لا يدري عبدالرحمن سيد، مدير مسجد المنار غربي لندن، من أين جاءته القوة يوم الحادث ليفعل ما فعله، بعد أن وجد نفسه، في شهر رمضان من العام الماضي، في القلب من أزمة استمرت لأسابيع.
اندلعت النيران في برج غرينفيل السكني، الذي يبعد عشر دقائق سيراً على الأقدام من المسجد، وخلَّف الحريق 70 قتيلاً. وبحلول صباح الرابع عشر من يونيو/حزيران من عام 2017، وجدت 203 أسر نفسها بلا مأوى، وفقدت معظم تلك الأسر كل ممتلكاتها. وكان أكثر من نصف ضحايا هذا الحادث من المسلمين.
في مثل هذا اليوم قبل عام وقعت الكارثة وفتح هذا المسجد أبوابه للضحايا
خلال الأيام التي تلت الحادث، ظلَّ المسجد مفتوحاً لمدة 24 ساعة يومياً طوال الأسبوع، ليقدم المأوى والطعام لسكان البرج. وقضى سيد كلَّ وقت فراغه في المسجد، ولم يعد إلى منزله إلا للاستحمام سريعاً وتبديل ملابسه. وكان مع هذا المجهود صائماً أيضاً، ولم يكن يحصل على قدرٍ كبيرٍ من النوم.
وتعليقاً على هذا الأمر قال: "لم يكن النوم حاجةً مُلِحَّة في تلك الأيام. حين يتعامل المرء مع أزمة كبرى، تصبح الأمور المتعلقة براحته الشخصية أقل أهمية".
بعد عام من الحادث، هدأت الأمور نسبياً، بالرغم من أن بعض ندوبه لا تزال عالقة في ذاكرة الضحايا. ولكن ذكرى هذا الحريق تعد لحظة جديرة بالتوقف عندها بالنسبة للمسلمين؛ إذ تأتي ذكراها عشيَّة عيد الفطر.
وهنا تكمن المفارقة التي وجد العديد من المسلمين في لندن أنفسهم في مواجهتها يوم الخميس 14 يونيو/حزيران 2018. الناجون من الحريق مرَّ عليهم بالفعل عيدٌ بعد اندلاع الحريق، الذي نشب العام الماضي قبل أسبوعين من عيد الفطر، وحلَّ العيد عليهم وهم لا يزالون في حالة من الصدمة.
الأفضل لهم ألا يذكرهم أحدٌ بهذه المأساة
تقول مديحة رضا، منسقة التواصل لدى هيئة Muslim Aid الإغاثية التي جمعت أكثر من 235 ألف دولار للناجين من الحريق: "أتوقع أن تحل ذكرى الحريق هذا العام على الناجين لتنكأ جراحهم، وتذكرهم بما خسروه في حياتهم".
وأضافت: "ستكون الأجواء بالغة الكآبة"، وذلك أخذاً في الاعتبار أن العديد من الناجين من الحريق، وكذلك مِن أقارب مَن قضوا فيه من بين المصلين في المنار.
يخبر سيد الناسَ أن يجتمعوا معاً ويحاولوا قضاء اليوم بطريقةٍ شبه طبيعية، مع إدراك الألم الذي يشعر به الناجون.
وقال سيد: "الأفضل لهم ألا يذكرهم أحدٌ بهذه المأساة".
وتحل ذكرى الحريق لتستحضر في الأذهان ما كان عليه الوضع قبل عام. ففي الساعات القليلة الأولى من الحريق، والتي بدأ سيد ومن معه فيها توزيع ما كان مخزناً لديهم من الماء والتمر لإفطار الصائمين، تجلى بوضوح أن الجالية المسلمة في مواجهة كارثة.
وبعد اندلاع الحريق، امتلأ المسجد بمتطوعين من جميع الأديان والقوميات، إذ تزامنت الاستجابة للطوارئ مع الأنشطة الروتينية لشهر رمضان. امتلأت الكنائس المحلية والمراكز المجتمعية والمسجد بالتبرعات على صورة طعام وملابس، كانت في بعض الأحيان تفيض لتخرج من مساحة التخزين إلى الشوارع.
وفي الأسابيع والأشهر التي أعقبت الحريق، ومع بدء التعرف على هوية الضحايا من بقايا جثامينهم، استضاف مسجد المنار صلوات الغائب على الأموات وأتم مراسم الدفن والعزاء للضحايا. وأصبح المسجد أحد الأماكن التي بث من خلالها الضحايا شكواهم من بطء استجابة السلطات. ووفر المسجد معالجاً نفسياً لتقديم خدمات المشورة وللتخطيط لتدريب الأئمة على التعرف على علامات الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا في حاجة إلى مساعدة مختصة وسط المصلين لديهم.
وطوال شهر رمضان، عقد المسجد حفلات إفطار دُعي إليها أشخاص من جميع الأديان، عقدت إحداها في الهواء الطلق في حديقة كينغستون بالقرب من البرج كجزءٍ من فعاليات إحياء ذكرى الحريق التي حدثت يوم الخميس.
أن نقف إلى جانبهم ونقول لهم إنهم ربحوا عائلة جديدة
وقال عمر صالحة، مؤسس مشروع The Ramadan Tent، وهو المؤسسة التي نظمت الفعالية: "اختارتنا الجالية المسلمة لإحياء الذكرى السنوية للحريق، ونحن يشرفنا أن نفعل ذلك".
وأضاف صالحة: "من المهم أن نقف إلى جانب الناجين، وأن نقرَّ بأن الحادثة تركت فجوةً في حياتهم، ولكنهم قد ربحوا عائلة جديدة ستكون إلى جوارهم دائماً لدعمهم". وصالحة هو جزءٌ من وحدة الاستجابة المسلمة لكارثة غرينفيل، وهي مجموعة تقدم الخدمات لجميع من تأثروا بالحريق، وتتلقى دعماً من مجموعة من الجمعيات الخيرية الإسلامية.
وقالت منى حسن، المقيمة في غربي لندن والمتطوعة، إنه لا بد من إحياء ذكرى مأساة غرينفل.
وقالت: "إنه موقف حزين، ولكن سيصبح أسوأ إذا اقتصر اليوم على الحزن. آمل أن نحتفل فيه أيضاً بما تمكنَّا من تحقيقه معاً".