حتى اللحظات الأخيرة كانت تركيا ممنوعة من “إف-35” الأميركية بسبب “إس-400” الروسية.. لكن، كيف تغيرت اللعبة لصالح أردوغان قبل أيام من الانتخابات؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/21 الساعة 16:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/22 الساعة 09:19 بتوقيت غرينتش
Turkish President Tayyip Erdogan addresses his supporters during an election rally in Istanbul, Turkey, June 17, 2018.REUTERS/Osman Orsal

سلمت الولايات المتحدة الخميس 22 يونيو/ حزيران 2018 تركيا أول طائرة حربية من نوع F-35 رغم التوتر القائم بين البلدين، ومعارضة مجلس الشيوخ الأميركي.

وسلمت المجموعة الدفاعية الاميركية لوكهيد مارتن صانعة هذا النوع من الطائرات، مسؤولين أتراكاً المقاتلة خلال احتفال أقيم في فورت وورث في ولاية تكساس.

وتعتبر هذه الطائرة جوهرة التكنولوجيا بسبب قدرتها على الإفلات من أكثر الرادارات تطوراً، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.

واوضح اللفتنانت كولونيل مايك اندروز المتحدث باسم البنتاغون، ان الطائرة الثانية ستسلم خلال الايام القليلة المقبلة على ان تنقل الطائرتان الى قاعدة لوك الجوية في ولاية اريزونا.

ويأتي تسلم تركيا الدفعة الأولى من مقاتلات F-35، رغم محاولة مجلس الشيوخ الأميركي عرقلة هذه الصفقة؛ بسبب رغبة تركيا المستمرة في الحصول على منظومة "إس-400" الروسية.

تعتقد واشنطن أن التعاون التقني العسكري الروسي-التركي يتناقض مع التزامات تركيا تجاه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. كما يعد تسلُّم تركيا مقاتلات F-35 قبل الانتخابات، المقرر إجراؤها في 24 يونيو/حزيران 2018، بمثابة انتصار جديد لصالح الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي لم يستسلم للضغوط الأميركية، حسب صحيفة Kommercant الروسية.

وقال المتحدث باسم البنتاغون، مايك أندروز، إنه بعد مراسم تسلُّم تركيا المقاتلات، سيتم إرسال المقاتلات إلى قاعدة لوقا الجوية في ولاية أريزونا، حيث يوجد الطيارون الأتراك وأخصائي الصيانة.

كادت الصفقة أن تُعرقَل بين تركيا وأميركا بفعل تشريعي من واشنطن

من جهته، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، خلال لقاء أجراه مع قناة "NTV"، أن مجلس الشيوخ الأميركي حاول عرقلة ما يمكن اعتباره من بين كبرى الصفقات التعاونية بين الولايات المتحدة وتركيا. والجدير بالذكر أن أنقرة ترغب في الحصول على أكثر من 100 قاذفة قنابل من هذا الطراز.

وقد بقيت مسألة إمكانية حصول تركيا على مقاتلات F-35 غير واضحة حتى اللحظات الأخيرة، لا سيما بعد موافقة مجلس الشيوخ الأميركي على مشروع قانون ميزانية وزارة الدفاع لسنة 2019، البالغة قيمتها 716 مليار دولار. وبموجب مشروع القانون، تم منع تسليم أسلحة أميركية إلى تركيا.

في الأثناء، رغب المشرعون الأميركيون في الحصول على توضيحات من جانب البنتاغون حول كيفية ربط مسألة حصول تركيا على منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400" مع حقيقة تزويد تركيا بمعدات أميركية. في الوقت ذاته، ومن داخل مبنى الكونغرس تمت دعوة ترمب لفرض عقوبات ضد أنقرة، في حال أصرَّت على الحصول على منظومة "إس-400".

وقال مصدر لصحيفة Kommercant الروسية في موسكو، إن العلاقات الروسية-التركية في مجال التعاون العسكري التقني، تقتصر فقط على عقد تسليم منظومة الصواريخ المضادة للطائرات "إس-400″، الذي أبرمته موسكو وأنقرة نهاية سنة 2017.

ووفقاً للجانب التركي، سوف تبدأ عملية تسليم الدفعة الأولى من المنظومة الروسية في أجَل أقصاه يوليو/تموز 2019، على الرغم من أن الاتفاق على نقل القِطع الأولى للمنظومة كان مخطَّطاً في البداية عقب سنة 2020. وخلال المحادثات التي جمعت الرئيس التركي ونظيره الروسي في أنقرة، تم الاتفاق على تسريع عملية الإمدادات، في حين لم يُجرِ الزعيمان محادثات بشأن بيع أو شراء أنواع أخرى من الأسلحة والمعدات العسكرية.

تركيا كان لديها البديل، إنها مقاتلات الجيل الخامس الروسية من طراز "سو-57"

أما فيما يتعلق بمسألة تمكين أنقرة من الحصول على مقاتلات F-35، يرى مصدر في المجمع الصناعي العسكري الروسي أن المسألة تهم تركيا والولايات المتحدة فقط، وهما المعنيتان بالبحث عن حل للخروج من هذا الوضع. ومن جانبها، ذكرت صحيفة "Yeni Şafak"، في وقت سابق، أن تركيا مستعدة لشراء مقاتلات الجيل الخامس الروسية من طراز "سو-57″، في حال رفضت الولايات المتحدة تزويد أنقرة بمقاتلات F-35.

ومع ذلك، ذكر مصدر تابع لقطاع صناعة الطيران في روسيا أنه لم يتم عقد أي محادثات رسمية بشأن هذه الصفقة؛ بل وقع الإدلاء بمثل هذه التصريحات للضغط على الولايات المتحدة من أجل تسليم تركيا مقاتلات F-35.

