إيران تعود لبناء قدراتها النووية.. والأوروبيون لم يستطيعوا لومها ولا حتى حماية “بيجو”.. فهل اقتربت لحظة انهيار الاتفاق؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/06 الساعة 20:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/06 الساعة 20:03 بتوقيت غرينتش
Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2016-08-08 18:33:43Z | | Lÿÿÿÿ

بدا الأوروبيون والإيرانيون معاً حريصين على حماية الاتفاق النووي في الأيام التي تلت قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالانسحاب منه، ولكن هذا التفاؤل بدأ يتغير.

 فعقب قرار ترمب تعهَّد المسؤولون الأوروبيون بإنقاذ الاتفاق، حتى لو كان ذلك يعني التفاوض على حوافز مالية جديدة لطهران من أجل البقاء فيه. وفي هذه الأثناء، قالت إيران إنَّها ستواصل الحد من إنتاجها لليورانيوم المُخصَّب والسماح للمفتشين الدوليين بدخول البلاد.

لكن يبدو أنَّ استعداد طهران المواصلة حتى النهاية بدأ يتراجع والأوروبيون قد لا يستطيعون حماية شركاتهم، حسب مقال لآماندا إريكسون الصحفية المتخصصة بشؤون السياسة الخارجية، نشرته في صحيفة The Washington Post الأميركية.

إذ دعا وزير الخارجية الإيراني الأحد الماضي، 3 يونيو/حزيران 2018، نظراءه الأوروبيين للوقوف في وجه ترمب و"تعويض خسائر إيران". وبعد ذلك بأيام، قال المرشد الأعلى  للبلاد آية الله على خامنئي، إنَّ الجهود الأوروبية الحالية ليست قريبة من الحد المطلوب لتبرير الإبقاء على  الاتفاق كما هو.

وأضاف: "يتوقع الأوروبيون من الشعب الإيراني أن يتصالح مع العقوبات ويتصدى لها، وأن يتخلى عن أنشطته النووية، التي تُمثِّل مُتطلَّباً مطلقاً لمستقبل البلاد، وأيضاً أن يواصل في ظل القيود التي فُرِضَت عليه. سأخبر تلك الحكومات أنَّ هذا الحلم السيئ لن يتحقق".

ولكن الإيرانيين تخطوا التلويح بالكلمات إلى التحرك لإعادة بناء قدراتهم النووية  

وربما جاءت الخطوة الأكثر دلالة أمس الثلاثاء، 5 يونيو/حزيران 2018، حين بدأت إيران تعود لبناء قدراتها النووية.

إذ أعلن المسؤولون الإيرانيون أنَّهم بدأوا العمل على تركيب أجهزة طرد مركزي جديدة في موقع نطنز النووي. وتُعَد نطنز هي أكبر منشأة نووية إيرانية، وبدأت العمل في 2007 في انتهاكٍ لجهود الأمم المتحدة الساعية لإحباط البرنامج النووي للبلاد.

ويمكن لمنشأة نطنز إنتاج يورانيوم منخفض التخصيب، والذي يمكن استخدامه لمفاعلات الطاقة النووية المدنية، لكنَّها قادرة أيضاً على تخصيب اليورانيوم إلى مستوى أعلى بكثير، وصولاً إلى مستوى حوالي 90% مما هو مطلوب لإنتاج سلاحٍ نووي.

وتعهَّدت طهران حتى الآن بإبقاء برنامج التخصيب لديها ضمن حدود اتفاق 2015 النووي، والذي يسمح لإيران بالإبقاء على مخزون من اليورانيوم المخصب عند مستوى 5% أو أقل مما هو مطلوب لإنتاج سلاح نووي.

لكنَّ الخبراء يقولون إنَّ تركيب أجهزة الطرد المركزي الجديدة في نطنز يُعَد علامة تحذيرية، وإشارة على أنَّ خامنئي كان جاداً حين وعد بزيادة التخصيب في حال انهار الاتفاق.

