في رسالة شكر إلى رئيس وزرائه السابق د.هاني الملقي، بعد قبول استقالته، قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني: "إن التحديات التي تحيط بالأردن غير مسبوقة بتشعّبها وتنوعها وامتدادها، منها ما هو إقليمي على حدودنا المباشرة، ومنها ما هو أبعد، وفي العالم الأرحب".
مساء اليوم نفسه كرر كلمة "التحديات".
في قصر الحسينية بالعاصمة عمّان، وفي لقائه بمديري وسائل الإعلام الرسمية ورؤساء تحرير صحف يومية ونقيب الصحفيين وكتّاباً صحفيين، قال الملك عبد الله إن "الوضع الصعب الذي يمر به الأردن يتطلب التعامل معه بحكمة ومسؤولية، وإذا أردنا أن نسير إلى الأمام كأردنيين فلا بد أن نتعامل مع التحديات التي أمامنا بطريقة جديدة بعيداً عن الأسلوب التقليدي".
أضاف أن الأردن "يقف اليوم أمام مفترق طرق، إما الخروج من الأزمة وتوفير حياة كريمة للشعب، وإما الدخول –لا سمح الله– بالمجهول، لكن يجب أن نعرف إلى أين نحن ذاهبون".
ما هي التحديات التي تحدث عنها الملك، والأخرى التي سكت عنها؟ وهل ظهرت ضغوطها على الأردن فجأة؟
1 ارتفاع الإنفاق الحكومي: هكذا ننفق الزيادات الضخمة
قفز بند الإنفاق الحكومي في الموازنة المركزية خلال عقد من الزمان بنسبة 50%، لتتجاوز 9 مليارات دينار في 2018 مقارنة بـ6 مليارات دينار لعام 2009. (الدينار الأردني 1.41 دولار أميركي).
في ميزانية هذا العام (2018( مثلاً، ارتفعت نفقات الأجهزة الأمنية إلى 88 مليون دولار؛ لتصل نفقات الداخلية في مجموعها إلى مليار و707 ملايين دولار.
ارتفعت نفقات الديوان الملكي بنحو 4 ملايين دولار عن العام الماضي (2017)؛ لتصلَ إلى نحو 71 مليون دولار.
في الوقت نفسه، لم ترتفع نفقات باقي الوزارات بشكل حقيقي، سوى نفقات وزارة التربية والتعليم التي زادت نحو 65 مليوناً، وخُفّضت ميزانية التعليم العالي والبحث العلمي بنحو 11 مليوناً.
2 جيوش اللاجئين: نحن ننفق الملايين نيابة عن العالم
تحدث العاهل الأردني بالنص عن "الضغط المتزايد على الخزينة والقطاع التجاري والاستثمار نتيجة الإنفاق المتزايد على الدولة الأردنية، وفي جزئه الأكبر نيابة عن المجتمع الدولي، فقد عانينا، كخزينة ومواطنين، من الفجوات التمويلية وارتفاعات في أسعار الكثير من السلع والحاجات الضرورية، مما أثر بشكل مباشر على مستوى حياة المواطن ولقمة عيشه".
استخدم الملك عبد الله هذا التعبير للإشارة إلى نحو مليوني فلسطيني يعيشون على التراب الأردني من عشرات السنين، وأكثر من 650 ألف لاجئ سوري هبطوا الأردن في الأعوام الأخيرة.
ملك الأردن في 2013: نحو 600 ألف لاجئ سوري يستنزفون موارد المملكة
وقبل عام، قالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إن الأردن يسجل ثاني أعلى نسبة استقبال لاجئين في العالم، بنسبة 89 لاجئاً لكل 1000 مواطن. وقدرت أعدادهم بأكثر من 736 ألف نسمة. ويمثل السوريون 90% منهم، يضاف إليهم –بحسب الحكومة– نحو 700 ألف سوري دخلوا المملكة قبل اندلاع النزاع.
