قامت بتجنيد إيرانيين ورفضت الاكتفاء بالضغط الاقتصادي والسياسي.. هكذا نفذت إسرائيل اغتيالات لعلماء البرنامج النووي لطهران

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/04 الساعة 14:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/04 الساعة 16:02 بتوقيت غرينتش
A scientist works at the International Atomic Energy Agency (IAEA) environmental sample laboratory in Seibersdorf April 24, 2013. The self-styled "Sherlock Holmeses" of the U.N. nuclear watchdog, now seeking access to a major Iranian base, say they have the capability to find tiny traces of atomic material at a site even if a country were to try to cover it up. Picture taken April 24, 2013. TO GO WITH STORY NUCLEAR-IAEA/LABORATORY REUTERS/Heinz-Peter Bader (AUSTRIA - Tags: POLITICS ENERGY SCIENCE TECHNOLOGY)

يتوجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أوروبا حيث من المنتظر أن يلتقي بزعماء مجموعة من البلدان، بهدف إقناعهم بالتخلي عن تشبثهم بالاتفاق النووي الإيراني، والانضمام إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي أعلن بداية مايو/أيار الماضي عن انسحابه من الاتفاق النووي.

وفي مقالة نشرتها مجلة The National Interest الأميركية كشفت عن محاولات سابقة لإسرائيل في تدمير البرنامج النووي الإيراني، من خلال استهداف مجموعة من العلماء الإيرانيين، واستعرضت المجلة مجموعة من عمليات الاغتيال التي اتهم جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" بالوقوف وراءها.

وتقول المجلة الأميركية في المقال الذي كتبه سيباستيان روبلين المتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية وخبير في حل النزاعات، إنه في الثاني عشر من شهر يناير/كانون الثاني من العام 2010، عندما كان البروفيسور مسعود علي محمدي يسير نحو سيارته المركونة بجوار منزله شمال طهران، ومرَّ من أمام دراجة بخارية صغيرة على جانب الطريق. كان محمدي (51 عاماً)، وهو عالِم في مجال فيزياء الجسيمات، مُنظِّراً إيرانياً بارزاً متخصصاً في نظرية الحقل الكمومي، وعُرِف بين أصدقائه باعتداله على الصعيد السياسي.

الدراجات "البخارية" حاضرة بجميع الاغتيالات

وأوضحت المجلة أنه عندما فتح البروفيسور باب سيارته، ضغط الشخص الذي كان يراقبه على زر في جهاز تحكم عن بعد. انفجرت الدراجة البخارية فجأة بقوةٍ تحطمت معها جميع نوافذ البناية المكونة من أربعة طوابق وتضم شقته. قُتِل مسعود على الفور، وأصيب زوج من المارة بالقرب من الانفجار. سار الشخص الذي ضغط الزر في جهاز التحكم عن بعد، على ما يبدو أنَّه كان رجلاً يُدعى أراش خيرادكيش، على مهلٍ نحو سيارة كانت تنتظره بالقرب من الموقع، لتبتعد به عن المكان.

تكهَّن البعض في البداية أنَّ الإيرانيين المتشددين نفذوا عقوبة قتل بحق بروفيسور إصلاحي. غير أنَّ مصادر استخباراتية إيرانية وغربية حملت سردية مختلفة للقصة: كان البروفيسور رمزاً هاماً في برنامج بحثٍ نووي يديره الحرس الثوري الإيراني.

وبعد تسعة أشهر، في صبيحة التاسع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، كان عالم فيزياء الكم مجيد شهرياري يقود سيارته في طهران ومعه زوجته الدكتورة بهجت قاسمي على المقعد الآخر، حين سارت بجواره عدة دراجات بخارية بالقرب من جادة آرتش. وفي الوقت الذي طوَّق فيه أحد قائدي هذه الدراجات سيارة شهرياري، جاء آخر (يُعتَقد أنَّه أراش خيرادكيش)، وألصق عبوة من متفجرات "سي 4" بباب السيارة المجاور لشهرياري، ثم عاود قيادة الدراجة وضغط زر التفجير.

وتسبب الانفجار في قتل شهرياري وجرح زوجته وزميلٍ آخر، بل وطال أحد القتلة الذين كانوا يقودون الدراجات البخارية، مما تسبَّب في تعرضه لجروح.      

