التحالف المساند للأسد يتفكك، وإيران بقيت وحدها حتى حزب الله تخلى عنها.. هذه الفرصة التي يجب على أميركا أن تستغلها بسوريا

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/05 الساعة 19:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/05 الساعة 19:55 بتوقيت غرينتش

استخدم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في خطابه في 21 من مايو/أيَّار حول الإستراتيجية التي سوف تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية عقب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، لهجةً حادةً، مُتوعِّداً بمواجهة الحرس الثوري الإيراني وشبكات الميليشيات مُتعدِّدة الجنسيات التابعة له في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

خطاب بومبيو القوي تجاه إيران لم يترجم بعد إلى أفعال من جانبها..

إذ تحاول الولايات المتحدة منذ سنوات الخروج بإستراتيجيةٍ لاحتواء النفوذ الإيراني في سوريا ثم القضاء عليه بالكامل، فسوريا هي الجبهة التي تشهد المنافسة الأسخن في الشرق الأوسط.

وتعتقد مجلة Foreign Affairs الأميركية أن هذا الوضع أوشك على التغيُّر، بفضل الصدع الذي بدأ يضرب أوصال التحالف الداعم للرئيس السوري بشار الأسد.

فبداية هذا الانقسام الذي بدأ يظهر داخل أطراف النزاع السوري، هي فرصة لواشنطن لكبح إيران بسوريا

فعلى أحد الجانبين تقف إيران، التي تسعى إلى تعزيز مكاسبها في سوريا للضغط على إسرائيل عسكرياً، أما الجانب الآخر ففيه نظام الأسد وحزب الله وروسيا، وهي أطرافٌ تخشى جميعها من مواجهة كبيرة مع إسرائيل من شأنها تقويض كل ما حاربت لأجله في الشام على مدار العِقد المنصرم.

يأتي ذلك في وقت حقق فيه النظام مكاسب كبيرة، لا سيما في المناطق الاستراتيجية قرب دمشق

أما خصوم الأسد، فكل ما يريدونه هو إبطاء تقدم النظام نحو تحقيق الانتصار في المعركة لكن تنقصهم القدرة على تحقيق ذلك.

ومنذ البداية تُشكِّل روسيا جهة محورية في مساعدة الأسد على البقاء في السلطة، غير أن الحليف الأهم للنظام هو إيران، التي استخدمت تدخُّلها في سوريا لإرساء دعائم وجود عسكري دائم في المنطقة.

وبات الحرس الثوري متغلغلاً في الاقتصاد السوري، بعد فوزه بعقود لإعادة تأهيل قطاعات التعدين والاتصالات السورية وتوسعتها

بسبب الاستثمارات الواسعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا، تمكَّن الفيلق من إعادة تشكيل قطاعات عديدة في دولة الأسد البوليسية؛ وبارك الفيلق نشر حزب الله لآلاف من قواته داخل سوريا، وجلب الآلاف من الأفغان والعراقيين والباكستانيين واليمنيين للقتال نيابة عن الأسد، بل واستخدم ميليشيات محلية من قوميات مختلفة، بينها عرب سنة.

وتحاول إيران في الوقت الراهن استخدام قواتها في سوريا للضغط إستراتيجياً على إسرائيل. فهي تعمل على مساعدة حزب الله في بناء منشآت إنتاج صواريخ وقذائف داخل لبنان وفي المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان، وتواصل نقل الأسلحة المتقدِّمة إليه، وهي أسلحة يمكن أن يستخدمها لتهديد إسرائيل. وأقدمت إيران في الأشهر الأخيرة على نشر قواتها على نحو استفزازي قرب الحدود مع إسرائيل، وأطلقت صواريخ استهدفت مرتفعات الجولان، مما استدعى رداً إسرائيلياً عنيفاً.

إلا أن أطماع إيران في المواجهة مع إسرائيل هي النقطة التي تتعارض فيها مع أولويات الأسد

فالنظام السوري، في سعيه لتوطيد حكمه، يحاول مع حلفائه تطبيع وجوده وضمان الحصول على تمويل لإعادة إعمار سوريا. وبالرغم من أن احتمال الحصول على أموال من الغرب لإعادة الإعمار احتمالٌ ضعيف، فإنه يأمل أن تسعى البرازيل والصين والهند بل وحتى بعض الدول الأوروبية مثل إيطاليا للحصول على فرص للاستثمار في إعادة إعمار سوريا.