ويعيش في الأردن 750 ألف فلسطيني بجواز مؤقت، ويحقُّ لهم استخراج جواز سفر يُجدّد كلَّ 5 أعوام.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، قالت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين إن تكلفة استضافة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين فوق أراضي المملكة "تجاوزت 10 مليارات دولار أميركي منذ اندلاع الأزمة، ويقدر الأردن نفقات العام الحالي بنحو 1.7 مليار دولار، وفق الخارجية".
وقد حصل الأردن على ما نسبته 59% خلال عام 2017 من إجمالي مقدرات حاجته للعام نفسه؛ لدعمه في مواجهة تكاليف اللجوء السوري.
3 تراجع المساعدات الخارجية: ما عاد حد يعطينا فلوس
تذهب المساعدات الأجنبية إلى 3 مسارات:
دعم الموازنة العامة
دعم مشاريع تنموية في المجتمعات المستضيفة
ودعم اللاجئين.
في أكتوب/ تشرين الأول 2017، كان رئيس الوزراء المستقيل، هاني الملقي، يتحدث أمام ممثلي القطاع التجاري في غرفة تجارة عمان، حين فاجأهم بعبارة عامية: "ما عاد حد يعطينا فلوس.. يجب أن نعتمد على أنفسنا ونحن الأقدر على ذلك".
وفي كلمة العاهل الأردني للصحفيين مساء الإثنين 4 يونيو/حزيران 2018، تحدث عن "انخفاض حاد في مستويات المساعدات التي كانت تعين وطننا في إرساء قواعد الأمن بالمنطقة، وخدمة أشقائه اللاجئين إلى هذا البلد الحر الأبي".
وفي كلمته قبل يومين، قالها الملك بوضوح: إن المساعدات الدولية للأردن انخفضت رغم تحمل المملكة عبء استضافة اللاجئين السوريين.
المساعدات الخارجية الكلية التي تم التعاقد عليها في 2017 من مختلف الجهات المانحة ومؤسسات التمويل الدولية بلغت 2.99 مليار دولار.
قيمة المنح الموجهة لدعم اللاجئين، وضمنها المساعدات الإنسانية، نحو 653 مليون دولار.
إجمالي حجم المساعدات الخارجية التي تعاقد عليها الأردن لعام 2017 نحو 3.65 مليارات دولار.
زادت المساعدات الخارجية في العام الأخير بنحو نصف مليار دولار مقارنة مع إجمالي المساعدات الخارجية في 2016، والتي كانت 3.15 مليار دولار.
لكن قبل الاحتفال بهذه الزيادة، نستمع إلى ما قاله وزير التخطيط والتعاون الدولي، عماد الفاخوري، في فبراير/ شباط 2018: " على الرغم من زيادة حجم المساعدات الخارجية للمملكة لعام 2017، فإن الأرقام تُظهر انخفاض حجم المنح الموجهة لدعم الموازنة العامة، في ضوء قرب استنفاد المبلغ المخصص للأردن من المنحة الخليجية، وعدم كفاية زيادة المساعدات الخارجية مع حجم الأعباء المتزايدة على الأردن، الأمر الذي يؤكد ضرورة تعميق مفهوم الاعتماد على الذات".
الولايات المتحدة هي من كبرى الدول المانحة للبلاد بمساعدات تتجاوز مليار دولار سنوياً؛ وحصل الأردن العام الماضي (2017) على 1.21 مليار، لكن دول الخليج مجتمعةً تقدم الإسهام الأكبر من المساعدات الخارجية. وبلغ حجم المشاريع التي تم توقيع اتفاقيات لتمويلها، نحو 3.48 مليار دولار، وفقاً لموقع وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية، وذلك في إطار المنحة الخليجية للأردن، والتي تم الاتفاق عليها عام 2011، بقيمة 5 مليارات دولار.
وأظهرت إحصائية الوزارة انخفاض حجم المساعدات السعودية من 474 مليون دولار في 2015 إلى 165 مليون دولار فقط في 2017.
