تلكؤ في الحدود.. لماذا أجّلت الإمارات السيطرة على ميناء الحديدة في اليمن رغم حقائب الأموال والمعدات الحديثة؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/08 الساعة 18:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/09 الساعة 08:43 بتوقيت غرينتش

على حافة قرية البقعة في محافظة الحديدة اليمنية خلال الشهر الماضي (مايو/أيار 2018)، وقف مقاتلون يمنيون يرتدون مزيجاً من الزي العسكري والـ"معوز" -وهو عبارة عن تنُّورة أو إزار يرتديها الرجال هنا- في تشكيلة رخوة على طول الطريق السريع بالقرب من المياه الزرقاء البراقة للبحر الأحمر، حسب تقرير  The Intercept.

كان المقاتلون المصطفون على الطريق، المعرفون باسم المقاومة الوطنية اليمنية، يتكونون من أعضاء المقاومة التهامية الذين يرتدون الصنادل، والمنهكين بفعل سنوات القتال، بالإضافة إلى قوات الحرس الجمهوري بقيادة ابن شقيق علي عبد الله صالح، الرئيس اليمني السابق الذي حكم البلاد 33 عاماً، إلى جانب اليمنيين الجنوبيين، والسلفيين السُنّة المتشددين، والقوات السودانية. وتُعَد جميع هذه القوات حلفاء للولايات المتحدة في حربها ضد الحوثيين، الميليشيا المسلحة الحليفة لإيران والتي تحارب التحالف المدعوم من جانب الولايات المتحدة ويتألف من 10 دول بقيادة السعودية والإمارات.

حقَّق المقاتلون اليمنيون الموالون للتحالف تقدُّماً سريعاً منذ أن كثَّفت الإمارات دعمها لهم بعد مقتل علي صالح في ديسمبر/كانون الأول 2017. صالح، الذي كان حليفاً للولايات المتحدة ودول الخليج وقتاً طويلاً، كان قد ساعد الحوثيين في السيطرة على العاصمة اليمنية في عام 2014. لكنَّه عاد بنهاية 2017 ليغيِّر ولاءه، مُعلِناً تأييده للتحالف ومُشعِلاً فتيل حربٍ مع الحوثيين، انتهت بمقتله على أيديهم.

كسر حالة الجمود على الساحل

فرَّت قلة متبقية من مناصري صالح، بينهم ابن شقيقه طارق، من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وسواء كان ذلك بدافع الانتقام أو النفعية السياسية، انضم طارق إلى قوات التحالف في حربها ضد الحوثيين، جالباً معه قوات جديدة، شملت مجموعة صغيرة من جنود الحرس الجمهوري القديم التابعين لصالح، وهي وحدة عسكرية كانت تدعمها الولايات المتحدة سابقاً. وتُدرِّب الإمارات مجندين جدداً، وقدَّمت أيضاً مدرعات حاملة للجنود ودبابات جديدة؛ لكسر حالة الجمود على خط الجبهة غرب اليمن.

وقال قائد ميداني لموقع The Intercept: "بالطبع، نتلقى أوامرنا من الإمارات"، قبل أن ينحني عبر باب شاحنته الصغيرة المفتوح، ليُمسك بجهاز لا سلكي؛ ليطلب دعماً جوياً للرجال المتقدمين ببطء صوب قرية البقعة بينما تحاوطهم المركبات الحربية الإماراتية الجديدة.

نجحت القوات اليمنية الوكيلة في السيطرة على 80 كيلومتراً أخرى خلال الأسبوعين الماضيَين، ولم يبطئ تقدُّمَهم سوى آلاف الألغام الأرضية التي وضعها الحوثيون المنسحبون، الذين لم يُبدوا مقاومةً كبيرة. وبحلول هذا الأسبوع، وصلت القوات إلى مدينة الدريهمي على بُعد 16 كيلومتراً تقريباً فقط من هدفهم الأساسي؛ ألا وهو مدينة الحديدة الساحلية، التي تخضع لسيطرة الحوثيين منذ 2014.

