شيءٌ ما تغيَّر في الأردن! شبَّان يتذوقون طعم الاحتجاج لأول مرة، والنزول إلى الشارع لا ينتظر إشارة حزب أو عشيرة

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/06 الساعة 12:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/06 الساعة 12:16 بتوقيت غرينتش
Thousands of Jordanians take to the streets of Amman on May 30, 2018 to protest against a new income tax draft law which was approved by the government recently and sent to parliament for endoresement. / AFP PHOTO / Khalil MAZRAAWI

لم يسبق للمُحاسِبة الأردنية "لين سامر" المشارَكَة في احتجاج في عمان.

لكنها شاركت هي وأصدقاؤها منذ الأسبوع الماضي، مع من خرجوا إلى التجمعات قرب مقر مجلس الوزراء كل ليلة، للمشاركة في أكبر احتجاجات تشهدها البلاد منذ سنوات.

قالت لين (24 عاماً)، لرويترز، بعد منتصف ليل يوم الثلاثاء 6 يونيو/حزيران 2018، "أُحس أن شيئاً ما يتغير"، بينما كان المئات من حولها يهتفون "حكومة حرامية" ويلوحون بالأعلام.

وأضافت: "لا رجوع، الشباب ثائر، ولن نظل صامتين بعد اليوم".

ليست لين وحدها، فالكثير من الأردنيين لم يتذوقوا طعم الاحتجاج السياسي سابقاً، وسط نفوذ الأحزاب والعشائر الكبير على المشهد في البلاد، وقبضة أمنية منعت البلاد من الانزلاق في اضطرابات شهدتها دول مجاورة خلال السنوات الأخيرة.

إلا أن اتِّباع الحكومة سياسات اقتصادية قاسية، وفرضها الكثير من الضرائب، آخرها قانون ضريبة الدخل المعدل، تجاوز بالاحتجاجات حدود الأطر السياسية التقليدية، وأنزل الآلاف إلى الشوارع في مختلف المحافظات بشكل عفوي وغاضب.

استمرار الاحتجاجات

ورغم إقالة رئيس الوزراء، هاني الملقي، الإثنين 4 يونيو/حزيران 2018 وتسمية الخبير الاقتصادي، عمر الرزاز، لإدارة الحكومة في الفترة المقبلة، إلا أن الاحتجاجات لا تزال مستمرة، إذ تشهد البلاد، الأربعاء، إضراباً جديداً عن العمل، على غرار الإضراب الأول، قبل أسبوع، الذي تصاعدت بعده المظاهرات.

ويشكو المحتجون، وكثيرون منهم من الطلبة والخريجين والشباب العامل، من مواجهة صعوبات في سداد فواتيرهم، والعثور على وظائف، أو بناء مستقبل وسط ركود الاقتصاد الأردني. ويقولون إن سياسات الحكومة زادت الأمور سوءاً. كما يتَّهمون الساسة بتبديد المال العام وبالفساد.

وفي مقابلات مع رويترز، راح هؤلاء الشباب في العشرينيات من أعمارهم يتذكرون سنوات المراهقة، التي تابعوا فيها انتفاضات "الربيع العربي" عام 2011، التي لم يصب الأردن منها شيء يذكر.

وفي ذلك الوقت قاد معظم المظاهرات في الأردن إسلاميون وقيادات عشائرية وأحزاب يسارية.

والآن يقول النشطاء إن الاحتجاجات أفرزت وجوها جديدة، وأعداداً كبيرة لم يسبق لها مثيل من شباب المهنيين وأسر الطبقة المتوسطة والطلبة الذين لا خبرة لهم بالسياسة.

وعي سياسي

ورغم استبعاد أن تتسبب هذه الاحتجاجات في اضطرابات كبرى مثل ما حدث في انتفاضات الربيع العربي، فإن كثيرين من الشبان الأردنيين يقولون إنها تبرهن على أن لديهم قدراً من الوعي السياسي، أكبر مما كان لدى أجيال أخرى، وإنهم مستعدون لمواصلة الحشد.

وقال الطالب الجامعي أحمد عوض (22 سنة) "تعودنا أن نتفرج على الآخرين وهم يحتجون على التلفزيون. لكن الحمد لله حققنا شيئاً طيباً".

وقال علي العبوس رئيس مجلس النقباء، الذي أعلن أول احتجاج، إن الاحتجاجات تشير إلى تنامي الوعي السياسي بين الشباب، وإنه يعتقد أن الشبان سيكونون أكثر نشاطاً في المستقبل.

وأضاف: "هم يعبرون عن أنفسهم. الحياة تغيرت والناس أصبحت أكثر اهتماماً بالسياسة".

وكانت آخر مرة تشهد فيها البلاد اضطرابات في 2012، عندما طلب صندوق النقد الدولي من الحكومة رفع أسعار البنزين.

قرارات "أفلستنا!"

عاش الأردن سنوات من عدم الاستقرار على حدوده، بما فيها سنوات الحرب في العراق وسوريا، والصراع في الضفة الغربية المحتلة. كما يستضيف الأردن ما يقرب من 700 ألف لاجئ سوري.

وقد أضرت الأزمة الإقليمية باقتصاد الأردن الفقير في الموارد الطبيعية. ويبلغ معدل البطالة في الأردن 18.4%، وفقاً للإحصاءات الحكومية.

والإصلاحات الضريبية الأخيرة جزء من خطة مدتها ثلاث سنوات، يفاوض عليها الأردن وصندوق النقد الدولي في العام 2016، لخفض ديون البلاد البالغة 37 مليار دولار وتشجيع التغيير الهيكلي.

