رحيل مذيع النكسة في يوم ذكراها.. أذاع بيانات كاذبة قبل 51 عاماً فلاحقه مصريون عقب مماته

رحل فجر الثلاثاء 5 يونيو/حزيران، الإذاعي المصري الشهير أحمد سعيد، مؤسس إذاعة صوت العرب، وصاحب "البيانات الكاذبة" الشهيرة

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/05 الساعة 16:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/05 الساعة 16:11 بتوقيت غرينتش

رحل فجر الثلاثاء 5 يونيو/حزيران، الإذاعي المصري الشهير أحمد سعيد، مؤسس إذاعة صوت العرب، وصاحب "البيانات الكاذبة" الشهيرة حول إسقاط طائرات إسرائيل، لتنهى حياته بمفارقة عجيبة.

فيوم 5 يونيو/حزيران 1967 كان بمثابة انتهاء أسطورة وسطوة سعيد الإعلامية، وفي 5 يونيو/حزيران 2018، انتهت حياة الرجل ودفن جسده في التراب، وكأن النكسة تأبى إلا أن تلاحقه حياً وميتاً.

البداية مع عضو قيادة الثورة

ولد أحمد سعيد في 29 أغسطس/آب 1925 بالقاهرة لأسرة تنتمي للطبقة الوسطى، والتحق بكلية الحقوق، ومنها عمل بالصحافة قليلاً، قبل أن ينخرط في العمل الإذاعي ويصير أهم نجومه في العالم العربي.

بداية علاقة سعيد بالسلطة والنفوذ جاءت أثناء تغطيته لأعمال الفدائيين في منطقة القناة، هناك تعرف على الصاغ وجيه أباظة، الذي أصبح بعد ذلك عضواً في مجلس قيادة الثورة، وكان الباب الملكي الذي دخل منه سعيد لعالم الشهرة.

وفي مطلع عام 1953، كان الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر يفكر في تصدير الثورة المصرية للعالم العربي.

كان الرجل مهموماً بنشر أفكاره التحررية في المنطقة بأسرها، فأيقن حتمية وجود ذراع إعلامي له قادر على إيصال صوته لشتى بقاع الشرق الأوسط، وعليه كلف ناصر اليوزباشي فتحي الديب بمهمة إنشاء إذاعة مصرية تحمل أفكاراً عروبية.

القوة الناعمة المصرية

في مذكراته "عبدالناصر وتحرر المشرق العربي"، يروي الديب قصة إذاعة "صوت العرب" قائلاً: "كلفت من الرئيس بهذا المشروع، وبعد جلسة مطولة اتفقنا على الالتقاء بعد أسبوع، حتى أكون قمت بصياغة الخطوط الرئيسيه للمشروع وعرضها على الرئيس، وهو ما تم فعلاً، حيث تقدمت إليه بمشروع المحطة تحت اسم خطة العمل المقترحة لفرع الشؤون العربية، والتي لاقت قبول الرئيس وصدرت أوامره بالبدء فوراً في المشروع الطموح".

كان رئيس الإذاعة المصرية حينها هو اللواء الرحماني، الذي تم إخطاره بالمشروع، لكنه ظل بعيداً عن سلطاته المباشرة. كون الديب فريقاً خاصاً جداً من أهل الثقة والخبرة لإنشاء صوت العرب.

وكان على رأس الفريق الشاعر الغنائي صالح جودت، الذي كان يشغل منصب مراقب البرامج الثقافية في ذلك الوقت وعرف عنه ميوله الثورية وولاؤه للنظام، على أن يتم العمل بالتنسيق المباشر مع زكريا محي الدين وزير الداخلية وعضو مجلس قيادة الثورة الموكل له مهمة إدارة جهاز المخابرات العامة الوليد حينها.

وهنا يتضح لنا أن صوت العرب من البداية كانت ذراعاً إعلامياً يتماشى مع الذراع الاستخباراتي التي أنشأها عبد الناصر، يمكن القول أنهما شكلا معاً نواة لما عرف بعد ذلك بالقوة الناعمة المصرية.

أحمد سعيد ينضم لصوت العرب

رشح وجيه أباظه صديقه القديم أحمد سعيد للصاغ الديب، الذي أعجب به وبأفكاره الثورية وتقرر إلحاقه بالإذاعة الاستخباراتية الوليدة، التي انطلقت في يوليو 1953 بصوت الإذاعي حسني الحديديـ الذي صدح قائلاً: "هنا صوت العرب يأتيكم من قلب الأمة العربية.. القاهرة".

