The New York Times: كيف انهارت علاقات ترمب بقادة مجموعة السبع الكبرى “من 10 إلى 0” في ساعات قليلة؟!

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/10 الساعة 14:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/10 الساعة 14:04 بتوقيت غرينتش
U.S. President Donald Trump and Managing Director of the International Monetary Fund Christine Lagarde attend a G7 and Gender Equality Advisory Council meeting as part of a G7 summit in the Charlevoix city of La Malbaie, Quebec, Canada, June 9, 2018. REUTERS/Yves Herman

قبيل مغادرته القمة السنوية لمجموعة الدول السبع الكبرى، السبت 9 يونيو/حزيران 2018، تباهى الرئيس الأميركي، دونالد ترمب بأنَّه كان اجتماعاً "ناجحاً جداً"، وأنَّه على مقياس من 0 إلى 10، فإنَّ العلاقة مع قادة المجموعة "تبلغ مستوى 10".

لكن بعد أقل من 9 ساعات، كانت العلاقة تنهار باتجاه الصفر، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times، نشر الأحد 10 يونيو/حزيران.

فعبر عاصفةٍ من التغريدات الحادة من على متن طائرة الرئاسة، نسف ترمب تقريباً مجموعة السبع التي قادتها بلاده لأكثر من أربعة عقود، وأعلن تقريباً حرباً سياسية مفتوحة على أقرب حلفاء أميركا.

وأياً كانت الآمال التي كانت تحدو القادة الآخرين بمسايرة ترمب، ورأب الخلافات المتسعة بخصوص التجارة والأمن والنظام العالمي، فإنَّها تلاشت في خضم موجة من الاتهامات والاتهامات المضادة القاسية، ترى الصحيفة.

انهيار التوافق على البيان الختامي

يشير التقرير أن رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، رفض في تصريحاتٍ علنية، وبجفاءٍ، مواقف ترمب، ما دفع الأخير إلى رفض التوقيع على البيان الختامي للقمة الذي صيغ بعناية.

هذا الغضب والحدة ترك الولايات المتحدة أبعد عن حلفائها مما كانت عند دخولها اجتماع القمة، وجاء فيما كان ترمب متجهاً إلى سنغافورة، في وقتٍ أسبق مما كان مُقرَّراً في الأصل، من أجل لقاءٍ محفوف بالمخاطر مع عدوٍ أميركي مسلح نووياً، كيم جونغ أون، الزعيم القمعي لكوريا الشمالية.

وتنقل الصحيفة عن بيتر ويستماكوت، السفير البريطاني السابق لدى واشنطن، قوله: "ترمب مستعدٌ للتغاضي عن البلدان التي تُشكِّل تهديداً حقيقياً للقيم والأمن الغربيين أكثر من استعداده للأمر نفسه مع حلفاء أميركا التقليديين. إن كان هناك "غرضٌ عقلاني لما يقوم به"، وهنا نستعير التعبير الشهير لوزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، فإنَّه حالياً ليس ظاهراً البتة".

وفي اليومين اللذين قضاهما في كندا، تبادل ترمب ونظراؤه من مجموعة السبع المصافحات، وابتسموا أمام الكاميرات وتظاهروا كما لو كانوا أصدقاء. وأصرَّ مسؤولو البيت الأبيض على أنَّ اللقاءات كانت متآلفة. وعانى المفاوضون للتوصل إلى بيانٍ توافقي يمكن أن توافق عليه الدول السبع، وأُصدِر مساء أمس السبت 9 يونيو/حزيران في تعبيرٍ عن التهدئة.

لكن كما أوضحت الآثار بعد ذلك، لا يمكن جَسر الهوة بالدبلوماسية الماهرة ونقاط الحوار الودية، في الوقت الراهن على الأقل. إنَّ نظرة ترمب إلى العالم، ولأقدم وأهم شركاء بلاده، غارقة في الشكوك والمظالم لدرجة أنَّه لم يستطع مقاومة رغباته الصدامية حتى ليومٍ واحد.

إهانات ترمب لـ"ترودو"!

تركت إهانات ترمب الصريحة التي وجَّهَها لترودو بعد القمة على تويتر –بأنَّه "ضعيف ومخادع" و"تصريحاته مغلوطة" و"خنوع وغير قوي"- العلاقات الكندية الأميركية في أكثر حالاتها العدائية وضوحاً منذ حرب العام 1812 ربما. وبالفعل، كان ترمب قد تصادم بالفعل مع كندا قبل لقاء القمة عبر ما أفادت تقارير بأنَّه اتهامها بحرق البيت الأبيض أثناء تلك الحرب (في الحقيقة كانت بريطانيا هي مَن أحرقه).

