ريتز كارلتون عاد لكونه فندقاً منذ 4 أشهر.. لكن أشباحه لا تزال تطارد السعودية الجديدة

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/17 الساعة 18:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/18 الساعة 07:31 بتوقيت غرينتش

عاد ريتز كارلتون في الرياض، حيث أُوقف مئات السعوديين الأغنياء لطبيعته بصفته فندقاً مرةً أخرى منذ 4 أشهر. ومع ذلك، فإنَّ كونه كان سجناً -ولو لفترة قصيرة- بات أمراً متجذراً في صورة المملكة العربية السعودية الجديدة، بحسب تقرير نشرته وكالة Bloomberg.

مليارديرات وأفراد في الأسرة المالكة وبيروقراطيون لا يزالون محتجزين في الفندق، بمَن فيهم الأمير تركي بن عبدالله، وعادل فقيه وزير الاقتصاد السابق، وهو مهندس رئيسي مشارك في خطة التغيير بالمملكة، على حد قول زملائه. بعضهم الآن تم تحويلهم لسجن الحائر، وهي منشأة أمنية مشددة جنوبي العاصمة الرياض، وبها العديد من المتشددين.

وكما تبيَّن، فإن من أُطلِق سراحهم تعيَّن عليهم دفع تسويات باهظة، بينما مُنِع بعضهم الآخر من السفر، أو طلب منهم ارتداء أساور في الكاحل لمراقبة أماكن وجودهم. ولا يزال مصير أولئك الذين ظلُّوا رهن الاحتجاز غامضاً، ومنهم عمرو الدباغ، المحافظ السابق للهيئة العامة للاستثمار في السعودية، ومحمد العمودي الملياردير السعودي المولود في إثيوبيا، رغم أن رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد علي وعد بأن السلطات السعودية ستُفرج في أقرب وقت عنه.

التوقيفات خلقت مناخاً يسوده الخوف لدى السعوديين

وهذا الخوف في الواقع يحجب التقارير اليومية، التي تتناول التغيير الذي أطلقه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بصفته مصلحاً شاباً يبدأ عهداً جديداً. فقد فُتِحت دور السينما من جديد، وأصبح كلا الجنسين يختلطان بصورة أكثر حرية، وسمَح للنساء بقيادة السيارات، إلا أنَّ هناك جانباً سلطوياً متزايداً لقيادته.

وبدلاً من الحماس للتغييرات، بات السعوديون أكثر حذراً

فوفقاً لمحادثات أُجرِيت مع أكثر من 12 رجل أعمال ومسؤولين حكوميين ونشطاء ودبلوماسيين، جميعهم طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من التعرض للعقاب، فإنَّ الحماس الذي كان موجوداً عندما كُشِفَ الستار عن تغييراته الهائلة في المجتمع السعودي منذ عامين في "رؤية 2030″، حلَّ محله حذرٌ بشأن التزامه الفعلي بالخطاب.

حتى إنهم يضعون هواتفهم في غرف غير غرف الجلوس

أو في حاويات بلاستيكية خوفاً من أن تكون الميكروفونات مُراقَبة عن بُعد، ويتردد معظمهم في الحديث عن السياسة علناً. ويُذكَر أنَّ رجل أعمال سعودياً طلب من ضيفه الذي استقبله في غرفة الجلوس ببيته مؤخراً أن يُخفِّض صوته وهو يناقش حملة المملكة لمكافحة الفساد مع أصدقائه.

فالسلطات السعودية اعتقلت مؤخراً أبرز النشطاء

احتجزت السلطات بعض أبرز نشطاء حقوق المرأة في البلاد الشهر الماضي مايو/أيار، متهمةً إياهم بالارتباط بـ"منظمات معادية" وتقديم دعمٍ معنوي ومالي "لعناصر معادية للمملكة".

والقائد هو الأوحد في البلاد.. وليس لأحد فضل في التغييرات

وقال جيمس دورسي، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بجامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، إنَّ "نهج حكم الرجل الواحد الذي يتبعه ولي العهد لا يترك أي مجال للمعارضة، أو لأن ينسب أي شخص إنجازاتٍ أو تغييراتٍ لنفسه".

