قالوا لها إنها على القائمة السوداء ورحّلوها.. صحفية فرنسية: في مصر تسعى السلطة لمحو شبح الثورة، والوضع أسوأ من عهد مبارك

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/07 الساعة 08:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/07 الساعة 09:03 بتوقيت غرينتش
FILE PHOTO: A Cairo street sign showing Egypt's President Abdel Fattah al-Sisi ahead of the presidential election, March 25, 2018. REUTERS/Ammar Awad/File Photo

لم تكن تعلم الصحفية الفرنسية نينا أوبيني أن اسمها على قائمة سوداء في مطار القاهرة. كانت تنوي قضاء إجازة شخصية لمدة أسبوع فقط، وبمجرد أن رأت أضواء القاهرة ليلاً من شبّاك الطائرة رقص قلبها فرحاً؛ لأنها سترى من جديدٍ "البلد اللي بقت جزء مني".

ختم أول ضابط جواز سفرها، ثم طلب منها الوقوف جانباً ليتم التحقيق معها. وما هي إلا ساعات حتى كانت نينا على متن أول طائرة عائدة إلى فرنسا، دون شرح الأسباب أو التهم الموجهة إليها.

على صفحتها في موقع فيسبوك، نشرت نينا تفاصيل ما حدث معها من اللحظة التي وصلت فيها إلى المطار، إلى سخرية الضابط منها عندما قالت إنها تتحدث العربية "شوية".

التجول فيما تكتبه وتدوّنه يكشف متابعتها للناشطين وتعلّقها بمصر؛ بل حتى صورة بروفايلها لفتاة مصرية تركض على ضفة النيل.

 

The Egyptian regime continues his crazy war against journalists and bloguers Completely crazy and hallucinating 😮 😮 Full support Nina !

Posted by Amal Khlif on Thursday, May 31, 2018

"عندما دخلت المطار لم يكن كل شيء كما يفترض"

وفي مقابلة مع صحيفة La Croix الفرنسية، قال نينا أوبيني إنها عادت إلى مصر يوم 25 مايو/أيار 2018، لأول مرة، لمصر منذ مغادرتها في سنة 2013، وأضافت أنها عاشت بمصر في السابق 5 سنوات.
عند عودتها لم تكن معاملات دخول المطار عادية؛ فعند نزولها من الطائرة على الساعة الثامنة ونصف مساء، وصلت إلى قسم مراقبة الجوازات، لتجيب عن السؤال التقليدي عن مكان إقامتها في القاهرة.
وبما أنها تعود للمرة الأولى منذ وقت طويل، فكان من الطبيعي أن تكون إقامتها في فندق. ختم ضابط المطار جواز سفرها وأعاده إليها. وبينما تقدمت لتعبر منطقة المراقبة الأمنية، طلُب منها التوقف جانباً.
ثم توجهت إلى مكتب الأمن ليحققوا معها
انتظرت مع مجموعة من المشتبه فيهم مدة تصل إلى نصف ساعة. وتحدثت مع أحد ضباط الأمن وسألته عن الأمر، فأجابها بأن اسمها موجود على "القائمة السوداء"، ويجب عليها التوجه نحو مكتب الأمن في المطار.

اتصلت بالقنصلية الفرنسية فنصحتها بالمغادرة

بعد 20 دقيقة، وصل شرطي آخر وطلب من لينا أن تتبعه نحو مكتب صغير، بقاعة أخرى من المطار. وفي أثناء فترة الانتظار، تمكنت من إخراج هاتفها والاتصال بأرقام القنصلية الفرنسية، التي قامت بالتواصل مع السلطات المصرية لمعرفة السبب، وأخبروها باحتمال إجبارها على العودة لفرنسا.
في تلك اللحظات المليئة بالقلق، تقول نينا إنها ترددت كثيراً وفكَّرت في رفض الصعود على متن طائرة العودة والتفاوض معهم، ولكن مسؤولي القنصلية الفرنسية في القاهرة أكدوا أن السلطات المصرية لن تغير موقفها، وسينتهي بها الأمر بقضاء الليلة في زنزانة بمطار القاهرة إذا رفضت الصعود إلى الطائرة التي دفعوها نحوها.
تقول نينا :"يبدو أنني لن أعرف أبداً السر الذي دفعهم لقرار ترحيلي إلى باريس بعد ساعات قليلة من وصولي".

