عام على الأزمة الخليجية.. مكاسب ميدانية لدول الحصار بساحات بعيدة وقطر تفوز بمعركة العقول.. وطرف خارجي أبرز الرابحين

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/05 الساعة 20:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/06 الساعة 09:55 بتوقيت غرينتش

أمامكم مهلة عشرة أيام للاستجابة لمطالبنا الثلاثة عشر.

أي عملية وساطة يجب أن تكون على أساس المبادىء الستة.

أزمة قطر صغيرة وتحل وفقاً للمبادرة الكويتية.

ثلاثة مواقف للدول العربية الأربع مصر والسعودية والإمارات والبحرين على مدار عام تظهر التغييرات التي مرت بها الأزمة الخليجية التي يبدو أن أطرافها تراجعوا عن سقف مطالبهم، ولكن دون أن يعني ذلك انتهاء الأزمة.

فقبل عام وتحديداً في 5 يونيو/حزيران 2017 وهو يوم يعتبره العرب تقليدياً يوماً مشؤوماً، اندلعت الأزمة القطرية التي بدأت بقطع الدول العربية الأربع علاقتها مع الدوحة وفرض حصار بحري وبري وجوي عليها، تضمن حتى طرد مواطنيها.

وفي الثالث والعشرين من يونيو/حزيران 2017، أمهلت الدول الأربع قطر 10 أيام للموافقة على مجموعة من المطالب، تشمل إغلاق قاعدة عسكرية تركية في قطر وتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إيران.

وتواصلت الأزمة ووصل الأمر إلى الحديث عن أن أهم شيء هو نجاح الوساطة الكويتية في وقف أي عمل عسكري، مروراً بالتلويح بأن انسحاب الدوحة من تنظيم كأس العالم شرط لفك الحصار.

واقع الاقتصاد القطري بعد عام من الأزمة.. رؤية دولية

والآن بعد مرور عام يدعي كل طرف أنه انتصر حتى أن هناك تعبيراً شائعاً في إعلام دول الحصار بأنه بعد عام من الأزمة فإن اقتصاد قطر يتداعى، في الوقت الذي تعلن فيه وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، تعديل النظرة المستقبلية لقطر من "سلبية" إلى "مستقرة"، مع تأكيد التصنيف عند "AA-".

وأوضحت الوكالة في تقرير صادر، الثلاثاء 5 يونيو/حزيران 2018، أن تعديل النظرة المستقبلية جاء نتيجة عدم تصعيد الإجراءات ضد قطر من دول المقاطعة.

وذكر التقرير، أن قيام قطر بضخ السيولة البالغة 40 مليار دولار بالقطاع المصرفي، حقق الاستقرار وخفف من أثر التدفقات الخارجة من أموال غير المقيمين.

وأشار إلى عودة نحو 10 مليارات دولار من تمويلات غير المقيمين إلى النظام المصرفي القطري، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد أن انخفضت بمقدار 30 مليار دولار في الأشهر الخمس الأولى، التي تلت المقاطعة في يونيو/حزيران 2017.

كما تقلص عجز الموازنة القطرية، كثيراً إلى 2.8 بالمائة كنسبة للناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، مقارنة بنسبة 6.3 بالمائة في 2016، وبالتالي "لن تحتاج الحكومة القطرية إلاّ قليلاً للبحث عن تمويل دولي جديد، بعد إصدار سندات دولية بقيمة 12 مليار دولار في أبريل/نيسان 2018".

ميزان المكاسب والخسائر أكثر تعقيداً مما تتحدث عنه منابر الدعاية

وعلى عكس إدعاءات الأطراف فإن قائمة المكاسب والخسائر تبدو مختلطة ومعقدة وتتغير نتيجتها بحسب طريقة قياسها.

فهل الطرف الخاسر هو الذي لم يحقق أهدافه من الأزمة أم هو الأكثر تضرراً منها أم الطرف الذي حقق نتائج جيدة بالنسبة لقدراته وحجمه في مواجهة خصومه.

