استعدادٌ لانهيار الاتفاق النووي تماماً، أم ورقة ضغط لحمايته؟ إيران تطور أجهزة لتخصيب اليورانيوم والأوروبيون يراقبون بحذر

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/06 الساعة 10:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/06 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش

أثار إعلان إيران، الثلاثاء 5 يونيو/حزيران 2018، بدء الاستعداد لصناعة أجهزة طرد مركزي متطورة لتخصيب اليورانيوم، ردود فعل شديدة الحذر من قبل الأوروبيين، الذين يتعرَّضون لضغوط كبيرة من قبل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، لإنهاء الاتفاق النووي مع طهران نهائياً.

اعتبر الإعلان أول ترجمة عملية لتهديدات طهران المتتالية خلال الأيام والأسابيع الماضية، ويرى مراقبون أن المعنِيَّ الأول به هي أوروبا، خصوصاً في وقت تستقبل فيه الأخيرة رئيسَ الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي يجري جولة "ضغط" على الدول الموقعة على الاتفاق، المتصدع أصلاً منذ خروج واشنطن منه الشهر الماضي.

وجاء الكشف عن الخطوة على لسان مدير منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، الذي أوضح أنها تأتي في إطار الاستعداد للدفع ببرنامج البلاد النووي إلى الأمام بشكل كبير، فور انهيار التفاهمات مع الدول الكبرى، في إشارة إلى فشل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا بتلبية مطالب بلاده والوفاء بالتزامات عام 2015.

إلا أن "صالحي"، في المقابل، أكد أن الخطوة لا تعد خرقاً للاتفاق النووي، كما جدَّد التزام بلاده به، وهو ما بعث بإشارات إلى سعي طهران لممارسة الضغوط لحماية الاتفاق، أو على الأقل امتلاك المزيد من الأوراق في حال بدأ التفاوض على اتفاق جديد، علاوة على امتلاك بنى تحتية وتقنيات كفيلة بتسريع عجلة برنامجها النووي بالفعل، في حال انهارت جسور التواصل.

تصعيد بدون خرق

يشير تقرير نشره موقع قناة "فرانس 24"، الأربعاء، أن تخصيب اليورانيوم يتيح إنتاج الوقود لتشغيل المحطات النووية، ومن ثم لإنتاج الكهرباء أو استخدامه لأغراض مدنية أخرى كالمجال الطبي.

ويمكن أن يستخدم اليورانيوم عند تخصيبه بنسب عالية وبكميات كافية لصنع قنبلة ذرية.

وحذَّر المسؤولون الإيرانيون، في مايو/أيار، من أنهم لن يمهلوا الأوروبيين أكثر من بضعة أسابيع للتفاوض، وأنهم لن يبقوا في الاتفاق إذا لم يعد بالفائدة عليهم.

كما هدَّدوا باستئناف إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، علماً أن طهران تخصبه بمعدل 3,67% بموجب اتفاق فيينا.

وإذا كانت ملامح الخطة التي أعلنها صالحي لا تزال غير واضحة، فإن نائب الرئيس الإيراني أعلن أن إيران لا تعتزم "البدء بتجميع أجهزة الطرد"، بهدف استخدامها فوراً.

والهدف المعلن هو التمكن من بلوغ، في موعد غير محدد، عتبة تتماشى مع تلك التي حدَّدها خامنئي قبل توقيع اتفاق فيينا، وقادرة على تلبية حاجات إيران بخصوص برنامجها النووي.

الأوروبيون تحت الضغوط

وتعليقاً على التحرك الإيراني، قالت فيديريكا موغيريني، مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إنه "تجري دراسة تقارير حول زيادة محتملة في قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم"، مؤكدة التزام الاتحاد بالصفقة النووية ما دامت طهران ملتزمة بتنفيذها.

وأضافت موغيريني، في مؤتمر صحفي: "نحن ندرس هذه التصريحات، وهذا كل ما نستطيع قوله في الوقت الراهن، ونؤكد التزامنا بخطة العمل الشاملة المشتركة للبرنامج النووي الإيراني، طالما إيران ملتزمة بها أيضاً". إلا أن تعليقاً رسمياً واضحاً لم يصدر عن واشنطن حتى الساعة.

كما صدرت تعليقات من مسؤولين أوروبيين آخرين، بذات المستوى من الحذر، ما أظهر حجم التحدي الذي يواجهونه.

وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان، الأربعاء، إن تصريح إيران بأنها قد تزيد قدرتها على تخصيب اليورانيوم إذا انهار الاتفاق النووي يقترب من "الخط الأحمر".

وأضاف في حديث لراديو "أوروبا-1": "من الخطر دوما اللعب بالخطوط الحمراء، لكن الخطوة… ما زالت في إطار اتفاق فيينا (النووي)".

ولا تتعلق مخاوف الأوروبيين من تمكن طهران من امتلاك قنبلة نووية بالفعل، في حال انهيار الاتفاق، كما يصرح أغلب مسؤوليهم، بقدر ارتباطها بأسباب اقتصادية وسياسية، حيث وفَّر الاتفاق للقارة العجوز فرصاً استثمارية كبيرة، ومنحها مورداً جديداً للنفط والغاز يخفف من اعتماديتها الكبيرة على روسيا.