فمقاليد السلطة كاملة بيده.. وهو ما يقلق البعض

ذهب الأمير البالغ من العمر 32 عاماً في جولة إلى الولايات المتحدة، استمرت 3 أسابيع في شهر مارس/آذار الماضي، حيث عرض رؤيته ورؤية المملكة العربية السعودية على كبار رجال الأعمال الأميركيين. ويشارك ولي العهد ماسايوشي سون، الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة Softbank Group، بناء مدينة غاية في الحداثة، تبلغ قيمتها 500 مليار دولار في قلب الصحراء. وتلك إشارات لرجال الأعمال والمصرفيين الدوليين، على أنَّ هناك تغييراً حقيقياً يجري على قدمٍ وساق.

في الداخل، أبدل محمد، أحد أنماط حكم كان كبار أفراد العائلة المالكة يديرون فيه الوزارات دون تدخل يُذكَر، بآخر يسيطر فيه وحده على كل مقاليد السلطة، الأمر الذي  يُقلِق البعض.

حتى إن إقبال السعوديين على استخراج الجوازات تزايد

يقول المسؤولون في السفارات الأجنبية إنَّهم لاحظوا ازدياد عدد المواطنين السعوديين الذين يستفسرون عن كيفية تجديد جوازات السفر الثانية وإصدارها لأطفالهم.

فيما بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية العام الماضي خُمس مستواه في عام 2016 -1.4 مليار دولار مقابل 7.45 مليار دولار- بعدما باعت الشركات الدولية حصصاً في شركات محلية، وجلبت إلى داخل المملكة أموالاً أقل، وفقاً لتقرير للأمم المتحدة الذي صدر الأسبوع الماضي.

ونُقلت الأموال إلى الخارج

وتظهر بيانات البنك المركزي نقل الأموال إلى الخارج. ففي الربع الأخير، عند بدء الاعتقالات، قفزت التحويلات الشخصية للسعوديين بنسبة 46%، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي. وظلت مرتفعة في أبريل/نيسان الماضي -آخر شهر رُصِدت له بيانات- عندما كانت أعلى بنسبة 27% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.

ظلَّت المملكة لعقود من الزمن ملتجأ ينفق فيه أفراد العائلة المالكة ببذخٍ دون رابط، بينما حرص رجال الدين على احتفاظ الدولة بالشكل المتشدد من الإسلام.

ودفع انخفاض أسعار النفط وتباطؤ النمو إلى ضرورة وضع سياسات جديدة تحول الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على عائدات النفط. ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته وكالة بلومبيرغ مع اقتصاديين، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.7% العام الماضي، ولو أنَّه من المتوقع أن يرتفع النمو إلى 1.5% هذا العام، بعدما عادت أسعار النفط إلى ما يفوق 70 دولاراً للبرميل.

لذلك كان لا بد من التضحية بالبعض.. النشطاء

وبحسب دبلوماسيين في الرياض، الأمير ربما يستخدم النشطاء مثالاً على مجموعات المصالح الأخرى، التي ترغب في الضغط على الحكومة لتقديم تنازلات.

كتبت كريستين سميث ديوان، الباحثة الأولى المقيمة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، أنَّ ذلك يُعَد "تحذيراً للرعايا السعوديين دون أي شك من أنَّ الدولة هي الحَكَم الوحيد للسياسة، والمحاور الرئيسي مع وسائل الإعلام الأجنبية، والمنظمات الدولية، والدبلوماسيين".

وهو ما يثير المخاوف

تثير الطريقة التي تبنَّتها الحكومة لقمع الفساد، في نوفمبر/تشرين الثاني، هذه المخاوف جزئياً، إذ استُدعى 381 من المشتبه بهم والشهود لاستجوابهم واحتجازهم في فندق ريتز كارلتون في الرياض، ثم أطلقت الحكومة سراح معظمهم مقابل تسويات يقول المسؤولون إنَّها تزيد على 100 مليار دولار. وقال النائب العام في يناير/كانون الثاني الماضي، إنَّ 56 منهم لا يزالون محتجزين إما "بسبب قضايا جنائية أخرى عالقة"، وإما لمواصلة التحقيقات.