والجدير بالذكر أنه بعد اعتماد نسخة مجلس الشيوخ من مشروع القانون المتعلق بميزانية وزارة الدفاع الأميركية لسنة 2018، يتعين على مجلس النواب إعداد نسخته الخاصة، ليتفق بعد ذلك المجلسان على اعتماد نسخة نهائية. وفي حين أن عملية تمرير مشروع قانون الميزانية في مبنى الكونغرس لم تكتمل بعد، حاول البيت الأبيض والبنتاغون اتخاذ خطوات احترازية بشكل مسبق.

أوضحت أنقرة في العديد من المناسبات أنها لن ترضخ للضغوط الأميركية

من جانبها، أوضحت أنقرة في العديد من المناسبات، أنها لن ترضخ للضغوط الأميركية. وقد تجلى ذلك من خلال التصريح الذي أدلى به رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، الذي أعلن عن أسفه الشديد إزاء محاولات عرقلة تسليم مقاتلات "إف-35″، معتبراً أن ذلك يتعارض مع روح الشراكة الاستراتيجية. كما شدد المسؤول التركي على أن أنقرة تمتلك البدائل، دون أن يذكر الجهات المعنيَّة.

ومن جهته، أوضح الباحث التركي في مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، يوتون أورهان، أن تركيا ستواصل اتباع نهج مستقل فيما يتعلق باختيار الجهات التي ستستورد منها الأسلحة. وأضاف الباحث أنه "إذا امتنعت الولايات المتحدة عن تسليم مقاتلات إف-35، فلن تكون قادرة على منع تركيا من البحث عن مصادر أخرى للإمدادات".

وقد وجدت الهند وتركيا نفسيهما بوضع مماثل، في حين أصبحتا مهددتين، في الوقت الراهن، بتسليط بعض العقوبات الأميركية عليهما؛ نظراً إلى توقيعهما مع روسيا عقوداً بشأن تسلُّم منظومة "إس-400". في هذا الصدد، يعتقد خبراء أن الوضع المعقد الذي وقعت فيه تركيا، ومواجهتها خطر العقوبات الأميركية جاء عقب توقيعها عقد توريد منظومة "إس-400″، والأمر سيان بالنسبة للهند، التي تجد نفسها مضطرة إلى خلق توازن بين موسكو وواشنطن فيما يتعلق بمسألة التعاون العسكري التقني.

الدوافع التركية – الهندية للحفاظ على علاقات عسكرية تقنية مع روسيا جد متشابهة

ومن جانبه، قال كبير الباحثين في معهد الشرق الأقصى التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فاسيلي كاشين، إن "طموحات تركيا عالية جداً، وتنطوي على الرغبة في امتلاك طائرات مقاتلة من الجيل الخامس، وأنظمة دفاع جوي، ودبابات قتالية وسفن. وتعد الدوافع التركية-الهندية للحفاظ على علاقات عسكرية تقنية مع روسيا جد متشابهة، إلا أن الفرق الوحيد بين الهند وتركيا يكمن في طبيعة العلاقات التي تجمع الرئيس التركي مع الغرب والولايات المتحدة، رغم عضوية تركيا في منظمة حلف شمال الأطلسي، مقارنة برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي".

أميركا لم تعد ترغب في الخلاف مع تركيا

وأورد مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات، رسلان بوخوف، أن "تزويد تركيا بمقاتلات F-35 ، رغم معارضة الكونغرس هذه الصفقة، يعكس عدم رغبة الولايات المتحدة في الدخول بمناوشات مع تركيا وتصعيد أزمة العلاقات، فضلاً عن تجنُّب الدخول في مواجهة أكثر تعقيداً مع الحكومة الهندية".

في هذا الصدد، يعتقد بوخوف أن الكونغرس الأميركي يحاول لعب دور المحقق الصارم مع تركيا والهند على حد السواء. كما يرى بوخوف أن قيام الرئيس التركي بمناورات في مجال التعاون العسكري التقني جد محدودة مقارنة بقيادة الهند؛ نظراً إلى أن تركيا توجد في صلب النظام الأمني الأوروبي الأطلسي.

في الآن ذاته، أحال فاسيلي كاشين إلى أن أنقرة ترغب في الحد من اعتمادها على الشركاء الغربيين، في حين أن تردُّد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بمسألة تمكين البلاد من التقنيات المرجوة، الذي بدا جلياً في العديد من المناسبات، دفع تركيا على مدى السنوات القليلة الماضية، إلى البحث عن شركاء آخرين.

في الأثناء، باتت بكين تحتل مكانة بارزة بين الجهات المصدّرة للأسلحة، حتى في ظل إدارة البيت الأبيض السابقة. وقد تجسد ذلك من خلال توقيعها عقداً يقضي بتزويد تركيا بمنظومة الدفاع الجوي "HQ9" الصينية. لكنَّ تدخُّل باراك أوباما بشكل شخصي، والمحادثات التي جمعته بالرئيس التركي في هذا الشأن أحبطت عملية تنفيذ الصفقة.

في هذا الإطار، تمكنت تركيا، وبمساعدة من الجانب الصيني، من إنتاج الصواريخ الباليستية قصيرة المدى "جي-600 تي يلدريم" وبعض الأسلحة الأخرى.

وبالنظر إلى حادثة منع تركيا من الحصول على منظومة الدفاع الجوي الصينية، يمكن أن تنتهج إدارة ترمب الأسلوب ذاته فيما يتعلق بشرائها منظومة "إس-400″، من أجل استعادة هيمنتها، وضمان عدم تنفيذ الصفقة المبرمة بين روسيا وتركيا. وتعمل إدارة ترمب جاهدة على تنفيذ ذلك في الوقت الراهن، وفقاً لما ذكره وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، في جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب.

تحميل المزيد