من جانب آخر، فإن رضوخ بروكسل للإملاءات الأميركية سيؤثر بطبيعة الحال على موقفها السياسي ومصداقيتها على الساحة الدولية، وسيُلصِق بها صفات الضعف والتبعية لواشنطن.

أما على الطرف الآخر من الضغط المزدوج، تقف إسرائيل ودول حليفة للأوروبيين في الشرق الأوسط، الذين يطالبون بتقليص قدرات طهران على التدخل في شؤون المنطقة وتهديد مصالحهم.

تعليق واشنطن وتل أبيب

تعليق نتنياهو على الإعلان الإيراني كان جاهزاً بالطبع، إذ توعَّد وزير الاستخبارات والمواصلات، يسرائيل كاتس، إيران، بتشكيل تحالف عسكري دولي جديد ضدها، يضم تل أبيب والدول الغربية والعربية، إذا لم ترضخ لمطالب واشنطن حول برنامجها النووي.

وشدَّد كاتس، عضو المجلس الوزاري المصغر، في حديث للإذاعة الإسرائيلية، على ضرورة أن يرد الغرب، جنباً إلى جنب مع إسرائيل والقوى العربية، بشكل واضح على ما اعتبره "عودة طهران المتوقعة إلى تخصيب اليورانيوم".

وأشار إلى أن إعلان طهران عن نيتها تسريع عملية التخصيب "يدل على أن حالة من الهلع والذعر تعم صناع القرار في العاصمة الإيرانية".

بدورها قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، هيذر ناورت، إن "على إيران إيقاف جميع أنشطتها النووية وإيقاف تخصيب اليورانيوم"، مشدِّدة على أنه "يجب ألا تقوم طهران بأي خطوة نحو الحصول إلى القنبلة النووية".

وأضافت أن بلادها تتابع الملف مع المنظمة الدولية للطاقة الذرية، وشدَّدت على ضرورة استمرار "حملة الضغط الدولي على إيران"، مشيرة أن وفوداً أميركية قامت باجتماعات عدة مع حلفاء واشنطن مؤخراً في هذا الإطار.

وأشارت المتحدثة أن "أقصى العقوبات الأميركية ستستمر إلى أن تتراجع إيران عن برنامجها".

مناورة خطيرة!

تشير صحيفة The New York Times، في تقرير الثلاثاء، إلى أن الأوروبيين جادّون في حرصهم على الاتفاق النووي، إلا أنهم ليسوا محل ثقة بالنسبة للإيرانيين فيما يتعلق بمطلب طهران الأهم، وهو الاستمرار في شراء النفط والغاز منها.

فقد بدأت الشركات الأوروبية تعلن مغادرة السوق الإيرانية واحدة تلو الأخرى، على وقع التهديدات الأميركية.

وتنقل الصحيفة عن الزعيم الإيراني، علي خامنئي، قوله: "الأوروبيون يتوقعون من الشعب الإيراني أن يتفهم ويتعايش مع العقوبات الاقتصادية، وأن يتخلّوا عن الأنشطة النووية، التي تعد ذات أهمية مطلقة لمستقبل البلاد، علاوة على القيود الأخرى".

واستدرك قائلاً: "أود أن أقول لتلك الحكومات إن هذا الحلم السيئ لن يصبح حقيقة".

كما أرجع تقرير لموقع شبكة BBC البريطانية، الخطوة الإيرانية إلى سعيها إثبات أنها لن تقف عاجزةً أمام انهيار الاتفاق النووي، وأنها تمتلك خيارات أيضاً، بالتزامن مع إشارات بإمكانية تراجع الموقف الأوروبي.

في المقابل، يحذر التقرير من تسبُّب الخطوة بتقليل خيارات الأوروبيين، وإجبارهم على الاختيار بين طهران وواشنطن، أو إرسال إشارات سلبية إزاء الطموح النووي الإيراني، الذي كانت طهران تنفي أنه يسعى إلى إنتاج قنبلة نووية.

أضف إلى ذلك أن بروكسل قد تجد في أي تحركات إيرانية نحو "الخطوط الحمراء" أعذاراً كافية للتنصل من الاتزامات، والخروج من الاتفاق النووي، لا بحجة الارتهان للقرار الأميركي، بل بحجة ممارسات طهران.

الأهداف الإيرانية

يشير المشهد إلى وجود عدة أهداف لدى إيران من خطوتها، وربما خطواتها المشابهة القادمة، أبرزها المزاوجة بين إرضاء المتشددين في البلاد من خلال التصعيد ورد "الصاع بالصاع"، من جهة، وممارسة الضغوط على الأوروبيين لدفعهم إلى التمسك بالاتفاق، وإقناع ترمب، وربما دول الشرق الأوسط وإسرائيل، بخطورة انهياره.

من جانب آخر، وبالرغم من تأكيد طهران ألا تفاوض على اتفاق جديد، فإنها قد تدرك في مرحلة ما أن الرئيس الأميركي لا يريد سوى اتفاق باسمه لا باسم سلفه، باراك أوباما، وبالتالي تنزل عند طلب التفاوض من جديد، وإلى ذلك الحين يتوجب عليها امتلاك المزيد من الأوراق القوية لتحسين فرصها على الطاولة.

 

تحميل المزيد