وسط تحذيرات أممية من كارثة إنسانية مقبلة، ووعيد متبادل، تواردت أنباء بدخول القوات الموالية للحكومة اليمنية، المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية، مجمع مطار الحديدة اليوم الثلاثاء بعد نحو أسبوع من المعارك عند أطرافه.
وقال مصدر عسكري يمني ووكالة الأنباء الإماراتية وسكان محليون إن قوات عربية تتبع التحالف سيطرت على مساحات كبيرة من مجمع المطار الثلاثاء 19 يونيو/ حزيران 2018، في معارك مع الحوثيين المتحالفين مع إيران.
ويهدد هذا الهجوم آمال الأمم المتحدة في التفاوض لوقف إطلاق النار بين التحالف والمُتمرِّدين الحوثيين في ميناء الحديدة الحيوي باليمن ، وخاصة بعد أن أعلن التحالف الذي تقوده السعودية والدعم للحكومة اليمنية أنه لن يقبل سوى بانسحابٍ غير مشروطٍ للمُتمرِّدين من المنطقة.
وتخشى الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة أن يؤدي القتال الطويل إلى تعريض إمدادات الإغاثة للخطر.
لكن دولة الإمارات، أحد المؤيدين الرئيسيين للحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، أصرَّت على أنها لن تقبل أيَّ شيءٍ سوى الانسحاب غير المشروط.
ومن المُستَبعَد للغاية أن يوافق الحوثيون على هذا الانسحاب، فقد يعني ذلك تسليم المنطقة دون ضماناتٍ بشأن وضع اليمن المستقبلي، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
الانسحاب يجب أن يكون غير مشروط وفي كل الأحوال لا تخشوا على المطار
"أي عرضٍ للانسحاب لا يجب أن يكون مشروطاً. إذا أراد المُتمرِّدون وضع شروط، فكان ينبغي عليهم التفكير في ذلك قبل عام.. فالآن ليس وقت التفاوض"، هكذا قال وزير الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، في مؤتمر صحفي عُقِدَ في دبي.
وتعكس تصريحات قرقاش ثقة مُخطِّطيه العسكريين في إمكانية هزيمة ما يُقدَّر بحوالي 3000 جندي حوثي في المنطقة دون الإضرار بالبنية التحتية للميناء. وقال: "نهجنا هو الضغط التدريجي والمنهجي المُصمَّم للوصول إلى انسحابٍ غير مشروط للحوثيين. فقد فشلت جهودنا السابقة للحفاظ على الحديدة كميناء إنساني وتجاري. أصبح من الواضح أن الحوثيين يحاولون كسب بعض الوقت. فمصلحتهم المالية والإستراتيجية تقتضي إطالة أمد الحرب. لن نسمح بأن تستمر هذه الحرب لمدة عامين أو ثلاثة أعوام أخرى".
ورغم هذا الموقف الحاسم فإن التحالف يقول إنه لايريد استبعاد الحوثيين من العملية السياسية
وقال قرقاش: "لقد حان الوقت لعملية سياسية. ويجب أن يكون الحوثيون جزءاً منها، لكن لا يمكنك أن تشكل 3% من السكان، وفي الوقت نفسه تزعم عبر قوة السلاح الاستحواذ على 50% من البلاد".
وربما تخشى المصادر الإماراتية أيضاً من أن يؤدي وقف إطلاق النار إلى منح الحوثيين فرصة لإعادة تجميع أنفسهم والحصول على أسلحةٍ إضافية، أو محاولة إعادة بناء دعم دبلوماسي دولي ضد التحالف، حسب الصحيفة البريطانية.
وقد استمر القتال حول مطار الحديدة، لكن التفوق الجوي الهائل للتحالف الذي تقوده السعودية يبدو أنه ساعد القوات البرية الحكومية اليمنية على إحراز تقدُّم.
وقالت مصادر إماراتية إنَّ التحالف استولى على الجزء الجنوبي من المطار، لكنه لم يؤمِّن محيطه بعد بسبب عدم رغبته في إطلاق النار على القوات الحوثية المُتَمَركِزة بين المدنيين في قريةٍ تقع غرب المطار.
الغريب أن هذا القتال الضاري اندلع بعد وصول المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة لمرحلة متقدمة
وقبل يوم واحد أي أمس الأحد 18 يونيو/حزيران، قالت مُنسِّقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، ليز غراندي، ، إنَّ المحادثات حول نقل الميناء إلى سيطرة الأمم المتحدة وصلت إلى مرحلة متقدمة".
وكان المبعوث الأممي الخاص لليمن، مارتن غريفيث، قد زار البلاد بحثاً عن صفقةٍ يجري بموجبها تسليم الميناء، الذي يخضع حالياً للسيطرة الحوثية، إلى الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة التابعة لها. ويعتبر الميناء نقطة توزيع لنحو 80٪ من الغذاء والماء والوقود التجاري الحيوي لحياة أكثر من 8 ملايين يمني في عوزٍ شديد.
وكان من المتوقع أن يُطلع مبعوث الامم المتحدة غريفيث مجلس الأمن على محادثاته في وقتٍ لاحق من اليوم الثلاثاء 19 يونيو/حزيران، وأن يُحدِّد نقاط الخلاف المستمرة بين الجانبين، وقد غادر مطار صنعاء دون الادلاء بأي تصريح، حسب وكالة الأنباء الفرنسية.
