التدخل الإيراني في سوريا قد ينقلب ضد الجمهورية الإسلامية.. فما السبب؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/14 الساعة 21:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/17 الساعة 10:41 بتوقيت غرينتش
Syria's President Bashar al-Assad (R) meets with Iranian Foreign Minister Mohammad Javad Zarif in Damascus, Syria, in this handout photograph released by Syria's national news agency SANA on August 12, 2015. REUTERS/SANA/Handout via Reuters ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. REUTERS IS UNABLE TO INDEPENDENTLY VERIFY THE AUTHENTICITY, CONTENT, LOCATION OR DATE OF THIS IMAGE. FOR EDITORIAL USE ONLY. NOT FOR SALE FOR MARKETING OR ADVERTISING CAMPAIGNS. THIS PICTURE IS DISTRIBUTED EXACTLY AS RECEIVED BY REUTERS, AS A SERVICE TO CLIENTS.

يسود رأي شائع مفاده أن إيران برزت في صورة الفائز من الحرب المستعرة بسوريا منذ عام 2011. ومع أنَّ بقاء نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، صار مضموناً عملياً، فهذا نصرٌ باهظ الثمن؛ إذ إن إيران أُقحمت في ورطة مكلفة ولا يبدو بالأفق نهاية لها.

وبحسب صحيفة The Washington Post الأميركية، فإيران مجبَرةٌ على البقاء في سوريا -ربما عقوداً- مع روسيا، من أجل دعم نظام مُجوَّف فاسد إلى درجةٍ وحشية. تبدو هذه حالة كلاسيكية من توسُّع نطاق المهام وزمنها؛ إذ تدخلت إيران في البداية تدخلاً طفيفاً لدعم حليفها، لكنَّ أقدامها جُرَّت إلى دوامةٍ أكثر تكلفة، حيث لا يمكنها تخليص نفسها منها.

مكاسب إيرانية تعاظَم نفوذها بعد الحرب

وتضيف الصحيفة، في مقال نشرته الثلاثاء 12 يونيو/حزيران 2018، أن إيران حققت مكاسب لا يمكن إنكارها؛ فهي منخرطة انخراطاً عميقاً في سوريا، وضباطها رسَّخوا أنفسهم بجميع قوات الجيش السوري واكتسبوا نفوذاً مهماً على القوات الموالية للأسد.

وتلعب الميليشيات المدعومة إيرانياً كذلك دوراً حاسماً في جهود النظام الرامية إلى دحر قوى المعارضة. وتخترق إيران، على نحو متزايد، اقتصاديات الحرب السورية، مُشيِّدةً لنفسها أصولاً سوف تؤدي إلى تعاظم نفوذها بعد الحرب.

ومن المرجَّح أن تبقى قوات الدفاع الوطني -التي تُمثِّل ائتلافاً مُشكَّلاً من ميليشيات محلية مدعومة إيرانياً- في سوريا بعد انتهاء الحرب. وعلى الأرجح، ستشجع إيران -بإلهامٍ من نموذج حزب الله- قوات الدفاع الوطني على تشكيل حزب سياسي. وقد بدأ هذا بالفعل؛ إذ إن قوات الدفاع المحلي، وهي مظلة أخرى لمجموعات مُسلَّحة مدعومة إيرانياً، تقدِّم خدماتٍ اجتماعية في مدينة حلب السورية منذ استعادة النظام لها.

فضلاً عن أن آلاف مقاتلي الميليشيات الشيعية الأجنبية المدعومة إيرانياً سيَبقون أدواتٍ مفيدة في يد طهران؛ كي تُبرز نفوذها في سوريا ما بعد الحرب (لهؤلاء المتبقين هناك)؛ بل وأيضاً بالعراق وأفغانستان وباكستان، حيث يمكن إعادة حشد العائدين إلى بلادهم للارتقاء بالمصالح الإيرانية.

وتحقق إيران أيضاً مكاسب من تجربة القتال الهائلة؛ إذ أظهرت إيران على وجه الخصوص، قدرتها على تحمُّل نشر آلاف القوات في أي منطقة حرب على المدى الطويل. وتعلَّم النظام الإيراني دروساً مهمة حول سياسات إرسال القوات إلى الخارج واقتصاديات هذه الخطوة ولوجيستياتها، ما سيعزز قدرته على توجيه قوة استطلاعية في المستقبل.

لكنَّه تدخلٌ مُكَلِّف

لكنَّ هذا التدخُّل مكلفٌ، يقول كاتب المقال، ويوضح أن سوريا لن تعود إلى ما كانت عليه قبل 2011، صحيحٌ أنَّ الأسد نجا، لكنَّه يواجه حالات متواصلة من التمرد، والبلاد ستُبقي تركيزها على العمليات بالغة الصعوبة الرامية إلى الاستقرار وإعادة الإعمار.

إذ تُعد سوريا تحت حُكم الأسد هي الحليف الوحيد لإيران والشريك الأساسي في الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة. لذا فإنَّ ظهور الأسد ضعيفاً سوف يقوِّض من قدرة إيران على ممارسة نفوذها في المنطقة.

وعندما تصعَّد الموقف في سوريا، قررت "حماس" الوقوف بجانب المعارضة ضد رعاتها الإيرانيين. فأوقفت إيران دعمها رداً على ذلك. وعلى الرغم من محاولات التقارب، لا يُحتمل أن تعود العلاقة بين الطرفين إلى سابق عهدها قبل 2011.