ويبدو أنَّ ترمب غير منزعج من حالة النبذ تلك، جاعلاً حجته أنَّ الولايات المتحدة سمحت لسنواتٍ طويلة بأن تُحرِّكها القوى الأجنبية التي استغلتها. وبطريقةٍ ما، يعتبر الانتقادات الواردة من الخارج كوسام شرف ودليل على أنَّه يُمثِّل أفضل مصالح الولايات المتحدة. ويُهلِّل مناصروه لموقفه العدواني على الساحة الدولية.

وكان ترمب قد أوضح بالفعل قبل قمة مجموعة السبع أنَّه لا نية لديه لإعادة النظر في موقفه بشأن التغير المناخي أو إيران. ورفض تخفيف التعريفة الجمركية على الحديد والألومونيوم التي فرضها للتو على أوروبا وكندا، مُجادِلاً بأنَّ الحلفاء تعاملوا مع الولايات بصورة جائرة.

واعترف لاري كودلو، مدير المجلس الاقتصادي الوطني لترمب، في مرحلة ما في لقاء القمة بأنَّ "هناك اختلافات. وبسؤالي عن وجهة نظري، فبإمكاننا تجاوزها"، بحسب The New York Times.

لكن لم يتجاوزها أحد في عطلة نهاية هذا الأسبوع. إذ أشار ترمب إلى تأنُّفه من لقاء مجموعة السبع بوصوله متأخراً ومغادرته باكراً. ووفقاً لمسؤولٍ أوروبي، جال ترمب في أثناء اللقاءات المغلقة التي جرت يوم الجمعة 8 يونيو/حزيران في أنحاء القاعة، وسرد الطرق التي أساءت كل دولة من الدول الحاضرة معاملة الولايات المتحدة بطريقةٍ أو بأخرى.

لحظات ما قبل "ثوران" ترمب

وقبل ساعاتٍ فقط من ثوران ترمب، قال مسؤولٌ كبير في الإدارة الأميركية إنَّ اللقاءات كانت خلافية بدرجة أقل مما صُوِّر، وإنَّ الجلسة مع ترودو على وجه التحديد كانت أفضل كثيراً مما كان متوقعاً. وتكهن المسؤول، الذي أصر على عدم الكشف عن هويته من أجل الحديث عن النقاشات المغلقة، بأن توقع الولايات المتحدة على البيان الختامي للقمة.

لكن من الواضح أنَّ ترمب، في طريقه إلى سنغافورة، شاهد أو أُطلِع على مؤتمرٍ صحفي عقده ترودو بعد ذلك وأثار استيائه الدفاع الكندي ضد سياسات بلاده التجارية.

وحتى قبل ذلك، كان ترمب قد ترك نفسه منعزلاً في الدورة السنوية. وبمغادرته قبل النهاية، تجاهل الجلسات المتعلقة بالتغير المناخي، والمحيطات، والطاقة النظيمة، متنازلاً بذلك ليس فقط عن قيادة أميركا في تلك الموضوعات، بل تنازل أيضاً عن مقعدها ذاته على الطاولة.

ملف "إعادة روسيا"

ودعا ترمب الجمعة، دون سابق إنذار، إلى إعادة روسيا كعضو في المجموعة دون الإصرار على أيٍ من الشروط التي يطالب بها الغرب من حيث إنهاء التدخل في أوكرانيا.

وكرَّر ترمب النقطة مرة أخرى السبت، مُوضِحاً أنَّ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم لا يجب أن يحول دون ذلك. وقال: "تم ذلك منذ فترة طويلة. وأُفضِّل أن أرى روسيا في مجموعة الثماني، بدلاً من مجموعة السبع. وأقول إنَّ مجموعة الثماني هي مجموعة مفيدة أكثر من مجموعة السبع بكل تأكيد".

ولم يختلف ترمب مع حلفاء أميركا فقط، ترى الصحيفة، بل ومع الكثيرين في داخل إدارته أيضاً. فحتى في الوقت الذي كان يصطدم فيه مع القادة الأوروبيين الجمعة حول عودة روسيا إلى مجموعة السبع، كان مديره للاستخبارات الوطنية يلقي خطاباً في فرنسا يدين فيه سلوك موسكو الخبيث، وحذَّر من السماح لها بالتفريق بين الحلفاء.

ولخَّص دان كوتس، مُتحدِّثاً في مؤتمرٍ بمنطقة نورماندي، سلسلةً من الأفعال المُضرة التي قامت بها روسيا إلى جانب ضمها للقرم، بما في ذلك مساعيها للتدخل في الانتخابات الأميركية والأوروبية، وتسميم جاسوس روسي سابق وابنته يعيشان في بريطانيا.

