في الوقت الذي تواصل فيه قوات التحالف شن هجومها على مدينة الحديدة اليمنية من أجل السيطرة على مينائها البحري ومطارها الذي دخلته السبت 16 يونيو/حزيران 2018، بعد مواجهات مع قوات الحوثي، احتفل اليمنيون بعيد الفطر لهذا العام ولكن بطريقة خاصة.
فالمدينة التي كانت هادئة حتى وقت قريب باتت مهددة للانزلاق إلى الفوضى، كما تقول صحيفة The Independent البريطانية في تقرير/ نشرته الجمعة أول أيام عيد الفطر، وأضافت بأن أكبر ضحايا المواجهات بين التحالف والحوثيين هم المدنيون العالقين هناك.
فقد جلس أحمد عبدالله ناصر مع أخيه وأصدقائه أمام ميناء الحُدَيدَة على ساحل البحر الأحمر أثناء غروب شمس الخميس 14 يونيو/حزيران 2018، مُؤذِنةً بانتهاء الصوم وبداية عيد الفطر المبارك.
كانت السفن الحربية السعودية تطفو بعيداً أثناء احتفالهم بالأسماك والشيشة، وكلاهما من الأشياء النادرة والمُكلَّفة منذ اندلاع الحرب في اليمن قبل ثلاث سنوات. لم تكن هناك ألعاب نارية أو أضواء تقليدية مُعلَّقة في الشوارع، إذ لا يستطيع الناس تحمل تكاليف الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية.
تعيش زوجة أحمد، البالغة من العمر 28 عاماً وتعمل بائعة كتب، مع طفليه في العاصمة صنعاء، حيث يُعتَقَد أنَّهم هناك أكثر أمناً. لكنَّه يفتقدهم بشدة في أوقات الأعياد التي ينبغي أن تُقضى مع العائلة.
يقول أحمد: "ابني عمره خمسة أعوام. هو كبير بما يكفي ليفهم أنَّ هناك قتالاً. يسألني عن الغارات الجوية و'الناس السيئين'، وأحاول ألا أخبره الكثير لأني لا أريده أن يشعر بالقلق". وأضاف: "آمل أن يستمتعوا بالملابس والحلوى التي اشتريتُها لهم بمناسبة العيد. لم يعد من السهل توفيرها".
عملية "النصر الذهبي" أمر واقع
في الأيام الثلاثة الماضية، تحركت ثلاث من الميليشيات اليمنية المتحالفة مع الحكومة وقوات من التحالف السعودي والإماراتي إلى موقع بالقرب من ميناء الحُدَيدَة استعداداً لشن هجوم ضخم لاستعادته من الحوثيين.
وانتهى اجتماعٌ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كان يناقش الوضع الطارئ مساء الخميس 14 يونيو/حزيران دون اتخاذ إجراءات ملموسة، وذلك بحسب مصدر مُحبَط في المجال الإغاثي مقرب من المباحثات.
وقال: "على الرغم من التحذيرات والرسائل الدولية من كبار أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي والبرلمانيين في المملكة المتحدة، السويد وحدها دعت إلى وقف إطلاق النار. وتواصل الكويت منع إصدار أي بيانات".
وقال راجح بادي، المتحدث الرسمي باسم الحكومة اليمنية، مساء الخميس إنَّ عملية "النصر الذهبي" لاستعادة مدينة وميناء الحُدَيدَة عُلَّقت مرة أخرى.
لكن كما هو الحال مع عدة عمليات هجومية أخرى في حرب اليمن الوحشية ووسط التوترات المتصاعدة بين الحلفاء، فإنَّه من غير الواضح إن كان اليمنيون والسعوديون والإماراتيون على نفس المسار.
عواقب على البلد بأكمله
وتُعَد معركة الحُدَيدَة واحدة من أهم المعارك في الحرب حتى الآن، ولها عواقب على البلد بأكملها.
وإلى جانب الخطر الداهم المتعلق بحروب المدن والقصف والغارات، يُعد ميناء الحُدَيدَة بمثابة شريان الحياة لليمن، إذ تتدفق من خلاله أكثر من 70% من واردات البلاد. لذلك فإنَّ أي ضرر يلحق ببنيته التحتية أو يعطل سلسلة الإمدادات القادمة منه قد يرسل ثمانية ملايين يمني من حافة المجاعة إلى المجاعة الكاملة.
