الكويت وعُمان اختارتا الحياد فوجدتا نفسيهما عالقتَين.. هل ستدفع الدولتان الخليجيتان ثمن موقفهما من الأزمة؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/15 الساعة 17:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/17 الساعة 10:38 بتوقيت غرينتش
جانب من اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الكويت رويترز-

في غضون سنةٍ واحدةٍ، توتَّرَت العلاقات بين 4 دول من حلفاء أميركا، وهي السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، ومصر من جانب، ومن جانب آخر قطر، وهي الأخرى حليف محوري للولايات المتحدة.

وذكرت مجلة Foreign Policy الأميركية في مقال لها الخميس 14 يونيو/حزيران 2018، أن الدول الأربع فرضت حصاراً برياً وبحرياً وجوياً؛ بهدف معاقبة هذه الإمارة الصغيرة على ما سموه "احتضان الدوحة مختلف جماعات الإرهاب".

وتضيف المجلة أن مراقبين اعتقدوا أن هذه المشاحنة الدبلوماسية لن تستغرق سوى شهور قليلة حتى تُسوَّى. فعلى كل حال، هذه هي المرة الأولى التي تتنازع فيها قطر مع جيرانها من دول الخليج.

ولكن بعد مرور عامٍ، لا يبدو أن هناك حلاً في الأفق، تقول المجلة الأميركية، وتوضح أن قطر تأقلمت على نحوٍ جيدٍ وملحوظ على الإجراءات العقابية من الدول الأربع، ويبدو أن السعودية والإمارات العربية المتحدة سعدتين باستمرار الحصار، فهو لا يكلفهما أي شيء.

الخاسر الوحيد من الأزمة هو الدول المحايدة

وتقول المجلة إن الخاسر الحقيقي في هذه الأزمة هو دول الخليج الحيادية على مرِّ الزمان؛ الكويت وعُمان اللتين علقتا في المنتصف.

الكويت وعُمان دولتان أقل ثقلاً من جارتيهما العملاقتين اقتصادياً وجيوسياسياً. وهما أكبر مستفيدَين من مظلة مجلس التعاون الخليجي (المنحل في ظل الظروف الراهنة). من مصلحة الدولتين العمل على الحفاظ على المجلس، لكنهما سِيقوا إلى مواقع لا يُمكن الهروب منها.

فقد أُجبرت الكويت -التي اكتسبت سمعتها كمُمَثِّلٍ سيئ عن جبهة تمويل الإرهاب بسبب مواقفها السابقة- على لعب دور الوسيط المحايد في هذه الأزمة عنيدة الطرفين. بينما تحاول عُمان السير على الحبل بين البقاء -رسمياً- بين كونها طرفاً محايداً والاستفادة من حصار قطر بتوطيد العلاقات الاقتصادية معها، مما يعرضها لغضب المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة.

عند بدء الحصار، هاتف الأمير الكويتي صباح الصباح -أقدم حكام دول الخليج- أمير قطر تميم الثاني، وطلب منه الامتناع عن أي تصريح رسمي فيما يخص الأزمة؛ حتى يتمكَّن من حلها. وفي اليوم التالي، ذهب الصباح إلى المملكة العربية السعودية لملاقاة الملك سلمان.

ليس من الغريب أن يلعب الصباح دور الوسيط، فالكويت توسطت من قبلُ في حل أزمة مجلس التعاون الخليجي عام 2014 بين قطر وجيرانها؛ بسبب الدعم القطري لجماعة الإخوان المسلمين. لكن الوضع مختلفٌ الآن. فالإجراءات المُتَّخَذة الآن أشد بكثير من تلك التي اتخذتها الرياض وأبوظبي والمنامة في 2014.

وزادت الإجراءات قسوةً هذه المرة تحديداً؛ لأن قطر وقَّعَت اتفاق الرياض الذي تضمَّن مجموعة من المبادئ التي أنهت الجولة السابقة من الصراع، لكن قطر لم تلتزم بما فيه.

وفي ظل غياب رغبة الطرفين في اتخاذ الخطوة الأولى نحو الحل، لم يكن مفاجئاً فشل وساطة الكويت ورحلاتها الدبلوماسية. يزداد هذا الفشل إحراجاً في ظل محاولات الكويت تمثيل مصالح العرب في مجلس الأمن. وبالتأكيد، تتأرجح الكويت بين هذه الأدوار ولا تحقق ما يُذكر في أي منها.  

مخاوف كويتية من تدخُّل السعودية في انتقال السلطة مستقبلاً

تقع الكويت الآن تحت ضغطٍ كبير للانحياز إلى أحد الجانبين وهجر الجانب الآخر، والتخلي عن دورها الحيادي المعتاد. وإن أحجمت عن اختيار أحد الطرفين، فعلى الأغلب ستجد نفسها تستقطب غضب السعودية والإمارات.

وأعرب بعض المسؤولين الكويتيين -سراً- عن قلقهم بشأن احتمالية تدخُّل السعودية في عملية انتقال السلطة القادمة. وبوجود أمير ثمانيني وولي عهد، إلى جانب وجود برلمان شعبوي مُولَع بالمشاحنات، تتضاعف المخاطر التي تجنيها الكويت طالما استمرت الأزمة.