ولكن في كل الأحوال فعلى الأرجح فإن الجهة صاحبة المكاسب الأكبر لم تكن طرفاً في الأزمة بل هي دولة ليست عربية على الإطلاق.

إيران الفائز الأول من الأزمة.. ومكاسبها مجانية

تساقطت دموع الجندي السعودي عندما علم بانسحاب القوات القطرية من ساحة المعركة بالحرب اليمنية.

فقد كانت أولى نتائج الأزمة هي خروج الدوحة من التحالف العربي الذي يحارب الحوثيين المدعومين من إيران وفقدت القوات القطرية ثلاثة جنود في هذا القتال الذي اعتبر ذروة التضامن الخليجي ولكن فجأة طلب منهم الانسحاب في يونيو/حزيران 2017، وليخسر المحور المناهض لإيران أحد أعضائه.

لم تكن هذه هي الساحة الوحيدة التي كانت تتعاون فيها الدوحة مع السعودية تحديداً في مواجهة طهران، حيث كانت قطر مؤيدة للمعارضة السورية كالرياض وجاهرت مراراً بالدعوة لتنحي الرئيس السوري بشار الأسد.   

وشكلت الأزمة هدية مجانية مفاجئة وسعيدة للإيرانيين، إذ أنه لا خلاف على أن المحور المناهض لإيران خسر وجود دولة قطر ضمن الدول والقوى المناهضة للنفوذ الإيراني بالشكل السابق، حسب تقرير لوكالة الأناضول، في وقت ترى الولايات المتحدة ضرورة أن تكون الأولوية التصدي لطهران في المنطقة بعد الانتهاء من العمليات القتالية الكبرى مع تنظيم داعش.

ولذا كان طبيعياً أن ترفض الدوحة عقوبات ترمب على طهران

شكلّت الأزمة الخليجية فرصةً لإيران لتعزيز مكاسبها في منطقة الخليج العربي من خلال الدعم الذي قدمته لدولة قطر في الجانب الاقتصادي لتلافي تداعيات إجراءات المقاطعة الرباعية التي تعرضت لها قطر بعد أزمة الخامس من يونيو/حزيران 2017، وهو ما انعكس جلياً في الموقف القطري المعارض للعقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي بعد انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني خروجاً على موقف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ما شكّل شرخاً مُضافاً إلى بُنية وتماسك المجلس ووحدة موقفه.

فبعد أيامٍ قليلةٍ من إعلان المقاطعة الرباعية، أعلنت إيران فتح مجالها الجوي والبحري أمام حركة الطائرات والسفن القطرية لتلافي تداعيات غلق السعودية المنفذ البري الوحيد لقطر، ومنع الطائرات القطرية التحليق في أجواء السعودية والبحرين والإمارات، وكذلك النقل البحري ومرور السفن القطرية بالمياه السيادية لتلك الدول قبل أن يتم إعادة العلاقات بين البلدين.

ورغم ذلك فإن هناك حذراً متبادلاً في العلاقات بين البلدين.. كل منهما له أسبابه

وتتبنى قطر من جانبها خطاباً هادئاً يضع في الاعتبار الهوة العميقة في رؤية كلا البلدين لأزمات المنطقة مثل الأزمة السورية.

وتبدو دولة قطر في موقف تسعى من خلاله جاهدة وبدبلوماسية هادئة متزنة، الموازنة بين حاجتها للولايات المتحدة لضمان موقفها من أيّ عملٍ عسكري محتملٍ ضدها، وموقفها المتمثل بحاجتها لإيران في تفادي التداعيات الاقتصادية المحتملة جراء الأزمة، إلى جانب اشتراكها مع طهران في أكبر حقول الغاز الطبيعي المسال.

ويُنظر إلى التقارب القطري الإيراني على أنّه محاولة إيرانية لاستغلال الأزمة الخليجية والانقسامات بين أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال خطاب رسمي يتبنى موقفاً حذراً في تناول الأزمة بجانبها السياسي ويركّز على الجانب الاقتصادي واستعداد إيران لتقديم أيّ سلعٍ غذائية لتعويض النقص في السوق القطرية جراء إغلاق المنفذ البري الوحيد لقطر إلى العالم عبر الأراضي السعودية.

