الإقليمي وسعى البعض الآخر للحصول على مجرد سلطة على المنطقة.

وقد كان ذلك خطراً ظهر على سبيل المثال في ظل مقترحات عام 2014 الخاصة بالتقسيم الفيدرالي أو الإقليمي كوسيلة لحل الصراع في مختلف أنحاء اليمن. ولا تتناسب الأقاليم المقترحة أو التاريخية بالضرورة مع طموحات الفاعلين المحليين في الجنوب أو في الشمال.

هل سيتمكن المبعوث الأممي الخاص مارتن غريفيث من دفع عملية السلام إلى الأمام؟.. لا

مطلوب من الحوثيين تسليم إدارة ميناء الحُديدة إلى الأمم المتحدة، في حين يبذل التحالف الذي تقوده السعودية كل ما بوسعه للسيطرة عليه وعلى المنطقة المحيطة به. ويبدو من قبيل المراوغة من جانب الإماراتيين الترحيب بغريفيث على سبيل المثال. إذ قد يتمكن في مرحلة معينة من الإشراف على نوعٍ من وقف إطلاق النار المحلي، لكنَّ الطموحات الأكبر -مثل تلك المُتضمَّنة في أفكاره الأوسع نطاقاً الرامية لتشكيل حكومة انتقالية توافقية- قد تكون بعيدة المنال.

لا ينبغي لنا أن نكون طموحين للغاية إزاء احتمال أن تصبح الهياكل السياسية في اليمن دائمة وتحظى بتوافق كامل، لأنَّ مثل هذه المؤسسات لم تكن موجودة في التاريخ اليمني الحديث. لكن في نهاية المطاف، سيتطلَّب إنهاء القتال في جميع أنحاء اليمن مشاركة جميع أطراف الصراع في الحوار. وتُعَد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أنفسها أطرافا في الصراع. ويجب أن تكون إيران أيضاً جزءاً من هذا الحوار، بشكلٍ غير مباشر على الأقل. ويجب أن يكون الناتج هو حكومة يضطلع فيها الحوثيون بدورٍ مهم.

ويتعين على الدبلوماسيين الغربيين إجراء مناقشات في الرياض وأبوظبي؛ ففي الوقت الحالي، تتوافق مواقفهما في ما يخص دفع الصراع في الحديدة، لكن لا يبدو أنَّ لديهما هدفاً استراتيجياً واضحاً. فالحوثيون لن يستسلموا لمجرد فقدانهم الحُديدة.

هل هناك وضوح في ما يتعلَّق بالدور الإيراني؟.. لا يوجد دليل مؤكد

ازداد الدور الإيراني (الدعم للحوثيين) منذ انطلاق الحرب الجوية. ربما لم يكن ذلك متصوراً، لكنَّه بالتأكيد نتيجة للأحداث الجارية. ويصعب تحديد حجم هذا الدور؛ فعلى سبيل المثال، زعمت (السعودية والإمارات) أنَّ الكثير من المكونات التي يستخدمها (الحوثيون)، أو على الأقل الصواريخ المُوجَّهة ضد أهداف سعودية، أتت عبر ميناء الحُديدة، لكنَّ الميناء محاصر بنجاح كبير. وربما -بنفس القدر من الاحتمال- تُهرَّب الصواريخ عبر طرق أخرى، بما في ذلك الحدود العُمانية.

من الممكن أن يكون هناك حضور استشاري إيراني محدود بخصوص قدرات الصواريخ لدى الحوثيين. ويبدو مُحتملاً كذلك أنَّ المقاتلين الحوثيين يتلقون نصائح من خارج اليمن. لكن لا يوجد دليل على دورٍ عسكري كبير يلعبه الإيرانيون على الأرض.

بعد الحرب السعودية الكارثية الأخيرة التي خاضتها في اليمن، وهي الحرب البرية في 2009-2010، توافرت بعض الأدلة على انخراطها بحوارٍ مع الحوثيين حول ترتيبات الأمن الحدودي. فالسعوديون في أضعف حالاتهم على طول هذه المناطق الحدودية. لذا، يجب أن يكون الحوثيون جزءاً من ترتيبات الأمن القومي السعودي، وذلك من شأنه أيضاً جعل إيران مُنخرِطة في النقاش، حتى وإن تعيَّن أن تكون مشاركتهم في المباحثات من وراء ستار. ولكن إذا نظرنا للحوثيين باعتبارهم وكيلاً أجنبياً، كما يُصوَّر حزب الله في لبنان غالباً من جانب منتقديه، فإنَّنا سنفقد آفاق التوصل إلى حلٍ في اليمن.

كيف ترى حديث الإمارات عن مواصلة الحرب مع تفادي كارثة إنسانية؟.. لا توجد ضمانات

لم يكن سجل السعودية والإمارات جيداً من حيث تجنُّب الأهداف المدنية خلال ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف من حربهم الجوية.

يحاصر التحالف الذي تقوده السعودية بالفعل ميناء الحُديدة، لكنه يمثل شريان حياة رئيسي.

وإذا ما اندلع القتال حول منطقة الميناء، يبدو من الصعب تخيل وجود ضمانات إنسانية دون وجود نوع من الاستقرار للوضع على الأرض، الأمر الذي قد يتطلَّب إشراك قوات حفظ سلام دولية أو وجودٍ دولي.

أنا فقط أتكهَّن، لكنَّ مثل هذا الترتيب ربما يجب أن يكون جزءاً من الضمانات التي من شأنها تشجيع كلٍ من الحوثيين وخصومهم على قبول وقف إطلاق النار في الحُديدة. إنَّ التوصل إلى شيءٍ أكبر من ذلك، كما تريد الأمم المتحدة، للتأثير على الصراع في مناطق أخرى من اليمن قد يكون أصعب بكثير، وسيتطلَّب من جميع الأطراف -الدولية والإقليمية والمحلية- قبول تقاسم السلطة في ما تبقى من الدولة اليمنية، حتى لو كان من الصعب ربط الهياكل الدقيقة على الأرض ببعضها.

تحميل المزيد