قبائل سيناء تتحد سوياً مرة أخرى

بفضل الأعمال والسياحة التي يوفرها درب المشي الطويل الجديد

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/25 الساعة 08:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/25 الساعة 08:22 بتوقيت غرينتش

في إحدى مناطق الصحراء الواقعة جنوب غربيّ شبه جزيرة سيناء المصرية، يجلس مسلّم فرج، أحد مرشدي المشي في المنطقة، متبادلاً أحاديث السمر مع رفاقه بوجه متهلل.

وفي الخلفية، كان بعض المتجولين ينصبون خيامهم أو يبحثون عن أماكن ملائمة لبسط أكياس نومهم في العراء تحت النجوم، بينما كان آخرون يغنون ويرقصون على أنغام طبول الدربوكة التقليدية والعود.

وتعليقاً على هذه الأجواء، قال مسلّم، الذي ينتمي إلى قبيلة الترابين، إحدى أشهر قبائل شبه جزيرة سيناء: "أنا متحمس للغاية!".

100 متجول وصلوا إلى هنا

يشارك في هذه الأجواء الاحتفالية ما يزيد على 100 متجول من جميع أنحاء العالم اجتمعوا سوياً في منطقة تُدعى "سرابيط الخادم" في رحلة تستغرق يومين في مايو/أيار الماضي بمناسبة توسعة "درب سيناء"- وهو عبارة عن درب طويل يمر عبر جنوب سيناء بدءاً من خليج العقبة وحتى مرتفعات سانت كاترين. وهذه المنطقة هي موطن قبيلة العليقات، إحدى القبائل الثماني المشاركة في مبادرة المشي التي يقودها بدو سيناء والتي تهدف إلى دعم السياحة.

مسلَّم نفسه ساعد في تدشين النسخة الأصلية الأقصر طولاً من درب سيناء في عام 2015،  أول طريق للمشي الطويل في مصر، والتي كانت تمر عبر مناطق قبائل الجبلاية والمزينة والترابين فقط. أما الدرب الجديد، والمُقرر افتتاحه كلياً في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، فسيمر عبر مناطق القبائل الثماني كلها، والتي كانت تُعرف فيما مضى باسم "حلف الطورة"، بما في ذلك قبائل العليقات وأولاد سعيد والقرارشة والصوالحة والحمايدة.

ولمدة 42 يوماً

ومن المُقرر أن يمتد الدرب من خليج العقبة إلى خليج السويس بمسافة تبلغ 342 ميلاً (550 كيلومتراً)، ليستغرق بذلك 42 يوماً، بعد أن كان يمتد لمسافة 137 ميلاً (220 كيلومتراً) فقط وكان يقطعه المتجولون في 12 يوماً.

وتَضرَّر قطاع السياحة، وهو أحد ركائز اقتصاد جنوب سيناء، بشدة من جراء الاضطرابات السياسية التي استمرت لسنوات عدة في أعقاب الثورة المصرية عام 2011، فضلاً عن أن التمرد الإسلامي المستمر في شمال سيناء وإسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2015 قد أديا إلى تفاقم الصعوبات التي تواجه قطاع السياحة بالفعل أكثر فأكثر.

ومن جهتهم، يعتقد مؤسسو "درب سيناء أنَّ تدشين مبادرة جماعية سيكون حلاً مجدياً أكثر من الجهود المتفرقة في مثل هذه الأوقات العصيبة، لا سيما أن قبائل حلف "الطورة" قد عملت سوياً من قبل منذ أعوام طوال في مرافقة المسافرين خلال رحلتهم في المنطقة، إلى أن تلاشى ذلك النظام تدريجياً مع مرور الوقت.

وفي يوم 20 فبراير/شباط الماضي، اجتمع شيوخ القبائل البدوية قرب دير سانت كاترين عند سفح جبل سيناء، وتوصلوا سوياً إلى اتفاقٍ، بعد مناقشات ومحادثات دامت عاماً كاملاً.

ويولي هذا الاتفاق عناية لإعادة تجمع قبائل الحلف -الذي قد يعمل أعضاؤه سوياً ويساعد بعضهم البعض وقت الحاجة- حول درب المشي بشكل ملائم، نظراً لأهمية المشي بالنسبة للهوية البدوية.

وقال مسلّم: "الترحال هو تاريخ البدو، وهو ما يغذي ثقافتنا"، مضيفاً أن البدو فيما مضى كانوا كثيري الترحال من مكان إلى آخر برفقة أسرهم وخيامهم، لكنه أردف قائلاً: "لم نعد نفعل ذلك اليوم، بل أصبحنا نمتهن التنزه".