والشريك الفلسطيني المتبقي لإيران، المتمثل في حركة الجهاد الإسلامي، ليس سوى مجموعة صغيرة تصب تركيزها على القتال العنيف ولديها قاعدة دعم أصغر، ما يُضعِف من قدرة إيران على الضغط على إسرائيل.

وتضيف الصحيفة الأميركية أن حركة حزب الله أحرزت خبرة قتالية واقتنى أسلحة متطورة جديدة، والفضل في هذا يعود إلى الحرب، بيد أنَّها عانت بسبب مقتل 2000 من قواتها، من بينهم قادة بارزون، وإصابة نحو 5 آلاف آخرين.

وكانت هذه الحرب مكلِّفة على الصعيد السياسي كذلك؛ فقد تضررت القوة الناعمة لحزب الله؛ نظراً إلى أن صورتها المقاوِمة لإسرائيل أصبحت باهتة، في حين برزت صورتها باعتبارها حبل نجاة لنظام يحارب السُنَّة؛ فالتورط في سوريا يعيق من قدرتها على مواجهة إسرائيل.

مكاسب إيران تصطدم بالحليفة روسيا

وتسبَّب التدخل الروسي في تبديل آفاق بقاء الأسد على رأس السلطة بترجيح كفة ميزان القوى لمصلحة محور دمشق-طهران-موسكو. بيد أنَّ المكاسب الروسية لا تنقسم بالتساوي مع المكاسب الإيرانية؛ بل يأتي جزء منها على حساب إيران.

ونحَّى الجانبان خلافاتهما جانباً وعمَّقا العلاقات إلى حدٍ غير مسبوق؛ إدراكاً منهما بالحاجة إلى العمل معاً. بيد أنَّ هناك آفاقاً على الطريق لتنامي التوترات؛ لأن كليهما يسعى للظهور في صورة الطرف الرئيسي الخارجي المهيمن في سوريا.

ويُرجَّح أن تتعارض رؤى إيران، الراغبة في وجود نظامٍ لا مركزي بسوريا، تعارُضاً خاصاً مع تفضيل روسيا حكومة مركزية أقوى. وتُبدي روسيا أيضاً حساسيةً أكبر تجاه مصالح السعودية وإسرائيل، ولديها كذلك رغبةٌ أكبر في التفاوض مع الولايات المتحدة.

ومنذ الثورة الإيرانية التي اندلعت في عام 1979، تقدم إيران نفسها على أنها طليعة المقاومة ضد سياسات الولايات المتحدة وإسرائيل. وكانت قدرتها على حشد المسلمين دائماً خطابيةً أكثر من كونها حقيقية. ومع هذا، تمتعت بدعمٍ بين السكان المسلمين، ولا سيما في أوقات الأزمات.

وبذلت إيران محاولاتٍ منهجية لبسط قوتها الناعمة من أجل الضغط على منافسيها المؤيدين للولايات المتحدة، لكنَّ قدرتها على فعل ذلك كانت مقيَّدة من الناحية العملية؛ بل إنَّ سمعة إيران تضررت لسوء حظها، ولا سيما بين عموم العرب السُّنة؛ نظراً إلى أنها تظهر في هيئة داعم لنظام يحاول سحق معارضة أغلبيتها من السُنَّة.

هل تواصل طهران دعمها المكلف للنظام السوري؟

حققت إيران مكاسب بسوريا لا يمكن إنكارها، ولا سيما الآن في ظل ضمان بقاء نظام الأسد خلال المستقبل المنظور.

لكنَّ التزامها الدائم -على ما يبدو- تجاه سوريا مُكلِّف؛ إذ تُحقق إيران وحلفاؤها انتصاراتٍ عسكرية تكتيكية في أرض المعركة منذ عام 2015. لكنَّ هذه الانتصارات لا ترقى إلى أن يقال عنها ظفرٌ بالحرب؛ فالأسد ليس قوياً بما يكفي للتخلص من المعارضة، ولا يوجد كثير من البوادر التي تشير إلى أنه يستطيع متابعة عملية إعادة إعمار البلاد أو يرغب في ذلك.

تعتبر إيران -وروسيا- في هذا الصدد مسؤولتين عن بلد مُدمَّر ومنقسم بخطوط صدع طائفية، وإقليمية، وسياسية، ويعاني أزمةً إنسانية ذات أبعادٍ هائلة؛ إذ انخفض الناتج الإجمالي المحلي في سوريا بنسبة 75%، ويعيش نحو 70% من السوريين في فقرٍ مدقع، وتقترب نسب البطالة من 60%، ومات أكثر من 400 ألف مواطن بسبب الأزمة، إضافةً إلى أن نصف سكان البلاد تعرضوا للتشريد القسري. وسوف تتكلف عملية إعادة الإعمار مئات المليارات، وهو مبلغٌ لا تملكه سوريا ولا إيران ولا روسيا، وسيرفض المجتمع الدولي توفيره.

ولا يبقى من نظام الأسد سوى إرثٍ مستنزف ومنقسم انقساماً عميقاً؛ إذ إن قادة الجيش وقادة الميليشيات المؤيدة للأسد أصبحوا في الغالب قادة عسكريين محليين مستقلين مالياً يعيشون على الفساد والعنف وابتزاز الأموال، ولا يتلقون الأوامر في أغلب الأحوال من دمشق. سوف تكون إعادة إعمار البلاد صعبة للغاية. ويجدر التأكيد، في هذا المقام، أن سوريا هي الدولة الوحيدة الحليفة لإيران في الشرق الأوسط.

 

علامات:
تحميل المزيد