وتضيف المجلة أنه في الوقت ذاته تقريباً، صدم قاتل فوق دراجته البخارية سيارةَ زميل لشهرياري يُدعى البروفيسور فريدون عباسي، أحد القادة البارزين لبرنامج البحث النووي الإيراني، عندما كان في انتظار شهرياري من أجل موعدٍ بينهما في جامعة الشهيد بهشتي. قفز عباسي وزوجته خارج السيارة قبل أن تنفجر الدراجة البخارية مباشرةً، ليتعرض البروفيسور لجروح خطيرة في وجهه ويده.

وبعد ثمانية أشهر، وتحديداً في الثالث والعشرين من شهر يوليو/تموز 2011، كان داريوش رضائي نجاد وزوجته يقودان سيارتهما ليُقِلّا ابنتهما أرميتا من روضة الأطفال. وفي الرابعة مساءً، أنزل طالب الدراسات العليا في مجال الهندسة الكهربائية زوجته وطفلته على الرصيف، وعندما كان عائداً إلى سيارته لركنها، اقترب منه رجلان ملتحيان وأطلقا عليه النار من مسدسات عيار 9 ملم. سكنت خمس طلقات في ذراع رضائي نجاد، ورقبته وصدره.

حاولت زوجته، شهرة بيراني، ملاحقة المهاجمين، لكنَّهما أطلقا النار عليها هي الأخرى. توفي المهندس بعد دخوله مستشفى رسالات بفترة وجيزة. فيما استعادت شهره عافيتها، وقالت في مقابلة لاحقة إنَّ ابنتهما البالغة من العمر خمسة أعوام تواصل رسم صورٍ للحظة قتل والدها.

إسرائيل ترفض إدانة عمليات الاغتيال

وحسب المقال فقد ذكرت زوجة داريوش في مقابلة أخرى لاحقة أنَّ زوجها المهندس كان عضواً في البرنامج النووي الإيراني وتلقى تهديدات من أشخاص مجهولين قبل وفاته. وجَّهت طهران أصابع الاتهام في مقتله نحو الولايات المتحدة وإسرائيل. وأنكرت الولايات المتحدة هذا الاتهام، بينما أعربت حسابات الحكومة الإسرائيلية بمواقع التواصل الاجتماعي عن عدم إدانتها للاغتيالات أياً كان مرتكبها، في أسلوب يوحي بضلوعها في الأمر.

وبعد ستة أشهر، أي في 11 يناير/كانون الثاني 2012 -قبيل الذكرى السنوية لمقتل علي محمدي- كان مصطفى أحمدي روشن، أحد خبراء تخصيب اليورانيوم، الضحية التالية الذي سيسقط أثناء قيادة سيارته في طريقه إلى عمله شرق طهران في سيارة بيجو 405.

ظهر نائب مدير منشأة نظنز في صورةٍ بصحبة رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آنذاك، محمود أحمدي نجاد. ولعل عديداً من القتلة تعقبوا روشن، بمن فيهم خيرادكيش. وألصق واحدٌ من القتلة لغماً مغناطيسياً في سيارة روشن، لينفجر اللغم ويتسبب في مقتله، إلا أنَّ زوجته، التي كانت تجلس بجواره، نجت بحياتها.

اعتقال بطل ملاكمة اعترف بتلقيه تدريباً ومبلغاً مالياً من الموساد

لكنَّ عملاء مكافحة التجسس بوزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية كانوا يضطلعون بدورهم على ما يبدو. ففي 2011، يُقال إنه بفضل مساعدة من دولة ثالثة، اعتقلت وزارة الاستخبارات والأمن ملاكماً طموحاً يبلغ من العمر 24 عاماً يدعى مجيد جمالي فاشي، الذي ادَّعى أنَّه وضع المتفجرات في الدراجة البخارية التي تسببت في مقتل مسعود علي محمدي.

ظهر فاشي على التلفزيون العام واعترف بتلقيه تدريباً ومبلغ 120 ألف دولار من الموساد، وهي وكالة التجسس الإسرائيلية الضالعة في عشرات الاغتيالات على مدى أعوام، بما في ذلك اغتيال علماء صواريخ ألمان، ومنفذي عملية أولمبياد ميونيخ، والمهندس الكندي جيرالد بول، مُطوِّر مشروع "مدفع بابل" العراقي.

