عشن عقوداً من الحرمان والتضييق قبل تحقيق حلمهن بقيادة السيارة.. لكن لماذا ستُبقي نساء سعوديات رخص قيادتهن سراً؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/23 الساعة 12:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/23 الساعة 12:58 بتوقيت غرينتش
Dr Samira al-Ghamdi, 47, a practicing psychologist, drives around the side roads of a neighborhood as she prepares to hit the road on Sunday as a licensed driver, in Jeddah, Saudi Arabia June 21, 2018. Picture taken June 21, 2018. REUTERS/Zohra Bensemra

تستعد السعوديات الأحد 24 يونيو/حزيران 2018 لبدء قيادة السيارات داخل شوارع المملكة بعد أن فتح العاهل السعودي الباب أمامهن. وكغيرها من نساء السعودية تستعد الشابة شهد لتعلم السياقة، لكنَّها ما زال يتعيَّن عليها التسلُّل من البيت للذهاب إلى دروس القيادة.

وتَعلَم شهد، الطالبة في كلية إدارة الأعمال وتبلغ من العمر 26 عاماً، أنَّه لا تزال أمامها معركة لإقناع أهلها؛ لأنَّ البعض في مجتمعهم يرى أنَّه من العيب أن تجلس المرأة خلف المقود، حسب ما ذكرته وكالة Bloomberg الأميركية. وحالما تحصل شهد على رخصتها، ستُخبِّئها في أحد الأدراج حتى تستجمع شجاعتها لطلب شيءٍ كهذا منهم.

وقالت شهد في مقهى في مدينتها بريدة في وسط السعودية، حيث من النادر رؤية وجه امرأة مكشوفاً في العلن للوكالة الأميركية: "يجب أن أتأقلم على أعراف المجتمع كله. لا أعتقد أنَّه من الصواب أن أفرض عليهم أمراً ما".

صعوبات التخلص من التقاليد

وأضافت الوكالة في التقرير الذي نشرته الجمعة 22 يوينو/حزيران 2018 أن الموقف المحير الذي تعيشه شهد، يوضِّح لنا مدى صعوبة تخلُّص الكثير من السعوديات من التقاليد المغروسة داخل المجتمع السعودي، التي طالما حدَّت من حريتهم لعقودٍ من القوامة الأبوية المفروضة من الدولة، حتى في ظل إنهاء الحظر القانوني يوم الأحد 24 يونيو/حزيران. وتحظر عليهن قوانين الولاية السفر أو الزواج بدون موافقة ذكر من أقربائهن، عادةً ما يكون الزوج أو الأب، لكن أحياناً حتى الابن تصبح له الولاية.

وحدث هذا التغيير فجأةً منذ خطط ولي العهد محمد بن سلمان لفطام الاقتصاد السعودي عن النفط منذ عامين، ويصعب تنفيذ هذه النقلة الاقتصادية في ظل عدم تمكين نصف التعداد السكاني. لكن في نفس الوقت الذي يُوسِّع فيه الحريات والحقوق المجتمعية للمرأة، اعتقلت نساء دعين لسنواتٍ لقيادة المرأة، وقمع بقوة كل مَن يعارض خطته للإصلاح.

وويضيف التقرير أن العائلات السعودية مُمزَّقة بين قبول أو مقاومة هذه التغيرات التي قضت الحكومة رجال الدين سنوات في تصويرها كخطيئة. ويشعر البعض بالقلق من أنَّ حكامهم ينبطحون أمام الغرب على نحوٍ يتعدّى على دينهم وتقاليدهم.

الأمر قد يتسبب في اضطرابات مجتمعية

يقول غراهام غريفيث أحد كبار المحللين في شركة Control Risks لاستشارات المخاطر العالمية، ومقرها في دبي: "على الأرجح ستصبح مسألة قيادة السيدات في حد ذاتها أمراً طبيعياً على نحوٍ سريع نسبياً. لكن إذا نظرنا لها باعتبارها جزءاً من ثورة أوسع في الأدوار المجتمعية للجنسين في المجتمع السعودي، فهذا أمر سيكون له تبعات بعيدة المدى. وقد تتسبب في اضطرابات مجتمعية حقيقية عن طريق خلق انقسامات عميقة".

وفتح الأمير بن سلمان دور السينما، وخفَّف من قيود الفصل بين  الجنسين، وقلَّص سلطات الشرطة الدينية المعروفة بـ"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وسمح بتشغيل الموسيقى في الأماكن العامة، مُسقِطاً بذلك قيوداً متأصلة منذ فترة طويلة في تفسيرٍ جامد للإسلام.

وكانت هذه الصدمة الثقافية أخف في المدن عالمية الطابع مثل جدة والرياض؛ لأنَّ الآباء في هذه الأماكن أكثر مرونة نسبياً مع بناتهن، على الأقل في أوساط العائلات الثرية. حتى أنَّ الكثيرات منهن حصلن على رخصٍ أثناء دراستهن أو عطلاتهن خارج البلاد، واستبدلنها برخصٍ سعودية، ونشرن صور السيلفي بكل فخر عبر الشبكات الاجتماعية.