لا يريد الأسد أن يخوض حرباً مع إسرائيل، الدولة التي تملك القوة العسكرية القادرة على إلحاق دمار بالغ داخل سوريا ودك مساعيه لتوطيد حكمه وتطبيع وجوده. أضف إلى ذلك أنه في حال تحوَّلت الحرب الدائرة في سوريا إلى حربٍ بين إيران وإسرائيل، فلن تكون هناك استثمارات دولية.

كذلك الروس بدورهم يريدون تجنُّب أي صراعٍ سوري مع إسرائيل

فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يود لو انتهت الحرب الدائرة في سوريا بطريقةٍ تمنحه رصيداً ومكانةً على الساحة الدولية. فما تريده موسكو هو تثبيت أركانها في قاعدتها البحرية في طرطوس وقاعدتها الجوية الوحيدة في حميميم، التي تُدخِل فيها توسُّعاتٍ في الوقت الراهن لتدعم عملياتها العسكرية المستقبلية في المنطقة. ويود بوتين أيضاً لو يضمن عقود إعادة إعمار لحلفائه، خصوصاً في ما يتعلَّق باحتياطيات الغاز الطبيعي في امتداد الساحل السوري والمناطق الصحراوية الغنية بمصادر الطاقة وسط سوريا وشرقها. كل هذا مُعرَّضٌ للضياع في حال ألقت إسرائيل بثِقلها على الساحة السورية.

حتى حزب الله هو الآخر ينظر بعين الريبة لأي نزاع مع إسرائيل

فقد بات وضع الحزب في لبنان في الوقت الراهن أقوى مما كان عليه في أي وقت مضى، بعد أن ضمن تكريس السلطة السياسية في يده في انتخابات مايو/أيَّار الماضي، وتخلص من تهديد الجماعات الإسلامية المتشددة مثل القاعدة وتنظيم الدولة اللذين سعيا إلى اتخاذ لبنان قاعدة للقتال في سوريا. وليس ثمة ما يمكن أن يُهدِّد تلك المكاسب سوى الدخول في حرب مع إسرائيل؛ حربٌ يمكنها أن تدك كل ما بناه الحزب منذ حربه الأخيرة مع إسرائيل في يوليو/تموز 2006.

إلا أن التساؤل الآن هو: هل يستطيع الحزب رفض أوامر إيران إذا ما طلبت منه الدخول بحرب مع إسرائيل؟

ويكمن التحدي الماثل أمام حزب الله في الوقت الراهن في ضعف موقفه أمام الحرس الثوري الإيراني أكثر من أي وقت مضى في تاريخه. فمنذ بدء الحرب في سوريا، تبدَّلت الأحوال ولم يعد الحزب ذراع إيران الوحيد في بلاد الشام؛ وهو الأمر الذي منحه فرصة كبيرة في التعامل معها؛ إذ تمكَّن فيلق الحرس الثوري من تكوين شبكة أوسع من الميليشيات من جنسيات مُتعدِّدة داخل سوريا. ولا يزال السؤال مطروحاً حول ما إذا كان بوسع حزب الله أن يرفض الاستجابة لضغوط إيران إذا ما وجهته نحو الدخول في حرب مع إسرائيل.

هذه التوتُّرات تُحدث بالفعل انقساماً بين إيران وشركائها السابقين

فالغارات التي شنَّتها إسرائيل مؤخراً على أهداف لإيران وحزب الله في سوريا تمت بعلم روسيا، إن لم يكن بدعمها؛ وبذلك يظهر أن روسيا قد اختارت ألا تضع قواتها في سلة واحدة مع القوات الإيرانية، وهو ما يمنح إسرائيل مساحة مرنة لاستهداف مصالح إيران في سوريا، إذا ما أخذنا في الاعتبار أيضاً الاتفاق الروسي-الإسرائيلي بعدم التنازع فوق المجال الجوي السوري. وتعد جميع هذه الأمور مجتمعة بمثابة رسالة تذكير من موسكو بأن الحرس الثوري ينبغي ألا ترهق نفسها في محاولة استغلال المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد كقاعدةٍ خلفيةٍ لأيِّ حربٍ تخوضها مستقبلاً ضد إسرائيل.

وظهر خلافٌ في الآونة الأخيرة بين إيران وروسيا حول ما إذا كانت الميليشيات الأجنبية، المتمثلة في الحرس الثوري وشبكات الميليشيات الشيعية التابعة له، ينبغي أن تظل في سوريا مع اقتراب النزاع على نهايته.