إذ تحاول إيران قدر الإمكان تبني موقف حذر من الأزمة الخليجية يتجنب أياً ما يشير إلى تأثير إيراني، أو دور مباشر فيها "قد" يثير حفيظة الدول الخليجية الحليفة للولايات المتحدة.

كما أنه يمكن لإعلان موقف رسمي إيراني صريح إلى جانب الموقف القطري أنْ يلحق بعض الضرر بدولة قطر إلى جانب أنّه سيعطي تأكيداً لما جاء في الشروط الـ 13 حول ما يتعلق بالتعاون مع إيران التي تنظر إليها دول المقاطعة الرباعية والولايات المتحدة بأنّها دولة إرهابية وراعية للإرهاب.

ولكن سياسة إيران هذه لا تقتصر على قطر

تكثّف الولايات المتحدة والدول الحليفة، السعودية وإسرائيل، جهودهم المشتركة لمواجهة النفوذ الإقليمي المتنامي لإيران في المنطقة وإضعافها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.

في مقابل ذلك تعمل إيران على استثمار الأزمات في المنطقة لتحييد بعض الدول غير الحليفة لها، (قطر والكويت وسلطنة عمان)، ووقف توسع الحلف المناهض لها.

 ومع استمرار الأزمة الخليجية لعام جديد فان فرص إيران في تحقيق مكاسب إضافية تبدو واضحة في مواجهة رغبة وسياسات دول المقاطعة الرباعية

الحقيبة التي تحتوي المستندات والأدلة على دعم قطر للإرهاب

"ننتظر منذ عام المستندات التي في حقيبة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، والتي قال إنه سيقدمها إلى المجتمع الدولي".

هكذا يعلق الخبير السياسي القطري، صالح غريب، لوكالة الأناضول على الاتهامات بدعم الإرهاب التي كانت إحدى أبرز ذرائع العقوبات التي فرضتها الدول الأربع قبل عام على بلاده.

وورد في وثيقة مطالب للرباعي من قطر، تداولتها وسائل إعلام آنذاك: ضرورة وقف دعمها المزعوم للإرهاب، وإعلانها قطع علاقاتها المزعومة مع "كافة التنظيمات الإرهابية والإيديولوجية"، وعلى رأسها: الإخوان المسلمون، داعش، القاعدة، فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) وحزب الله، وفق الوثيقة.

وتنفي الدوحة هذه الاتهامات، وتتهم الرباعي بالمقابل بالسعي إلى فرض الوصاية على قرارها الوطني.

ويقول غريب، إن "الاتهامات التي سيقت لقطر، ونشأت على إثرها الأزمة الخليجية، لم تكن مبنية على مستندات أو أسس".

وتساءل هل من المعقول أنهم يتحدثون فقط منذ عام، دون أن يقدموا شيئاً عملياً وواضحاً؟!".

إذن من فاز في المباراة المحكمة دولياً لمكافحة الإرهاب؟

ومع مرور عام على بداية الأزمة الخليجية، يبدو أن قطر حصلت على ما يشبه الشهادة من المجتمع الدولي تنفي هذه الاتهامات بل تعترف بها شريكاً مهماً في مكافحة الإرهاب عبر اتفاقيات دولية وقعتها مع عدد من الدول، كانت أولها الولايات المتحدة الأميركية.

وبينما لم تُقدم "دول المقاطعة" إلى المجتمع الدولي أدلة تثبت صحة اتهاماتها لقطر، حسب تقرير لوكالة الأناضول، فإن الدوحة تواصل انخراطها في جهود التنسيق المشترك والتعاون لمكافحة الإرهاب ووقف تمويله.

