كشف تحقيق أطلقه نواب جمهوريون عن سعي إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، منح امتيازات مالية لإيران، وهو ما اعتبره النواب محاولةً من إدارة أوباما مساعدة طهران على خرق بنود الاتفاق النووي الذي وُقِّع عام 2015.
وحسب موقع Dailymail البريطاني، فقد سعت إدارة أوباما سراً لمنح إيران إمكانية الوصول -ولو لفترة وجيزة- إلى النظام المالي الأميركي، من خلال التهرب من العقوبات التي ظلت ساريةً بعد إبرام الاتفاق النووي عام 2015، على الرغم من إخبار الكونغرس وعموم الشعب الأميركي، مراراً وتكراراً، بأنها لا تخطط لفعل ذلك.
وذكر الموقع أن التحقيق الذي أطلقه نواب جمهوريون يوم الأربعاء 6 يونيو/حزيران 2018، سلَّط الضوء على التوازن الدقيق الذي سعت إدارة أوباما إلى إرسائه في أعقاب إبرام الاتفاق النووي؛ إذ عملت على ضمان حصول إيران على ما وُعدت به من فوائد بشكل غير مباشر؛ كي لا تصطدم بمعارضي الاتفاق.
ودائع إيرانية في بنوك عُمانية
ويوضح المقال أنه في ظل مناخ سياسي متوتر، ناقش المناوئون لإيران بالولايات المتحدة وإسرائيل وأماكن أخرى كيف كانت الولايات المتحدة تعطي الكثير لطهران، وكيف أن هذه الأموال سوف تُستخدم لتمويل التطرف وغيره من الأنشطة الإيرانية المثيرة للقلق.
وكشف تقرير اللجنة البرلمانية الفرعية الدائمة عما أسفرت عنه التحقيقات، فقد أصدرت وزارة الخزانة الأميركية، خلال رئاسة باراك أوباما في فبراير/شباط 2016، ترخيصاً لم يعلَن عنه من قبلُ، يتيح لإيران تحويل 5.7 مليار دولار قد أودعتها في أحد بنوك عُمان، من الريال العُماني إلى اليورو، من خلال تبديلها أولاً إلى الدولار الأميركي. وفي حال كان البنك العُماني قد سمح بهذا التبديل دون هذا التصريح، فإنه سيكون قد انتهك بذلك العقوبات التي تمنع إيران من إجراء معاملات تمس النظام المالي الأميركي.
وأكد مقال موقع Dailymail أن تلك الجهود لم تنجح؛ لأن البنوك الأميركية -الخائفة من خرق العقوبات الأميركية- أعرضت عن المشاركة. وكشف التقرير أن إدارة أوباما قد تواصلت مع بنكين أميركيَّين لتسهيل عملية التحويل، إلا أن كلا البنكين رفض، متذرعَين بمخاطر السمعة المرتبطة بالتعامل مع أو لصالح إيران.
وقال السيناتور روب بورتمان، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية أوهايو، ورئيس اللجنة الفرعية: "لقد غرَّرت إدارة أوباما بالشعب الأميركي والكونغرس؛ لأنهم كانوا يائسين من التوصل إلى اتفاق مع إيران".
لا يتعارض مع القانون لكنه يتجاوز المطلوب
وذهب الموقع إلى أن إصدار تلك التراخيص لا يتعارض مع القانون، لكنه تعدى ما كان مطلوباً من إدارة أوباما القيام به وفقاً لشروط الاتفاق النووي. فبموجب هذا الاتفاق، تمنح الولايات المتحدة والقوى العالمية مليارات الدولارات من خلال إلغاء العقوبات على إيران، مقابل تعليق الأخيرة برنامجها النووي.
وتناقض ذلك الترخيص الصادر لبنك مسقط بشكل صارخ، مع التصريحات المتكررة الصادرة من البيت الأبيض خلال رئاسة أوباما، ومن وزارتي الخزانة والخارجية خلال فترة حكمه، والتي أنكرت جميعها أن الإدارة كانت بصدد التفكير في السماح لإيران بالوصول إلى النظام المالي الأميركي.
وبعد إبرام الاتفاق النووي في يوليو/تموز من عام 2015 بفترة وجيزة، أكد جاك ليو، وزير الخزانة آنذاك، أنه حتى لو رُفعت العقوبات عن إيران، فإنها "ستظل ممنوعة من الولوج إلى أكبر سوق مالي وتجاري في العالم". بعد ذلك بشهر واحد، أكد آدم سوزبين، أحد أبرز نواب ليو، أنه على الرغم من توقيع الاتفاق النووي، "فسوف تظل إيران ممنوعة من الدخول إلى أهم سوق في العالم، ولن تتمكن من التعامل بأهم عملة في العالم".
ومع ذلك، وبمجرد بدء سريان تخفيف العقوبات في يناير/كانون الثاني لعام 2016، بدأت إيران في التذمر من أنها لم تجنِ الفوائد التي كانت تتوقعها. وتطرقت أحاديث إيران إلى أن العقوبات الأخرى -مثل تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، والإرهاب، وتطوير الصواريخ- تُثني المستثمرين المحتملين والبنوك عن الدخول في شراكات أعمال مع إيران؛ خوفاً من التعرض للعقاب.
وتجدر الإشارة إلى أن النظام المالي العالمي يتشابك بشكل كثيف مع البنوك الأميركية، وهو ما بالكاد يكون مستحيلاً إجراء العديد من المعاملات الدولية دون الاحتكاك بنيويورك بشكل أو بآخر.