وتقول الحكومة إن الإصلاحات ستقلل الفوارق الاجتماعية، بفرض عبء أكبر على أصحاب الدخل المرتفع.

وكان مشروع قانون لزيادة ضرائب الدخل في إطار الإصلاحات التي يدعمها صندوق النقد الدولي قد دفع الآلاف للخروج إلى الشوارع في عمان ومناطق أخرى بالأردن.

ويتزايد الغضب الشعبي منذ تطبيق زيادة حادة في الضريبة العامة على المبيعات، وانتهاء دعم الخبز في وقت سابق من العام الجاري.

ويرى كثيرون من المشاركين في المظاهرات، أن المشكلات لن تنتهي بتغيير القيادة.

وقال عوض: "ربما اعتقدت الحكومة أن الاستقالة ستدفع الشبان للعودة إلى بيوتهم. لكننا نحتجّ هنا من أجل مستقبل أفضل، ومن أجل آبائنا الذين يدفعون… من أجل تغيير نهج الحكومة".

من جانبها، قالت لين، إن والديها حاولا إثناءها عن المشاركة في الاحتجاجات في ساعات الليل المتأخرة، في اليوم الأول، لكنهما يؤيدانها الآن. وقد عادت لين للإقامة مع أسرتها في عمان، بعد أن حصلت على شهادة جامعية من الولايات المتحدة، لكن دخلها الآن يكفي بالكاد لتغطية ثمن بنزين السيارة، وبعض مشتريات البقالة.

وأضافت: "نشأت هنا. وأتمنى أن أرى تغييراً يحدث هنا. ولا أريد أن أجد نفسي مضطرة للرحيل".

بدوره، قال عبدالله الخليلي (24 عاماً)، الذي يعمل بأحد الفنادق، إن خطة الضرائب الأخيرة كانت القشة الأخيرة.

وأضاف "الحكومة بكل أمانة أفلستنا. ليس عندي شيء. فأنا أتقاضى راتباً وأنفقه كله بسبب كلفة المعيشة".

وأبدى أيضاً مخاوفه من أن تدفع المشكلات السياسية الناس إلى الخارج، فقال "نحن نحب الملك وبلدنا. لكن سياسات الحكومة أوصلتنا إلى هنا، إلى الفساد".

إضراب ما بعد تغيير الحكومة

وكانت النقابات دعت إلى إضراب من الساعة التاسعة صباحاً (06:00 ت غ) حتى الساعة الثانية من بعد الظهر (11:00 ت غ)، وإلى وقفة احتجاجية أمام مقر النقابات من الساعة الواحدة من بعد الظهر (10:00 ت غ) حتى الساعة الثانية (11:00 ت غ).

وعلى صعيد المحال التجارية، يمثل الإضراب خطوةً رمزيةً، كونها لا تفتح خلال فترة قبل الظهر في شهر رمضان، إلا أن نقابتي المحامين والأطباء أعلنتا التوقف عن العمل اليوم.

وأكد نقيب الأطباء علي العبوس الذي يرأس أيضاً مجلس النقباء لوكالة فرانس برس "بدأ الأطباء إضرابهم عن العمل صباح الأربعاء في المستشفيات الأردنية".

وقال نقيب المحامين الأردنيين مازن أرشيدات، في اتصال هاتفي مع فرانس برس "توقف المحامون الأردنيون عن الترافع أمام المحاكم الساعة العاشرة من صباح اليوم"، مشيراً إلى أن إضرابهم سيستمر حتى الثالثة بعد الظهر.

وتابع "الإضراب رسالة نوجهها للحكومة الجديدة"، من أجل "سحب مشروع قانون ضريبة الدخل وإجراء حوار وطني حوله".

وأوضح أن "المحامين سيتواجدون في مقر العدل في العاصمة والمحافظات، وهم يرتدون زيهم الرسمي، الروب الأسود، ولكن من دون ترافع".

وتواصلت الاحتجاجات ليل الثلاثاء الأربعاء في عمان وعدد من المدن الأردنية، ضد مشروع قانون ضريبة الدخل، الذي ينص على زيادة الاقتطاعات الضريبية على المداخيل.

وأفاد مراسلو وكالة فرانس برس أن نحو 1300 شخص تجمعوا مساء في منطقة الشميساني في وسط عمان، على بعد مئات الأمتار من مبنى رئاسة الوزراء، الثلاثاء، وبقوا حتى فجر الأربعاء، وسط إجراءات أمنية مشددة.

وردَّد المحتجون وبينهم محامون وأطباء وصيادلة وممرضون وناشطون وشباب وأطفال وكبار في السن "الشعب يريد إسقاط النواب"، و"الموت ولا المذلة".

كما رفعوا أعلاماً أردنية ولافتات كُتب عليها "معناش"، و"خرجنا لنصنع مستقبلنا"، و"جئنا نغير نهجنا بأيدينا..عشرون عاماً من الفشل، بيع مقدرات وطن، تدمير التعليم والصحة، تجويع للشعب".

وطوقت قوات الأمن والشرطة المحتجين، ومنعتهم من الوصول إلى الدوار الرابع، حيث مبنى رئاسة الوزراء.

وجلس بعض الشبان يدخنون النرجيلة على حافة الرصيف، فيما التف بعضهم حول شاب يعزف ويغني على ألحان العود. وقام محتجون بتوزيع الورود على رجال الأمن وهم يهتفون "نحنا والأمن والجيش تجمعنا لقمة العيش".

علامات:
تحميل المزيد