ستعزز الاستقرار المالي للحكومة الجديدة لكنها ليست الحل.. هل هناك ثمن دفعه الأردن مقابل المساعدات الخليجية؟

أن ضجَّت شوارع العاصمة الأردنية باحتجاجات غير مسبوقة، ينشغل بال الأردنيين الآن بالتساؤل حيال المساعدات المالية التي تلقَّتها عمان

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/12 الساعة 09:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/12 الساعة 09:45 بتوقيت غرينتش

بعد أن ضجَّت شوارع العاصمة الأردنية باحتجاجات غير مسبوقة، ينشغل بال الأردنيين الآن بالتساؤل حيال المساعدات المالية التي تلقَّتها عمان عقب اجتماع مكة المكرمة، الذي شاركت فيه 3 دول خليجية، هي السعودية والكويت والإمارات.

الاجتماع الخليجي الأردني، جاء بعد الاحتجاجات التي استمرَّت لأيام في الشارع الأردني ضد قانون ضريبة الدخل، وضد النهج الاقتصادي للحكومات المتعاقبة، والتي اعتمدت على جيب المواطن ورفع الأسعار، ما كان سبباً في تداعي تلك الدول الثلاث، لتقديم حزمة من المساعدات الاقتصادية للأردن، وصل إجمالي مبالغها إلى 2.5 مليار دولار أميركي.

حزمة المساعدات تتمثل في وديعة في البنك المركزي الأردني، وضمانات للبنك الدولي لمصلحة الأردن، ودعم سنوي لميزانية الحكومة الأردنية لمدة 5 سنوات، بالإضافة إلى تمويل من صناديق التنمية لمشاريع إنمائية.

أسباب الهبة الخليجية الثلاثية

ويبدو أن الخشية من "شيوع الفوضى في الأردن" عقب الاحتجاجات الواسعة، التي لم تهدأ حتى خلال شهر رمضان، والخوف من أن تلك الفوضى وحالة عدم الاستقرار "قد تنتقل لدول الخليج"، كانت سبباً فيما يصفه الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي، في هذه الهبة لمساعدة الأردن اقتصادياً.

وأوضح الرنتاوي لـ"عربي بوست"، أن أحد الأسباب المهمة أيضاً هو الخشية من ألا يجد الأردن بديلاً في أزمته الاقتصادية سوى الانفتاح على محاور أخرى، مثل: قطر وإيران وتركيا، وتلك الدول الخليجية لا ترغب من الجانب الأردني الاقتراب منها.

الخبير الاقتصادي حسام عايش يبدو متوافقاً مع طرح الرنتاوي في أسباب التداعي، قائلاً إن المشكلات بالأردن ستؤثر على القدرة على تطبيق الاستقرار في دول الخليج، التي تقف على حدود دول مضطربة، مضيفاً: "الأنظمة الملكية تتداعى عادة للمساعدة عندما تتعرَّض أو تمرّ إحدى الدول بظروف استثنائية وطارئة".

المنحة ومساعدة الاقتصاد في الاستقرار

ويطرح على الساحة الأردنية حالياً سؤال مشروع بخصوص تلك المبالغ المالية، إن كانت حقيقية تشكل حلاً للأزمة الاقتصادية، بحيث تنهي حالة رفع الأسعار وفرض الضرائب والاعتماد على جيب المواطن.

ويقارن خبراء الاقتصاد بين ظروف تلك المساعدة، والمساعدات التي قدمت إبان فترة الربيع العربي للأردن؛ باعتبار أن تلك المبالغ التي قدمت مؤخراً ما هي إلا مبالغ متواضعة، فضلاً عن الظروف التي قدمت فيها تلك المبالغ.

وفق عايش، فإن ظروف المنحة السابقة كان اللجوء السوري في بداياته، ولم يكن الوضع المعيشي بتلك الصعوبة كما هو الآن؛ فالنمو الاقتصادي أقل والضرائب والديون وحالة الفقر والفقر العابر في مستويات مرتفعة.

ويؤكد عايش، أن تلك المساعدات المالية وإن اختلفت ظروفها، لكنها في حدها الأدنى ستحمل فائدة.