وقال كوتس، وفقاً لتصريحات مُعدَّة سلفاً: "تلك الأفعال الروسية لها أهداف ومُتعمَّدة وتُمثِّل هجوماً شاملاً من جانب فلاديمير بوتين على سيادة القانون، والمُثُل الغربية، والمعايير الديمقراطية. إنَّ أفعاله تُظهِر أنَّه يسعى لزرع الانقسامات داخل وبين أولئك الملتزمين بالمعايير الديمقراطية في الغرب".

وأضاف كوتس أنَّ "الروس يسعون بفاعليةٍ لتقسيم تحالفنا، وعلينا ألا ندع ذلك يحدث".

وقال بعض خبراء السياسة الخارجية إنَّ ترمب كان لديه هدفٌ من إعادة روسيا إلى الطاولة مع مجموعة السبع. إذ قال جيريمي شابيرو، وهو مسؤولٌ سابق بوزارة الخارجية الأميركية وناقد للرئيس ترمب، إنَّ الرئيس "يفعل شيئاً صحيحاً بين الفينة والأخرى". وقال إنَّ انهيار علاقة الغرب مع روسيا ينبع من عدم الاعتراف بوضعية روسيا المشروعة في العالم.

وأضاف شابيرو، الذي يعمل الآن مديراً للأبحاث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومقره لندن: "مجموعة السبع ومجموعة الثماني مثالٌ كبير على ذلك. فالسماح بإدخال الروس ضمن المجموعة كان أمراً جللاً، وطردهم منها كان أمراً جللاً. علينا أن نتجاوز فكرة أنَّ الذهاب إلى هذه الاجتماعات يمثل مكافأة من نوعٍ ما".

لكنَّ مولي مكيو، وهي خبيرة إستراتيجية في السياسة الخارجية عملت مستشارةً للجمهوريتين السوفيتيتين السابقتين جورجيا ومولدوفا أثناء صراعهما مع موسكو، قالت إنَّ طرد روسيا من مجموعة الثمانية عَكَسَ "شعوراً بالوحدة" في الغرب، وهو الشعور الذي تآكل منذ انتخاب ترمب، ما شجَّع بعض الدول الأوروبية على الرغبة في العودة لممارسة الأعمال مع روسيا.

وقالت مولي: "فيما تصبح أميركا ترمب معزولةً على نحوٍ متزايد ويُنظَر إليها باعتبارها فاعلاً مارقاً، يستغل الكرملين مجدداً "الانفتاح الاقتصادي" لشراء الصمت على جرائمه في أوكرانيا وسوريا وغيرهما، حتى وهو يهاجم مجتمعاتنا".

قد يكون هذا صحيحاً على المدى الطويل. لكن في الوقت الراهن، وحَّدَت تصرُّفات ترمب الحلفاء ضد الولايات المتحدة، ليس فقط بسبب السياسة، لكن أيضاً بسبب الأسلوب الشخصي الذي حيَّر وأحياناً أثار حنق نظرائه، الذين لا يعرفون أبداً ماذا يتوقَّعون منه.

قد تكون أعز أصدقائه اليوم وألد أعدائه غداً!

تنقل الصحيفة الأميركية عن مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، قوله: "قد تكون أعز أصدقائه يوم الإثنين، وأسوأ أعدائه يوم الثلاثاء، وبحلول يوم الجمعة تكون مجدداً رفيقه في لعب الغولف".

وعانت مجموعة الدول السبع للتوصُّل إلى توافقٍ من أجل بيانٍ مشترك يمكن أن يُوقِّعه ترمب. ورفض الوفد الأميركي إدراج العبارة القياسية "النظام الدولي القائم على القواعد"، فقط ليتراجع عن ذلك في المباحثات الأخيرة. لكن المفاوضات ذهبت هباءً بعدما رفض ترمب التوقيع.

قال ديمون ويلسون، وهو مساعدٌ سابق للأمن القومي للرئيس جورج بوش الابن ويشغل الآن منصب نائب رئيس المجلس الأطلسي الذي يدعو إلى التعاون بين ضفتي المحيط الأطلسي: "مجموعة السبع يجب أن تكون المكان المفضل لدينا لتوحيد العالم الحر من أجل منافسة نظم حكم اللصوص (الكليبتوقراطية) الاستبدادية والتصدي لها. لكن بدلاً من الاستعداد للمعركة الحقيقية، نتشتت في نزاعٍ بيني".

 

تحميل المزيد