ومن المقرر أن تُعيد القبائل الثماني إحياء هذا التقليد

أما يوسف بركات، وهو مرشد ينتمي لقبيلة العليقات، فيرى إحياء الحلف مدعاةً كبيرة للفخر.

يحظى البدو بتاريخ طويل حافل بمرافقة المسافرين والحجاج عبر شبه جزيرة سيناء. وكانت كل قبيلة ترشد المسافرين -بما فيهم الحجاج المسلمون المتجهون إلى مكة والمسيحيون المتجهون إلى دير سانت كاترين والقدس- عبر أرضها ثم تسلّمهم إلى القبيلة التي تليها.  

ومن المقرر أن تُعيد القبائل الثماني إحياء هذا التقليد في منطقة جنوب سيناء بأكملها، بعد تعديله بحيث يواكب مظاهر العصر الحديث على درب سيناء؛ إذ أن كل قبيلة ستتولى إرشاد المتجولين أثناء اجتيازهم لأراضيها.

يُذكر أن درب سيناء قد حاز في عام 2016 على جائزة "أفضل مشروع سياحي عالمي" من النقابة البريطانية لكتّاب الرحلات. ومنذ أواخر عام 2016، استقطب الدرب أكثر من 500 متنزه ووفر عملاً لما يزيد على 40 بدوياً عملوا مرشدين سياحيين وجمّالين وطهاة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد عند دخول الدرب الجديد الأطول حيز التشغيل.

هذا النجاح الذي حققه الدرب في إيجاد فرص العمل هو سبب مشاركة قبيلة العليقات في المبادرة، على حد قول يوسف الذي ينتمي إلى القبيلة نفسها، والذي قال: "لدينا كثير من الأشخاص لا يعملون".

وقال بين هوفلر، الشريك المؤسس للدرب ومؤلف كتاب "Sinai: The Trekking Guide"، إنَّه حتى مع الفوائد الاقتصادية التي ستعود على كل قبيلة، استغرق إقناع القبائل الخمس الجديدة بالانضمام وقتاً طويلاً.

وبحسب هوفلر، فبعض القبائل لم تكن ترى للدرب أي أهمية نظراً لأنه لم يسبق له لتلك القبائل أن جربت العمل بالسياحة في مناطقهم من قبل، لذلك اضطر مؤسسو الدرب إلى "التوصل إلى سبيل لجعل كل القبائل تشعر بأنها تُعوَّض وتُحترم على حد سواء" نظراً إلى التباين الشديد في مساحات الأراضي بين القبائل.

وكانت هناك أيضاً خصومات وخلافات بين بعض القبائل تعود إلى صراعات قديمة على السلطة وضغائن ترجع أصولها إلى القرن الثامن عشر ميلادية على أقل تقدير.

لذلك، يرى بين هوفلر أن كون القبائل قد تمكنت من التوحّد يحمل احتمالات أكثر من درب سيناء.

ويشكلون علاقات فيما بينهم ويتعرفون على بعضهم أكثر

وقال: "إنهم يسيرون كثيراً سوياً، ويعملون كثيراً سوياً، سوف يشكلون علاقات في ما بينهم (لا محالة)، وسوف يتعرفون على بعضهم أكثر وأنا متأكد أنَّ هذا سيتوسع في أشكال أخرى في المستقبل".

كان المرشدون البدو والمتجولون قد اختبروا شعور السير برفقة أحد رجال قبائل شمال سيناء دون ترتيب مسبق خلال جولتهم في منطقة سرابيط الخادم الشهر الماضي مايو/أيار 2018.

وفي اليوم الثاني من الجولة، عرّفهم المرشد ناصر منصور من قبيلة الجبلاية إلى الشيخ الخجل سليم سلام من قبيلة البدارا، أفقر قبائل سيناء.

كان الشيخ سليم مسافراً في رحلته المعتادة إلى مدينة أبو زنيمة لشراء مخزون عائلته من الطعام لشهر رمضان، وهي رحلة تستغرق منه ستة أيام، لأن منطقته تفتقر إلى المحلات والمرافق. وعند عودته من الرحلة، قابل صديقاً له من قبيلة العليقات اقترح عليه الانضمام إلى رحلة المشي على سبيل الراحة من رحلته الشاقة التي يقطعها وحده دائماً.

وأشار ناصر إلى مرتفع هضبة التيه الشاسعة البعيدة خلفه، باعتبارها تُمثّل الحدود التاريخية بين شمال سيناء وجنوبها، وتسكنها قبيلة البدارا.

وفقاً لناصر فقد قال سليم سالم للمرشدين الموجودين: "المنطقة هنا جميلة للغاية، أرجو أن تتفضلوا بزيارتها يوماً ما".

علامات:
تحميل المزيد