وفي مايو/أيار 2012، أُعدم فاشي شنقاً، وأعلنت طهران أنَّها اعتقلت ثمانية إيرانيين وست إيرانيات ضالعين في الاغتيالات. وبثَّت وسائل الإعلام الإيرانية وثائقياً استمر نصف ساعة، يُصوِّر عرضاً درامياً لاعترافاتهم. وتفيد تقارير أنَّ هؤلاء الإيرانيين جيء بهم من أعضاء مجاهدي خلق أو المتعاطفين مع هذه الحركة، وهي جماعة معارضة ضد الحكومة الإيرانية تنتهج العنف.

وفي هذه الرواية، يقول العملاء إنَّهم تلقوا تدريباً لخمسة وأربعين يوماً في إسرائيل، ثم عملوا في فرق متعددة الخلايا تجسست بدقة على ضحاياها لتحدد روتينهم ثم نفذت الضربة استناداً إلى تعليمات من مُوجِّهيهم الإسرائيليين.

مصادر استخباراتية إسرائيلية تؤكد وقوفها وراء الاغتيالات

تشتهر قوات الأمن الإيرانية بسمعة سيئة تتعلق باستخدامها التعذيب، والاعتداء الجنسي، والتهديد بإيذاء الأقارب، والإجبار على الإدلاء باعترافات علنية غير صحيحة. بيد أنَّ مصادر مجهولة في الاستخبارات الإسرائيلية والدوائر الدبلوماسية الأميركية أبلغوا وسائل الإعلام بأنَّ إسرائيل كانت فعلاً وراء حملة الاغتيالات التي كان فاشي قد أدلى حولها باعترافات حقيقية في العموم على الأقل، وأنَّ إسرائيل كانت تدرب حقاً أعضاء من مجاهدي خلق كي يكونوا عملاء لها في إيران.

واشنطن تضغط لوقف الاغتيالات

وفي عام 2014، كشف صحفي أنَّ واشنطن ضغطت على إسرائيل لوقف الاغتيالات، التي كانت تهدد بتعطيل محاولات التفاوض على الاتفاق النووي الإيراني مع طهران. وقبل ذلك، قيل إنَّ الرئيس بوش غَضِب عندما علم أنَّ إسرائيليين متنكرين بهُويات عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) جنَّدوا إيرانيين في باكستان لتنفيذ حملتها التخريبية وحملة الاغتيالات في إيران.

من المؤكد أنَّ الروايات الإيرانية الحكومية والروايات التي تنقلها مصادر إسرائيلية مجهولة قد تكون متعمدة وأقل موثوقية. فيبدو ممكناً على سبيل المثال أن يكون هؤلاء الإيرانيون المتورطون في الاغتيالات يعملون بجوار عناصر نشطة من وحدة "كيدون"، وهي وحدة نخبة للاغتيالات داخل الموساد . وتشير بعض الروايات إلى أنَّ الهجمات ربما تكون قد توقفت، لأنَّ مزيداً من الاغتيالات كانت ستشكل خطراً كبيراً، وأيضاً لأنَّ الأهداف الباقية كانت خاضعة لحراسة شديدة.

يوجد أيضاً حالات غامضة لوضعها بالاعتبار. ففي فترة سابقة، وتحديداً في 15 يناير/كانون الثاني 2007، مات العالم الإيراني أردشير حسن بور ميتةً غامضةً في أصفهان، بسبب "تسمم بالغاز". ادَّعت صحيفة هآرتس الإسرائيلية ومجلة ستراتفور الأميركية أنَّ موت حسن بور كان من تدبير الموساد، فيما أنكرت الحكومة الإيرانية ومصادر في الموساد مزاعم التورط في قتله.

الاغتيالات جزء من استراتيجية وضعها نائب رئيس الموساد

وبعد أعوام، ادَّعت أخت حسن بور بدلاً من هذا أنَّ البروفيسور قُتِل على يد الحرس الثوري الإيراني لرفضه العمل في البرنامج النووي. وفي عام 2015، ادَّعى الأمن الإيراني أنَّه أحبط ضربة أخرى للموساد. ويبدو أنَّ المصادر الإسرائيلية لم تخرج لتؤكد أي الروايتين.