اتفاقيات يتم توقيعها والاتهامات ما زالت ساخنة.. والدوحة تدعو محاصريها للحاق بالركب

اللافت أنه توقيع مذكرة تفاهم قطرية أميركية لمكافحة الإرهاب بعد أقل من شهر من اندلاع الأزمة وتحديداً في 11 يوليو/تموز 2017، بمشاركة وزيري الخارجية القطري والأميركي.

وتشمل المذكرة تعاون البلدين في المجالات الأساسية لمكافحة الإرهاب، مثل الأمن والاستخبارات والشؤون المالية.

وقال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حينها، إن الدوحة أول الموقعين على برنامج تنفيذي مع الولايات المتحدة لمكافحة تمويل الإرهاب، وندعو باقي دول الحصار إلى الانضمام لنا في المستقبل".

وأشادت واشنطن بجهود الدوحة، وذلك في تقرير الخارجية الأميركية السنوي حول جهود دول العالم لمكافحة الإرهاب لعام 2016، والصادر في يوليو/ تموز 2017، أي بعد أكثر من شهر على اندلاع الأزمة.

وأفادت الخارجية الأميركية، في تقريرها، بأن قطر "شريك كامل ونشط في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش (بقيادة الولايات المتحدة)، ولعبت دوراً علنياً في التحالف، وقدمت دعماً معتبَراً في تسهيل العمليات العسكرية بالمنطقة".

حوار فرنسي قطري على مستوى القيادة مخصص لهذه المشكلة

كما وقّعت قطر وفرنسا "خطاب نوايا لمكافحة الإرهاب وتمويله"، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2017، وذلك على هامش زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للدوحة، وانعقاد اجتماع الدورة الأولى لــ"الحوار الثنائي الرفيع المستوى لمكافحة الإرهاب" بين قطر وفرنسا.

ثم وقعت وزارة الدفاع القطرية اتفاقية أمنية في 18 يناير/كانون الثاني 2018، مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بمقر الحلف في بروكسيل.

وتوفر هذه الاتفاقية إطاراً لحماية تبادل المعلومات، على النحو الذي حددته جميع الدول الـ29 الأعضاء في الحلف.

وفي 16 فبراير/شباط 2018، دعت قطر دول الخليج العربي والمنطقة إلى "تنحية خلافاتها جانبا، وإبرام اتفاق أمني على شاكلة الاتحاد الأوروبي، لإبعاد المنطقة عن حافة الهاوية"، كما جاء على لسان أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن.

ولكن لماذا تعامل العالم مع الاتهامات بشكل يخالف توقعات الدول الأربع؟

"دول الرباعي، وليست قطر، هي مَن عانت الانتكاسات الأكبر في سُمعتها"، حسب ماكتبه حسن حسن الزميل الأول بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن في مقال له مجلة Foreign Policy الأميركية.

إذ يقول "لقد استطاعت قطر تصوير كل هذه المزاعم باعتبارها مجرد جزءٍ من حملة مدفوعة من الجانب السعودي، وتم تقويض المساعي السعودية طويلة الأمد لانتقاد دعم الدوحة للتطرف في مناطق كسوريا وليبيا.

وكان هناك تطور سياسي تزامن مع الأزمة لعب دوراً حاسماً لصالح قطر. وهو أَن الدوحة ولأسباب ليست متعلقة بالحصار، أصبحت أقل انخراطاً مع المجموعات المتطرفة في سوريا.

فمع اكتساب الحكومة السورية للزخم في الحرب الأهلية، كانت هناك حوافز أقل بالنسبة للدوحة لدعم مجموعات المعارضة مثل أحرار الشام في الشمال. وفي هذه الأثناء، أصبحت تركيا راعيتهم الرئيسية بدلاً من ذلك. ومع أنَّ ذلك لم يُشكِّل أي تحول إستراتيجي كبير، فإنَّ هذا التطور منح الدوحة موثوقية في أعين منتقديها السابقين في الغرب.

