نجحت المظاهرات التي عمت مدناً أردنية منذ نحو أسبوع، في الإطاحة بالحكومة الإثنين 4 يونيو/حزيران 2018، وهي الاحتجاجات التي خرجت تنديداً بزيادة الضرائب والأسعار المقترحة، في بلد يعاني منذ أعوام، تراجع مستويات المعيشة وارتفاع الأسعار، لكن السؤال الذي يبقى مطروحاً هو: هل ستقدم الحكومة المقبلة، التي سيشكلها رئيس الحكومة الجديد المكلف عمر الرزاز، على تغييرات في صالح المحتجين؟
صحيفة The New York Times الأميركية ترى أن الحكومة لم تقدم أي إشارة على أن استقالة هاني الملقي، الذي شغل منصب رئيس الوزراء عامين، ستسفر عن أي تغيير فيما يتعلق بإجراءات التقشف المدعومة من صندوق النقد الدولي. كما أن رحيله قد لا يرضي المحتجين الذين طالبوا باستبدال الحكومة بأكملها إضافة إلى التراجع عن الزيادات المقترحة.
وتضيف الصحيفة أن الملك عبد الله الثاني يسيطر على تشكيل الحكومة، ويتولى مسؤولية تعيين رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة وأعضاء مجلس الشيوخ، ولا يملك مجلس النواب المنتخب سوى تأثير محدود على سياسات البلاد.
المعيشة في عمّان أغلى من دبي ولندن وواشنطن
وتتضمن الزيادات المقترحة رفع ضريبة الدخل على العاملين بـ5 نقاط مئوية على الأقل، وعلى الأعمال التجارية بنحو 20 إلى 40 نقطة مئوية. يأتي هذا في الوقت الذي يبدو فيه الوضع الاقتصادي للبلاد قاتماً، مع زيادة معدل البطالة الرسمي على 18% وارتفاع معدل الفقر فوق ذلك. ويعيش مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في الأردن، ما يفاقم من مشاكل البلاد الاقتصادية.
وتوضح الصحيفة الأميركية أنه في الأعوام الأخيرة، شهدت الأسعار في الأردن ارتفاعاً مطرداً في الوقت الذي لم تتغير فيه الدخول. وتصنف عمان باعتبارها المدينة العربية الأغلى؛ إذ تزيد تكلفة المعيشة فيها على مدن أكثر ثراء مثل دبي ولندن وواشنطن، بحسب وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لـ"الإيكونوميست".
وقال فارس بريزات، مدير مركز نما للدراسات الاستراتيجية في عمّان، وهو مركز استشاري وبحثي واستطلاعي: "لقد فشلت الحكومات المتعاقبة في أعين العامة. إن هذا بيان حول سوء التخطيط والتنفيذ للسياسات الاقتصادية العامة".
ونظمت أكثر من 30 نقابة عمالية ومجموعة مهنية إضراباً يوم الأربعاء 30 مايو/أيار 2018، هو الأضخم من نوعه في الأعوام الأخيرة؛ احتجاجاً على مشروع القانون، الذي وصفوه بأنه عقاب للفقراء وللطبقة الوسطى. خرج الأطباء من المستشفيات بالمعاطف البيضاء، وخرج المحامون من قاعات المحاكم بمعاطفهم السوداء، وأغلق أصحاب المحلات متاجرهم، معلقين لافتات كُتب عليها "المتاجر مغلقة. نحن مُضربون".
وبعد مرور يوم واحد، رفعت الحكومة أسعار الوقود بما يزيد على 5% وأسعار الكهرباء بنحو 19%، ليتحول الإضراب إلى احتجاجات ضمت آلاف المواطنين في شتى أنحاء البلاد، في مظاهرات هي الأضخم من نوعها منذ الربيع العربي في عام 2011.
أوامر ملكية لم تقنع المحتجين
وتشير The New York Times الأميركية إلى أن العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، أمر الحكومة بتعليق زيادة أسعار الطاقة، إلا أن المظاهرات استمرت، وجذبت مجموعات متنوعة من الشباب من العاطلين والنساء وأصحاب المحلات والعائلات والبدو وحتى المهتمين بالتكنولوجيا.
كما كانوا حريصين على إظهار عدم انتمائهم إلى خلفية سياسية أو ديموغرافية بعينها، وأنهم فقط ممثلون لطائفة واسعة من الفقراء وأفراد الطبقة المتوسطة من الأردنيين. ولم يرتفع بين الحشود سوى عَلم البلاد، كما قال المحتجون أيضاً إنهم يدافعون عن ضباط الشرطة كذلك.
وتعالى هتاف الحشود في عمان، مخاطبةً الحكومة: "هل تسمعوننا؟ اسمعونا الآن. جئنا لنقول إنكم لم تتركوا لنا شيئاً. نحن مفلسون. الشعب يريد إسقاط الحكومة".
انخفاض المساعدات الأميركية والخليجية
وتشير الصحيفة إلى أن الأردن، الذي لا ينتج النفط أو الغاز الطبيعي، يعتمد بشكل كبير على المساعدات القادمة من الولايات المتحدة والدول العربية الغنية بالنفط في الخليج العربي. وكان الحفاظ على استقرار الأردن من أهم أولويات الولايات المتحدة في المنطقة سنوات طويلة، إلا أن العام الماضي، شهد خفض دول الخليج مساعداتها للأردن؛ مما أدى إلى تدهور الأوضاع هناك.
وتعتبر الزيادة المقترحة في الضرائب والأسعار هي الأحدث في سلسلة من إجراءات التقشف التي فرضها الأردن منذ عام 2016، عندما تلقى قرضاً من صندوق النقد الدولي بقيمة 723 مليون دولار مدته 3 سنوات.
ويقول الصندوق إن هذه التضحيات ستقلص ديون الحكومة البالغة 35 مليار دولار، وستدفع بالإصلاحات الاقتصادية قدماً وتُشجع النمو.
وبينما يتعلق معظم الغضب الشعبي بالاقتصاد، يقول بعض الخبراء إنه يتعلق أيضاً بالتراجع المطرد في الحريات منذ الربيع العربي، وغياب التغيير الديمقراطي واستفحال الفساد. ويلقي المتظاهرون باللائمة على السياسيين لتبديدهم الأموال العامة.
ويقول شون إل يوم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تمبل والذي يدرس حكومات الشرق الأوسط: "يريد المتظاهرون أيضاً عقداً اجتماعياً متغيراً"، ويضيف: "تطلب الدولة الأردنية من المواطنين دفع المزيد من الأموال والتقشف في معيشتهم، لكنها لا تقدم في المقابل تنازلات سياسية أو المزيد من الديمقراطية".
ووفقاً للدكتور بريزات، من مركز نما للدراسات الاستراتيجية: "تظهر الاستطلاعات انخفاضاً كبيراً في ثقة المواطنين بالحكومة، لا سيما في العام الماضي".