ولا يمكن لمقاتلي المقاومة الوطنية اليمنية السيطرة على مدينة الحديدة بمفردهم. ويتضح من الوقت الذي قضيناه مع الجنود في الخطوط الأمامية للقتال، أنَّهم يعتمدون على القوة الجوية التابعة للتحالف الذي تشكله السعودية، بالإضافة إلى الدعم البري الإماراتي. وقال مسؤول سابق بالبيت الأبيض لموقع The Intercept، إنَّ عدة مسؤولين أميركيين أشاروا إلى قول الإمارات إنَّها لن تهاجم الحديدة دون دعمٍ أميركي.

الضوء الأخضر والدعم الأميركيان

وقال جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية: "لا تستطيع هذه القوات النجاح في حربها ضد الحوثيين دون الإمارات، ولا يمكن للإمارات النجاح ضد الحوثيين دون الحصول على الضوء الأخضر والدعم الأميركيَّين".

حتى الآن، الولايات المتحدة لم تكن مستعدة لدعم مثل هذا الهجوم، لكنَّ بعض التقارير الأخيرة تُشير إلى احتمالية تغيُّر هذا الوضع؛ إذ قال مسؤولٌ أميركي رفيع المستوى -لم يُذكر اسمه- لصحيفة The Wall Street Journal الأميركية: "لدينا أشخاصٌ يشعرون بالإحباط ومستعدون لقول: (لنفعل هذا. لقد كنّا نتعامل بعبث تجاه هذا الأمر وقتاً طويلاً. يجب فعل شيء ما لتغيير الدينامية. إذا ساعدنا الإماراتيين لإتمام الموضوع بشكلٍ أفضل، فقد يكون هذا جيداً)".

وتتناقض هذه النبرة المتعجرفة مع العواقب الكارثية المحتملة لمثل هذا الهجوم؛ إذ يُعَد ميناء الحديدة مَنفذاً حيوياً لإدخال الإمدادات الإنسانية والواردات الغذائية التجارية إلى البلاد رغم القيود المُشدَّدة التي فرضتها السعودية، والتي شملت حظر دخول حاويات البضائع إلى موانئ الحديدة. ويتوقع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية نزوح نحو 340 ألف شخص -على الأرجح– إذا ما امتد القتال إلى مدينة الحديدة، لينضموا إلى 3 ملايين نازح داخل اليمن منذ تدخُّل التحالف السعودي بحرب اليمن في مارس/آذار 2015.

قال عبدي محمود، مدير فرع منظمة Mercy Corps للإغاثة في اليمن: "أي تعطُّل لهذا الشريان الحيوي قد يُمثِّل حكماً بالموت على ملايين اليمنيين. إنَّ الاحتياجات الإنسانية كثيرة بالفعل، وقد يُؤدي تعطيل ميناء الحديدة إلى القضاء على أية آمال لتجنُّب كارثةٍ إنسانيةٍ أكبر".

والحقيقة أن هناك موانئ كثيرة تحت سيطرة السلطة الشرعية؛ بينها ميناء عدن الاستراتيجي وموانئ المخا والمكلا وميدي يمكن الاعتماد عليها، كما أن مدينة الحديدة ليست جبلية وبإمكان حسم العملية العسكرية فيها بشكل سريع في الحديدة.

لكن تقرير The Intercept قال إن نجاح القوات، المدعومة من جانب السعودية والإمارات، في محاولاتها السيطرة على الحديدة، ليس أمراً محسوماً على الإطلاق. فوفقاً لتحليلٍ عسكري أميركي اطّلع عليه موقع The Intercept، فإنَّ الهجوم على الحديدة قد يتباطأ بسبب "غياب الرغبة" لدى القوات اليمنية مقروناً بحلول شهر رمضان، الذي بدأ في منتصف مايو/أيار وينتهي في منتصف يونيو/حزيران. وقالت القوات الموجودة على الخطوط الأمامية، عشية رمضان، لموقع The Intercept، إنَّها عازفةٌ عن القتال خلال الشهر الكريم.