وفي عام 2008، عرض مقال للكاتب الإسرائيلي رونين بيرغمان، نُشِر في مجلة Politico الأميركية، التاريخ الأطول لحملة الاغتيالات الإسرائيلية، وعرَّفها بأنها "الشق الخامس" لاستراتيجية تتكون من أربعة أجزاء وضعها في 2003 تامير باردو، الذي كان آنذاك نائباً لرئيس الموساد، مئير داغان.

كان التصور يدور حول الضغط على إيران للتخلي عن برنامجها النووي باستخدام العقوبات الاقتصادية، والضغط الدبلوماسي، ودعم الأقليات وجماعات المعارضة في إيران، ومنع وصول التكنولوجيا النووية الرئيسية. بالرغم من أنَّ الحملة الأوسع تضمَّنت تعاوناً وثيقاً مع الولايات المتحدة، التي اشتُهِر تعاونها من أجل تطوير فيروس الحاسوب ستكسنت المسؤول عن تدمير مئات من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية.

وحسب المجلة فقد كانت إسرائيل وحدها متورطةً في التخطيط للاغتيالات، التي تزعم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أنَّها لم تكن مستعدة للمشاركة فيها وفضَّلت ألا تكون على دراية بها. (يقدم بيرغمان أيضاً روايات بديلة لمقتل رضائي نجاد، إذ يزعم أنَّ قائد دراجة بخارية واحداً فقط هو مَن تعقبه، وأطلق عليه النار عندما كان يقترب من منشأة الإمام علي).

يزعم بيرغمان أنَّ الحملة كانت ناجعةً في إرهاب العلماء الإيرانيين كي يتجنبوا العمل في البرنامج النووي الإيراني أو ينفصلوا عنه، وتسبَّبت في اتخاذ إيران تدابير أمنية مكلفة ومستهلكة للوقت من أجل حماية علمائها ومحاولة التخلص من الخونة والمزعجين.

وتشير روايته إلى أنَّ داغان رأى في الاغتيالات طريقة لمنع خطوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتنفيذ هجوم جوي مباشر على المواقع النووية الإيرانية، وهي الإجراءات التي ارتأى داغان أنَّها كارثية.

محاولات إيران الانتقام فشلت باستثناء واحدة

غير أنَّ حملة الموساد تسبَّبت في تخطيط الحرس الثوري الإيراني لتنفيذ سلسلة من الهجمات الإرهابية العقابية حول العالم باستخدام ذراعه المنوط بتنفيذ العمليات السرية، الذي يُسمَّى الوحدة 400.

ولما كانت هذه العمليات تُخطَّط تخطيطاً سريعاً وأخرق، فشلت جميع هذه المخططات التي تقترب من عشرين مخططاً، فيما عدا واحد منها، وفي الغالب كانت تفشل بطريقة مذهلة. إذ كان "النجاح" الوحيد الذي حققته هذه الحملة هو قتل خمسة سياح إسرائيليين وسائق محلي في 18 يوليو/تموز 2012، في تفجيرٍ انتحاري نفذه حزب الله في مطار بورغاس ببلغاريا.

لم تستمر حملة الموساد بعد 2012، على الرغم من أنَّ مصادر في الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية تزعم أنَّها كانت ناجعة في إبطاء وتيرة تقدم البرنامج النووي الإيراني. وعلى الرغم من أنَّ الدبلوماسيين ومسؤولي الاستخبارات الأميركيين تنصلوا من الاغتيالات، عبَّر بعض الساسة عن دعمهم لاغتيال العلماء.

وبعد كل ذلك، يقول المنطق إنَّ هذه الاغتيالات محددة الأهداف تسبَّبت في مقتل عدد من المارة أقل بكثير مما كانت ستفعله الصواريخ التي تُطلَق في صراعٍ عسكري أوسع.

بيد أنَّه من الصعب إنكار استخدام الحملة لتكتيكات يمكن وصفها في الغرب بـ"الإرهاب" أو "الاغتيال" إذا ما نُفذِّت ضد علماء إسرائيليين أو أميركيين منخرطين في أبحاث الأسلحة. ويبدو أنَّ الاغتيالات لا تُدان أو تُمتدَح وفقاً للوسائل التي نُفِّذت بها، بل استناداً إلى هُوية مَن خطَّط لها.

ويتبقى أن نرى ما إذا كان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، الذي يمكن ربطه بالفعل بحرب وكالة متصاعدة في سوريا، سيشهد مواصلة الحرب السرية الغامضة بين إسرائيل وإيران.

 

 

تحميل المزيد