الوضع أكثر تعقيداً في المناطق التي يغلب عليها الطابع السلفي

لكنَّه يعد تعديلاً أكبر وطأة في المناطق البعيدة مثل القصيم، التي يُلقِّبها البعض بـ"تكساس السعودية"؛ نظراً لكونها منطقةً محافظةً يغلب عليها الطابع السلفي. وأسَّست المنطقة، التي تُعَد بريدة أكبر مدنها، مدرسة لسياقة السيدات، لكنَّها لم تُفتَح بعد.

وكانت النساء السعوديات اللاتي أُجريَت مقابلات معهن من جانب وكالة Bloomberg في حالة صراعٍ بين حماسهن للقيادة ورغبتهن في احترام ثقافتهن التي ستحتاج وقتاً لتتأقلم مع الوضع الجديد. وقالت اثنتان منهما إنَّهما كانتا تخرجان في مغامراتٍ للقيادة في الصحراء بعيداً عن أعين العامة.

وقالت أخريات إنَّ أهلهن قلقون من تشوه سمعتهن أمام الجيران إذا ما سمحوا لهن بالقيادة. إذ تعتبر العائلات السعودية التقليدية رعاية النساء، بما في ذلك اصطحابهن لأي مكان يذهبن إليه، نوعاً من تكريمهن وإضفاء الشرف عليهن.

وقالت أسماء المُصلح البالغة من العمر 43 عاماً: "مشكلتنا الآن في الخجل والتقاليد وليست الشريعة الإسلامية". وذكرت القصة المعروفة التي يُستشهَد بها كثيراً عن زوجة النبي محمد عندما كانت تركب الجمل في القرن السابع. وبينما كانت تجلس أسماء تحت أشجار النخيل في إحدى حدائق مدينة عنيزة. كانت هناك مجموعة من الفتيات يقدن سيارات لعبة صغيرة ذهاباً وإياباً باقتدار.

وتخشى أسماء من الجلوس خلف المقود بشدة، لكنَّ ابنتها ريف (18 عاماً) التي كبرت في عصر الإنترنت لديها مخاوف أقل. وستنتظر حتى "تهدأ الأمور ويصبح الناس مقتنعين".

غير أن التأقلم سيكون أسرع في المناطق "الليبرالية"

وسيحدث التأقلم بسرعة أكبر في المناطق الليبرالية مثل الظهران، وهي منطقة ساحلية شرق المملكة تعرَّضت طويلاً للأجانب ومتأثرة بشدة بالأصول الأميركية لشركة أرامكو، التي يقع مقرها الرئيسي هناك. افتتحت أرامكو مركزاً به 50 مدرباً لتعليم الموظفات الإناث والإناث من عائلات الموظفين كيفية القيادة باستخدام تقنية المحاكاة، بالإضافة لتعليم مجموعة أخرى من المهارات مثل تغيير الإطارات.

وقالت فاطمة النملة ذات الثلاثين ربيعاً: "أصدقائي وعائلتي متحمسون للغاية. والقيادة هي إحدى طرق نقل نساء هذا البلد إلى المستقبل". وتفكر ندى الأسود (37 عاماً) بالفعل في نوع السيارة التي ستشتريها، وتقول: "القيادة مسألة هامة لكل امرأة تسعى للاعتماد على نفسها".

وفي بريدة، يعتمد التغيير على نساء مثل شهد يجدن الشجاعة لمواجهة الواقع الوحيد الذي يعرفنه. وسيحظين ببعض الدعم؛ إذ توجهت حفنة من السيدات صباح الخميس 21 يونيو/حزيران متشحاتٍ بالسواد من رأسهن إلى أخمص قدمهن إلى إدارة المرور المحلية لتبديل رخصهن الصادرة من الدول العربية مثل البحرين والأردن ومصر.

"القيادة حق إنساني"

فَرَدَت جوهرة الوابلي، المرأة المتقاعدة البالغة من العُمر 54 عاماً، ذراعيها في الهواء في موقف السيارات، احتفالاً باجتياز اختبار قيادة قصير. وقالت من وراء نقابها ونظاراتها المرصعة ذات الحواف السميكة: "القيادة حق إنساني".

ولا يُسمح لشهد -التي لم تسافر أبداً خارج بلادها- استخدام سيارات الأجرة أو خدمة التوصيل "أوبر" بمفردها؛ لذا يقلها أخوها إلى كل مكان، بما في ذلك دروس القيادة التي تخطط لتلقيها في مدينة أخرى. واضطرت في إحدى المرات لرفضِ وظيفةٍ على بُعد ساعة واحدة من المنزل لتجنُّب تعطيل جدول التوصيلات العائلي.

بينما تستجمع قوتها لمواجهة والديها، تثق شهد في شيء واحد: سيضطر مجتمعها للتأقلم في النهاية. وختمت شهد حديثها قائلة: "أسمع أناساً يقولون إنَّ هذا تغيرٌ ظاهري أو رمزي. لكن لا، ليس كذلك. يتعين على هذا الأمر تغيير طريقة التفاعل داخل الأسر، وداخل العائلات، والحياة العامة عموماً".

 

علامات:
تحميل المزيد