وكان هناك أيضاً عامل مهم آخر أضعف تأثير الحملة على الدوحة يتعلق بالتطورات الداخلية في السعودية

صعود الأمير محمد بن سلمان، الذي أصبح وليَّ عهد السعودية في غضون أقل من ثلاثة أسابيع من أزمة قطر. كان له نتائج مختلطة بالنسبة لقطر، وفقاً لحسن حسن.

فمن ناحية، كان بن سلمان قادراً على استخدام الخلاف مع قطر بفاعلية لتعزيز الدعم في الداخل، وتوجيهه ضد أعداء بلاده الإقليميين.

إذ وُصِف منتقدو القائد السعودي الجديد ذاته بعملاء قطر؛ وسرعان ما أدرك رجال الدين وغيرهم من المواطنين السعوديين النافذين أنَّهم كان منتظراً منهم المجاهرة بالحديث ضد قطر، وسيكون من المثالي أن يُعبِّروا في الوقت ذاته عن ولاء غير مشروط لوليّ العهد الجديد.

لكنَّ قمع محمد بن سلمان الداخلي المُخضَّب بالسياسة الخارجية شوَّش على التصور الدولي للسياسات السعودية. وأفادت هذه الدينامية قطر بشكلٍ مباشر.

ويرى حسن أن الانتقاد المُوجَّه للقائد السعودي طغى على نحوٍ متزايد على القضايا الإقليمية الأخرى. إذ أُلقي باللائمة عليه في الغرب، والشرق الأوسط الأوسع نطاقاً، بسبب حرب اليمن، التي انطلقت بعد ما يقرب من شهرين من تعيينه وزيراً للدفاع في يناير/كانون الثاني 2015.

ومن ناحية أخرى، بدأت قطر التي "طُرِدَت" من التحالف الذي تقوده السعودية موضعة نفسها كداعمٍ للقضايا الجماهيرية العربية والإسلامية، بدلاً من المكائد السياسية غير المبالية، حسب تعبير حسن.

كما أن التقارب مع إسرائيل أفقد الرباعي معركة العقول والقلوب في المنطقة

حدثت دينامية مماثلة لصالح الدوحة جراء سياسات الرباعي بالمنطقة، وتحديداً التقارب الذي تقوده السعودية مع إسرائيل والذي سبق أزمة قطر، وكان يُنظَر له باعتباره جزءاً من توافقٍ إقليمي ضد إيران.

لكنَّ العدوانية المتنامية من قبل التحالف الرباعي سمحت لقطر بتصوير ذلك باعتباره تحالفاً رجعياً بالأساس، وفقاً لحسن.

هذا التطور في مسألة إسرائيل كان حاسماً في إعادة الاصطفاف الجيوسياسي والاجتماعي الإقليمي المستمر في خضم أزمة قطر.

ففي حين تميل حكومات الرباعي المناهض لقطر إلى تصوير إيران وحلفائها باعتبارهم التهديد الأكبر، فإنَّ العرب في مختلف أنحاء الشرق الأوسط الأوسع يتجهون بشكلٍ متزايد إلى رؤية الرباعي نفسه باعتباره مؤامرة استبدادية ضد تطلُّعات التغيير السياسي التي اعترضتها دوله بصورة مستمرة منذ انتفاضات الربيع العربي 2011، حسب الباحث حسن حسن.

 فلا تزال السعودية وحلفاؤها يُعرِّفون سياساتهم الخارجية علناً بأنَّها ضد الحركات الإسلامية والثورية. وعلى النقيض من ذلك، يُنظَر إلى قطر على أنَّها متصالحة وميالة للقوى السياسية الراغبة في التغيير في مختلف أنحاء العالم العربي، لأسبابٍ ليس أقلها أنَّها صوَّرت نفسها على أنَّها ضحية غدر المحاصرين.

ولكن هذه المكاسب القطرية يقابلها انتصارات ميدانية للرباعي على الأرض

وفي حين أنَّ قطر ربما تحقق الانتصار في الأزمة في أروقة الرأي العام، يرى الجانب السعودي نفسه يحقق الانتصار من حيث تغيير الحقائق على الأرض، حسب حسن.

