فيما عدَّت المملكة العربية السعودية بضع ساعاتٍ تبقَّت حتى حلول منتصف الليل حتى يُرفَع الحظر عن قيادة النساء، كان صبر حصَّة العجاجي قد نفد بالفعل.
تزيَّنت حصَّة بأحمر شفاه، ثم استقلَّت مقعد السائق بسيارة والديها من طراز ليكسوس، وفي الساعة التاسعة وعشر دقائق مساءً، قادت السيارة لتناول العشاء خارج المنزل.
قالت حصة، وهي تضحك على أنغام موسيقى "بوب" سعودية وتجول الطريق السريع الواسع، الواصل بين شمالي وجنوبي العاصمة السعودية الرياض: "أنا مشاكسة قليلاً، لكنِّي مُتحمِّسة للغاية".
كانت حصة، التي تبلغ من العمر 33 عاماً، واحدةً بين نخبةٍ من السائقات الإناث اللاتي نجحن في الحصول على رخصة قيادتهن في الوقت المناسب ليشهدن هذا اليوم التاريخي، يوم ينتهي كون بلادها الغريب آخر دولةٍ في العالم لا يُسمَح للنساء فيها بالقيادة.
وبالنسبة لحصة، التي عاشت بمدينة لوس أنجلوس الأميركية، حيث حصلت على شهادة الماجستير في الفنون الجميلة، فإنَّ فرصة القيادة في وطنها كانت لحظةً لها مذاق خاص لتستمتع بها.
شعرت حصة بثِقل اللحظة التاريخية يرافقها
وفي ليلة السبت، يوم 23 يونيو/تموز، شعرت حصة بثِقل اللحظة التاريخية يرافقها. كذلك شعرت بالجوع.
أخيراً، كان بإمكان حصة أن تفعل شيئاً طبيعياً لدرجة أنَّ النساء حول العالم لا يُلقين بالاً لامتياز الحصول عليه: كان بإمكانها الخروج لشراء وجبةٍ بمفردها. لم تحتَج لأن تأخذ معها والدها أو أخاها كما تنُص قوانين الولاية الصارمة في المملكة. ولم تحتَج أن تُقلِق سائق العائلة من راحته المسائية. أصدر حاكم المملكة القرار بأنَّ النساء لا يحتجن لموافقة ولي أمرهن للحصول على رخصة قيادة.
كل ما احتاجته حصة هو أن تضع العباءة، وهو رداءٌ طويل محتشم ترتديه النساء السعوديات في العلن، على كتفيها، وتغطي شعرها، ثم تنطلق على الطريق.
وقالت، وهي تقود السيارة إلى الوراء للخروج من ممر السيارات بمنزلها: "الأمر طبيعي جداً بالنسبة لي لكنَّه غريبٌ جداً في الوقت ذاته".
تعلَّمت حصة القيادة في لوس أنجلوس، حيث كانت تنتقل بسيَّارتها المكشوفة من طراز مرسيدس يومياً في رحلةٍ مدتها 45 دقيقة كلَّ صباح للوصول إلى حرم جامعة كليرمونت للدراسات العليا.
لكن الآن في الرياض، كانت مركبتها أكثر رزانة، إذ كانت تقود سيارة والدها من طراز ليكسوس التي اشتراها منذ عامين. وكانت وجهتها الأولى أقل شأناً: مطعم ماكدونالدز على بُعدِ خمس دقائق بالسيارة من باب منزلها.
لكنها كانت في ارتياحٍ تام لكونها في مقعد السائق
كانت حصة في ارتياحٍ تام لكونها في مقعد السائق لدرجة أنَّها لم تتردَّد في كيفية طلبها الطعام، وتوجَّهت مباشرةً لمنفذ طلب السيارات.
لم يرتبك الصوت الذكوري القادم مِن مكبِّر الصوت بمنفذ البيع عندما وجد صوتاً نسائياً يطلُب الطعام. وابتسم العاملون في الشباك التالي، وكلهم ذكور فلبينيون، عندما ناولتهم حصة النقود لتدفع ثمن وجبتها.
كذلك بدأ رجلٌ ينتظر في سيارته من طراز تويوتا كورولا خلف سيارتها يلوِّح من النافذة لها عندما أدرك أن يد امرأة هي التي امتدت من سيَّارة ليكسوس للدفع في الشباك.
صاح الرجل، قابضاً يده ومشيراً بإبهامه في علامةٍ على الموافقة: "إنَّا فخورون بكم الآن، الحق كلُّه معكم!".