الحوثيون يقولون إن الهجوم يسعى لإفساد المباحثات.. والتحالف يرد بل إنه يساعد المبعوث الأممي
وقال قرقاش إنَّ الهجوم السعودي والإماراتي يهَدَفَ إلى "مساعدة مبعوث الأمم المتحدة في فرصته الأخيرة لإقناع الحوثيين بالانسحاب دون شروط من المدينة وتجنُّب أيِّ مواجهة".
وأشار إلى أنَّ فرصة الحوثيين لمغادرة الحديدة والرحيل للعاصمة صنعاء لا تزال قائمة.
من جانبه، اتَّهَمَ عبد العزيز بن حبتور، رئيس حكومة الحوثيين غير الرسمية، القوات التي تقودها السعودية "بتصعيد هجماتها على الساحل الغربي عندما شعروا بأن هناك تحركات جادة نحو الحل".
وقد فرض التحالف السعودي حصاراً شبه تام على ميناء الحديدة في وقتٍ سابق من العام الجاري 2018، بسبب مخاوفه من أن إيران تستخدمه كقناة رئيسية لتوصيل الأسلحة للحوثيين.
ويسكن مدينة الحديدة نحو 600 ألف شخص، وتضم ميناءً رئيسياً تدخل منه غالبية المساعدات والمواد التجارية والغذائية الموجهة الى ملايين السكان في البلد الذي يعاني من أزمة انسانية كبيرة ويهدد شبح المجاعة نحو 8 ملايين من سكانه.
ولكن قرقاش أكد إنَّ بلاده وحلفاءها يهدفون إلى "تجنُّب وقوع خسائر بين المدنيين"، وأضاف أنَّ العملية "تسير بشكل جيد للغاية".
وبدأ الهجوم في 13 حزيران/يونيو 2018 ، حيث أطلقت القوات الموالية للحكومة اليمنية عملية "النصر الذهبي" بهدف اقتحام مدينة الحديدة على ساحل البحر الأحمر، في أكبر هجوم تشنه هذه القوات ضد المتمردين الحوثيين منذ نحو ثلاث سنوات.
وكانت الإمارات حددت موعداً نهائياً حتى 12 حزيران/يونيو أمام الأمم المتحدة للتوصل إلى حل وإقناع الحوثيين بالتخلي عن الحديدة دون قتال.
وقالت 15 منظمة غير حكومية دولية في رسالة وجهتها إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الهجوم سيكون له "عواقب مأساوية" على المدنيين مؤكدة أنه "لا يمكن تصور الإبقاء" على مؤتمر باريس الإنساني حول اليمن المقرر عقده أواخر شهر حزيران/يونيو المقبل.
ودعت فرنسا إلى "حل سياسي تفاوضي".
"مستنقع يغرق الغزاة".. وخبر مفاجئ عن الميناء
وتؤكد السعودية والإمارات، الشريكان الرئيسيان في التحالف العسكري، أنهما اتخذتا خطوات لضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى اليمن رغم العملية العسكرية.
وفي نيويورك، كرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حيث يشكلان المعبرين الرئيسيين للإمدادات الغذائية والمساعدات الإنسانية إلى البلد الغارق في الحرب.
وقال وزير الخارجية اليمني خالد اليماني في مؤتمر صحافي في نيويورك "نحن لا نقترب من المرفأ، ولا ننوي تدمير البنية التحتية".
ويؤكد مدير الميناء أنه يعمل بشكل طبيعي رغم الهجوم، حسبما نقلت عنه وكالة الأنباء الفرنسية.
وحث زعيم المتمردين الحوثيين في اليمن عبد الملك الحوثي مقاتليه على "الاستمرار في التصدي لما وصفه بالعدوان ومواجهة قوى الطاغوت والاستكبار"، وإلى تحويل الساحل الغربي لليمن "إلى مستنقع كبير يُغرق الغزاة"، حسب تعبيره.
ومع كل هذا الوعيد المتبادل فإن أكثر ما يخيف الأمم المتحدة أن الأسوأ لم يأت بعد
وقبل إعلان التحالف بدء دخول المطار، اندلعت ظهر الثلاثاء مواجهات على بعد نحو كيلومترين من المطار الواقع في جنوب المدينة، حسب مراسل وكالة الأنباء الفرنسية.
وقطع الحوثيون الطريق الساحلي في منطقة التحيتا على بعد نحو 100 كلم جنوب مدينة الحديدة بعدما هاجموا موقعاً للقوات الموالية للحكومة اليمنية.
ولكن مايقلق الأمم المتحدة بعد كل هذه الهجمات والوعيد المتبادلين" أن التبعات الإنسانية للمعارك في الحديدة لا تزال محدودة، لأن المعركة الكبرى لم تبدأ بعد"، حسب ما قال مارك لوكوك مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أمام مجلس الأمن الدولي.
وأعرب غريفيث خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي أمس الإثنين عن أمله في أن تستأنف في تموز/يوليو المقبل مفاوضات السلام بين أطراف النزاع.