رفض مسؤولون سابقون في إدارة أوباما التعليق على هذا الأمر
إلا أنهم أكدوا أن قرار منح هذا الترخيص جاء متماشياً مع روح الاتفاق النووي، والذي تضمَّن السماح لإيران بالوصول إلى الاحتياطات الأجنبية التي كانت مُجمدة بفعل العقوبات. وقالوا إن التصريحات العامة الصادرة عن إدارة أوباما في ذلك الوقت، كانت تهدف إلى دحض تقارير غير صحيحة عن مقترحات غير موجودة، كانت تتحدث عن أمور مُبالغ فيها، من قبيل السماح لإيران بالبيع والشراء باستخدام الدولار.
تحدث المسؤولون السابقون بشرط عدم الكشف عن هويتهم؛ لأن كثيراً منهم لا يزال منخرطاً في مهام تمس الأمن القومي.
خلال فترة تفكير إدارة أوباما في كيفية معالجة شكاوى إيران عام 2016، كشفت تقارير إخبارية لوكالة أسوشييتد برس وغيرها من وسائل الإعلام، أن الولايات المتحدة تفكر في تخفيف مزيد من العقوبات المفروضة على إيران، وضمن ذلك إصدار تراخيص تسمح لها بإتمام معاملات محدودة باستخدام الدولار. عارض نواب ديمقراطيون وجمهوريون ذلك بشدة خلال شتاء وربيع وصيف عام 2016. وحذروا بأنه ما لم تُبدِ طهران استعدادها للتخلي عن المزيد، فلا يجب منح إيران أكثر مما حصلت عليه.
مسودة صلاحيات أوسع لطهران للولوج للسوق المالية
خلال تلك الفترة، قلَّلت إدارة أوباما من شأن تلك المخاوف، وتحدثت بشكل عام عن أهمية أن تفي الولايات المتحدة بالتزاماتها في الاتفاق. ومن جانبه، انتقد جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، ومساعدون بارزون آخرون في جميع أنحاء أوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط محاولة إقناع البنوك والشركات بالدخول في أعمال مع إيران دون انتهاك العقوبات، والتعرض لغرامات مالية كبيرة.
قال ليو بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، في مارس/آذار من عام 2016، دون إبداء أي تفاصيل: "طالما أوفت إيران بتعهداتها في الاتفاق، فمن مسؤوليتنا أن نفي بالتزاماتنا أيضاً على نحو حرفي ومضاميني".
وفي الأسبوع نفسه، ذكرت وكالة أسوشييتد بريس أن وزارة الخزانة قد أعدَّت مسودة ترخيص من شأنها منح إيران صلاحيات أوسع لتحويل أصولها من العملات الأجنبية إلى عملات أسهل في الإنفاق مثل اليورو، أو الين، أو الروبية، من خلال تبديلها أولاً بالدولار في المؤسسات المالية الخارجية.
تضمنت المسودة ترخيصاً عاماً، وهو قرار شامل يسمح بإجراء المعاملات كافة من نوع معين، بدلاً من ترخيص خاص على غرار ترخيص بنك مسقط بسلطنة عُمان، والذي كان يغطي معاملات محددة، ومؤسسات بعينها. يتيح ذلك المُقترح استخدام الدولار في أسواق العملات، بشرط عدم مشاركة بنوك إيرانية، أو ريال إيراني، أو أفراد أو شركات خاضعة للعقوبات، وألا تبدأ هذه المعاملات أو تنتهي بالدولار الأميركي.
لكنَّ إيران وجدت طرقاً أخرى للحصول على أموالها
طمأن مسؤولو إدارة أوباما في ذلك الوقت أعضاء مجلس الشيوخ بأن مثل هذا الترخيص العام لن يحدث. لكن التقرير الصادر عن الأعضاء الجمهوريين بلجنة مجلس الشيوخ أظهر أن مسودة الترخيص قد أُعدت بالفعل، لكنها لم تُنشر.
وعندما استفسر أعضاء مجلس الشيوخ عن إمكانية منح إيران أي شكل من أشكال الوصول إلى النظام المالي الأميركي، لم ينبس أي مسؤول في حقبة إدارة أوباما بكلمة عن الترخيص الخاص الذي صدر إلى بنك مسقط بعُمان قبل ذلك بشهرين.
حسب ما ذكره التقرير، يُعتقد أن إيران قد توصلت إلى طرق أخرى للحصول على أموالها، ربما عن طريق تبديلها بكميات صغيرة من عملات أخرى.
ويقول الموقع البريطاني إن هذا الوضع نتج من تخزين إيران المليارات من الريال العُماني، وهي عملة يصعب تحويلها. وبما أن الدولار الأميركي هو العملة المهيمنة على المعاملات المالية في العالم، فإن السماح باستخدامه كأداة تحويل للأصول الإيرانية يُعد السبيل الأيسر والأكثر كفاءة لتسريع حصول إيران على أموالها.
وعلى سبيل المثال، إذا أراد الإيرانيون بيع النفط إلى الهند، فسوف يرغبون في أخذ المقابل باليورو بدلاً من الروبية؛ حتى يتمكنوا من استخدام تلك المبالغ بسهولة في شراء السلع الأوروبية. وعادةً ما تبدأ تلك العملية بتحويل الروبية إلى الدولار للحظات قبل تحويلها مرة أخرى إلى اليورو.
ويختم المقال تأكيده أن العقوبات الأميركية تمنع استبدال إيران الأموال بمفردها. وتشعر البنوك الآسيوية والأوروبية بالقلق؛ بسبب فرض المشرعين الأميركيين غرامات تُقدَّر بمليارات الدولارات خلال السنوات القليلة الماضية، فضلاً عن تهديد من يخالف ذلك بمنعه من ولوج السوق الأميركية المربحة.