4 توقف الغاز المصري: تحولنا إلى استخدام الوقود الثقيل والديزل
ولفت الملك عبد الله إلى أن الأوضاع الإقليمية المحيطة بالأردن، من "انقطاع الغاز المصري، الذي كلفنا أكثر من 4 مليارات دينار، (قرابة 5.64 مليار دولار)؛ بسبب التحول لاستخدام الوقود السائل والثقيل والسائل لتوليد الكهرباء للمواطنين.
تعود بداية هذا الانقطاع لعام 2011 بعد أن تعرض خط أنابيب تصدير الغاز الممتد من مدينة العريش شمال سيناء المصرية إلى مدينة العقبة الأردنية لأكثر من 30 تفجيراً، قامت بها جماعات مسلحة في سيناء، بداية من فبراير/شباط 2011 وحتى عام 2015، قبل أن يتوقف الخط الذي كان يمد الأردن بنحو 90 مليون قدم مكعبة يومياً من الغاز الطبيعي.
وبحسب بيانات رسمية أردنية، فقد وصلت تكلفة انقطاع الغاز المصري عن الأردن لنحو 6 مليارات دولار؛ وذلك بسبب التحول لاستخدام الوقود الثقيل والديزل لتوليد الكهرباء.
5 ملف القدس: يعاقبوننا على موقفنا من صفقة القرن
في فبراير/شباط 2017، تحدث الملك عبد الله عن ضغوط "اقتصادية" على بلاده بسبب موقفها السياسي من قضية القدس، وأنها تلقت رسائل في هذا الصدد، تعِدها بتعديل الوضع في حال سارت بما هو مطروح دولياً بخصوص وضع المدينة، مضيفاً أن بلاده قد لا تمتلك الكثير من الإمكانيات، ولكنها "أكبر من حدودها".
لا أحد يعرف بدقة، ما هو "مطروح دولياً" بشأن القدس في صفقة التسوية النهائية بالشرق الأوسط، وخصوصاً ما هو نصيب القدس من صفقة القرن. غير أن صحيفة معاريف الإسرائيلية تحدثت عن عرض أميركي بتخلي إسرائيل عن 4 أحياء في القدس الشرقية المحتلة؛ شعفاط وجبل المكبر والعيساوية وأبو ديس، ونقلها إلى السلطة الفلسطينية، وفصلها عن القدس، التي تبقى عاصمة لإسرائيل.
بعيداً عن الموقف السياسي والارتباط الجوهري بين عمّان والقدس، والعائلة الهاشمية وثاني الحرمين، يبدو الحديث عن "ضغوط اقتصادية"، بسبب الخلاف في الرأي، مثيراً للتساؤل، فالملك الأردني لا يشير إلى الجهة التي تعاقب الأردن، وهل هي الولايات المتحدة أم أطراف هنا في المنطقة.
6 الحدود مع سوريا والعراق: خسرنا أكبر زبائن المنتجات الأردنية
في حديث الملك عبد الله، كانت هناك إشارة أيضاً إلى "إغلاق الحدود مع الأسواق الرئيسية للمملكة، والكلف الإضافية والكبيرة لتأمين الحدود".
وعن التجارة مع سوريا والعراق، وعن تكلفة حماية الحدود معهما يدور حديث العاهل الأردني. وقبل الحروب والأزمات في الجارتين الأقرب، كانتا تمثلان مع السعودية أكبر أسواق التصدير للمنتجات الأردنية. لكن حركة التجارة إلى الدول الثلاث تتسم بعدم الاستقرار؛ بسبب توالي الأحداث العسكرية والسياسية.
ويقدر رئيس غرفة تجارة عمان العين عيسى حيدر، قيمة البضائع المعاد تصديرها من الأردن للعراق عن طريق (الترانزيت) بنحو 1.5 مليار دينار سنوياً، ورغم إعادة فتح المنفذ البري مع العراق أواخر 2017 بعد 3 سنوات من إغلاقه، فإن عبور الصادرات الأردنية إلى السوق العراقية لا يزال يواجه عقبات كبيرة.