وفي تصريح بوتين الداعي لمغادرة كل القوات الأجنبية لسوريا خير دليل على بداية التصدع في التحالف

فعقب هذا التصريح صدر توضيحٌ من ألكسندر لافرينتييف، مبعوثه الخاص إلى سوريا، بأنه كان يعني بالقوات الأجنبية: القوات الأميركية والإيرانيين والأتراك والميليشيات الشيعية الأجنبية؛ ولكن ليس الإسرائيليين.

ورداً على ذلك، صرح وزير الخارجية الإيراني بأن أحداً لا يملك القدرة على إجبار القوات الإيرانية على مغادرة سوريا، وأن هذه القوات ستظل في سوريا حتى يطلب منها الأسد بشكل رسمي مغادرة البلاد.

ليس بوتين فقط، بل الأسد أيضاً ينوي توجيه الدعوة لإيران لمغادرة مناطق محددة بسوريا

فقد ظهرت تقارير أيضاً حول اعتزام نظام الأسد إصدار قرار يذعن بانسحاب القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية المتحالفة معها من مناطق خفض التصعيد بالقرب من الحدود مع إسرائيل والأردن.

وبدلاً من اللجوء إلى الخيار الذي تفضله إيران بشن حملة عسكرية في جنوب غرب سوريا، ربما يجنح الأسد إلى أن تعمل روسيا على اختيار مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة من خلال اتفاقيات مصالحة لتكون نواة لحكم محلي مستقل على نطاق ضيق.

وإن حدث هذا الانسحاب، سيكون خطوة كبيرة في طريق إبعاد الحرس الثوري عن الأردن وإسرائيل

وتشير التقارير الواردة من جنوب غرب سوريا، لا سيما من محافظة درعا بالقرب من الحدود السورية الأردنية، إلى وجود لقوات إيران وحزب الله من المنطقة، إلى أمدٍ لا يعلمه أحد.

خطوة الانسحاب هذه إن تمت يمكن أن تقدم نموذجاً للوقف أمام مصالح إيران حين تواجه بمعارضة موحدة من الأسد وحزب الله وروسيا بالإضافة إلى التهديد باستخدام القوة من جانب إسرائيل.

والآن، لواشنطن دور يمكن أن تلعبه على هذا التصدق، على الرغم من عدم انخراطها بشكل كبير بسوريا

لا تملك الولايات المتحدة نصيب كبيرة في سوريا، وذلك بسبب اختيارها من البداية ألا تنخرط

بشكلٍ كبير في سوريا، ولا سيما في غربي البلاد حيث يوجد النفوذ الإيراني في أقوى صوره.

غير أن هذا لا ينفي وجود عدد من الخطوات التي يمكن للحكومة الأميركية أن تتخذها لتعميق الانقسامات الحالية في التحالف المساند للأسد، بما يعني كبح نفوذ إيران في بلاد الشام.

فأولاً: عليها تبني مصالح دمشق وموسكو وتتخلى عن مطالبة الأسد بالرحيل

فالموقف الرسمي لإدارة ترمب لا يزال يؤكِّد على ضرورة تغيير النظام في سوريا، من خلال الضغوط الاقتصادية وعدم التطبيع مع وجود الأسد.

لكن هذا الموقف الأميركي يبقي الأسد قريباً من الحرس الثوري الإيراني، الذين يصبح هشاً وضعيفاً بدونه، في الوقت الذي تحاول روسيا فيه إحداث شقاق بين الطرفين. لسوء الحظ أن تبني مصالح دمشق وموسكو في الوقت الراهن هو الحل الأمثل لمواجهة طهران، ولا مفر من أن تقر الولايات المتحدة بذلك وتستفيد منه، وإن كان هذا لا يعني إعادة التواصل بشكل كامل مع الأسد، الذي تقع على عاتقه مسؤولية مقتل ما يقرب من نصف مليون من أبناء شعبه. ولكنه يعني التخلي عن ضلالة وجود إمكانية تغيير الأسد أو نظامه في أي وقتٍ قريب.

ثانياً، على واشنطن أن تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها تُخطِّط للبقاء في شمالي شرق سوريا على المدى الطويل

 فالمنطقة التي توجد فيها الولايات المتحدة شمالي سوريا وشرقها تحتوي أغلبية موارد النفط والمياه والموارد الزراعية الموجودة في البلاد، بما يزيد حظوظ إدارة ترمب في ما يتعلَّق بمستقبل سوريا.