لكن السلطات تعتبر أن تطهير الفساد جيد للأعمال

في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، في يناير/كانون الثاني، قال وزير المالية محمد الجدعان إنَّ تطهير الحكومة من الفساد كان مفيداً للأعمال التجارية، وإنَّه سيخلق "ساحة تنافس متكافئة". وأضاف أنَّ "الجودة والأسعار التي تقدمهما هي ما سيحدد مدى نجاحك، لا شيء آخر".

وهو ما انعكس فعلياً على المنشآت الترفيهية

في الواقع، تشهد بعض المناطق الجديدة التي افتتحها ولي العهد مثل الأماكن الترفيهية ازدهاراً حقيقياً. ووفقاً لأحد المستثمرين الأجانب ممن لديهم مصالح في المملكة، عادت بعض العائلات السعودية الكبيرة على وجه الخصوص للاستثمار مرة أخرى.

المستثمرون كانوا مستعدين للتضحية

وقال إنَّ العديد من كبار رجال الأعمال السعوديين يبدون أكثر حرصاً على نشر الأموال في داخل البلاد وخارجها، بعد أشهر من حملة التطهير التي نُظِّمَت في فندق ريتز، وتابع أنَّهم يعلمون أنَّ السنوات القليلة القادمة ستكون صعبة، لكنَّهم يأملون في أن يكون ذلك مبذولاً من أجل الهدف الصحيح.

لكنَّ ما حدث ترك الكثيرين مشوشين

فالمملكة تعج بأحاديث عن تعرُّض المعتقلين للتعذيب، بما في ذلك الضرب والصعق بالصدمات الكهربائية، إذ نقل 3 من مساعدي المعتقلين وشخصٌ ذو صلة بأحد الأطباء الذين عالجوا بعضهم شهادات مشابهة عن الاعتداءات الجسدية.

الحكومة نفت مزاعم التعذيب

وأعلن اثنان على الأقل من المعتقلين المفرج عنهم، بمن فيهم الأمير الوليد بن طلال، ووليد الإبراهيم، مؤسس مركز تلفزيون الشرق الأوسط (MBC)، في مقابلات مع وسائل الإعلام أنَّهما تلقيا معاملةٍ جيدة. فيما رفض مركز التواصل الدولي التابع للحكومة التعليق على الأمر.

وفقاً لأشخاص مطلعين على المسألة، عُرِض على المحتجزين مبلغ التسوية الذي تريده الحكومة، إذا أرادوا العودة لمنازلهم، وتعرَّضوا لضغوطٍ من أجل موافقة، وأحياناً ما كان مجموع المبلغ يقترب من قيمة ثرواتهم كاملةً. ومنذ إطلاق سراحهم، اتصلت بهم السلطات مراراً، وحدَّدت معهم مواعيد نهائية للدفع.

أما أولئك الذين أُبقوا مُحتجزين، فهم لا يزالون رهن الاحتجاز لأكثر من 6 أشهر الآن دون محاكمة. وقال غريغوري غوز، أستاذ الشؤون الدولية والمتخصص في الشؤون السعودية بجامعة تكساس إي أند أم الأميركية، إنَّه يتوقع أنَّ الحكومة تريد تجنُّب المحاكمات، وأضاف: "يمكن لهذا أن يؤدي لظهور الكثير من الألاعيب" بصورةٍ حتمية، على حد قوله.

إلا أن حملة التطهير المثيرة للإعجاب لها أضرارها الجانبية

يقول ستيفن هيرتوغ، الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد الذي يركز على ممالك الخليج، إنَّ "التطهير أُعِدَّ له في سريةٍ تامة، والسرعة التي نُفِّذ بها مثيرة للإعجاب. لكنَّ الحملة تُظهِر أيضاً أنَّ الحكومة تُقلِّل أحياناً من تعقيد تحديات السياسة والأضرار الجانبية التي يمكن أن تُخلِّفها أفعالها".

علامات:
تحميل المزيد