صناديق الانتخابات حرقت، وعملية الفرز اليدوي أصبحت مستحيلة.. فهل تحولت العملية الديمقراطية في العراق إلى كارثة؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/12 الساعة 18:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/12 الساعة 18:59 بتوقيت غرينتش

اندلعت  النيران في عدد من صناديق الاقتراع في بغداد، وهو ما يعد نهاية مأساوية لانتخابات دارت في ظروف سيئة. وعلى الرغم من أن إجراء انتخابات جديدة في ظل هذه الظروف أصبح أمراً حتمياً، إلا أن ذلك قد يؤدي في الآن نفسه إلى تقسيم البلاد، بحسب ما ذكره موقع Deutsche Welle الألماني.

عندما كان الدخان يتصاعد بكثافة من إحدى مخازن صناديق الاقتراع في مدينة بغداد، كان الأهالي المطلعون على الشأن السياسي على يقين بأن جزءاً كبيراً من الأصوات، التي تم الإدلاء بها خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي انعقدت في منتصف شهر مايو/أيار الماضي، لن يُعاد فرزها بعد أن التهمت النيران جزءاً كبيراً من صناديق الاقتراع.

منذ أسابيع، قدمت الأطراف الخاسرة في الانتخابات طعناً في النتائج، مما دفع بها إلى الدعوة لإجراء انتخابات جديدة، كما تواترت الشائعات، في الآونة الأخيرة، بشأن تزوير الانتخابات. ورداً على ذلك، صوت البرلمان العراقي خلال الأسبوع الماضي لصالح إعادة فرز الأصوات، وهو أمر بات مستبعداً بعد اندلاع الحريق مؤخراً.

هل كان الحريق جريمة مدبرة؟

لسائل أن يسأل؛ هل كان الحريق صدفة مأساوية؟ في الحقيقة، لا يعتقد سياسيون عراقيون أن هذا الحريق مجرد صدفة، وهو ما أكده رئيس مجلس النواب العراقي، سليم الجبوري، حين قال إن "الحريق يعتبر جريمة متعمدة ومدبرة تهدف إلى التغطية على الاحتيال والتلاعب الذي شاب نتائج الانتخابات".

وبالنظر إلى أنه خسر منصبه على ضوء هذه النتائج، دعا الجبوري إلى إجراء انتخابات جديدة في أعقاب اندلاع الحريق. وأضاف الجبوري أنه "يجب إعادة إجراء الانتخابات من جديد". من جانبه، أكد عضو البرلمان العراقي، عبد الهادي السعداوي، أن الحريق متعمد.

في الواقع، يعتبر حريق مخزن صناديق الاقتراع إحدى نتائج عملية انتخابية دارت في ظروف سيئة، إذ صرح رئيس مكتب مؤسسة كونراد أديناور في سوريا والعراق، نيلس فورمر، أن "الانتخابات البرلمانية العراقية كانت مخيبة للآمال بعد أن تبين أن نسبة الإقبال على مكاتب الاقتراع كانت ضعيفة".

وتابع فورمر أنه "بعد نجاح العراق في القضاء على تنظيم الدولة، لم يقصد عدد كبير من العراقيين مكاتب الاقتراع نظراً لأنهم لم يدركوا أهمية الاستحقاق الانتخابي على خلفية فقدانهم الثقة في كافة الوجوه السياسية التي سيّرت دواليب الدولة. فمن وجهة نظر طيف واسع من الشعب العراقي، لا يمكن للأطراف التي فشلت في التصدي للفساد المتفشي في البلاد أن تتولى مناصب حساسة مجدداً".

تحذيرات من قيام حرب أهلية

جاء اندلاع الحريق في مخزن صناديق الاقتراع في الوقت الذي بلغ فيه انعدام الثقة بين مختلف الأحزاب السياسية المشتركة في الصراع الانتخابي ذروته. وتحيل الكثير من المؤشرات إلى أن نظام التصويت الإلكتروني، الذي بدا مُحصّنا ضد أي إمكانية للتزوير، كان محل تلاعب من قبل بعض الأطراف.

وفي خضم الوضع الراهن، قد تزيد الانتخابات الجديدة المناخ السياسي توتراً. فمنذ أيام، حذّر رئيس الإدارة الانتخابية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية، رياض البدران، من قيام حرب أهلية في صورة إلغاء نتائج الانتخابات. تجدر الإشارة إلى أنه خلال شهر مايو/أيار الماضي، استبعد البدران إمكانية إلغاء هذه النتائج.

من جهته، أكد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أن إعادة فرز الأصوات قد تجعل الفوضى تعم البلاد. وفي وقت لاحق، رجح العبادي احتمال التلاعب بأصوات الناخبين.

المجال مفتوح أمام نظرية المؤامرة

أوضح رئيس مكتب مؤسسة كونراد أديناور، نيلس فورمر، أنه "بغض النظر عن الدعوة إلى عقد انتخابات جديدة، قد يؤدي الحريق الذي شبّ في مخزن صناديق الاقتراع إلى احتدام الخلاف بين أنصار مختلف الأحزاب العراقية. وقد تتحول الانتخابات البرلمانية العراقية برمتها إلى كارثة خاصة بعد أن أصبحت عملية إعادة فرز الأصوات يدوياً أمراً مستحيلاً. وعلى ضوء هذه المعطيات، قد يصبح المجال مفتوحاً أمام نظرية المؤامرة وتراشق الاتهامات بين مختلف الأطراف السياسية، الأمر الذي من شأنه أن يجعل المستقبل السياسي للعراق على المحك".

بناء على ذلك، يرى الموقع الألماني أن الانتخابات قد تفضي إلى تعميق الهوّة بين الشعب العراقي وطيف واسع من السياسيين. وقبل إجراء الانتخابات، أكدت الأحزاب السنية أنها غير جاهزة للاستحقاق الانتخابي نظراً لأنها تفتقر للشخصيات السياسية القادرة على الترشح. وفي ظل هذه الظروف، اضطر العراقيون، وخاصة الشباب منهم، للتصويت لفائدة الوجوه السياسية القديمة، التي سيرت دواليب الدولة في السابق ولم تنجح سوى في تقسيم البلاد على أسس دينية.

من جهته، يرى الشباب العراقي أن القضاء على الطائفية يمثل الطريق الوحيد نحو الازدهار الاقتصادي في البلاد، الأمر الذي يعد شرطاً أساسياً لرسم مستقبل الشباب وبلوغ طموحاتهم على غرار الزواج وتكوين عائلة، فضلاً عن تحقيق الاستقلال السياسي.

"توظيف آليات قديمة للغش مجدداً"

عجّلت آمال الشباب بإجراء انتخابات فاشلة. وقد أوضح نيلس فورمر أنه "في حال تقرر إجراء انتخابات جديدة، فيجب تنظيمها بشكل مختلف هذه المرة. كما من الضروري أن تشهد هذه الانتخابات إقبالاً مكثفاً من قبل العراقيين. وفي حال تحصل 50% من المواطنين الذي يحق لهم الانتخاب على بطاقة ناخب وقصد نصفهم مكاتب الاقتراع، فستكون نتائج الانتخابات القادمة أفضل".

وأضاف فورمر أن  "الانتخابات البرلمانية القادمة يجب أن تدور في مناخ أكثر شفافية وبعيداً عن كل شبهة تزوير. وفي حال أُجريت الانتخابات على الشاكلة ذاتها، فمن المحتمل أن تشهد توظيف نفس الآليات، التي من شأنها أن تؤدي إلى تزوير النتائج مجدداً".

 

 

 

تحميل المزيد