سرعان ما أثبت أحمد سعيد وجوده، ليتولى الإعلامي الشاب الإذاعة الأهم في مصر، خلفاً للشاعر صالح جودت، ويبدأ سعيد رحلته المهنية الأبرز في جعل صوت العرب المحطة رقم 1 في العالم العربي.

نادية حلمي نائب رئيس الإذاعة المصرية السابقة، والتي تتلمذت على يد أحمد سعيد، تحدثت عن تلك الفترة قائلة: "أستاذ سعيد كان رجلاً فنياً ومحترماً جداً، كان نموذجاً ممتازاً للإدارة والتعلم وإعطاء الفرص للمواهب الشابة، ولعل ذلك هو أحد أهم أسباب نجاح صوت العرب وانتشارها في سائر الأقطار العربية، الإخلاص والعمل كانت كلمة السر".

صوت العرب تتصدر

سرعان ما تبوأت "صوت العرب" الصدارة، وباتت ذراع عبد الناصر الإعلامي الأطول والأكثر إزعاجاً لـ "قوى الرجعية"، على حد تعبيره، في الإقليم، لدرجة أن إنكلترا الدولة العظمى ومالكة الـ BBC الأكثر انتشاراً في العالم، تخوفت من صوت العرب وقررت إسكاتها وقامت بقصف محطة الإرسال الخاصة بها في أبو زعبل بالقاهرة في مطلع عام 1956، خلال العدوان الثلاثي على مصر.

وكانت تلك الهجمة إحدى الشهادات التي كثيراً ما فخر بها سعيد نفسه في لقاءاته، قائلاً "كنا مؤثرين ومرعبين لدرجه جعلتهم يحاولون إسكاتنا بأي وسيلة".

مضت الأيام ومضى معها قطار سعيد المهني بنجاح منقطع النظير، كان برنامجه "أكاذيب تكشفها حقائق" أحد أكثر البرامج شيوعاً، وكان صوته ينطلق من القاهرة ليصل صداه إلى الرباط والرياض وصنعاء ودمشق، كانت القاهرة مصنع الأحداث ومصدر الأخبار.

لكن جاءت النكسة

لكن قطار سعيد وعبد الناصر ارتطم بصخرة نكسة يونيو/حزيران 1967، حين تكشف فجأة للجميع أن كل ما قيل لنا عن طائرات تسقط للعدو، ودانات تنفجر على مشارف تل أبيب، هو محض كذب.

استيقظ العرب ليكتفشوا أن "صوت العرب" لم يكن سوى صدى صوت الوهم، وأن سعيداً ومن معه روجوا لنا أكاذيب لا تمت للواقع بصلة.

استيقظ المصريون وقد ضاعت سيناء وضاعت معها أحلام الحقبة الناصرية، ليطاح بالكثيرين من مناصبهم وكان أحمد سعيد من أوائل الخاسرين، ليس فقط لمنصبه بل لاسمه ومصداقيته وسمعته.

كان منفذاً وليس آمراً

"الأستاذ أحمد سعيد حمل ما لا طاقة له به"، هكذا تصف نادية حليم الموقف. وأضافت "الرجل كان يقوم بما كان يراه دوراً وطنياً بارزاً، فقد كان يرى أن دوره هو الحفاظ على الروح المعنوية للشعب، فضلاً عن أن صوت العرب كانت تتلقى البيانات والتعليمات من المخابرات مباشرة، الرجل كان منفذاً لسياسات لا واضعاً لها".

فصل سعيد من عمله وغلقت في وجهه كل الأبواب، ولعن في كل المنابر على جريمة ليس هو مرتكبها الأول، أو لنقل دوره لم يكن يتجاوز دور المنفذ. لكن أحداً لم يغفر له أو يسامحه، لدرجة أنه اضطر لتأجير بيته في الزمالك ليعيش هو وأسرته منه، وبقي الرجل في الظل سنوات طويلة مطارداً بلعنة يونيو/حزيران.

ويشاء القدر أن يتوفى الرجل عشية ذكرى النكسة، ليتوارى جسده التراب يوم 5 يونيو/حزيران، نفس اليوم الذي أنهى حياته المهنية في مفارقة قدرية عجيبة.

وفي النهاية فلنقل: رحم الله أحمد سعيد.. الذي نجح رغم كل شيء في صناعة تجربة إذاعية رائعة – أفسدها الساسية وحمَّلته الظروف أكثر مما يحتمل.

علامات:
تحميل المزيد