ولا تخدم التصريحات الصادرة عن ترمب برغبته في الخروج من سوريا تحقيق هذا الهدف، حتى وإن سحبها في ما بعد. وفي حال خروج الولايات المتحدة من شرق سوريا، ستتحد جهود الأسد وإيران وروسيا لاسترداد المنطقة؛ علماً بأن دمشق وموسكو تطمعان في الحصول على موارد الطاقة الموجودة في هذه المنطقة، والتي يمكنها أن تساعد في تمويل تكلفة التدخل الروسي وإعادة إعمار سوريا.

أما بالنسبة لإيران، فإن خضوع هذه المنطقة لقوات صديقة لها يمكنه أن يزيد بقدر كبير مساحة المناورة المتاحة لميليشياتها في العراق وسوريا. وطالما ظلت الولايات المتحدة محتفظة بقواتها في هذا الجزء من البلاد، ستكون القوات الموالية للنظام مجبرة على التركيز على موقع آخر، بما يُعزِّز الانقسام داخل التحالف الداعم للنظام السوري.

ثالثاً: ينبغي أن تذكر إدارة ترمب، بوضوح وأمام الجميع، أن المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة جنوبي غرب سوريا ينبغي أن تظل مستقلة

 لا تزال لدى الولايات المتحدة القدرة على تحديد شكل ما سيكون عليه الوضع في جنوب غرب سوريا، حيث استثمرت بنجاح، بالتعاون مع الأردن وإسرائيل، في تشكيل قوة معارضة معتدلة تخضع المنطقة لسيطرتها طوال السنوات القليلة الماضية. وتقع هذه المنطقة في القلب من أهداف الحرس الثوري الإيراني، وهي النقطة التي يُحتمل أن تندلع فيها الحرب بين إيران وإسرائيل في سوريا أكثر من غيرها. وعلى ذلك، ينبغي على إدارة ترمب أن تؤكد على ضرورة أن تحتفظ المعارضة بالسيطرة على الحركة من أروقة جنوب غرب سوريا وإليها، وأن تحتفظ بحقها في وصول المساعدات الإنسانية إليها وفي التجارة مع الأردن عبر الحدود.

وإذا أراد ترمب أن يحقق هذه الأهداف، عليه أن يفرج عن المبلغ المجمد ومقداره 200 مليون دولار أميركي لدعم سوريا

ويخصص جزءٌ كبيرٌ من هذه الأموال لتدريب جماعات المعارضة المسلحة وتحويلها للقيام بدور قوات الأمن المحلية في هذه المناطق ودعم الحكم المحلي في تلك التجمُّعات. وتتميز تلك الجهود بأنها عملية وبراغماتية، ولا تعرقل مسار المفاوضات الجارية في الوقت الراهن بين الأردن وروسيا والولايات المتحدة فيما يتعلق بمستقبل منطقة جنوبي غرب سوريا، كما ينبغي أن تقدم مؤشراً على أن ترمب لا يزال مهتماً باستقرار هذه المنطقة.

وأخيراً، في ما يتعلَّق بإسرائيل، أبدى الجيش الإسرائيلي قدرته على ضرب أهداف إيرانية داخل سوريا. ويمنحها التهديد بتنفيذ غارات مستقبلية اليد العليا على طهران. غير أن هذه العصا ينبغي أن يظل التلويح بها مُتعقِّلاً وحذِراً. وبالقطع ستظل الولايات المتحدة تدعم إسرائيل، وإن كان عليها أن تشجِّع حليفتها على التحلي بضبط النفس.

كما ينبغي على واشنطن أن تتبع إستراتيجية تركز على احتواء النفوذ الإيراني في سوريا

هذا الأمر يتم من خلال استغلال الانقسامات بينها وبين شركائها على نحو يتسق مع القيود التي التزمت بها إيران في غير منطقة من الشرق الأوسط.

فنجاح الحرس الثوري الإيراني يعود إلى اقتناصه الفرص التي أُتيحت أمامه بفعل الحروب الأهلية في المنطقة، في لبنان أولاً وأخيراً في العراق وسوريا واليمن.

ودخل الحرس الثوري إلى تلك المناطق بالعمل مع شركاء محليين منحوه حريةً واسعة ونفوذاً للعمل بسبب تقاطع الأهداف.

ولكن هذا النفوذ بدأ يفتر، وهو ما ينبغي على الولايات المتحدة أن تستغله الآن

ولكننا شهدنا تغيُّراً في موضع تغول الحرس الثوري على نحوٍ أثار حفيظة شركائه المحليين؛ وربما وصل إلى طريقٍ مسدود في سوريا، وانحرفت مصالحه عن مصالح حلفائه. وينبغي أن تستغل الولايات المتحدة وشركاؤها هذه الفرصة.

تحميل المزيد