سألوها: "هل لديك نية إعادة الالتقاء بالناس الذين تعرفت عليهم فترة الثورة؟"

وتؤكد الصحفية الشابة: "لم أكتب أي سطر حول مصر منذ 2014، أنا أعمل على مواضيع أخرى محلية لا تتجاوز غالباً حدود مدينة مارسيليا. ولكن الأسئلة التي طرحوها عليَّ في مطار القاهرة تتمحور كلها حول السنوات التي قضيتها في مصر، مثل: هل ذهبتِ إلى ميدان التحرير؟ هل أجريت حوارات مع الناس؟ هل لديك نية إعادة الالتقاء بالناس الذين تعرفت عليهم في تلك الفترة؟".
سبب ذلك -وفق اعتقاد نينا- أن ثورة يناير (التي أطاحت بنظام حسني مبارك) "أصبحت شبحاً يسعى النظام المصري الحالي بكل الوسائل وبشكل دائم للتخلص منه، ولكنه في الوقت نفسه بات مهووساً به".
وتعدد بعض أسئلة المحقق معها حول تقارير كتبتها عن سكان النوبة في نهاية سنة 2013، قبيل رحيلها عن البلاد، وهو "موضوع لا يستهان به في مصر"، على حد تعبيرها.

نينا أوبيني صحفية فرنسية صديقة اشتغلت في مصر سنوات الثورة وقبلها مع جرايد ومؤسسات إعلامية مختلفة، نزلت مصر يوم 25 مايو…

Posted by Abdelrahman Ayyash on Thursday, May 31, 2018

قرار "ترحيلي يكشف عن هشاشة النظام المصري حالياً وافتقاده الثقة"

وقالت: "كنت أعتقد أن ما كتبته أقل إثارة بالنسبة للنظام العسكري المصري مما كتبته حول الأقباط وسيناء والجيش وقمع المظاهرات، والمعارضون المسجونون، في أثناء 5 سنوات من عملي بالقاهرة. وما يبدو لي واضحاً الآن، هو أن هذا القرار بترحيلي يكشف عن هشاشة النظام المصري حالياً، وافتقاده الثقة".

"كل من كانت لهم علاقة بالثورة، سواء من بعيد أو قريب، باتوا هدفاً للنظام"

وتربط نينا حادثة ترحيلها في نفس سياق اعتقال المدون الشهير والمدافع عن حقوق الإنسان وائل عباس، قبل أيام قليلة؛ إذ تربطها به معرفة ونشرت على موقعها في فيسبوك صورة عن اعتقاله.
تقول نينا عن وائل: "إن هذا الشاب كان رمزاً للثورة والديمقراطية في مصر، وكان من الأوائل الذين نددوا ونشروا مقاطع الفيديو حول عنف الشرطة في مراكز الإيقاف".
وتعتبر أن وائل عباس "رمز لاستعادة الوعي في صفوف الشباب، وواحد من الذين مهدوا الطريق لثورة 2011".
واعتبرت أن عدم إتقان وائل اللغة الإنكليزية عاملٌ أسهم في حمايته وقتاً محدوداً، لكن عندما تزايدت شعبيته، "لم يتسامح النظام معه".
وتشير في لقائها المطول إلى آخرين تم اعتقالهم؛ مثل المدون شريف جابر، الذي واجه في السابق تهمة الإلحاد، إضافة إلى الكوميديان الشهير شادي أبو زيد، الذي نشر المقاطع الشعبية الساخرة، والمحامي والناشط الحقوقي هيثم محمدين، الذي رافق كل التحركات الاجتماعية في مصر، والذي تم إيقافه قبيل رحلتها إلى القاهرة.
وعددت أيضاً اسم الصحفي والباحث المتخصص بالحركات الجهادية في سيناء، إسماعيل الإسكندراني، الذي حُكم عليه بالسجن 10 سنوات من قِبل محكمة عسكرية، بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي تم تصنيفها كمنظمة إرهابية في مصر منذ 2013.
وبحسب هيومن رايتس ووتش، فإن مصر شهدت منذ 2013، أكثر من 60 ألف عملية إيقاف لدوافع سياسية.
وقالت نينا: "كل من كانت لهم علاقة بالثورة، سواء من بعيد أو قريب، باتوا هدفاً للنظام الحاكم، الذي ينفّذ عملية تطهير ضخمة، أو ما يشبه الانتقام".

إصلاحات السيسي الاقتصادية كانت "موجعة" للشريحة الأكبر من المصريين

وتعتبر نينا أن النظام المصري متوتر جداً في المرحلة الحالية، ولكن ليس بسبب تهديد اندلاع احتجاجات؛ إذ إنه من المستحيل في مصر اليوم تنظيم مظاهرة، على حد قولها.
واعتبرت أن انطلاق موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية، سكون سببها الصعوبات الاقتصادية التي مسَّت الشريحة الأكبر من الشعب؛ إذ انخفضت المقدرة الشرائية للطبقة الوسطى كثيراً، وتُرجمت حزمة الإصلاحات التي فرضها الرئيس عبد الفتاح السيسي لإعادة التوازن للاقتصاد، الذي بات على مشارف الانهيار، على أنها "إجراءات مُوجعة" مسَّت الدعم الحكومي للمواد الأساسية، وسبَّبت تضخماً بلغت نسبته 30 في المائة، وإجراءات أخرى مثل رفع سعر البنزين. وأخيراً، هنالك أيضاً رفع أسعار تذاكر القطارات، وهو ما أحدث محاولة صغيرة للتظاهر داخل عربات القطار.