وحول ما إذا كانت تلك المساعدات هي المطلوبة للاقتصاد الأردني، يوضح عايش أن "المساعدات مؤقتة ومسكنة للأوضاع، لكنها ليست بديلاً عن الحاجة لحلول اقتصادية"، فضلاً عن أن تلك المساعدات جاءت أقل من توقعات المراقبين، "هي مبالغ متواضعة".

في حين أن مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية أحمد عوض يعتقد أن الجزء الكبير من مشكلة الأردن الاقتصادية لا علاقة له بالمساعدات المالية، بقدر علاقتها بكيفية إدارة الدولة وإدارة الخيارات والسياسات الاقتصادية، والنهج الحكومي الاقتصادي.

وأضاف أنه لا علاقة لتلك المساعدات بالسياسات التقشفية ولا فرض الضرائب أو بتوقيع اتفاقيات تجارة حرة، أو بالإنفاق على الصحة والتعليم، مستدركاً "المساعدات ستساعد في الاستقرار المالي للحكومة الجديدة، لكنها تحتاج لإعادة النظر بالنهج الاقتصادي وبناء السياسات والخيارات الاقتصادية، التي تحدث عنها الملك عبدالله الثاني في كتاب التكليف لحكومة عمر الرزاز".

ويتوافق عايش مع المطروح؛ إذ إن تلك المساعدات لن تكون بديلاً حقيقياً عن قيام الأردن بتلمس مشكلاته الاقتصادية، وإرادة في وضع البرامج ومحاربة هدر المال العام، ومراجعة الموازنة العامة للدولة، ودمج المؤسسات المستقلة على نحو يوفر مبالغ مالية تصل لمليار ونصف المليار دينار.

ما قيمة ما يحتاجه الأردن لإصلاح اقتصاده؟

يصعب -وفق عايش- الحديث عن رقم محدد بشأن الأزمة الاقتصادية في الأردن، ويتساءل: أزمة ماذا؟ هل هي أزمة الديون؟

يشرح أن حجم الدين يبلغ 27.7% مليار دينار، وهو يقترب من حجم الناتج الإجمالي الأردني، متسائلاً "هل يمكن أن تساعد الدول الخليجية بسداد تلك الديون؟".

وأجاب هو بنفسه عن السؤال "أمر صعب"، لكنه استدرك "لماذا لا تسدد دول الخليج الديون الخارجية على الأردن، والتي تشكل ما نسبته 39% من إجمالي المديونية العامة، بدل أن يكون الأردن أمام الدائن الدولي الذي يفرض شروطه على البلاد؟".

انعكاسات المساعدات الخليجية على الحكومة الجديدة

يقر عوض أن تلك المساعدات الخليجية ستعزز الاستقرار المالي للحكومة الجديدة، "المساعدات ستسمح للحكومة الجديدة بانطلاقة هادئة دون ضغوط جديدة، ودون رفع ضرائب أو أسعار بحجم الحكومات السابقة".

ويضيف عايش، ستسمح تلك المساعدات أيضاً للحكومة بالحصول على قروض من الجهات المالية الدولية بأسعار ونسب فائدة أفضل، كونها ستذهب بضمانات من تلك المساعدة الخليجية.

هل من تنازلات مقابل المساعدة الخليجية؟

يخشى مراقبون من أن تكون تلك المساعدات الخليجية قدمت مقابل تنازلات حيال قضايا ومواقف وملفات ذات أهمية لدى الجانب الأردني، وتحديداً الوصاية على المسجد الأقصى والقدس.

هذا الأمر ينفيه الرنتاوي، فيقول إن حجم تلك المساعدات والهبات المالية متواضع، ستذهب منها ضمانات لصندوق النقد الدولي، ورعاية المسجد الأقصى والقدس ليست سلعة، يجري التفاوض عليها بثمن بخس.

ويؤكد أن مثل ذاك الطرح غير وارد على الساحة وغير مطروح للنقاش، ولا يجرؤ أحد لطرحه.

عايش يؤكد أيضاً أن حجم المساعدات لا يرتقي ثمناً لمواقف سياسية في الأردن، لكن ثمة من يربط الأمر بصفقة القرن، لافتاً أنه في حال وجدت الصفقة، فإن ما يسمع ما هو إلا مجرد كلام إعلامي لم يصدر بشأنه أي بيان رسمي من أي جهة يتعلق بأية تفاصيل بخصوص تلك الصفقة، ما هي وما سيبنى عليها من تغيرات بالمنطقة.

تحميل المزيد