ليس مؤشراً للانسحاب.. ولكن الاتفاق يقترب من نقطة عدم الاستمرار

 "هذا الإعلان ليس بحد ذاته مؤشراً على رغبة الإيرانيين بالانسحاب من الاتفاق"، حسبما يعتقد علي فائز، مدير مشروع إيران بمجموعة الأزمات الدولية، بالنسبة له، إنَّها سبيل مدروسة بحرص من إيران لإظهار جديتها حيال إعادة بدء البرنامج النووي دون انتهاك شروط الاتفاق. لكنَّ ذلك قد يتغير.

وأضاف فائز أنَّ "هناك نقطة تحول يصبح بعدها (الاتفاق) غير قابل للاستمرار سياسياً"، وتلك النقطة تقترب بسرعة ربما.

وكتب المراسل الدبلوماسي لهيئة الإذاعة البريطانية BBC جوناثان ماركوس، أنَّ "هذه إشارة واضحة من طهران على أنَّها ليست مجرد متفرج وأنَّ لديها خيارات أيضاً في حال انهاء الاتفاق النووي".

ولكن ما موقف الأوروبيين من هذه التصرفات؟

غرَّد مراسل صحيفة The Wall Street Journal الأميركية في بروكسل لورنس نورمان قائلاً: "الاتحاد الأوروبي ليس سعيداً بإعلان (علي أكبر) صالحي بشأن الاتفاق النووي الإيراني، لكنَّه، وكما ذُكِر من قبل، يقول إنَّ ذلك ليس انتهاكاً للاتفاق.

إذ قالت المتحدثة باسم فيديريكا موغريني، مفوضة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي: "بعد تقييمٍ أولي، لا تُعَد الخطوات المُعلنة بحد ذاتها انتهاكاً لخطة العمل الشاملة المشتركة. لكن في هذه المرحلة الحساسة للغاية، لن تساهم تلك الخطوات في بناء الثقة حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني".

ويبدو أن قدرات الأوروبيين لا تستطيع مواكبة نواياهم الصالحة

ويكافح المسؤولون الأوروبيون من أجل التوصل إلى حزمة من الحوافز تروق لطهران. إذ أتاح الاتفاق النووي لإيران فرصاً هائلة لدخول السوق العالمية، لكنَّ قرار ترمب بإعادة فرض العقوبات يجعل جنْي البلاد تلك الفوائد الاقتصادية التي تشتد الحاجة إليها أمراً أصعب.

ومن الصعب تصوُّر كيف يمكن للأوروبيين الحفاظ على حرية وصول إيران إلى أسواق النفط والنظام المالي العالمي، وهما مجالان يعتمدان بشدة على الولايات المتحدة.

 وكما أوضحت وكالة Reuters، "فإنَّ الأوروبيين يكافحون لإقناع الشركات بالبقاء في إيران أو لخلق الأدوات المالية التي تُمكِّن حتى تلك الشركات من فعل ذلك".

حتى إن شركة بيجو الفرنسية قررت الانسحاب رغم مصالحها الكبيرة

وانسحبت العديد من الشركات بالفعل من السوق الإيرانية، بما في ذلك General Electric الأميركية وعملاق السيارات الفرنسي مجموعة Groupe PSA المُصنِّعة لسيارات بيجو وسيتروين. وفي عام 2017، أنتجت المجموعة 440 ألف سيارة في إيران، لكنَّها بدأت بإغلاق نقاط تجميعها مع صُنَّاع السيارات المحليين. (تقول المجموعة إنَّها ستسعى للإعفاء من العقوبات من الولايات المتحدة).

وإذا كان إعلان انسحاب المجموعة التي تضم بيجو وسيتروين وأوبل من إيران يشكل انتكاسة للاستراتيجية الدولية لهذه المجموعة الفرنسية لصناعة السيارات، فهو يطرح أيضاً تساؤلات أكبر حول ثقة الشركات بقدرة أوروبا على الصمود بوجه القرارات الأميركية.

وعلقت شركة "إينفست سكيوريتيز" للتحليل المالي على هذا القرار بالقول "إن إيران سوق كبير للسيارات للمجموعة حيث باعت نحو 450 ألف عربة في 2017، وإن هذه السوق يمكن أن تزداد ثلاثة أضعاف بحلول 2030 ويمكن أن تتفوق على السوق الفرنسية نفسها".