"عدنا إلى مستوى من القمع يضاهي ما حدث في عهد عبد الناصر"

وعندما تم سؤالها ما إذا كان الوضع بات أسوأ من عهد مبارك، قالت: "عدنا إلى مستوى من القمع يضاهي ما حدث في عهد جمال عبد الناصر؛ إذ إنه في أيام حكم مبارك، كانت الصحافة تتمتع بالحرية، وهو أمر لم يعد موجوداً الآن، حيث يقبع 35 صحفياً خلف القضبان، وتم إغلاق أكثر من 300 موقع إعلامي. وشمل القمع كل المجالات، في محاولة من النظام للتخلص من ذكرى الثورة المصرية"، على حد تعبيرها.
ثم قالت: " في كل الأحوال، فإن الموقف الذي تعرضت له في المطار، مهما كان ظالماً وقاسياً، لا يمثل شيئاً يُذكر مقارنة بمعاناة آلاف النشطاء والصحفيين والشباب المصريين، الذين تم اعتقالهم لأنهم يقومون بعملهم، أو عبّروا عن آرائهم السياسية بشكل لا يعجب النظام الحاكم، حيث يتم رميهم في السجن، وأحياناً يتعرضون للتعذيب، أو يقعون ضحايا للاختفاء القسري. إنهم رجال ونساء من الشباب الذين حكم عليهم نظام السيسي بالسجن سنوات خلف القضبان، بتهم من نسج الخيال، ليسرق بذلك سنوات عمرهم".

"وستكون لهؤلاء الشباب الكلمة الأخيرة"

وختمت حديثها قائلةً: "لأجل هؤلاء، ولأجل وائل عباس، إسماعيل الإسكندراني، ماهينور المصري، شوكان، هيثم محمدين، وكل أولئك الذين لا أعرف أسماءهم، ولكن أواصل التفكير في أن هذه الثورة التي أطلقوها وآمنوا بها سوف تؤدي في يوم ما إلى تحقيق أهدافها، حتى لو كانت قوى الاستبداد حالياً في موقع قوة، فإن الأمر لن يتواصل كذلك إلى الأبد، وستكون لهؤلاء الشباب الكلمة الأخيرة. هذا ما أؤمن به على الأقل، ويساعدني على تجاوُز الحزن في هذه اللحظة".

قبل نينا كانت هناك الصحفية بيل ترو

ونينا ليست الصحفية الأولى التي يتم ترحيلها؛ إذ تعرضت مراسلة صحيفة Times البريطانية بيل ترو لموقف مشابه في مارس/آذار 2018.

إذ كانت عائدة من مقابلة صحفية مع أسرة أحد الغارقين في طريقهم للهجرة بطريقة غير شرعية عندما ألقت الشرطة القبض عليها.
أمضت ترو 7 ساعات في أحد أقسام القاهرة، ثم تم ترحيلها على الفور بما عليها من ملابس، بعدما عاشت بمصر 7 سنوات.

والحملة الضارية على الـBBC

في الأسبوع نفسه تقريباً، الذي شهد ترحيل ترو، كانت هناك حملة ضارية تشنها الدولة المصرية على محطة BBC على خلفية تقرير بثته المحطة عن الاختفاء القسري في مصر. لم يتوقف التضييق على المحطة عند تقديم البلاغات ودعوات للمقاطعة؛ بل وصلت حملات الشحن ضد BBC إلى أن توقفت المطاعم المحيطة بالمحطة عن توصيل الوجبات للعاملين بها، باعتبارهم أعداء للوطن.
ونشرت صحيفة Guardian البريطانية تقريراً من القاهرة أشارت فيها إلى حادثة ترحيل الصحفيتين، وربطت بين الحادثة والارتفاع المتوقع لأسعار الكهرباء والوقود بنسبة 55% و60% على التوالي بالموازنة القادمة في يوليو/تموز 2018؛ ما سيؤدي إلى مزيد من السخط بين أفقر مناطق مصر، ونقلت مراسلة الصحيفة عن محللين أن "أساليب الحكومة الصارمة المتزايدة تهدف إلى منع الكثيرين من التعبير عن استيائهم".

علامات:
تحميل المزيد