وسلَّطت الوثيقة العسكرية، التي اطلع عليها موقع The Intercept، الضوء أيضاً على الإخفاقات الأخيرة للمقاتلين اليمنيين المدعومين من الإمارات عندما حاولوا التقدم شرقاً صوب مدينة تعز، التي لا تزال جزئياً تحت سيطرة الحوثيين. وتقول الوثيقة: "العمليات العسكرية شرق مدينة المخا لم تسِر وفقاً للمخطط، وأنَّها عانت خسائر كبيرة في الجنود". وتذكر الوثيقة أيضاً هجوماً نفذته القوات الخاصة الإماراتية ضد الحوثيين في المنطقة نفسها على ساحل البحر الأحمر. ووفقاً للوثيقة، تعرَّض الإماراتيون خلال الهجوم لإطلاق نار وعانوا "مشكلات تتعلق بنشر الأسلحة وأعطالاً"، وقد وصفوا المعركة لاحقاً بـ"الجحيم".

تقدُّم دون تصريح

ورغم تعهد الإمارات بأنَّها لن تشرع في الهجوم الأخير الحاسم ضد مدينة الحديدة دون موافقة أميركية، زعم مسؤولون إماراتيون أنَّه لا سيطرة لهم على أفعال القوات اليمنية التي تحارب بالوكالة، ما يثير القلق بشأن احتمالية تقدُّم المقاتلين اليمنيين المعادين للحوثيين صوب المدينة دون الحصول على تصريح.

لكنَّ هذا يتناقض مع المشهد على الخط الأمامي لجبهة القتال خلال الشهر الماضي (مايو/أيار 2018)، والذي كان يشير إلى أنَّ المقاتلين اليمنيين لا يتحركون دون الحصول على أوامر الإمارات.

وقال جنود لموقع The Intercept إنَّ الإمارات تدفع رواتبهم وتمنح عطايا يومية إضافية للمقاتلين، والتي تأتي في حقائب بلاستيكية على الخط الأمامي. ويعترف أكثر من 6 قادة فرق عسكرية ميدانية بأنَّهم يتلقون أوامرهم من الإمارات، وضمن ذلك من ضباط إماراتيين رفيعي المستوى متمركزين على ساحل البحر الأحمر. وقال هلترمان إنَّ  قوة تَسلسل القيادة الإماراتية مهمة؛ لأنَّ ادعاء أنَّ الولايات المتحدة والإمارات لا تسيطران على المقاتلين حقاً يمنحهما "وسيلةً معقولة للإنكار" في حالة حدوث هجومٍ.

ويبدو أنَّ أي هجوم عسكري أخير على مدينة الحديدة يتوقف على نجاح المبعوث الأممي الخاص لليمن مارتن غريفيث، الذي وصل إلى العاصمة اليمنية صنعاء، التي يُسيطر عليها الحوثيون في 2 يونيو/حزيران 2018، في زيارةٍ مدتها 4 أيام. ويُجري غريفيث محاولةً هامة للوصول إلى حلٍ دبلوماسي لتجنُّب المعركة الوشيكة، عبر الوصول إلى اتفاقٍ مع الحوثيين يقضي بانسحابهم وقبول وضع الميناء تحت سيطرة الأمم المتحدة أو الرقابة الدولية.

