قال رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل، الثلاثاء 6 يونيو/حزيران 2018، إن مصر ستبدأ استيراد الأرز، وهو محصول عادة ما تُحقق فائضاً فيه، وذلك لزيادة المعروض، ومن أجل "ضبط السوق".
ومنتصف أبريل/نيسان 2018 عمدت مصر إلى تقليص زراعة الأرز، كثيف الاستهلاك للمياه، من أجل توفير استهلاك ماء النيل. وفي ذلك الوقت قال تجار إن تلك السياسة ستُفضي إلى استيراد مصر ما يصل إلى مليون طن من الأرز في العام القادم، بعد أن كانت بلداً يُصدّر الأرز لبلدان حول العالم. شريف إسماعيل شدَّد على أن تكون الأصناف المستوردة بنفس الجودة المماثلة للأرز المصري، لضبط السوق، وزيادة المعروض، حد قوله.
بدأت آثار السد المدمرة
وقرب منابع النيل، تتأهب إثيوبيا لملء الخزان القابع خلف سد النهضة المشيَّد حديثاً بقيمة 4 مليارات دولار، وقد تبدأ بتعبئته خلال العام الجاري (2018).
وقد يكون لملء سد النهضة آثار مدمرة على المزارعين في مصر، والذين يعتمدون منذ قديم الأزل على نهر النيل لزراعة المحاصيل المختلفة للسكان المحليين البالغ تعدادهم الآن 96 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يصلوا إلى 128 مليوناً بحلول عام 2030.
البرلمان وتقليص المساحات المزروعة
وكان البرلمان المصري وافق في جلسة عقدت منتصف أبريل/نيسان 2018، على إجراء تعديلات تتعلق بقانون الزراعة، تقتضي بتقليص المساحات المزروعة بالأرز لتصبح 723 ألف فدان بدلاً من مليون و70 ألف فدان في العام الماضي، بالإضافة لتوقيع عقوبتي الحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر وغرامة لا تزيد على 20 ألف جنيه/ ما يعادل 1131 دولاراً أميركياً عن الفدان الواحد أو كسور الفدان، بحق الفلاحين الذين يزرعون محاصيل شرهة للمياه كالأرز في مناطق غير التي حددتها الحكومة.
تشمل المحاصيل الشرهة للمياه الأرز وقصب السكر والموز، ويأتي هذا القانون بعد إعلان وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور، ونظيره المصري سامح شكري فشل مفاوضات سد النهضة الأثيوبي التي جرت بداية أبريل/نيسان الماضي في إثيوبيا، بحضور وزراء الخارجية والري ورؤساء أجهزة المخابرات لدول مصر والسودان وإثيوبيا.
وضمن خطوات تنفيذ القانون السابق ذكره، أكد وكيل وزارة الزراعة في محافظة الدقهلية محمد السيد عبدالله يوم الثلاثاء 1 مايو/أيار الجاري، أن قوة مشتركة من الشرطة ومديرية وزارة الري أزالت 50 فداناً و11 قيراطاً و10 أسهم كانت مزروعة بالأرز في المحافظة، وذلك بالمخالفة للقرار الوزاري الذي حدد المساحات والأماكن المصرح لها بزراعة المحصول لهذا الموسم.
يعتبر محصول الأرز من الأغذية الأساسية للشعب المصري باحتلاله المركز الثاني في المكونات الغذائية للمصريين، كما يعد من المحاصيل التصديرية المهمة للاقتصاد المصري أيضاً؛ وذلك لوفرة إنتاجه وجودته، لكن بعد صدور هذا القانون سنشهد حدوث متغيرات على هذا الوضع الذي سنحاول شرحه بالأرقام الدقيقة.
ليست الأزمة الأولى
يُزرع الأرز في مصر في تسع محافظات أشهرها كفر الشيخ والدقهلية والبحيرة والشرقية والغربية ودمياط والفيوم، وتعد زراعته بالنسبة للفلاح ليست مجزية اقتصادية فقط لكنها مفيدة كذلك للأرض الزراعية مرتفعة الأملاح، فمثلاً في محافظة الفيوم نظراً لأن أراضيها منخفضة تترسب بها الأملاح فيزرع المزارعون الأرز لغسل الأرض، وبدون هذه العملية ستفسد الأراضي الزراعية.