ويعتمد ثلثا السكان البالغ عددهم 28 مليون نسمة على المساعدات للبقاء على قيد الحياة.
وقال كيفن واتكينز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة "أنقذوا الأطفال" لصحيفة The Independent البريطانية إنَّ مدينة الحُديدة، ثاني أكبر مدن اليمن وأهم مركز تجاري في البلاد، حصلت بالفعل على أكثر من حصتها العادلة من الصعوبات.
وأضاف: "رأيتُ مدى بؤس الوضع في زيارةٍ قمتُ بها مؤخراً إلى الحُدَيدَة. لقد استوعبت المدينة بالفعل مئات الآلاف من النازحين؛ الخدمات الحكومية منهارة تماماً، ومعدلات سوء التغذية مرتفعة للغاية". وتابع: "نحن نفعل ما بوسعنا، لكن نطاق المأساة يتجاوز بالفعل ما يمكننا التعامل معه. هذه هي حافة الهاوية التي يجب حماية المدنيين منها".
لا أحد يستطيع تحمل تكاليف الهرب!
ضربت الغارات الجوية للتحالف العربي التي بدأت في عام 2015 بناءً على طلب الحكومة اليمنية في المنفى العديد من الرافعات في ميناء الحُدَيدَة قبل ثلاث سنوات.
وعمل الميناء بقدرة استيعابية وكفاءة محدودة منذ ذلك الحين، وأدى الحصار الذي تقوده السعودية إلى تفاقم أزمات اليمن المتشابكة من الكوليرا والوقود والغذاء والمياه والرعاية الصحية. هناك عدد قليل من الوظائف في مدينة الحُدَيدَة، ومعدلات التضخم مرتفعة جداً.
ويقول أحمد: "عائلتي محظوظة. يتناول الكثير من الناس هنا وجبة واحدة فقط في اليوم. ربما يمكنك الخروج باستخدام الطريق المؤدي إلى صنعاء للهروب من القتال الذي سيحدث هنا. لكن لا أحد يستطيع تحمل تكاليف الوقود أو النقل".
لم يشهد اليمن حتى الآن قتالاً واسع النطاق في المناطق الحضرية، لكن معركة الحُدَيدَة يمكن أن تغير ذلك. وقد وعد مسؤولو التحالف والحكومة اليمنية في الرياض بعملية سريعة يتراجع فيها الحوثيون إلى الجبال المحيطة. لكن تشير المعارك السابقة في مدينتي عدن والمخا وأماكن أخرى إلى أنَّ القتال قد يكون طويلاً ودامياً.
ألغام ودروع بشرية
يمتلك الحوثيون سجلاً حافلاً في استخدام المدنيين كدروع، وتقول التقارير إنَّ المدينة والضواحي مُلغمة بشكل كبير. وسيكون المدنيون هم الأكثر معاناة، خاصةً إذا فُرِضت حالة حصار مطولة. ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، فإنَّ ما يقرب من نصف سكان المدينة البالغ عددهم 600 ألف نسمة هم من الأطفال، الذين هم أكثر عرضة لأمراض مثل الكوليرا وسوء التغذية، بحسب الصحيفة البريطانية.
وتأكدت معظم وكالات الإغاثة من توفر إمدادات طبية طارئة ومجموعات من مستلزمات النظافة لمدة ستة أشهر قبل أن يضطروا إلى إجلاء الموظفين الدوليين في عطلة نهاية الأسبوع.
وقالت الدكتورة ميريتشل ريلاينو، الممثل المقيم لمنظمة اليونيسيف في صنعاء: "الوضع على الأرض مُعقَّد للغاية والوضع الإنساني مروع. لسنا متأكدين بشأن تحرك القوات. وندعو جميع الأطراف إلى حماية أرواح المدنيين والأطفال والبنية التحتية المدنية الأساسية".