ويتنامى الضغط في ظل مرابطة القوات على حواف المدينة. وفي مساء الخميس 7 مايو/أيار 2018 في الحديدة، شاهد السكان وجوداً مُكثفاً لشاحنات الحوثيين بمناطق عدة بالمدينة، ويمكن من وسط المدينة سماع نيران المدفعية في قتال قريب. ومن شأن اتفاقٍ بين الطرفين أن يفتح الباب أمام استئناف المفاوضات السياسية، بينما قد يؤدي الفشل في الوصول إلى اتفاقٍ، إلى نشوب صراعٍ طويل ومدمِّر للسيطرة على الحديدة. لكنَّ هلترمان أوضح أنَّ نجاح هذه الجهود السياسية يتوقف على مدى اقتناع الطرفين بأنَّ هذه الحرب لا يمكن الانتصار فيها عسكرياً.

فبعد ساعات من مغادرة غريفيث اليمن، أطلق الحوثيون صاروخاً باليستياً على السعودية. وأفادت تقارير بأن خطة سلام منفصلة للأمم المتحدة -لم يُعلن عنها بعد- تتضمَّن مطالبة الحوثيين بالتخلي عن صواريخهم الباليستية في مقابل إنهاء الضربات الجوية لقوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات، بالإضافة إلى اقتراح إقامة حكومة انتقالية في أعقاب وقف إطلاق النار. ويُنتظر أن يعرض غريفيث مقترحاً بخصوص اليمن بحلول منتصف يونيو/حزيران 2018.

أصبحت الإمارات مسؤولة عن الكثير من العمليات العسكرية

أسَّست السعودية التحالف في مارس/آذار 2015، وأطلقت حملة قصف جوي في اليمن؛ لإجبار الحوثيين، الذين سيطروا على العاصمة اليمنية في سبتمبر/أيلول 2015، على التراجع. وأصبحت الإمارات مسؤولة عن الكثير من العمليات العسكرية البرية وخاصة في جنوب البلاد وغربها منذ 2015.

ويوجد أكثر من 22 مليون يمني، ثلاثة أرباع تعداد السكان تقريباً، بالفعل في حاجةٍ إلى مساعدات إنسانية، ويتفاقم الوضع بسبب القيود التي يفرضها التحالف بقيادة الإمارات والسعودية على الواردات والحظر التام للمساعدات الإنسانية الذي فرضته السعودية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017، رداً على إطلاق الحوثيين صواريخ باليستية باتجاهها. ويزعم مسؤولون سعوديون أنَّ الصواريخ الإيرانية تُهرَّب إلى اليمن عبر ميناء الحديدة، وذلك على الرغم من نظام المراقبة الذي تطبقه الأمم المتحدة على السفن التي تدخل الميناء.

وقالت قيادات عسكرية على الخطوط الأمامية في محافظة الحديدة لموقع The Intercept، إنَّ قواتهم تخطط لقطع خطوط الإمدادات ومحاصرة قوات الحوثيين داخل المدينة بدلاً من شن هجومٍ ضدهم، لكنَّ الإمارات أيضاً قالت إنَّ هذه الخطة قابلة للتغيير "إذا حدث هجوم ضدهم أو وقع أي عمل استفزازي من داخل المدينة". ويستحيل التحقق من أي مزاعم استفزاز بعد اشتعال المعركة.

وتسبَّب الصراع باليمن في مقتل ما يُقدَّر بـ28033 شخصاً منذ يناير/كانون الثاني 2017، ودفع 4.8 مليون شخص إلى حافة المجاعة. وتُوفي ما يُقدَّر بـ50 ألف طفل يمني العام الماضي (2017) جراء الجوع وأمراض يمكن الوقاية منها، كنتيجة لما وصفته وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة بـ"أسوء أزمة إنسانية في العالم".

ويقول محمود، مدير منظمة Mercy Corps، إنَّ "الحديدة ليست بيدقاً سياسياً للمقايضة به. إنَّها شريان يعتمد عليه ملايين اليمنيين العاديين من أجل البقاء على قيد الحياة. إن الاستعراض والبيانات الرنانة لن تُطعِم الناس إذا ما نضبت المساعدات الإنسانية".

تحميل المزيد