سوق سوداء رغم وجودها في سوريا إلا أنها تُقلق ألمانيا.. أبطالها لاجئون عادوا لبلدهم بعدما عثروا على وثائق رسمية

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/09 الساعة 14:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/09 الساعة 14:05 بتوقيت غرينتش

"هل أنت مهتم بشراء المئات من بطاقات الهوية الشرعية التي صدرت للاجئين السوريين في ألمانيا الذين عادوا مؤخراً إلى ديارهم في سوريا؟"، وصل هذا العرض لأحد العاملين في موقع Buzz Feed News الإخباري عبر رسالة على موقع فيسبوك Facebook.

ولم يدرك البائع أن المشتري المُحتمل كان صحفياً، ولكن يبدو أنه لم يهتم كثيراً عندما تم إبلاغه. فقد وصف بشكل صريح مصدر البطاقات، موضحاً أن مئات اللاجئين السوريين قد تخلوا عن محاولة بدء حياة جديدة في ألمانيا، وعادوا إلى ديارهم، ووجدوا سوقاً سوداء مزدهرة لتلك الوثائق في تركيا وسوريا، وفقاً لما ذكره موقع Buzz Feed، الجمعة 8 يونيو/حزيران 2018.

وأشار الموقع إلى أن لاجئين سوريين غالباً ما يبيعون أوراقهم الألمانية لنفس المهربين الذين ساعدوهم على الفرار إلى أوروبا في المقام الأول.

ألمانيا قلقة منهم

ويُمثل ذلك طريقة سريعة للحصول على المال، فقد مُنِح أكثر من 500 ألف لاجئ في السنوات الأخيرة مجموعة من الوثائق الألمانية، تختلف ما بين بطاقات اللاجئين وجوازات السفر.

لكن ذلك يمثل أيضاً مصدر إزعاج وخطر محتمل بالنسبة للمسؤولين الأوروبيين، الذين يشعرون بالقلق من أن سهولة الوصول إلى مثل هذه الوثائق القانونية سارية المفعول يُمكن أن تسمح لمسلحين محتملين بالتسلل إلى أوروبا تحت هويات مفترضة، دون إجراء عمليات التحقق والتحريات التي تنطبق عادة على المهاجرين من الشرق الأوسط.

ونقل موقع Buzz Feed عن أحد مسؤولي مكافحة الإرهاب الأوروبيين من أصل غير ألماني، طلب عدم ذكر اسمه، قوله: "لا يُمكن تجنب حدوث ذلك، فهو أمر حتمي إلى حد ما، وقد علم الجميع ذلك منذ عام 2015″، عندما وصل أكبر عدد من اللاجئين إلى أوروبا.

وعلى الرغم من أن ذلك لم يكن مفاجئاً، فقد قال المسؤول، إن النتائج المُحتملة تبعث على القلق – رغم أن الهيئة التابع لها والهيئات الأخرى لا ترغب حتى الآن في دقّ ناقوس الخطر خوفاً من زيادة السياسة المشحونة بالفعل التي تحيط ببرنامج إعادة التوطين في ألمانيا.

وأردف قائلاً: "يتعيّن علينا مراقبة هذا الأمر عن كثب حتى لا يُستغل من قبل إرهابيين يأملون في الوصول إلى أوروبا. لكننا أيضاً لا نريد أن نسبب المزيد من العوائق للألمان من خلال التصرف على أنه سلوك متطرف يفرض علينا إعادة تقييم برنامج إعادة التوطين".

وقد اعترف مسؤولون من الشرطة والمخابرات الألمانية سراً بوجود تلك الوثائق، لكنهم رفضوا مناقشتها بشكل علني.

المسلحون يبحثون عن مثل هذه الوثائق

وبحسب موقع Buzz Feed فإن عدد الوثائق المتوفرة في السوق السوداء في تركيا وسوريا غير معروف بالتحديد، فيما يعتقد المسؤول الأوروبي أن الأعداد منخفضة حتى الآن – وليست كبيرة بما يكفي لاعتبار تواجدها بمثابة فشل في السياسة الألمانية، على حد قوله.

وأضاف "لقد كان من الممكن التنبؤ بذلك تماماً، إِذْ أن الفقراء والأشخاص الذين يشعرون باليأس الذين فروا من ويلات الحروب الفظيعة لن يتبعوا القواعد بشكل كامل".

ومع ذلك، فإن تواجد هذه الوثائق سارية المفعول في السوق السوداء، قد يُسهل على أعضاء المليشيات المشتبه بهم من الشرق الأوسط، أو أولئك المقاتلين الذين يريدون العودة إلى بلدانهم بعبور أوروبا من خلال الهويات المزيفة.

ووفقاً لما قاله المسؤول في إدارة مكافحة الإرهاب" "لن يحتاج المقاتلون المشتبه بهم أو المطلوبون من هذه الأوراق أن تؤدي دورها سوى لمرة واحدة فقط عبر معبر حدودي واحد إلى إحدى دول منطقة الشنغن"، مُشيراً إلى المنطقة التي تضم 26 دولة أوروبية لا تتطلب تأشيرة ولا جواز سفر للسفر بينهم.