وقال مصدر بمنظمة غير حكومية إنَّ خطة مساعدات من خمس نقاط أصدرها التحالف يوم الخميس الماضي لم تذكر بشكل واضح سبل آمنة للخروج من المدينة أو أي خطط دعم للنازحين داخلياً أو جهود لتجنب استهداف البنية التحتية المدنية.
وتعرَّضت قدرات شن الغارات الجوية لقوات التحالف لانتقادات شديدة من جانب جماعات حقوق الإنسان، إذ استهدفت من قبل مدارس ومرافق طبية وحفلات زفاف وتجمعات جنازات.
أميركا قلقة لكنها تواصل بيع السلاح للتحالف
وشعر مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بالقلق من أنَّ بيع أسلحة مقرر استخدامها في حرب اليمن إلى الرياض وأبو ظبي قد يرقى إلى مستوى جرائم الحرب، ومع ذلك تواصل معظم الحكومات الغربية بيع الذخائر إلى التحالف العربي. أصبحت المعارضة الأميركية والبريطانية لهجوم الحُدَيدَة أكثر ملاحظةً في الأسابيع الأخيرة.
إذ جاء في بيانٍ صادر عن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع أنَّ الولايات المتحدة تراقب الوضع عن كثب، لكن لم تطلب صراحةً من الإمارات تعليق الهجوم.
وبعد بدء الهجوم، لم يردد وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الكلمات القوية التي خرج بها وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أليستر بيرت أثناء استجواب عاجل في البرلمان يوم الإثنين 12 يونيو/حزيران 2018، والتي قال فيها إنَّ المملكة المتحدة تبذل قصارى جهدها لثني القوات الإماراتية عن الهجوم.
وحذَّر المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث، مراراً من أنَّ الهجوم سيُعرقل أي محادثات سلام مع الحوثيين.
وقال مصدر بالأمم المتحدة بعد اجتماع مغلق الخميس إنَّ المبعوث الخاص لا يزال منخرطاً في محادثات مع جميع الأطراف ويأمل في التوصل إلى حل سياسي. وأشار مكتبه إلى أنَّه يجب على الأقل وضع ميناء الحُدَيدَة تحت سيطرة الأمم المتحدة.
ومن جانبها، قالت إليزابيث كيندال من جامعة أوكسفورد في وقت سابق لصحيفة The Independent: "قد يؤدي الضغط العسكري المتزايد على الحوثيين إلى تأثير عكسي يجعلهم أقل قابلية للدخول في مفاوضات سلام مقترحة، لأنَّهم سيكونون في وضع أضعف".
وأوضحت كيندال إنَّ إعادة السيطرة على الحُدَيدَة قد تفتح طريقاً لاستعادة العاصمة اليمنية صنعاء من الحوثيين في نهاية المطاف، لكن ذلك لا يعني بالضرورة استسلامهم.
وأضافت: "لقد سُحِقَت معاقل الحوثيين في شمال اليمن بعد أكثر من عقد من حرب العصابات. هم لديهم كل الأسباب لتحدي المنطق العسكري ومواصلة القتال. قد تكون المكاسب العسكرية ذات فائدة قصيرة المدى".
النتيجة ستغير موازين القوى في البلاد
بصرف النظر عن النتيجة، سيحول الصراع من أجل الحُدَيدَة ميزان القوى في بقية البلاد في الوقت الذي تعاني فيه الفصائل المناهضة للحوثيين من أجل البروز على القمة.
بالنسبة لأحمد، فإنَّ مصدر قلقه الأكبر هو عدم وصول الكتب المدرسية والجامعية التي يبيعها إلى الميناء، واحتمالية انزلاق المدينة إلى حالة فوضى مثل عدن.
يُفترض أن تكون مدينة عدن الآن هي مقر الحكومة اليمنية المنفية بعد استعادة القوات الإماراتية لها من الحوثيين في عام 2015، لكن يُفضِّل وزراء الحكومة اليمنية البقاء في أمان العاصمة السعودية الرياض.
يقول أحمد: "لا أعرف ماذا أفعل إذا استمر القتال لفترة طويلة. لا توجد وظائف في صنعاء. الوضع ليس بتلك الدرجة من الأمان هناك أيضاً. ربما كان عليّ أن أقضي العيد مع أطفالي بعد كل شيء".