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2016، أكد رئيس "PSA" كارلوس تافار أن إيران ستلعب دوراً "مركزياً" في تطوير المجموعة داخل الشرق الأوسط، الذي يرتدي على حد قوله أهمية استراتيجية. و"ستكون المصنع الأول" في المنطقة، و"قاعدة التزويد الأولى للمنطقة".

ويشكل انسحاب المجموعة الفرنسية عقبة إضافية لها في استراتيجيتها الدولية التي تعاني من الصعوبات، مع انهيار مبيعاتها في الصين بين 2016 و2017 وكونها لا تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها في روسيا.

أما رينو التي تملك 43% من شركة نيسان، التي تتمتع بحضور قوي في الولايات المتحدة، فلم تعلن موقفها بعد. 

وعلق فلافيان نوفي مدير مرصد سيتيليم للسيارات "إن الدخول في مواجهة مع السلطات الأميركية حول إيران يعتبر خطراً كبيراً بالنسبة إلى الشركات الفرنسية ذات الوزن العالمي، إذ هي بحاجة إلى الدولار في نشاطاتها ومن غير الممكن تجاهل قرار الولايات المتحدة".

عزلة إيران تقوي المحافظين الذين وعدوا بتقديم اقتصاد بديل

وفي الوقت نفسه، يحوم أعداء إيران. إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مطلع الأسبوع الجاري، إنَّ تهديدات إيران بزيادة قدرات تخصيب اليورانيوم لديها، يُظهِر أنَّ البلاد لا تزال ترغب في تدمير إسرائيل. وحثَّ نتنياهو الحلفاء الأوروبيين على التخلي عن الاتفاق.

ومن المُرجَّح أن تجعل الضغوط المشتركة الاقتصادية والسياسية من الصعب على معتدلي إيران إقناع الشعب بأنَّ البقاء في الاتفاق هو الأفضل لمصلحتهم.

إذ كتب بيتر بينارت في مجلة The Atlantic الأميركية: "من المُرجَّح أن تتنامى عزلة إيران اقتصادياً بصورة أكبر مما كانت على مدار السنتين السابقتين.

ففي الفترة التي سبقت إعلان انسحاب ترمب، تراجعت قيمة العملة الإيرانية، الريال، ما أثار مخاوف بشأن تضخم شديد. وأفاد هذا على نحوٍ متوقع المحافظين الموالين للنظام، الذين ردوا بالتعهد ببناء "اقتصاد مقاومة" تهيمن عليه الدولة.

حتى إن روحاني قد يضطر للانسحاب والثمن في النهاية سيدفعه هؤلاء

وربما لا يستطيع الرئيس الإيراني الحفاظ على سلطته إلا إذا انسحب من الاتفاق. وعلى حد قول زميلي إيشان ثارور "يبدو مستبعداً على نحوٍ متزايد أن يتمكَّن الرئيس روحاني -الذي دعم الدبلوماسية مع الغرب- من مقاومة الدعوات الصادرة من متشددي بلاده للتراجع عن جانبهم هم أيضاً من الصفقة".

لكن في حال انسحبت إيران من الاتفاق وواجهت مزيداً من العقوبات من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، فإنَّ ذلك لن يكون سيئاً للإيرانيين وحدهم. فالعقوبات كثيراً ما تستأصل التحرك باتجاه الديمقراطية، ومكافأة المتشددين والديكتاتوريين وإسكات المعارضة.

وكما يقول ريتشارد نيفيو، الباحث بجامعة كولومبيا والذي عمل على موضوع عقوبات ومفاوضات إيران لصالح إدارة الرئيس باراك أوباما، فإنَّ إعادة فرض العقوبات "فرصةٌ لتقييد التواصل مع البلاد وتواصل شعب البلاد مع العالم الخارجي. وهذه الفكرة بشأن اقتصاد المقاومة جذابة للغاية بالنسبة لهم، في ظل رؤيتهم أنَّ الانفتاح يمكن أن يضر بسيطرتهم أو يُقوِّضها".

تحميل المزيد