أيضاً، أعلنت غرفة صناعة عمان عن ارتفاع الصادرات إلى سوريا، خلال2017 إلى 83 مليون دينار أردني، بنسبة زيادة 160%، مقارنة مع 32 مليون دينار للفترة ذاتها من 2016. ويقول موقع The Economist إنه في 2010 كانت أكثر من 20 في المائة من صادرات الأردن تذهب إلى العراق وسوريا، وكانت صادرات الأردن إلى العراق تتراوح بين 800 مليون ومليار دولار سنوياً. وكانت هذه الصادرات في غالبيتها من الأغذية والسلع الاستهلاكية الأخرى ومواد البناء، ذات القيمة المضافة العالية، التي يعمل في مصانع إنتاجها عشرات الآلاف من قوة العمل الأردنية.
صادرات الأردن للعراق لم تتجاوز في العام الماضي 300 مليون دولار.
7 موازنة 2018: من أين نأتي بهذه الإيرادات؟
في الموازنة الجديدة، يبلغ إجمالي النفقات أكثر قليلاً من مليار دينار.
الإيرادات العامة نحو 8 مليارات ونصف المليار، من ضمنها المنح الخارجية بقيمة 700 مليون دينار.
أي إن العجز 543 مليون دينار.
معضلة الاقتصاد الأردني في الحصول على إيرادات دائمة، فالبلد الذي يعيش على المساعدات الدولية والقروض قليلة الفائدة، عليه أن يتحمل تقلبات السياسة، وتحولات الأصدقاء، إضافة إلى ما يحيكه الخصوم في وضح النهار.
8 وصفة صندوق النقد: ليست هذه كل قائمة الدواء المر
في 25 أغسطس/آب 2016، زف صندوق النقد الدولي نبأ موافقته على إتاحة نحو 723 مليون دولار أميركي للأردن، تُصْرَف على أقساط في 3 سنوات.
صندوق النقد سبق أن اشتكى من أن اقتصاد الأردن يعاني فواتير الأجور المرتفعة وضيق القاعدة الخاضعة لضريبة الدخل، لكن الاتفاق جعله شريكاً في القرارات الاقتصادية التي تخص الضرائب والدعم وكل شيء.
وصفة الصندوق دخلت حيز التنفيذ برفع الدعم عن الوقود مطلع العام الحالي (2018( لتتوالى قرارات مماثلة برفع الدعم عن الخبز والكهرباء، و"حزمة كبرى من زيادات الضرائب بتوجيه من صندوق النقد الدولي، تقول الحكومة إنها ضرورية لخفض المستوى القياسي للدين العام تدريجياً، ولإعادة الاقتصاد الذي تضرر جراء الصراع الإقليمي إلى النمو مجدداً"، على حد وصف وكالة رويترز. ولقيت كل هذه القرارات استياء شعبياً واسع النطاق، ترجمته الجماهير إلى مظاهرات انتهت باستقالة حكومة هاني الملقي قبل أيام.
الكاتبة جمانة غنيمات ترى أن الحكومة لم تنصت لتوجيهات صندوق النقد الدولي في موضوع الخبز، واكتفت بزيادة الإيرادات كما هو مطلوب منها بمبلغ يزيد على 900 مليون دينار، "بند الإنفاق يقود إلى سؤال الاعتماد على الذات والسير بهذا الاتجاه؛ إذ كيف يستوي ذلك وحجم النفقات يتسع عاماً بعد عام، وأيضاً نمو الناتج المحلي لا يكفي لشيء، فيبقى السؤال: متى سيتسنى لنا في الأردن أن نوفر 9 مليارات دينار من الإيرادات المحلية حتى نعتمد فعلاً على ذاتنا، الجواب: يبدو أن الأمل ضعيف في تحقيق هذا الهدف".