وليست هذه المرة الأولى التي تحدث فيها أزمة تجاه زراعة الأرز، ففي عام 2008 أصدرت وزارة الزراعة قراراً بمنع زراعة الأرز في بعض المناطق بمحافظة الفيوم والشرقية والغربية، إلا أن بعض مزارعي الفيوم لجأوا للقضاء ونجحوا في الحصول على حكم قضائي يسمح لهم بزراعة الأرز، وعندما نفذوا الحكم أقدمت السلطات على تجريف أراضيهم وحبس بعضهم.
وقد بلغ إنتاج حقول الأرز بمصر عام 2016 نحو 5.1 مليون طن، وذلك مقابل استهلاك سنوي يبلغ نحو 3.3 مليون طن، لكن المزارعين رفضوا بيعه للحكومة التي كانت تستهدف شراء نحو 2 مليون من الأرز الشعير بسعر 2300 جنيه لطن الأرز الحبة الرفيعة، و2400 جنيه لطن الأرز الحبة العريضة، وذلك أملاً في بيعه بسعر أعلى، وبدلاً من محاولة الحكومة حل المشكلة وشراء الأرز بسعر عادل للمنتجين لجأت وزارة التموين لطرح مناقصات لاستيراد الأرز لتأمين احتياجات البطاقات التموينية منه، ولدفع التجار والمزارعين لتخفيض سعره محلياً.
الحكومة محاصرة بين عجز الإنتاج وشح المياه
سيبلغ إجمالي الإنتاج المتوقع بعد تطبيق قانون تقليص زراعة الأرز 1.7 مليون طن أرز أبيض، بينما يصل الاستهلاك المحلي إلى 3.3 مليون طن، مما يعني وجود عجز قرابة 1.5 مليون طن، لكن على الناحية الأخرى هناك عجز في حصة مصر من نهر النيل لا بد من العمل على تجاوزه، فهذه الحصة تُقدر بـ 55 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، يبلغ نصيب الفرد منها 600 متر مكعب سنوياً، وهو تحت خط الفقر المائي الذي حُدد فيه نصيب الفرد بألف متر مكعب.
تستهلك الزراعة ما يقرب من 82% من مياه مصر بنحو 36 مليار متر مكعب، ويعد الأرز في مقدمة المحاصيل التي تستهلك المياه إذ يستهلك وحده 14 مليار متر مكعب تمثل 25% من حصة مصر من المياه، ففدان الأرز يبلغ استهلاكه نحو 7 آلاف متر مكعب من المياه، على الرغم من أنه لا يستمر إلا نصف عام فقط في الأرض.
رحلة الأرز في مصر: من التصدير إلى الاستيراد
بالعودة إلى الدراسات التي أُجريت عام 2011 سنجد أن القيمة النقدية لإنتاج الرز المصري المحلي بلغت نحو 11.4 مليار جنيه بما يمثل نحو 3.8% من قيمة الإنتاج الزراعي، وكان الأرز آنذاك من ضمن محاصيل الحبوب التي تتمتع فيها مصر باكتفاء ذاتي بل وفائض للتصدير.
فقد بلغ معدل الاكتفاء الذاتي من الأرز عام 2011 نحو 148.7%، وذلك بزراعة ما يقرب من 1.4 مليون فدان أرز صيفي تمثل نحو 30.4% من إجمالي مساحة المحاصيل الصيفية، ونحو 9% من إجمالي مساحة المحاصيل لعام 2011، لتعد مصر بذلك أكبر مُنتج للأرز في الشرق الأوسط بإنتاج بلغ حوالي 5.67 مليون طن.
وكان محصول الأرز من المحاصيل التصديرية المهمة قبل أن يوقف تصديره عام 2016، فقد بلغت قيمة صادراته نحو 2.06 مليار جنيه مصري، بما يمثل قرابة الـ 32.3% من جملة الصادرات الزراعية المصرية كمتوسط خلال الفترة من عام 2009 إلى عام 2012.
لكن بعد تطبيق قانون تقنين زراعة الأرز يتوقع وكيل لجنة الزراعة بالبرلمان ورئيس المجلس التصديري للحاصلات الزراعية عبدالحميد الدمرداش، أن تستورد مصر نحو مليون و500 ألف طن من الأرز، والذي كان يباع الكيلو غرام منه قبل عامين بنحو ثلاثة جنيهات ووصل سعره اليوم إلى 10 جنيهات، ومن المتوقع زيادة سعره بعد بدء مصر في استيراده.