ردَّت حصة له التحية وهي تبتسم ثم توجَّهت إلى الشارع مرَّة أخرى.
الأمر التالي على قائمة مهامها: رحلة إلى محطة البنزين.
وفيما تنقَّلت بسلاسةٍ بين حركة السير، شرحت لي كيف أصبحت إحدى أولى السعوديات الحاصلات على رخصة قيادة.
بالنسبة لهؤلاء ممَّن يملكن رخصة قيادة سارية من بلدٍ أجنبي، سمحت الحكومة السعودية لهن بالحصول مباشرةً على رخصةٍ محلية. أجرت النساء اختباراً سريعاً للنظر وفحص دم، أمكنهن بعدها استبدال رخصتهن الدولية بأخرى سعودية.
أما بالنسبة لحصة، فإنَّها احتاجت لأخذ دورة تعليم قيادة لإنعاش ذاكرتها حيث أنَّ رخصتها الأميركية كانت قد انتهت. جلست بجانب مُبتدئين لتلقِّي صف تعليمي مدته ست ساعات لتعلُّم مبادئ أمن الطريق.
وقالت حصة، مشيرةً ليوم رفع الحظر: "كنت أعلم كلَّ شيء بالفعل، لكنَّه لم يكن مضيعةً للوقت. احتجتُ أن أحضر ذاك الصف كي أتمكَّن من القيادة بحلول يوم 24 يونيو/تموز".
وفي ليلة السبت، بدت حصة كما لو كانت مُتنقلة يومية أميركية مخضرمة وهي تنتقل من حارةٍ إلى أخرى على الطريق، وتشرب من زجاجة مياه، وتغيِّر بين محطات الراديو.
ومع ذلك، ساوَرَ القلقُ حصة في التقاطع قبيل محطة البنزين. إذ كانت هُناك سيَّارة شرطة مركونة، وأضواؤها تومِض، عند الزاوية التي وَجَب عليها الانعطاف عندها.
قالت، وقد توتَّرَت فجأة: "آخ. وعدتُ عائلتي ألَّا أقع في المشاكل".
آنذاك كانت الساعة قد بلغت التاسعة وخمساً وأربعين دقيقة، ولا تزال هناك ساعتان بعد حتى يوم السماح بالقيادة.
لكنَّ ارتيابها كان في غير محلّه. إذ كان الشُرطي قد أوقف سائقاً آخر -رجلاً- بالفعل.
وعندما أوقفت حصة سيَّارتها عند مضخة البنزين، اهتدت بفضل ذاكرتها العضلية للجهة الصحيحة من السيارة حيث خزان البنزين. تستخدم حصة سيارة ليكسوس تِلك كل يومٍ تقريباً، لكنَّ الحال الطبيعي هو أن يكون السائق في المقعد الأمامي فيما تجلس حصة في المقعد الخلفي.
لكنَّ ذاكرتها خذلتها عندما سألها مناوب محطة البنزين عن أي نوعٍ من البنزين تحتاجه السيَّارة، ما تطلَّب إجراءها مكالمة هاتفية لسائق العائلة الذي كان يشاهد التلفاز في بيته.
سألته حصة، وهي تشير لرقميّ الأوكتان المختلفين للبنزين الخالي من الرصاص المُباع في المملكة: "علي، هل نستخدم بنزين 91 أم 95؟". ردَّت وهي تضحك: 91.
ملأ المناوب خزان السيَّارة، وبدأت حصة تلاحظ أناساً يحدِّقون بها من خارج سيَّارتها. أعادت مجموعةٌ صغيرة من الرجال النظر تجاهها فيما كانوا يمرُّون؛ إذ أثار المشهد غير المعتاد ابتساماتٍ ومزيداً من التلويح.
صاح رجلان يستقلَّان سيارةً بيضاء من طراز نيسان باثفايندر بعباراتٍ من التشجيع إلى حصة.
قالا: "أنتنَّ فخرنا جميعاً".
وجدت حصةً سعادة غامرة في المناخ الاحتفالي السائد من حولها.
وقالت: "تمنَّيت يوماً أن أخوض هذه التجربة. لكنِّي لم أظن قط أن ذلك قد يحدُث في حياتي فعلاً".
بخزانٍ ممتلئ وعلى أنغام الموسيقى، قادت حصة تجاه الشارع مرةً أخرى، مُتشوِّقةً للصباح التالي حين تقود السيَّارة بنفسها للذهاب إلى عملها في وزارة الصحة.
اقرأ أيضا