فمن منظور المعسكر الذي يضم الدول الأربع، فقد مكنته أزمة قطر من التركيز على إعادة رسم الخريطة العسكرية والسياسية للمنطقة بينما الدوحة مُكبَّلة بالضغط الاقتصادي المستمر.

بالنسبة لهم، الدوحة الآن أقل قدرة على الاضطلاع بدور في دولٍ مثل ليبيا واليمن والعراق ومصر. وفي الواقع عُزيت التقدمات العسكرية التي حققها قائد الشرق الليبي خليفة حفتر بعد شهرٍ من الأزمة إلى الدعم المتزايد من جانب الإمارات والسعودية ومصر والشلل القطري في الأسابيع الأولى من الأزمة.

بعد كل ذلك ما هي محصلة عام من الحصار ومن الذي انتصر حقاً؟

بعد عام، لم تصمد قطر في وجه العاصفة وحسب، بل يبدو أيضاً أنَّها برزت باعتبارها المنتصر الرئيسي في الصراع، حسب حسن.

إذ فشل الرباعي المناهض لقطر في مهمته المتمثلة في إرغام الدوحة على قبول مطالبه الـ13، التي تضمَّنت إغلاق شبكة الجزيرة ووسائل إعلامية أخرى يُقال إنَّ الدوحة تمولها، ووقف دعم المجموعات الإسلامية الإقليمية المختلفة.

ويرى الباحث أن هدف الرباعي الحقيقي كان بالأساس جعل قطر دولة تابعة عاجزة عن انتهاج أي سياسة خارجية مستقلة. ومن أجل هذه الغاية، بدأ المعسكر السعودي بعد اندلاع الأزمة حملة علاقات عامة ضخمة في العواصم الغربية لزيادة الضغط على قطر وقلب الرأي العام ضدها.

لكنَّ الأزمة، وبهذه الإجراءات، سارت حتى الآن في صالح قطر. وأوضح الإشارات على تلك الحقيقة ، حسب حسن، كانت ربما سلسلة التصريحات التي أطلقها ترمب مع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في أبريل/نيسان الماضي. إذ هاجم ترمب السعودية، بما في ذلك الإشارة إلى تمويل الإرهاب، واعترف بالتقدم الذي أحرزته قطر في هذا الشأن.

وهذا تقييم الخصوم لخطة الدوحة المضادة

فبدلاً من إقناع المُعلِّقين والسياسيين في الغرب بأنَّ قطر كانت لديها مشكلات جدية بحاجة لمعالجتها، أصبح التأثير هو العكس إلى حدٍّ كبير.

ويرجع ذلك في جزءٍ كبير منه إلى أنَّ الرباعي لم يتوقع أنَّ قطر قد تنظم حملة علاقات عامة فعالة في الغرب، حسب حسن.

وكان متوقعاً أن تنفق السعودية مبالغ مماثلة. وكان هناك بلدان أخرى تواصل جهود الضغط التي كانت قائمةً بالفعل قبل الأزمة، كما هو الحال مع الإمارات.

ويقول إنه من المعروف على نطاقٍ واسع أنَّ الرياض والدوحة زادتا حملات العلاقات العامة قبل الأزمة أو في الفترة التي سبقتها. وأُبطِل تأثير الحملات الإعلانية على قنوات مثل CNN عبر حملاتٍ إعلانية مضادة على نفس القنوات.

وحتى المسؤولون الخليجيون المعارضون للدوحة يعترفون سراً بأنَّ مُنافِسَتهم تحقق الانتصار في جانبٍ حيوي من الصراع.

 إذ أقرَّ مسؤولٌ عربي كبير، سألته مجلة Foreign Policy الأميركية مؤخراً حول رأيه في فكرة أنَّ قطر تنتصر في حرب العلاقات العامة، بأنَّ الدوحة لعبت أوراقها بالطريقة الصحيحة، ثم أضاف: "إن وجود السعودية على الجانب المقابل لقطر جعل من الطبيعي أن يقف الكثيرون مع قطر".

تحميل المزيد