لكن عُمان استفادت اقتصادياً من الحصار

وتواجه سلطنة عمان مصيراً مشابهاً. عكس الكويت التي حافظت على حيادها السياسي والاقتصادي، حافظت عُمان على الحياد السياسي وحده بينما زادت تعاملاتها التجارية مع قطر. يعاني اقتصاد عمان الانخفاضات المتتالية في أسعار البترول، وللسلطنة موقع ضعيف للغاية في مجلس التعاون الخليجي؛ إذ يصل الفرق بين الأصول والخصوم الأجنبية لأقل من 10% من الناتج المحلي بعد أن كان 55% في 2014.

خفضت كبرى وكالات التصنيف الائتماني من وضع الدَّين العُماني على مدار السنة الماضية (2017)؛ إذ خفضت وكالة Standard & Poor تصنيف عمان إلى فئة الدول الأدنى، وتقترب أيضاً من الهبوط للتصنيف ذاته  في تصنيف Fitch and Moody.

كانت زيادة التجارة مع قطر بمثابة هدية اقتصادية لمسقط. زادت الصادرات العمانية غير البترولية إلى قطر بنسبة 144% في الأشهر التسعة الأولى من عام 2017. وأصبحت عمان هي الوِجهة الأولى لصادرات قطر غير البترولية في ديسمبر/كانون الأول عام 2017، باستقبالها ما يقارب نحو 35% من صادرات قطر.

ووقَّعت الدولتان في يناير/كانون الثاني 2018، على مذكرة تفاهم بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين. بالإضافة إلى تحسُّن الوضع اللوجيستي لعُمان بعد استفادة الكثير من شركات الشحن القطرية من ميناء صحار التابع للسلطنة. وبالمثل كانت الخطوط الجوية العمانية هي المستفيد الأول من الحظر الجوي.

ففي ظل حظر الخطوط الجوية القطرية من التحليق في المجال الجوي للدول الأربع، وامتناع كبرى شركات الطيران بالدول الأربع عن التحليق في مجال قطر الجوي- استفادت شركة الطيران العمانية من موقف مسقط الحيادي وحلّقت فوق الخليج بأكمله.

لكن.. ماذا عن تدخُّل السعودية في سُلطان عُمان القادم؟

وأعرب المسؤولون في عمان -سراً- عن آمالهم في استمرار العلاقات التجارية المزدهرة مع الدوحة بعد حل نزاع مجلس التعاون الخليجي. ولكن عُمان تجر السخط السعودي والإماراتي في أذيالها على طول طريقها. فالسعودية بَرِمَة بالأساس من دور عمان -المزعوم- في نقل السلاح للمتمردين الحوثيين في اليمن. بالإضافة إلى ظهور تقارير جديدة تفيد بأن حكومة أوباما استخدمت بنك مسقط في التحويل الإيراني (5.7 مليار دولار) إلى العملة العمانية، مما يزيد من توتر العلاقات.

في هذه الأثناء، سيُتم سلطان عمان العليل عامه الـ78 هذا العام (2018). يتوجب على السلطان تعيين خليفة معلن له، خاصة أنه يعاني سرطاناً قاتلاً منذ 2014 على الأقل. يمكن جداً أن تتدخل السعودية والإمارات في تولية السلطان القادم. والعمانيون يتذكرون جيداً ما حدث في أزمة الخليج في 2014، عندما تحركت الإمارات والسعودية بسرعة للتأثير -إن لم يكن لإضعاف- الأمير المنصَّب حديثاً تميم.

الكويت وعُمان علقتا في الوسط في مقابل استقرار قطري

علقت الكويت وعُمان في المنتصف عكس كل دول المجلس. فالدول الأربع غير متأثرة بالحصار. الاستمرار فيه لا يجلب عليهم أي تكلفة. هناك بعض التأثيرات السلبية -اقتصادياً- للحصار، خاصة بالنسبة لدبي، ولكن التأثير العام المجمل لا يُذكر، بالإضافة إلى ذلك لم يؤثر الصراع على استقرار الأوضاع السياسية المحلية.

وعلى النقيض، لن يساعدهم اتخاذ الخطوات الأولى لإنهاء الأمر في حفظ ماء الوجه. عانت قطر اقتصادياً في بداية الأمر، ولكنها استقرت الآن، ومن الواضح أن الإمارة الصغيرة لا تريد تقديم أي تنازلات للدول الأربع.

انتعش القطاع البنكي في قطر انتعاشاً ملحوظاً بفضل ضخ الحكومة مبلغ 26 مليون دولار أميركي. وسرعان ما أقامت الدوحة خطوطاً تجارية مع إيران وتركيا، وقد يكون الحصار بمثابة الدفعة التي احتاجتها قطر للإسراع في الإصلاحات الاقتصادية المُلِحَّة.

وعلى الصعيد الاجتماعي، عزَّز الحصار الروح الوطنية، التي تركَّزَت في القدرة على التكيُّف. اتخذ القطريون لوحة رسمها فنان شاب للأمير القطري -تحت عنوان تميم العظيم- رمزاً للوطنية الجديدة. ونجح النظام القطري -بعد البداية القوية- في إدارة تحوُّل كامل بموقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

 

تحميل المزيد