لم يتعامل أحد بجدية مع تهديدات الرئيس السوري بشار الأسد، بخوض معركة استعادة الأراضي الواقعة تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، على العكس، يبدو أن الأسد قد يقدم تنازلات للأكراد لإرضاء راعيتهم الكبرى، فيما يعني أن يكون سايكس بيكو جديدة بالمنطقة.
وحدات حماية الشعب الكردية تعتبر من ضمن الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في سوريا. في المقابل، اعتمد الأسد على موسكو، في العديد من المناسبات، نظراً لقلة الخيارات المتاحة أمامه، في ظل رفض الغرب له، ورغبتهم في الإطاحة به.
ولذلك فإن توعد الأسد بمحاربة الأكراد، يشير إلى إمكانية دخول روسيا في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة على الأراضي السورية، ولكن نسبة تحقق هذا السيناريو ضئيلة على أرض الواقع، نظراً لأن جميع الأطراف المتدخلة في الصراع تعتبر بيان الأسد تهديداً عادياً، حسب تقرير لصحيفة Svabodnaya Pressa الروسية.
لماذا سيرضخ الأسد للأكراد وما حقيقة اعترافه بفيدراليتهم؟
في الآونة الأخيرة، قلَّت المخاطر التي من شأنها أن تؤدي إلى نشوب حرب كبرى بين أكبر القوى العسكرية الموجودة في سوريا، حيث شهدت العلاقات بين الطرفين الأميركي والروسي نوعاً من التحسن، على الرغم من اختلاف الرؤى السياسية حول مستقبل سوريا. ولكن السلام المرتقب في سوريا مبني على على الأرجح على شروط أميركية، حسب الصحيفة الروسية.
ومن المرجح أن ترضخ دمشق لجميع شروط وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتمد جميع مساعيها الدبلوماسية على الرعاية الأميركية.
فعلى سبيل المثال، يروج الأكراد منذ فترة، لفكرة اعتراف سلطات دمشق الرسمية، بالفيدرالية الديمقراطية لشمالي سوريا، التي ظلَّت غير معترف بها لعدة سنوات، رغم نشاط المكاتب التي تمثلها في العديد من البلدان، بما في ذلك روسيا. في الحقيقة، لا أحد يعترف بسيادة هذا الكيان، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، حتى تضمن عدم تناقض موقف هذه الفيدرالية مع التصريحات التي أدلى بها مسؤولون رفيعو المستوى، في دول عدة بضرورة الالتزام بالحفاظ على سلامة الجمهورية العربية السورية ووحدتها الإقليمية.
والولايات المتحدة تسعى لهدف مشابه قد يغير خارطة المنطقة برمتها
في المقابل، لم يتم إلغاء مفهوم الاستقلال الذاتي، لأن ذلك ما تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه في المستقبل القريب. وسيؤدي تنفيذ مشروع كردستان سوريا، الذي سيتم إعلانه عاجلاً أم آجلاً، إلى تكرار سيناريو العراق، وهذا يعني بروز المطالب في التوحد مع كردستان العراق. سيكون تنفيذ هذا السيناريو بمثابة كارثة جيوسياسية، على المستوى الإقليمي، الأمر الذي سيؤثر سلباً على العملية العسكرية الروسية، داخل الأراضي السورية.
في خضم هذا الوضع، ستكون روسيا أمام عدة خيارات؛ إما بقاء سوريا موحدة تحت قيادة الأسد أو السياسيين المؤيدين للأسد، أو منح الوحدات الكردية، باعتبارها واحدة من ضمن أكبر القوى الموجودة في سوريا تمثيلاً حقيقياً في السلطة، يخول لها التأثير على الوضع القائم في جميع أنحاء البلاد، وفي المناطق ذات الأغلبية الكردية على حد سواء. ولكن الأوضاع في الوقت الراهن، تتخذ مسارات مختلفة، ولا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه.
المفاوضات عقدت بالفعل ولَم تقتصر على الأسد والأكراد
في الآونة الأخيرة، أرسل الأسد وفداً رسمياً إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد، من أجل التفاوض مع الأطراف السياسية الكردية.
ويقول الخبير العسكري الأسترالي، ريتشارد فرانك، أن المفاوضات لم تجمع هذين الطرفين فقط، وإنما شاركت فيها أطراف أخرى. وحسب اعتقاده، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها، أصبحوا أكثر ميلاً إلى التدابير الدبلوماسية. فرغم تأكيد القوى الغربية أن المفاوضات مع بشار الأسد، أصبحت دون جدوى، لاسيما في ظل استمراره في ارتكاب جرائم ضد شعبه. وقد رفضت جميع الأطراف التعامل معه عقب تنفيذ الهجوم الكيميائي المزعوم في ضواحي دمشق، تحديداً في الغوطة الشرقية.
غير أنه في حال تقييم المسألة من زاوية مختلفة، يمكن إيجاد وسائل جديدة لمنع حدوث مثل هذه المآسي، ولكن المشكلة حسب الصحيفة أن الطابع الشمولي لحكم بشار الأسد، يجعل من الضروري الاحتفاظ بالسلطة والإمساك بزمام الأمور تحت أي ظرف كان، بالإضافة إلى أن حياة وأمن المواطنين تتذيل قائمة أولويات هذا النظام. ولهذا السبب، كانت حصيلة الضحايا كبيرة، وشملت جميعَ الأطراف المتدخلة في الصراع.
ولكن لماذا يحرص بشار على التفاوض مع الأكراد؟
لتجنب اندلاع المزيد من الأزمات، من الضروري بالنسبة للنظام اتباع نهج عسكري محدد، مع اتخاذ بعض الخطوات الدبلوماسية، وتجنب التصعيد مع الولايات المتحدة.
وفي ظل هذه الظروف، ودون مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية يدرك الأسد أن سلطته وحياته تحت طائلة تهديد دائم.
وفي المقابل، فإن الولايات المتحدة لم تمانع في إجراء مفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية والسلطات الرسمية.
وهذا يعني أن سوريا التي عرفناها قد تتغير للأبد
في البداية، يتعين على الأسد احترام مبادئ المعارضة التي تطالب بالديمقراطية ، حسب الخبير العسكري الأسترالي، ريتشارد فرانك.
ولكن في الوقت ذاته تريد الأحزاب السياسية الموجودة في شمالي سوريا اعتراف النظام بحقوق الأكراد والعرقيات الأخرى.
ومن الناحية السياسية، ينطوي ذلك على تغييرات كبيرة، لأن ذلك يعني أن سوريا إما ستكون دولة فيدرالية، أو سيتعين على الأسد الاعتراف بالاستقلال الفعلي لشمالي سوريا، أي أن خارطة سوريا السياسية التي عرفناها ستتغير.
ويبدو أن العمل على هذه الطبخة بدأ بالفعل.. ولكن على الأسد أن يلبي شرطاً واحداً
في حال القبول بهذه الشروط، ولم يحاول الأسد التدخل في شؤون هذه المنطقة، من المرجح أن يحل الدبلوماسيون مكان الجنود، لتتوقف القوات الأجنبية عن المشاركة في القتال داخل سوريا.
وقد دعت بعض القوى السياسية الموالية للولايات المتحدة منذ زمن لتطبيق هذه الفكرة، ومن الواضح أنهم بدأوا العمل بها الآن.
وفي الحقيقة، توجد العديد من الأسباب التي قد توقف هذه العملية، ولكن إذا اتبع الأسد استراتيجية تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة وبلدان التحالف، فستنجح التسوية السلمية.