وسبق أن استغل معظم أعضاء خلية باريس-بروكسل الذين نفذوا هجمات باريس في عام 2015 وبروكسل في عام 2016، الهجرة الجماعية للاجئين لإخفاء هوياتهم ــ علماً بأن العديد منهم كانوا معروفين لدى أجهزة الاستخبارات الأوروبية ــ لكن لم تظهر أي إشارات عامة بأن المليشيات المسلحة حاولوا استغلال هذا النظام منذ ذلك الحين.

أمر مربح!

ويُعد عدد السوريين الرسمي الذين قبلوا عرض المساعدة الذي قدمته الحكومة الألمانية للعودة إلى سوريا صغيراً ــ إذ أن الإحصاءات التي قدمتها الحكومة تقدر العدد بحوالي 500 شخص ــ لكن من الصعب معرفة العدد الحقيقي، لأنه وفقاً للمقابلات التي أجريت مع المهربين واللاجئين، يعود العديد منهم إلى سوريا دون إخبار ألمانيا حتى يحتفظوا بإمكانية العودة إلى أوروبا مجدداً. وليس هناك آلية لاستعادة الوثائق من السوريين عند عودتهم إلى وطنهم.

وأشار تقرير داخلي صدر عن الشرطة الاتحادية الألمانية نشرته مجلة دير شبيغل Der Spiegel الألمانية إلى أنه حتى منتصف عام 2018 أصدرت 579,184 وثيقة هوية للاجئين الذين يُقدر عددهم بنحو 800 ألف طالب لجوء، وأنه في عام 2016 كان هناك 440 حالة استخدم فيها اللاجئون هوية شخص آخر للدخول إلى ألمانيا. وارتفع هذا العدد في عام 2017 إلى 554 حالة.

وفقاً لما ذكره المهربون فإن بيع هذه الوثائق يُمكن أن يكون أمراً مربحاً للغاية بالنسبة للسوريين العائدين إلى ديارهم، لكن الأمر يعتمد على مدى صعوبة الحصول على تلك الوثيقة أو عدد الوثائق المنفصلة التي مُنحت للاجئ.

ويُمكن أن تُباع بطاقات الهوية الخاصة باللاجئين التي بدأت ألمانيا بإصدارها لكل اللاجئين السوريين الوافدين ابتداء من ديسمبر/كانون الأول عام 2015 والتي تسمح لهم بالسفر عبر أوروبا والتقدم للحصول على السكن والدعم المالي، بمبلغ يعادل 175 دولاراً عند بيعها لمهرب في تركيا.

ويرتفع السعر مقابل كل وثيقة إضافية، حيث حقق جواز السفر الألماني الساري أعلى سعر، وقد قال أحد المهربين من إسطنبول، يعمل مع السوريين الذين يعيشون في كل من تركيا وسوريا: "كلما كان بالإمكان استخدام جواز السفر لإصدار عدد أكبر من الوثائق مثل بطاقة صحية وبطاقة مصرفية وبطاقة هوية ألمانية ورخصة قيادة زادت قوة وقيمة جواز السفر هذا".

وأردف المهرب قائلاً إنه على "استعداد لدفع ما يقرب من 600 دولار لسوري عائد مقابل جواز سفر ساري المفعول، و175 دولاراً لكل من الوثائق الأخرى التي تدعم تلك الهوية. ثم يعيد بيع تلك الوثائق لأي شخص راغب في دفع ثمنها ــ مقابل 2,300 دولار لجواز السفر الذي لا يتطلب أي تعديلات".

ويضيف: "هذا إذا وجدنا شخصاً يبدو شبيهاً بالشخص الذي في الصورة، أما إذا كنا بحاجة لتغيير الصورة ينخفض السعر".

وثائق تُباع شهرياً

وكشف المهرب أنه باع مئات من الوثائق ويبلغ متوسط مبيعاته حالياً بين سبع إلى عشر وثائق في الشهر، كما أنه لا يطرح العديد من الأسئلة على المشترين حول الغرض الذي يسعون إلى تحقيقه من خلال شراء تلك الوثائق، لكنه أوضح أن معظمهم يبدو أنهم سوريون يأملون في استخدام بطاقة الهوية الخاصة بشخص آخر لتجنب الانتظار الطويل في مخيمات للاجئين خارج ألمانيا.

ومن مفارقات النظام الغريبة أنه يمكن لأي سوري يصل إلى ألمانيا، حتى ولو استخدم وثائق مزيفة، أن يطلب اللجوء.

والجدير بالذكر أن بطاقات الهوية ليست الأشياء الوحيدة التي يُمكن بيعها وبإمكان المهاجرين جلبها معهم حين عودتهم من ألمانيا إلى سوريا.

وفي هذا السياق، قال المهرب: "لاحظت أن معظم الأشخاص الذين قدموا لبيع أوراقهم يعرضون أيضاً هواتف آيفون للبيع. وقد تبين أن هذه الهواتف تم شراؤها على أساس نظام تقسيط لا يتم الوفاء بها بمجرد أن يغادر اللاجئ ألمانيا".

وأضاف: "هاتف الآيفون الجديد من ألمانيا يُباع بمقابل 300 دولار في سوريا، رغم أن معظم السوريين العائدين يحاولون بيعها في تركيا حيث بإمكانهم أن يحصلوا على ضعف الثمن".

علامات:
تحميل المزيد